رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب القديس ثيؤفان الحبيس، من آباء روسيا القمص أثناسيوس فهمي جورج مقدمة لقد وهب الرب لكنيسته آباء عظام يعملون باسمه ولحسابه لا بإمكانياتهم البشرية بل بنعمته وبحسب مسرته، مضيئين بزيت البهجة في الجهاد وأتعاب النسك والسهر والقداسة. عملوا بلا رخاوة في حقل الرب وسلكوا نحو السماويات ليلًا ونهارًا فتعطرت برائحتهم الطيبة كل الأرجاء، كالنخلة يزهرون وكمثل أرز لبنان ينمون. أغنوا الكنيسة بمؤلفاتهم القيّمة وكتاباتهم الحية التي عملوها وعلَّموا بها، فأعطوا للكنيسة دفقًا جديدًا وأنموها بوفرة، فمِنهم وبواسطتهم أخذنا وتسلمنا التعليم الإنجيلي مشروحًا ومعاشًا، ومن الحياة التي ننهلها منهم تعيش الكنيسة اليوم. وكما أنَّ الأشجار المثمرة من باطنها في أوان الإثمار تُبرز الثمر مع الورق، كذلك كل مُعلِّم في الكنيسة يحمل ثماره (أعماله) وأوراقه (كلامه): الشهداء يحملون فخر صبرهم وعذاباتهم، والنساك يحملون أتعابهم ونسكهم الساهر، والمعلمون يحملون أثمار المعرفة الإلهية غير الزمنية. كانت مخافة الله ينبوع حياتهم وتنقية عقولهم وصيانة نفوسهم ونعمة تصرفاتهم ومديرة سلوكهم، تُنمى محبتهم وعشرتهم وتقطع شهوتهم، فصاروا مغبوطين لأنَّهم صنعوا مشيئة خالقهم مثل نور يرشدوننا إلى الخلاص، وكمدينة حصينة فوق جبل كسراج على منارة يهدى أقدامنا في الطريق. ومن بين هؤلاء الآباء تأتى سيرة الأب ثيؤفان الحبيس والمعتبر من أشهر الآباء النساك الروس، الذي اشتهر بمحبته للخدمة وبمساعدته للمحتاجين كما عشق التأمل والوحدة (الحبس). زار الأديرة القبطية واقتنى المعرفة الآبائية فصار فيلسوفًا وواعظًا ومربيًا ومعلمًا ومرجعًا في علم الباترولوچى،وجاءت كتاباته نسكية عملية بل ومن روائع الأدب النسكي الروسى. إنَّنا نقدم سيرته العطرة ضمن سلسلة آباء الكنيسة ΙΧΘΥΣ بمناسبة اليوبيل المئوي للكلية الإكليريكية القبطية، فالمتأمل في الدور الذي تقدمه الإكليريكية يلحظ بوضوح أنَّ التعليم الإكليريكي يتمتع بمكانة متميزة في بؤرة شعور المعنيين بالخدمات التعليمية، لذلك نتمنى مزيد من خطط التطوير في المناهج وفي أساليب التدريس والبحث وفي التلمذة الروحية التي تضمن للإكليريكية الاستمرار والفاعلية بنفس قوة البدايات وحماستها ووضوح رؤيتها. والكنيسة كلها ترنو إلى شخص الجالس على عرش مارمرقس الرسول قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث الذي يقود مسيرتها نحو أورشليم السمائية.. الله أبونا السماوي يُنهض حياتنا لنخدمه ما يليق بجلاله.. له المجد والكرامة من الآن إلى الأبد آمين. |
07 - 06 - 2014, 03:43 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس ثيؤفان الحبيس، من آباء روسيا
سيرة القديس ثيؤفان الحبيس * THEOPHAN THE RECLUSE يقول سرجيوس بولشاكوف في كتابه "النساك الروس": "إنَّ القديس ثيؤفان الحبيس Феофан Затворник هو أعظم كاتب روسي في الموضوعات النسكية، ليس فقط في القرن التاسع عشر، بل في تاريخ روسيا كله، وهو لم يكن مجرد واضع لنظريات نسكية، بل كان أيضًا إنسانًا يتمتع بخبرة نسكية عميقة ومتنوعة". وُلد ثيؤفان في العاشر من يناير عام 1815 م. في قرية Chernavask في مقاطعة أوريل Orel، وسمَّاه والداه باسم چورچ وكان أبوه باسيليوس جوڤروڤ Basil Govrov، كاهن هذه القرية، رجلًا تقيًا وبارًا، أمَّا أمه فكانت عطوفة ومحبة للكنيسة، وعاش چورچ طفولة سعيدة جزلة ونشأ في بيئة مسيحية. وبعد أنْ تسلَّم مبادئ الإيمان في البيت، التحق عام 1823 م. بالمدرسة الإكليريكية في Livny حيث كان من أفضل الطلبة، وفي عام 1829 م. التحق بمعهد أوريل، وهناك تأثر كثيرًا بأستاذ الفلسفة أكثر من الكل. اهتم چورچ كثيرًا بالفلسفة وعلم النفس، وفي عام 1837 م. بعد أنْ أنهى دراسته في معهد أوريل وحاز على أعلى التقديرات أُرسل إلى أكاديمية كيڤ الكنسية Kiev Ecclesiastical Academy وهناك كان طالبًا نابغًا تمامًا كما كان في أوريل. فى هذه الفترة بدأ الشاب المجاهد يظهر ميلًا نحو الحياة التكريسية، وكان كثير التردد على أديرة كيڤ التي تركت تأثيرًا وانطباعًا في نفسه، وأخيرًا قرر أنْ يُكمّل حياته في السيرة الرهبانية المقدسة، وكان ذلك يتفق تمامًا مع ميوله الطبيعية وإرادته القوية، فصلاح قلبه غير المحدود وخجله والطريقة التلقائية التي كان يثق بها في كل أحد دون أنْ تزول هذه الثقة أبدًا، كل ذلك كان ملائمًا تمامًا للسيرة الملائكية. وفى الخامس عشر من فبراير عام 1841 م. سيم راهبًا باسم ثيؤفان، وسيم معه أيضًا الراهب بولجاكوف Bulgakov الذي صار فيما بعد مؤرخًا للكنيسة الروسية ولاهوتيًا ثم مطرانًا لموسكو، وبعد السيامة زار الراهبان الصغيران أشهر نساك أديرة كيڤ وهو الأب بارثينيوس Parthenius الذي قال لهما: " أنتم أيُّها الرهبان المتعلمون تعرفون الكثير، لكن تذكروا أنَّ أهم عمل على الأرض هو الصلاة، صلوا بلا انقطاع إلى الله بكل قلبكم وذهنكم.. لابد أنْ تكون هذه هي الغاية التي تطلبونها على الدوام". وقد حفظ ثيؤفان هذه النصيحة في قلبه جيدًا، وكتب فيما بعد مُعلِّقًا على هذه النصيحة: "عندما قال الستارتز (المرشد) ذلك اكتشفت أنَّ هذا كان ما أردته دومًا منذ طفولتي المبكرة، وفي ذلك اليوم صليت من عمق قلبي للرب كيّ لا يعوقني أحد عن البقاء دومًا معه". وفى عام 1841 م. تعيّن الأب ثيؤفان ناظرًا لمدرسة كيڤ الإكليريكية، ثم في عام 1842 م. تعيّن أستاذًا للمنطق وعلم النفس ومفتشًا لمعهد نوڤجورود Novgorod، وبعد عاميْن صار ثيؤفان أستاذًا في أكاديمية بطرسبرج الكنسية، وفي عام 1855 م. صار مديرًا لمعهد أولونتز Olonetz، وفي عام 1857 م. صار مديرًا لأكاديمية بطرسبرج، وفي خدمته التعليمية هذه كان تعليمه واضحًا وجذابًا وباعثًا على الحماس والغيرة في تلاميذه، وكان متميزًا في اللاهوت الأخلاقي وفي نظرية وممارسة التربية. وفى فترة أستاذيته في بطرسبرج، في عام 1847 م، قررت الحكومة الروسية إرسال وفد كنسي إلى أورشليم لدراسة حالة الأرثوذكسية في الشرق الأوسط، ولتأسيس خدمة روسية دائمة في فلسطين، وكان ثيؤفان أحد أعضاء هذا الوفد، وفعلًا ذهبوا إلى أورشليم، ومن هناك انتقل أعضاء الوفد إلى البلدان المختلفة في الشرق الأوسط، سوريا، مصر وسيناء، جبل أثوس Όρος Άθως، وكانوا يزورون المكتبات ويحققون المخطوطات، وقد عمل ثيؤفان بصفة خاصة في مكتبة دير سانت كاترين في جنوب سيناء ومكتبة دير القديس سابا في فلسطين، كما زار الأديرة القبطية أيضًا، وصارت له علاقات حميمة مع الإكليروس الأرثوذكس في تلك البقاع،ودرس ثيؤفان أيضًا أحوال الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية في الأراضي المقدسة، وخلال هذه الأعوام تعرّف على الجهادات والتدريبات النسكية في الشرق، كما تعلَّم الفرنسية واليونانية والعربية والعبرية، وفي عام 1855 م. عاد الوفد إلى روسيا، وفي عودتهم قضوا بعض الوقت في إيطاليا وألمانيا. واستمرت هذه الرحلة ثماني سنوات جمع خلالها ثيؤفان العديد من المخطوطات والكتب النادرة من الأديرة المختلفة التي زارها، ولكنه أعطاها فيما بعد لمكتبة معهد أولونتز، والتي كانت تشتهر بما فيها من نصوص حسنة الترتيب، وكان ثيؤفان يُعتبر من الأعلام والمراجع في علم الباترولوچى في روسيا كلها، نظرًا لما درسه من أبائيات في هذه الرحلة، ولما اقتناه من كتابات أبائية ثمينة. فى عام 1857 م. اُختير ثيؤفان ليُمثِّل الكنيسة الروسية في القسطنطينية أثناء الجدال البلغارى، وقرر ثيؤفان أنَّ البلغاريين لهم كل الحق في أنْ يكون لهم أساقفتهم وإكليروسهم لكي يصلّوا باللغة السلافية Slavonic كما كانوا يطلبون، وعند عودته إلى روسيا، تعيّن ثيؤفان مديرًا لأكاديمية بطرسبرج كما أسلفنا وظل هناك لمدة عامين. وفى الأول من يونية عام 1859 م. سيم الأرشمندريت ثيؤفان أسقفًا على كرسي تامبوڤ Tambov حيث ظلّ هناك لمدة أربعة سنوات ثم نُقل [تجدر الإشارة هنا إلى أنَّه في الكنيسة الروسية يتنقل الأب الأسقف والمطران بين الإيبارشيات دون أنْ يُجلّس على إيبارشية واحدة على الدوام، وذلك بخلاف تقليد كنيستنا المقدسة الحكيم الذي يُجلّس الأب الأسقف على كرسي إيبارشية واحدة] إلى إيبارشية ڤلاديمير Vladimir، وظل هناك لمدة ثلاث سنوات فقط، وفي كلٍ من هاتيْن الإيبارشيتيْن (تامبوڤ وڤلاديمير) أنشأ القديس مدرسة داخلية للبنات وأصدر مجلات خاصة لكل إيبارشية، وبذل قصارى جهده ليرفع من مستوى عظات الإكليروس وتعليمهم، وأعدّ دورات خاصة للوعاظ، إذ كان هو نفسه واعظًا بارعًا. وفى خدمته الأسقفية في الإيبارشيتيْن، لم يكن ثيؤفان يكلّ بل كان ساهرًا ليلًا ونهارًا، دائب النشاط والحركة في الإيبارشية، يصلّى قداسات كثيرة ويعظ ويعلِّم ويسافر من قرية إلى أخرى بلا كلل، ليعرف خراف قطيعه كل باسمه، وأسس العديد من لجان الخدمة الناجحة، والتي كانت تهدف إلى إرجاع الخراف الضالة إلى حظيرة الكنيسة، واهتمت هذه اللجان بصفة خاصة بتوسيع الكنائس ومدارس الفقراء، واهتمت بتجديد المباني الكنسية القديمة. كان ثيؤفان أبًا حنونًا للجميع، فكان يشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، وكان يساعد المحتاجين قدر استطاعته في حالات الكوارث والحريق والحوادث.. الخ، وعاش ببساطة تامة، فكانت ثيابه بسيطة ولا يأكل إلاَّ مرة واحدة في اليوم، وكان يعامل أبنائه من الإكليروس بعطف وأخوّة كما لو كانوا أصدقاء له. وفى أثناء خدمته في تامبوڤ، حدث جفاف حارق، نتج عنه أنْ اندلعت النيران باتساع ليس