فصار قول الرب الى أشعيا قائلاً
إذهب وقل لحزقيا هكذا يقول الرب إله داود أبيك
قد سمعت صلاتك . قد رأيت دموعك . ها نذا أضيف الى أيامك خمس عشرة سنة
أش 4:38
للملك حزقيا سيرة طاهرة أمام الله ، عمل في وصاياه بغيرة وإيمان فأرضاه ولم يكن هناك ملك آخر غيره ألتصق بالرب ولم يحد عنه ، لهذا كانت يد الله معه . كان شعبه يعيش في أمان في فترة ملكه . تمرض حزقيا مرضاً كاد يؤدي به الى الموت فحزن كثيراً وزاد حزنه أيضاً بسبب أنذار الرب له بأنه سيموت فعليه أن يعطي وصيته لمن بعده لأنه لا يعيش . تألم حزقيا بسبب الخبر فوجه وجهه الى الحائط يصلي الى الرب صلاة قلبية حارة وبكى بكاءً مراً . سمع الرب صلاته ورأى دموعه الغزيرة فقرر أن يضيف الى عمره الذي كان على وشك أن ينتهي 15 سنة فأرسل اليه نبيه أشعياء ليبشره بالشفاء " أش 4:38 " .
اله يخفي ساعة موت الأنسان لكي لا يعيش في قلق ويقلق لأجله الآخرين ، وكذلك لكي يعيش مستعداً للموت في أي لحظة ، كذلك الله لا يعلن ساعة الموت للأنسان لأنها رهيبة ومخيفة . لكن الله يعلن تلك الساعة للكثيرين من قديسيه ومنهم حزقيا الملك الذي كان رجل كلمة الله ورجل الأعمال الصالحة . ومن جهة أخرى نقول ، أن معرفة الأنسان لساعة موته ستكون لمصلحته لكي يتوب فيستعد لملاقات الرب مع تدبيره لأموره البيتية مع أعطاء الوصية الأخيرة لأهل بيته . لهذا أرسل الله الى حزقيا لكي يوصي بيته لأنه لن يعيش . لذلك نقرأ بأن النبي داود عندما اقتربت ساعة موته أوصى ابنه سليمان قائلاً ( أنا ذاهب في طريق الأرض كلها فتشدد وكن رجلاً . إحفظ شعائر الرب إاهك إذ تسير في طرقه وتحفظ فرائضه ووصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب في شريعة موسى لكي تفلح ) " 1مل 2: 1-4 " .
تحدث حزقيا الى الله في صلواة طويلة وحزينة معاتباً الرب ، فقال ( آه يا رب أذكر كيف سرت أمامك بالأمانة وبقلب سليم وفعلت الحسن في عينيك ... ) " أش 3:38 " كما قال في نشيد شكره للرب ( أنا قلت في عز أيامي أذهب الى أبواب الهاوية قد أعدمت بقية سنيّ ) " أش 38 " . لم يفكر حزقيا في أمر القيامة لأنها لم تكن معروفة في ذلك العهد حيث كانت مجهولة وغامضة حتى في عصر التجسد ، لهذا كان الصدوقين ينكرون أمر القيامة ( طالع لو 27:20 " مع العلم أن هناك آيات في العهد القديم تشير الى موضوع القيامة كقول أيوب في " 25:19 " ( أما أنا موقن أن فادي حي ، وأنه لالدفي النهاية أن يقوم على الأرض . وبعد أن يفنى جلدي . فإني بذاتي أعاين الله ) أما دانيال النبي فيقول ( وكثيرونمن الرافدين في تراب الأرض يستقظون . هؤلاء الى الحياة الأبدية ، وأولئك الى العار للأزدراء الأبدي ) "2:12 " . أما في العهد الجديد فصارت واضحة وشهية وبركة وربح للمؤمنين بالمسيح القائم من بين الأموات . شفي الله حزقيا بمعجزة ، فأمر الشمس بالرجوع الى الوراء عشر درجات ، فكتبحزقيا هذا النشيد الرائع في عشر سطور في سفر أشعيا النبي " 38: 10-20 " تحدث فيه على أنه كان على وشك الموت في عز أيامه وكاد يترك هذا العالم وبدون عودة فكرر مرات عديدة قائلاً ( النهار والليل يفنيني ) وهكذا أدرك له الله نهاية خاصة واعطاه علامة على معجزة الشفاء بمعجزة أخرى هي ارجاع ظل الدرجات الشمسية عشر درجات الى الوراء " أش 8:38 " وهذه هي المعجزة الرابعة في حياته بعد محاربة الرب عنه جيش سنحاريب . ومعجزة شفائه وكذلك معجزة أضافة الرب 15 سنة على عمره ، ومن ثم أعطاه علامة عجيبة أخرى وهي أرجاع الشمس عشر درجات والتي تشبه معجزة يشوع بن نون عندما كان يقاتل شعوب بني كنعان فطلب من الرب أن يأمر بأيقاف الشمس في السماء يوماً كاملاً ففعل " يش 12:10 " .
