«الْمَحَبَّةُ لاَ تَظُنُّ السُّوءَ»
(1كورنثوس 13: 5)
هناك فرق بين الظن أن الآخرين أساءوا إلينا، والتأكد أنهم أساءوا إلينا فعلاً. ويعلمنا القول المبارك: « الْمَحَبَّةُ لاَ تَظُنُّ السُّوءَ » أن نتأكد من كل حقيقة قبل أن نُصدر حكماً فيها، لأن ظن السوء يؤذينا ويؤذي غيرنا. والمحبة لا تظن السوء لأنها تتأنى وترفق، فلا تصدر أحكاماً سريعة، بل تعطي نفسها فرصة لتتأكد.
قلنا إن كورنثوس الأولى 13، مزمور المحبة، يقع بين أصحاحين يتكلمان عن أصحاب المواهب الروحية التي نالوها كعطية من الروح القدس، فكأن الرسول بولس يقول لهؤلاء: يا أصحاب المواهب الروحية، لا تظنوا سوءاً في بعضكم البعض، لأننا كلنا أعضاء البعض، وأفراد عائلة واحدة رأسها المسيح. فلا تصدروا أحكاماً سريعة، بل تأنوا وترفقوا ببعضكم.
ما هو ظن السوء؟
ظن السوء هو أن نفسر كلمات وأفعال الآخرين تفسيراً سلبياً، وأن نحكم عليهم أحكاماً ظالمة دون أن تكون لنا أدلة على ذلك.
(أ) ننسب إليهم السوء في أقوالهم وأعمالهم وصفاتهم: وهذا يخلق في داخلنا من نحو الشخص الذي نسيء الظن به موقفاً فكرياً سلبياً يحدد معاملاتنا معه اليوم وغداً! وتظل الصورة السيئة لذلك الشخص عالقة في ذهننا بدون تغيير، لأننا نظن به السوء.
(ب) نتوقع السوء من الشخص الذي أسأنا الظن به: وكأننا نلبس نظارة سوداء كلما نظرنا إليه. ومهما أحسن التصرف فإننا نعزو حُسن تصرفه إلى غايات وأهداف شريرة. وما أن يحدث خطأ حتى يتبادر اسمه إلى فكرنا باعتبار أنه هو الذي ارتكبه، ونتنبأ دوماً بردِّ فعله الخاطئ على أي عمل صالح نقوم به. وأسوأ نتائج هذه الحالة أن صاحب الظن السيء عندما يتطرف في سوء الظن سرعان ما يحتاج لعلاج نفسي، لأنه يتعب من توقُّع خيانة الناس له، وطمعهم في ما يملك، وسرقتهم لما عنده، وارتكاب كل أمرٍ شرير يؤذيه!
(ج) ننمي أفكار السوء من نحو الآخرين: فنفسر مواقفهم البسيطة بتعقيد، ونلوِّن مواقفهم الرمادية اللون غير الواضحة بعد، باللون الأسود. ويزيد الأمر سوءاً حتى نفسر مواقفهم البيضاء بأنها سوداء.
لهذه الأسباب الثلاثة المؤلمة نحتاج إلى المحبة التي « لاَ تَظُنُّ السُّوءَ » لأنها تنقذ حياتنا الإيمانية والاجتماعية والنفسية، وتريحنا من المشاكل مع الذات والمجتمع. فالكتاب المقدس ليس كتاب أخرويات فقط، رغم أنه يتكلم عن مجيء المسيح ثانية والحياة الأبدية. لكنه كتاب الحاضر الذي يلمس حياتنا اليومية بما يوجه إليه علاقاتنا مع أنفسنا مع الآخرين.