فقط في تامبوڤ نفسها، بل وأيضًا في العديد من مدن وقرى الإيبارشية، فكان ثيؤفان ملاك تعزية لشعبه، وكان يعظ شعبه مشاركًا إيَّاهم في أحزانهم، متحدثًا على غرار حديث القديس إغريغوريوس النيصى في كتابه "حياة موسى"، فقال لهم أنَّ حالة مدينتهم كحالة أيوب الذي جاءته المصائب الواحدة تلو الأخرى، إلاَّ أنَّ الشكر لله على كل حال. واتخذ ثيؤفان من هذه الظروف فرصة ليحث شعبه على التوبة، وعلَّمهم أنْ يحزنوا كمسيحيين وليس كوثنيين، لأنَّ الحزن والبكاء هما فعل إنساني، أمَّا اليأس فهو من الشرير، لذلك " فلننه الحزن بالرجاء"، وفي إحدى عظاته لهم في ذاك الحين، أوضح لهم كيف أنَّ الأرض التي قال الله عنها أنَّها حسنة جدًا قد صارت ثقل على الإنسان، وما ذلك إلاَّ بسبب الخطية، لذلك الطريق للخلاص من هذه الضيقة ما هو إلاَّ التوبة " فلننحني أمام الرب ونبكى ونردد عبارة العشار اللهم ارحمني أنا الخاطئ، ولنصرخ إليه بقلوب منسحقة". وفى عظة أخرى في زمان الجفاف أيضًا يحث فيها شعبه على التوبة، يقول فيما يشبه الصلاة: " ليس لنا الحق في الرحمة ولا نستحقها، فنحن خطاة في كل شيء، في القول والفعل والفكر وفي كل مشاعرنا، لكننا نادمون ونتضرع إلى الله ليرحمنا نحن الخطاة! إذا رأت عينك التي ترى كل شيء أنَّ قلوبنا قاسية وأنَّ إرادتنا في فعل الصلاح ضعيفة، أرسل لنا أنت ندم وتوبة وقوّى إرادتنا الضعيفة، يا الله الرحوم ارحمنا نحن الخطاة. إنَّنا لا ننتظر خلاصًا سريعًا، ولا نجرؤ على أنْ نقول أنَّه سيكون يومًا أو أسبوعًا أو حتى سنة، لكن إذ نخضع تمامًا لإرادتك، نرفع صلاة واحدة، يا الله ارحمنا نحن الخطاة. لا نجرؤ على التذمر أمامك، لكننا في حالة من الألم القاسي، وبينما نبكى كالأطفال في هذا الألم، نقول يا الله ارحمنا نحن الخطاة. إنَّنا ضعفاء أيُّها الرب فلا تسمح بأنْ نسقط تحت ثقل المحن والبلايا، بل أعط قوة لقلوبنا، اصبغنا بالرجاء، كيّ لا يطغى اليأس نفوسنا، يا الله ارحمنا". وفعلًا وبشهادة الشهود، تحقق رجاء الأسقف في نفس اليوم، عندما بدأت الأمطار الغزيرة تهطل، فتطفئ النيران وتنهى الجفاف وبالتدريج استعادت للناس طمأنينتهم وسلامهم ويذكر التاريخ الروسى أنَّ ثيؤفان أسقفهم لم يشجعهم ويسندهم بالكلام فقط، بل ساعد الكثير من المتألمين ماديًا. وإذ كان ثيؤفان يميل منذ أنْ كان طالبًا إلى حياة الخلوة والصلاة، ازداد اشتياقًا للتفرغ لحياة الوحدة، وقرر أخيرًا أنْ يترك كرسيه ويحيا حياة التأمل. وفى ربيع عام 1866 م. تقدم ثيؤفان بطلب إلى المجمع المقدس يلتمس فيه تصريحًا له بأنْ يترك أسقفيته ويستقر في دير ڤيشا في تامبوڤ، وفي 17 يونيه عام 1866 م. قَبِلَ المجمع هذا الطلب وسمح له بترك إيبارشيته وعيّنه رئيسًا لدير ڤيشا، وفي 24 يونيه صلى ثيؤفان آخر قداس له في الكاتدرائية في إيبارشيته، وحضرت أعداد غفيرة من الناس، وألقى الإكليروس كلمة يودعونه فيها، فأجابهم بكلمة رائعة قال فيها: " لا توبخوني لأجل الرب لكوني أترككم إذ أنِّى لا أترككم إلاَّ لأنِّي مجبر على ذلك، بل أنَّ محبتكم لم تكن لتسمح لي أنْ استبدلكم بقطيع آخر، لكن كمثل إنسان مقود، سأذهب إلى الموضع الذي بلا هم وراجيًا باحثًا عما هو أفضل كما هو أمر طبيعي لنا. كيف وُلد فيَّ هذا الاشتياق، لا أستطيع أنْ أشرح، لكن يمكنني فقط أنْ أقول أنَّه بجانب الظروف الخارجية التي تؤثر في أعمالنا، هناك أيضًا تغيرات داخلية تفضي إلى نتائج معيَّنة، فبجانب الضرورة الخارجية، هناك احتياج داخلي يستمع إليه الضمير والقلب لا يعارضه.. وإذ وجدت نفسي في هذه الحالة، أسأل من محبتكم شيئًا واحدًا فقط، أنْ تتركوا مناقشة وإدانة هذه الخطوة التي خطوتها، وأنْ تُصلوا لأجلى بحرارة كيّ لا يُخيّب الرب رجائي وكيّ يعطيني بعد جهادي أنْ أجد ما أطلب". وصل ثيؤفان إلى دير ڤيشا في 3 أغسطس وظل هناك حتى نياحته بعد 28 عامًا، وكان دير ڤيشا كبيرًا ومنظمًا جيدًا، يضم داخل أسواره مئة من الرهبان، وكان مختبئًا بين غابات الصنوبر العملاقة، ويجرى بجواره نهران، فكان المنظر خلابًا ومناسبًا تمامًا لدير تأملي، وفي إحدى رسائله، كتب ثيؤفان يقول: "التنظيمات الرهبانية هنا حسنة، وآباء المجمع (أيّ الرهبان) كلهم صالحون، ورغم أنَّ الخدمات طويلة لكن يمكن أنْ يعتاد عليها الإنسان. تبدأ صلاة باكر الساعة 3 صباحًا وبعدها فورًا يُصلى القداس الأول، ثم نصلى القداس الثاني في الساعة الثامنة، وفي الساعة الرابعة بعد الظهر نصلى الغروب، وفي الساعة السابعة صلاة النوم، وعندنا بعض الآباء الأشداء في الصلاة الذين يقفون طوال الخدمة ولا يجلسون أبدًا بل أنَّهم يحزنون إذا طلب منهم أحد أنْ يجلسوا". وبعد ثلاثة أشهر من تولِّيه رئاسة الدير، طلب ثيؤفان من المجمع المقدس إعفائه من رئاسة الدير لما لها من أعباء إدارية ومالية تعوق سلامه وخلوته، وفعلًا وافق المجمع وأصدر في سبتمبر عام 1861 م. القرار التالي: 1) إعفاء الأسقف ثيؤفان من رئاسة دير ڤيشا. 2) يُحفظ له الحق في إقامة الليتورچيا وقتما شاء. 3) يجب أنْ يخضع له أخوة دير ڤيشا في الخدمات الكنسية. 