آكلو لحوم المعارضة
بقلم فاطمة ناعوت
السيد الرئيس، ها مَظلَمةٌ، أرفعُها، لا عند قصر الرياسة مع الآلاف من ذوى المظالم والحاجات، بل هنا، عبر قلمى. قبل عرض مَظلمتى، أسألك: هل تؤمن بالمعارضة؟ تلك التى آمن بها الصِّدّيق الشريف أبوبكر، حين حمل التَبعة قائلاً: «إنْ أحسنتُ فأعينونى، وإن أسأتُ فقوّمونى». وما التقويمُ إلا المعارضة؟ حسناً. اتفقنا إذن أنك تؤمنُ بها، بل تطلبها كما طلبها الخليفةُ الأول. أنتقلُ للمظلمة. ثمة ظاهرةٌ عجيبةٌ آخذةٌ فى الاستشراء الآن فى مصر. عمليةٌ شعبيةٌ مُنظمةٌ، وشرسةٌ، لوأد «المعارضة»! وهل يستقيمُ حكمٌ دون معارضة؟! وهل أنقذ فرنسا من تجبُّر الإقطاعيين، وتغوُّل رجال الدين الكاثوليك، إلا أولئك المعارضون الجالسون فى البرلمان على «يسار» الملك لويس السادس عشر، فنالوا لقب «اليساريين»، وانتقلتْ بهم فرنسا، وأوروبا، من الظلام إلى النور؟
أحملُ لك رسالة الداعية وجدى غنيم، عبر فيديو على يوتيوب أعطاه عنوان: «نصيحتى لفخامة الرئيس مرسى». وأعلم أنكَ، مثلى، تكره ألقاباً مثل: «فخامة»، «جلالة»، التى هى لله وحده. دعكَ من هذا. يُنمى غنيم إلى علم «فخامتكم» أن مَن يعارضونك من «النخبة»، ليسوا إلا: «صراصيرَ وخنازيرَ وفئراناً تعيش فى النجاسة»! وينصحك بأن: «تدوسنا بـجزمة متعاصة نجاسة، لأنهم ليسوا إلا (جزمًا) توصلك البيت، فتخلعها دون أن تقول لها: شكرًا. ثم ترميها وتستبدل بها سواها». أعتذرُ للقارئ وللجريدة ولك عن تلك المفردات، فلستُ إلا ناقلةً لها، بتهذّب، لأن مفرداته أبشع ألف مرة. وها هو الرابط للتوثّق:
ولم ينسَ فى نهاية الفيديو أن يطلب عودته إلى مصر بعد عودة الشيخ عمر عبدالرحمن. أسمعُك تقول: «دعكِ منه، إنْ هو إلا من الغُلاة». وأجيبُك بأن له مريدين وأتباعاً قد يتولّون عنك دهسنا بالأحذية؛ إذ يعتبرون كلَّ ما ينطق به فتاوى شرعيةً واجبةَ النفاذ. على أننى سأستجيبُ وأدعنى منه. ولكنْ، كيف أدعنى من ملايين المصريين الطيبين الذين يخلطون بين انتقاد «الرئيس» وانتقاد «الإسلام»؟ أولئك الذين أقنعتهم جماعتُكم الإخوانية، وجماعاتُ السلفيين والجهاديين بأن انتخابك واجبٌ شرعىٌ عكسه معصيةٌ وعذابُ القبر، وأن انتقاد «الإخوانىّ» انتقادٌ للإسلام ذاته؟! أولئك الطيبون مستعدون لنهشنا بأسنانهم إن رفضنا، مثلاً، قول السيد مهدى عاكف: «إن الشعبَ المصرىَّ (أهبل) يقوده الإعلام!» أو لو استنكرنا قول القمّص صليب متّى: «مرسى لم تأتِ به الصناديق، بل هو اختيارُ السماء!»، أو لو تساءلنا ببراءة: «كيف يكرّم الرئيسُ المستشارَ عبدالمعزّ إبراهيم، المتورّط فى تهريب أمريكان متهمين فى قضية التمويل الأجنبى، ويمنحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى؟!».
لم نرَ هذا فى عهد الرئيس «المؤمن» محمد أنور السادات، ولا فى عصر الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك! كلاهما انتُقِدَ علنًا، فى المقالات والمقاهى، وغاية الأمر أن يُطارَد من أمن الدولة، لكنه أبداً لم يُطارَد من «الناس»، ولم يُرمَ بالكفر والزندقة لمعارضته الحاكم! تلك ظاهرةٌ خطرةٌ مستحدثةٌ على شعبنا، نستنكرها، لاسيما بعد ثورة ثارت بالأساس على الشمولية وتأليه الحاكم!
السؤال للسيد الرئيس: هل نمارس بأمان (حقَّ وواجب) المعارضة، بوصفها الضمانةَ لسلامة الوطن، ولقوامة حكمك، وبوصفها خصيمَ الشمولية، أم «نجبنُ» ونصمُت، «والصمتُ مقصلةُ الضمير»، خوفاً من الدهس بالأحذية؟
المصرى اليوم