الآن نسأل ونقول ، هل كان لمصلحة حزقيا زيادة عمره ؟
جوابنا يأتي بعد أن نتناول كل الأحداث التي طرأت بعد شفاء الملك من مرضه . وبعد قراءة الأحداث خلال خمسة عشر سنة لكي نتطلع على كل الأحداث فنقول ، تلك السنين أساءت الى سيرته وتاريخه وكذلك الى شعبه الذي سبي الى بابل بعد مماته ولمدة سبعين سنة . ففي السنة الأولة من تلك السنين الأضافية أنجب الملك حزقيا أبنه الشرير جداً ( منسىّ ) الذي كان من أشر الملوك في تاريخ سبطه ، حيث ارتكب كل الجرائم ومن أشرها قتل نبي الله أشعيا ، قتلةً شنيعة حيث نشره بالمنشار .
أما الجريمة الثانية التي أقترفها الملك حزقيا فهي ، أرسل ملك بابل وفداً اليه لكي يهنئونه على الشفاء وقدموا له الهدايا . يقول الكتاب ( تركه الله ليختبر سرائر قلبه ) " 2أخ 36:32 " حزقيا لم يفكر لما لله بل لما لهذا العالم ، لهذا فرح بالهدايا فانتفخ متكبراً أمامهم فتقدم الى اقتراف جريمة كبيرة بسبب كبريائه ولكي ستباهى بخزائنه فأراهم ذخائر الفضة والذهب والأطياب وكل ما في بيته ، وأسلحته ، وكل ما كان موجوداً في خزائنه وفي كل ملكه ! كان عليه أن يبادل الشكر بالشكر والهدية بالهدية ، هكذا اقترف خطأً كبيراً بإعلان ما عنده لأعدائه وأعداء الله فغضب عليه الرب وارسل اليه النبي أشعياء ومعه رسالة محزنة ، قائلاً ( أسمع قول الرب ها أيام تأتي ينقل فيها الى بابل كل ما في قصرك مما أدخره أسلافك ولا يبقى منها شىء . ويسبي بعض أبنائك الخارجين من صلبك ليكونوا خصياناً قصر ملك بابل . فقال حزقيا لإشعياء : " صالح هو قول الرب الذي أعلنته " . ثم حدث نفسه : " ليكن فقط سلام وأمن في عهدي " . ) " 39: 3-8 " وهذا يعني أنه لم يكترث بسبب أنانيته لأن هذا لم يحصل في أيامه الباقية ، بل في أيام أبنائه . أما النتيجة فكانت ضياع كل أمواله وثروته وميراث آبائه وكل خزائن الهيكل المقدس .
في الختام نقول كان حزقيا الملك رجل صلاة وأهتم بجمع أمثال جده سليمان الملك وأدرجها في الكتاب المقدس . وكان قريباً من الرب دائماً ويعمل له بغيرة وأيمان . وكل أعماله كانت صالحة . كما كان رجل الأصلاحات والبناء . قاوم عبدة الأصنام وكسر تماثيلهم وكان دائماً يتكل على الله لكن بعد أن أطال الله في عمره كان عليه أن يعمل في حياته المحددة الباقية التي يعرف نهايتها أعمالاً تزيد حرارة ونقاوة من أعماله السابقة . لكننا لاحظنا العكس ، فعمل أعمالاً لا تليق بسيرته السابقة ولم يستطيع تربية أبنه منسى في مخافة الله لكي يقتدي به ويسير في طريقه نحو الرب ، بل أساء اليه والى الله بارتكابه أبشع الشرائر في زمن حكمه .