4) يُقدم له معاش مقداره 1000 روبل (سنويًا) منذ تاريخ تركه لرعاية إيبارشية ڤلاديمير (وقد كان ثيؤفان يستخدم هذا المبلغ كما سنقرأ في الكثير من أعمال الرحمة وسد أعواز المحتاجين). فى الأعوام الستة الأولى من حياته في الدير، اعتاد ثيؤفان أنْ يحضر جميع الخدمات في الكنيسة والقداس الأول، وفي الكنيسة كان يقف بلا حراك دون أنْ يسند على أيّ شيء وعينيه مغلقتيْن كيّ لا يتشتت ذهنه، في أيام الأعياد كان يخدم القداس بنفسه. وكان مسكن الأسقف في الدور العلوي من إحدى مباني الدير الصغيرة، وكان يتكون من قلاية وحجرة معيشة، وكنيسة صغيرة اسماها على اسم الثيؤفانيا Theophany أيّ الظهور الإلهي، ومكتبة ضخمة جدًا ومنتقاة بعناية، مع ورشة ليعمل فيها. في الأعوام الستة الأولى كان ثيؤفان يستقبل الزائرين، وفي عيد القيامة عام 1872 م. صار ثيؤفان راهبًا حبيسًا، فلم يعد يغادر سكنه ولم يعد يستقبل زوارًا عدا رئيس الدير وأب اعترافه وراهب كان يخدمه يُدعى اڤلامبى Evlampy [اڤلامبى Evlampy تلميذ ثيؤفان خدمه لمدة 25 عامًا، وبعد نياحته صام لمدة عشرة أيام، بل وتنيح بعد مُعلِّمه بأسبوعيْن]، وحتى هؤلاء لم يكونوا يذهبون إليه إلاَّ عندما يطلبهم، ولم يعد ثيؤفان يذهب إلى كنيسة الدير، بل كان يصلى الخدمات الليتورچية في كنيسته الصغيرة، وفي التسع سنوات الأولى من حبسه كان يصلى القداس في أيام الآحاد والأعياد، وفي الإحدى عشر سنة الأخيرة كان يصلى القداس يوميًا. ومعرفتنا عن هذه الفترة من حياة ثيؤفان قليلة للغاية، ولكننا نعرف أنَّه كان يحيا بحسب نظام قاسى في الحبس، ففى المساء كان اڤلامبى تلميذه يرتب الحمل والأباركة وثياب الخدمة، وفي الصباح كان ثيؤفان يصلى القداس ثم يحتسى شاي الصباح، وفي الساعة الواحدة كان يتناول وجبته الوحيدة وهي عبارة عن بيضة وكوب من اللبن في الأيام التي ليس فيها صوم مع بعض كسرات من الخبز، وفي الساعة الرابعة كان يشرب كوبًا آخر من الشاي، وهذا كل ما كان يتناوله يومه. وطوال اليوم كان يعمل في الكتابة والترجمة والمراسلات، وفي فترة حبسه هذه، وضع ثيؤفان كتبًا عديدة قيِّمة للغاية، بل في الواقع مكتبة كاملة. وكان يتلقى ما بين 20 إلى 40 رسالة يوميًا، فيجيب عليها ويرد على ما فيها من تساؤلات، إذ رغم أنَّه لم يكن يستقبل أحدًا إلاَّ أنَّه كان مستعدًا دومًا للرد على الخطابات التي تطلب منه نصيحة روحية أو كلمة منفعة. ويمكننا أيضًا أنْ نرى لمحات من حياته في الحبس من كتاباته، فقد كتب لأحد مراسليه يعلمه ما يجب أنْ يفعله بعد القداس، فيقول له أنَّ الإنسان يجب أن يُسرع بعد القداس إلى حجرته بعد الكنيسة مباشرة، ويطلب من الرب أنْ يقضى هذا اليوم فيما هو نافع لنفسه، ويجب أنْ لا ندع أفكارنا تتشتت بل نقول بهدوء وتركيز "يا رب ارحم"، ثم بعد ذلك يجب أنْ يعمل الإنسان إمَّا في الصلاة أو في عمل اليدين، ولا يستطيع أحد أنْ يقضى وقته كله في العمل الروحي فقط، لذا كان ضروريًا جدًا أنْ يشتغل الإنسان بعمل يدوى، ولكن يجب ألاَّ يمارسه إلاَّ عندما تُرهق النفس ولا تستطيع القراءة أو التفكير أو قراءة الصلوات، وعندما تسير التدريبات الروحية حسنًا، يترك العمل اليدوي جانبًا، فهو فقط لشغل الوقت لئلاَّ يضيع في البطالة. وكان يقضى وقته في الحبس كالآتي: العمل الروحي من فكر تام في الله وجهاد وصلاة. الترجمة وكتابة وتأليف كتبه. الرد على الرسائل. العمل اليدوي، إذ كان ثيؤفان رسامًا قديرًا ونحاتًا على الخشب. كان ثيؤفان يحب المعرفة، وكان يعتبر كتب التاريخ والطبيعة أفضل ما يجب أنْ يُقرأ لأنَّها تُظهر عمل الله، ويتضح ذلك من الكتب التي وُجدت في مكتبته بعد نياحته، إذ كان يدرس العلوم، والطب، التشريح وعلاقته بالرسم، علم النفس، علم الأحياء، التاريخ بل وحتى الفن والنحت. ويُذكر عن ثيؤفان محبته غير المحدودة وعطفه على كل إنسان فقير، وسُجل عنه أنَّ بريده اليومي نادرًا ما كان يخلو من خطابات تتضمن طلبات من أناس فقراء وكان يساعدهم بقدر استطاعته. واعتاد أنْ يتسلم المبلغ الذي قرره له المجمع قبل أعياد الميلاد والقيامة، ويحجز منه القدر اللازم لنشر كتبه وترجماته، ويوزع الباقي كله على المحتاجين، وكان اڤلامبى تلميذه يرسل يوميًا الكثير جدًا من المظاريف التي تتضمن نقودًا للأرامل والأيتام وكل المعوزين، ولم تكن أبدًا مبالغ ضئيلة، وأيضًا اعتاد أنْ يوزع كتبه كهدايا وكان يقول " ليس لي تجارة أخرى، لكن ها كتاب صغير لك". ورغم أنَّه كان ينفق كل ماله في مساعدة المعوزين، إلاَّ أنَّه لم يكن يقبل أبدًا أيّ عطايا من أحد، وحدث يومًا أنْ وصله مبلغ 25 ألف روبل ليوزعها على أعمال المحبة، لكنه أصر على أنْ تُرسل ثانية إلى صاحبها في نفس اليوم. ومن أمثلة رعايته للمحتاجين، صنيعه مع أحد الأيتام، إذ عندما علم بأنَّ هناك صبى بلغاري يتيم ليس له مَنْ يحتضنه ويهتم به، أرسل ثيؤفان إلى ابن أخيه يطلب منه أنْ يُدخل هذا الصبي إحدى المؤسسات الخيرية ويقوم هو (أيّ ثيؤفان) بدفع 100 روبل في العام. رغم أنَّ ثيؤفان كان حبيسًا إلاَّ أنَّه كان معروفًا جيدًا في روسيا كلها من خلال مراسلاته وكتاباته وترجماته، ومُنح الزمالة الفخرية للأكاديميات الكنسية الروسية، ودرجة الدكتوراه في اللاهوت، وعُرض عليه أنْ يعود للخدمة في العالم إلاَّ أنَّه اعتذر عن ذلك. عاش ثيؤفان نحو ثمانين عامًا بصحة تمامًا، وكانت الحياة في الدير تناسبه تمامًا، إلاَّ أنَّ إنتاجه الفكري والأدبي بجانب نسكياته الشديدة وسنه المتقدمة، أدُّوا جميعًا إلى إرهاقه وتعبه، ففي عام 1879 م. ترك ثيؤفان الدير للعلاج من مياه بيضاء في عينيه، لكنه استمر في عمله وحياته كالمعتاد،وفي عام 1888 م. فقد البصر تمامًا في إحدى عينيه إلاَّ أنَّه استمر أيضًا في نفس نهجه في حياته ولم يُغيِّر من أسلوب حياته ونسكياته حتى نياحته، فقط قبل انتقاله بخمسة أيام حدثت بعض التغيرات في نظامه اليومي، وفي عشية نياحته في الخامس من يناير، شعر ببعض التعب فطلب من تلميذه اڤلامبى أنْ يساعده كيّ يمشى، فساعده لبضعة خطوات حول الحجرة، لكن سرعان ما أُرهق، فصرف التلميذ واضطجع، وفي يوم نياحته، عندما لم يسمع اڤلامبى أيّ صوت من القلاية، نظر إلى مكتبة ثيؤفان نحو الساعة الواحدة ظهرًا فوجده جالسًا يكتب، وبعد نصف ساعة كان هناك طرق خفيف (هكذا كان يدعو تلميذه) وفي الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر عندما لم يسمع اڤلامبى الطرق المعتاد، نظر فوجد الأسقف المجاهد قد تنيح.. ويده اليسرى على صدره بينما يده اليمنى كانت على شكل وضع البركة الأسقفية. بعد نياحته، وُضع جسده لمدة ثلاثة أيام في كنيسته الخاصة، كنيسة الثيؤفانيا، ثم ثلاثة أيام أخرى في الكاتدرائية، وبالرغم من ذلك لم يمسه أيّ فساد، بل كان يبدو كإنسان نائم في هدوء وسلام، وحضر الأسقف هيرونيموس من تامبوڤ في الثاني عشر من يناير مع الإكليروس والخورس، وبعد الليتورچيا، صلوا عليه طقس التجنيز، ثم أخذ الشعب جميعه بركته، وبعدئذ وُضع الجسد في مقصورة في كنيسة ڤلاديمير في كاتدرائية كازان، وحضر الدفن عدد ضخم من الذين لم يتمكنوا من حضور صلوات التجنيز، وكانوا يبكون وينوحون، وقد حضر خصيصًا أناس ساروا على أقدامهم نحو 200 كيلومتر وآخرون مشوا نحو 300 كيلومتر لينالوا بركته ويطلبون له النياح ويسألوه أنْ يصلى لأجلهم أمام عرش الله. اُعترف بقداسة ثيؤفان واُعتبر من قديسي الكنيسة الروسية، وذلك في عام 1988 م. في الاحتفال باليوبيل الألفي للكنيسة الروسية، ورغم أنَّه قضى الخمسة والعشرين عامًا الأخيرة من حياته في وحدة كاملة، إلاَّ أنَّ شهرته وقوة كلماته قد عبرت أسوار دير ڤيشا وانتشرت بعيدًا، وكان للعمليْن الكبيريْن الذيْن ترجمهما وأضاف إليهما ونشرهما أيّ "الفيلوكاليا" و"الحروب الروحية" تأثير عظيم في الأوساط المسيحية. |
||||
07 - 06 - 2014, 03:45 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس ثيؤفان الحبيس، من آباء روسيا
أعماله
رغم حبسه وجهاداته، كان ثيؤفان كاتبًا بارعًا وناشرًا نشطًا، فكتب العديد من الكتب الهامة عن الأناجيل والعهد الجديد، وعن الحياة المسيحية الحقيقية، وعن الأهداف الروحية الحقيقية التي وُلد الإنسان لأجل تحقيقها والتي تحفظ حياة الإنسان من أنْ تصير خاوية أو عديمة الفائدة. 1) رسائل عن الحياة الروحية.كما كتب أيضًا تفاسير وشروحات لرسائل بولس الرسول كلها تقريبًا وعلى المزمور 33 والمزمور 118، وأعاد نشر عمليْن هاميْن: 1) القوانين الرهبانية الأولى (قوانين باخوميوس، وقوانين باسيليوس الكبير، قوانين يوحنا كاسيان، قوانين بندكت).كما أعاد كتابة ونشر كتابيْن هاميْن للغاية في تاريخ الروحانية الروسية: 1) الحرب غير المنظورة (الحروب الروحية). |
||||
07 - 06 - 2014, 03:47 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس ثيؤفان الحبيس، من آباء روسيا
الحرب اللامنظورة (الحروب الروحية) * UNSEEN WARFARE يتضمن عمل ثيؤفان هذا عمليْن كتبهما قس ناسك كاثوليكي إيطالي يُدعى لورنزو سكوبولي Lorenzo Scupoli (1529 1610) وهو من الحركة المضادة للإصلاح The Counterreformation، الأول هو "الحروب الروحية" والثاني هو "الطريق إلى الفردوس" وكانا قد ظهرا في عام 1589 م. وأضاف إليهما لورنزو الكثير فيما بعد في طبعات أخرى. وفى القرن الثامن عشر ترجم الراهب نيقوديموس الأثوسى (أيّ من جبل أثوس باليونان Όρος Άθως) هذيْن العمليْن إلى اليونانية، ولكنه وضع لهم عنوانًا جديدًا هو "الحرب اللامنظورة"، وقد عدلت هذه الترجمة وغيرت كثيرًا في الأصل ليتفق مع احتياجات القارئ الأرثوذكسي، وأضاف نيقوديموس تشبيهات وملاحظات ثمينة، وأمثال من الكتاب المقدس ومن آباء الكنيسة، ورغم أنَّه أوضح أنَّه ليس واضع الكتاب، إلاَّ أنَّه لم يذكر اسم المؤلف ولا جنسيته. وصار لهذا العمل مكانته المتميزة في الكنيسة اليونانية حتى اليوم، وفي القرن الـ19 وصل هذا العمل إلى روسيا، وقرر ثيؤفان الحبيس أنْ يترجمه إلى الروسية،وكما فعل نيقوديموس، كذلك أضاف ثيؤفان وعدّل في الكتاب لكن على نطاق أوسع، فبينما ترك الإطار العام للكتاب كما وضعه المؤلف الأصلي، عدّل في أجزاء أساسية فيه، بل وأعاد كتابة أجزاء أخرى بالكلية، إذ كان يهدف إلى أنْ يكون العمل مُعبرًا عن التقليد الروحي الأرثوذكسي، فكانت تعديلاته على وجه الخصوص كبيرة للغاية في الفصول الخاصة بالصلاة، حتى يمكن أنْ يُقال أنَّها من تأليفه، وقد شهد سرجيوس بولشاكوف Sergius Bolshakof أنَّ الكُتاب الغربيين أخبروه أنَّ الترجمة المُنقحة والمُعدلة التي قام بها ثيؤفان لهذا العمل هي أفضل بكثير من الأصل. |
||||
07 - 06 - 2014, 03:48 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس ثيؤفان الحبيس، من آباء روسيا
الفيلوكاليا الروسية (الدوبروتوليبي | دوبروتولويبي) * DOBROTOLUBYIE, Dobrotolublye خبرة ثيؤفان ومعرفته الواسعة بأعمال آباء الكنيسة الأولى أعطته أعظم ثمارها في تجميعه وتصنيفه الدقيق للفيلوكاليا اليونانية عام 1883 م. ليقدم خمسة مجلدات معروفة للروسيين باسم الدوبروتوليبى، وتُعتبر من أعظم الكتب الروسية على الإطلاق، ومن هنا كانت إسهامه ثيؤفان الحبيس في إثراء الروحانية الروسية تُعتبر من أهم أعماله. ولكي ندرك مدى إسهامه في نشر الفيلوكاليا، لابد أنْ نعرف أنَّ الفيلوكاليا الأصلية هي عبارة عن مجموعة نصوص يونانية لآباء الكنيسة ما بين القرن الرابع والقرن الخامس عشر، وقد جمعها في القرن الـ18 الراهب نيقوديموس الأثوسي ومكاريوس الكورنثى، ونُشرت عام 1782 م. ثم ترجم الراهب الروسي بايسيوس Paisius مجموعة من النصوص التي وردت في الفيلوكاليا اليونانية إلى اللغة السلافية، ونشرها في موسكو عام 1793 م، وكانت هذه هي الدوبروتوليبى الصغيرة، وكان لها أثر ضخم على الروحانية الروسية، وتُرجمت إلى الروسية عام 1857 م. ثم جاء ثيؤفان الحبيس عام 1877 م. ونشر الفيلوكاليا الروسية باسم الدوبروتوليبى، على نفقة دير القديس بانتيليمون Panteleimon وهو دير روسي في جبل أثوس Όρος Άθως، وكانت هذه الطبعة مختلفة تمامًا عن النسخة الأصلية اليونانية، لأنَّ ثيؤفان حذف بعض الصفحات وأعاد صياغة صفحات أخرى، إذ كان يعتبر ذلك نوعًا من الترجمة الحرة، وبجانب الـ1200 صفحة الموجودين في نسخة فينيسيا من الفيلوكاليا اليونانية، أضاف ثيؤفان إليها 1300 صفحة أخرى فضاعف حجمها، والمجلد الأول من هذا العمل الضخم والذي يتكون من خمسة مجلدات، نُشر عام 1877 م. ثم أُعيد طبعه أعوام 1883، 1885، 1905، 1913. نشر ثيؤفان العديد من كتبه بنفسه، واهتمامه بطباعة ونشر هذه الكتب يعكس الجانب العملي من شخصية هذا الحبيس، وفي نصائحه لابن أخيه والذي كان يتابع أعمال الطباعة والتوزيع،كان ثيؤفان يظهر دراية وخبرة واسعة بالطباعة وكان يهتم بكل شيء: الكتابة، الورق، المداخل، الخطوط، الخ، وكان يكتب تعليمات واضحة بخصوص ذلك. كما كتب "قصة الإنجيل بكلمات الإنجيليين القديسين في ترتيب متابع" وأظهر عناية خاصة به وتابع كتابته بنفسه لأنَّه كلمة الله لذا لابد ألاَّ تكون فيه أيّ أخطاء إملائية، وقد كتب لابن أخيه يوصيه أنْ يَعِد صاحب المطبعة بمكافأة إذا خرج العمل بدون أخطاء إملائية. ويتضح اهتمامه بخدمة الفكر والنشر من قوله لأحد الخدام الذين يعملون في خدمة الكتابة: "هل الكتابة خدمة للكنيسة أم لا؟ إذا كانت هكذا وكانت لائقة وضرورية للكنيسة لماذا تطلب أو تريد خدمة غيرها؟". |
||||
07 - 06 - 2014, 03:50 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس ثيؤفان الحبيس، من آباء روسيا
ملامح من فكره يُعتبر كتاب "طريق الخلاص" أهم أعمال ثيؤفان، إذ يُلخص لنا روحانية هذا الحبيس، وبحسب "الطريق" هدف الحياة المسيحية هو الاتحاد مع الله، وطريق هذا الاتحاد يكمن في الإيمان والحياة بحسب وصايا الله، والإنسان المسيحي يخلص بنعمة الروح القدس التي تُعطى مجانًا بسبب الفداء الذي تممه الإله الكلمة المتجسد، ويتمتع المسيحيون بهذا الفداء وهذا الخلاص تحت إرشاد الكنيسة وفي الكنيسة، ولكي يبلغ المسيحي قامة ملء المسيح، لابد أنْ يتطهر ويتنقى أولًا بالتدريبات النسكية الخارجية ثم بالتنقية الداخلية، وهناك ثلاث مراحل: بداية الحياة المسيحية النمو والتقوّى فيها وأخيرًا الكمال. وبمعنى آخر، المرحلة الأولى هي التحول أو التغيير، والثانية التنقية أو التطهير، أما الثالثة فهي التكريس، وبعد وصف ثيؤفان لهذه المراحل من الروائع الفريدة في الأدب النسكي الروسي. في المرحلة الأولى، ينتقل الإنسان من خطيته إلى نور الحق والفضائل المسيحية، وفي الثانية يعد نفسه لاستقبال الرب بتنقية نفسه من الأدناس الداخلية، وفي الأخيرة يأتي الرب ويسكن في قلب الإنسان. تبدأ الحياة المسيحية بالمعمودية، وتنمو في الأسرة المسيحية بالتعليم اللائق للأطفال والذي يحدد مستقبلهم، وفي الغالب يفقد الناس نعمة المعمودية ويسقطون في سبات وبلادة روحية، والتي تظهر في القلق والهم بسبب أشياء عديدة، اهتمامات أرضية وأعمال كثيرة مع إهمال ولا مبالاة بالحياة الروحية، وقليلون فقط هم الذين يستيقظون من هذا السبات الروحي، بعمل النعمة الإلهية، سواء بتغيير كامل مفاجئ كما حدث مع شاول الطرسوسي ومريم المجدلية، أو عن طريق تغيير تدريجي في الحياة، وفي هذه الحالة الأخيرة يأتى للإنسان فكر أنْ يعيش حياة أفضل وأكثر اقتداءً بالمسيح، وعادة لا يثمر هذا الفكر تغييرًا تامًا رغم أنَّ الإنسان يرحب به، ويؤجل التغيير إلى ميعاد مستقبلي عندما يكون هناك "فرص أكثر!"، وينصح الأسقف بعدم تأجيل التوبة إلى أيّ ميعاد مستقبلي أو لانتظار أيّ فرص مواتية، إذ ربما لا تأتى أبدًا، وبدايات الطريق هي ضبط الجسد واستعباده، وهذا يبلغه الإنسان بالتدريبات النسكية، لكنه مجرد بدايات، إذ لا تزال هناك عقبتان وهما: الهموم، وتشتت الذهن. يكتب ثيؤفان: "إنَّ الهموم والمشغوليات لا تترك للإنسان وقتًا لكي يهتم بنفسه، فهناك عمل في اليد وعشرات من الأعمال في الرأس، وبهذه الطريقة تدفع الهموم والانشغالات الإنسان دومًا إلى الأمام دون أنْ تدع له أيّ فرصة ليتأمل في حاله، لذلك اترك عنك لبعض الوقت سائر الانشغالات والاهتمامات بدون استثناء، إذ يمكنك أنْ تهتم بها في الوقت المناسب، أمَّا الآن فَدَعها جميعًا عنك، لكن حتى حينما تدع عنك الانشغالات والقلق يسود اضطراب في ذهنك لوقت طويل، فالأفكار تتوالى وتتسابق الواحدة تلو الأخرى، وتناقض بعضها البعض، فتتشتت النفس ويميل الذهن أحيانًا إلى جانب، ثم في حين آخر يميل إلى جانب آخر، ممَّا يحول دون ترسيخ أو تثبيت أيّ شيء دائم ثابت". وبحسب هذا المجاهد الحبيس، لا يمكن أنْ ينال الإنسان أيّ درجة من الثبات الروحي دون أنْ يجلس في خلوة، وأفضل مكان لحياة الخلوة هو الدير، وكلما كان أبعد كلما كان أكثر نفعًا، وأفضل وقت هو الصوم الكبير، ففي الوحدة يفيق الإنسان تدريجيًا إلى نفسه ويدرك خطيته وفساده، فيعتريه اشتياق أنْ يُصلح حياته ويُقوّمها، ويسمع الصوت الداخلى الذي يقول: "توقف، إلى أين وصلت؟" ومن تأمل الإنسان في خطاياه وأثامه وشهواته، تتولّد المخافة، وعندما توقظ النعمة نفسه من غفلتها، يدرك الإنسان اعتماديته على الله وبشاعة وجسامة الخطية، ويبدأ ضميره يصحو ويشعر بحلاوة في الله كأسعد وأأمن ملجأ له من كل المتاعب والضيقات، لكن قليلًا ما يعتزم الإنسان ويُصمم على تغيير حياته، إذ تثور كل عاداته وسلوكياته على الذبيحة المفروضة عليها، ولا يمكن للإنسان أنْ يخلص إلاَّ بالنعمة الإلهية مع تصميم وعزم ثابت من جانبه. ويشرح ثيؤفان أنَّ التعزيات الروحية والنوايا الصالحة، ربما تمنع الإنسان من الرجوع للوراء لكنها لا تستطيع أنْ تجعله يتقدم وينمو، وهنا يظهر الاحتياج للنعمة الإلهية، وأول ما يجب علينا أنْ نفعله هو أنْ نجد جذر الخطية الذي في القلب، وتُعتبر الشفقة على النفس واللطف في معاملتها، الخوف من الناس، الحسيات، النزعات الأرضية والارتباط بالعالم، هي الملامح الأساسية للقلب الخاطئ، ونحن جميعًا نميل أنْ ننظر إلى ذواتنا كما تنظر الأم الحنون إلى أولادها، منتحلين الأعذار بكل طريقة ممكنة ونندب قدرنا الحزين الذي سببته كما هو مفترض الظروف السيئة ومؤامرة الآخرين والشهوات الحسية التي تقيدنا، ونخشى أنْ نعمل الصلاح لئلاَّ نخالف رأى الناس مهما كان ذلك خاطئًا، وأخيرًا نحن مرتبطون جدًا بالأمور المادية مثل الراحة والمال.. الخ، لدرجة أنَّ العالم الروحي بالكاد يوجد فينا. لابد أنْ نكون عديمي الرحمة مع النفس، غير مبالين بالحسيات ولا بآراء الآخرين، ونعتبر أنفسنا غرباء مسافرون على الأرض، ولابد أنْ نقول لأنفسنا "أنا أقوم وأذهب" (كما قال الابن الضال)، فالحركة الأولى القيام هي حركة الخاطئ تجاه نفسه، أمَّا الثانية فهي حركته تجاه الله، لكن عندما يترك الإنسان الخطية ويصل إلى حدود النور ويستعد للصعود يأتي الشيطان ويهمس "فقط يوم واحد أيضًا ثم.." مقترحًا تأجيل الجهاد الروحي، وإذ تكون النفس قد تعبت فعلًا من الجهاد السابق تطلب راحة، فهي لا تقاوم الصلاح لكنها تطلب فقط جهادًا أقل إرهاقًا، وإذا تم هذا التنازل من قِبَل الإنسان يفقد كل شيء وتعود العادات والسلوكيات القديمة لكن بصورة أقوى فالطريقة الوحيدة للخلاص هي أنْ تسير للأمام بلا رجوع. بعد أنْ نبدأ الحياة المسيحية لابد أنْ نكرسها لله، فالمسيحي يجب أنْ يفعل الصلاح ليس فقط من أجل الصلاح نفسه، وليس فقط لأنَّ كرامة الإنسان الأخلاقية تتطلب ذلك، بل لأنَّه ذبيحة مرضية لله، وقد أُعطيت للإنسان حرية أخلاقية كىّ يستطيع أنْ يُقدم هذه العطية لله كأعظم ذبيحة. أول ما يجب أنْ تفعله هو أنْ تتوب توبة حقيقية، لذا جاهد من أجل أدق اعتراف ممكن، ويجب أنْ يتبع هذه التنقية والتطهير تناول من الأسرار الإلهية ممَّا يزيد الإنسان قوة لكي يحيا حياة جديدة، وهذا التحول هو عربون حياة جديدة، والاعتراف والحِلّ هما تأكيدان لها، والتناول هو اتحاد مع المسيح، ومنذ ذلك الحين تبدأ النعمة في افتقاد الإنسان، ولكن كما أنَّ الطعام ضروري لحفظ الجسد كذلك الشركة من الأسرار الإلهية ضرورية للحياة الروحية، وإذ نُقدم لله حريتنا، نعود إليه كعبيد هاربين، فلِكيّ يستقبلنا الله، لابد أنْ نعترف ونقر بخطايانا ونتوب ونعد بعدم الرجوع للخطية كرة أخرى، ولابد أنْ نقتدي بالابن الضال الذي عندما عاد إلى أبيه سأله أنْ يقبله كأحد أجرائه، وبحسب ثيؤفان، أنْ نحيا في المسيح يعنى أنْ نحيا حياة إفخارستية قوية. إنَّ الطريق بين دخول الحياة الجديدة وبين الاتحاد مع الله ليس بالقصير، وهذا الطريق لابد أنْ تملئه التدريبات النسكية والتنقية الداخلية، وبحسب ثيؤفان، هناك ثلاثة أنواع من الاتحاد مع الله: اتحاد عقلي، ويحدث فقط أثناء تحول الإنسان نحو الله وتجديد ذهنه، أمَّا الاتحادان الآخران فهما حقيقيان ولكن أحدهما خفيّ غير منظور للآخرين وغير معروف للنفس، بينما الآخر منظور للجميع. ويعتمد النجاح في الحياة الروحية والجهاد على الغيرة والحرارة الأولى، ومَنْ يريد أنْ يحفظ حرارته ومحبته الأولى، عليه أنْ يحيا داخل نفسه، ويتأمل في العالم الجديد ويهتم بالأفكار والمشاعر اللائقة بالحياة الجديدة، فلابد من البقاء في الداخل (أيّ الانجماع داخل النفس) والتمركز الواعي حول القلب، وتجميع كل قوى النفس والجسد هناك. فكل عمل رحى يتطلب تركيز عظيم، وملكوت السموات داخلنا وكيّ نجده لابد بحسب قول المخلص أنْ ندخل داخل مخدع قلبنا، وكل مَنْ يدخل القلب ويجمع هناك كل قواه هو روح ملتهبة. إنَّ مَنْ يدخل مخدع قلبه هو إنسان يعيش بدايات الحياة الجديدة، ولابد له أنْ يطبع تركيب العالم الروحي على وعيه وضميره ويستقبله في مشاعره، ويصف الأسقف ثيؤفان الحبيس هذا العالم الروحي غير المنظور بقوله أنَّ الله الواحد المعبود في الثالوث والذي خلق ويحفظ جميع الأشياء، يرشدنا كلنا في ربنا يسوع المسيح بالروح القدس، الذي يعمل في الكنيسة المقدسة، وسيستمر الحال هكذا حتى نهاية الأيام، وعندئذ بعد القيامة والدينونة سينال كل واحد بحسب أعماله وسيكون الله الكل في الكل، ولابد أنْ نتأمل في هذه الأمور ولنعلم أنَّ بعضها نافع للتأمل في أيام معينة، بينما البعض الآخر نافع للتأمل اليومي. ويعلّم القديس ثيؤفان بأنَّ هؤلاء الذين دخلوا إلى الحياة الجديدة لابد بالضرورة أنْ يُغيّروا طريقة ومنهج حياتهم، فلابد أنْ يتركوا عنهم العادات والسلوكيات المضادة لروح المسيح، وسائر الأهواء الرديئة، مستبدلين إياها بالنقاوة والطهارة، والحياة الرهبانية هي الحياة المثالية لهذا العمل. والفضائل تُقتنى أولًا بالتدريبات النسكية ثم بعدئذ بالتنقية الداخلية للقلب، والتدريبات النسكية الأساسية،هي الصوم، العمل اليدوى، السهر، الصلاة، القراءة في الأسفار الإلهية وكتب الآباء، الخلوة، وأعمال المحبة المادية والروحية، وتتحدد نوعية التدريبات بحسب حياة الإنسان السابقة. أنْ "تُشكّل القلب" يعنى أنْ تهذبه وتعلمه في اشتياق لكل شيء مقدس وفي تحرر ولا مبالاة بكل ما هو زائل، وليس هناك ما يساعد على تهذيب القلب مثل العبادة، الفردية والجماعية، والروح المصلية، فالشركة الليتورچية تنعش وتحيى النفس وتدخلها عالم جديد، وينصح ثيؤفان بحضور كل خدمات الكنيسة العشيات والتسابيح وباكر والقداس كثيرًا بقدر المستطاع لأنَّ الكنيسة هي الفردوس، وبينما يجب أنْ نهتم بالصلاة الفردية، يجب أنْ لا نهمل الخدمات الليتورچية، وكل هذا هام ونافع متى كان الإنسان يحتفظ بحرارته الروحية ونفسه المصلية، أمَّا لو فترت حرارته، فلابد من الاعتراف والتناول من القداسات الإلهية، وأخيرًا تصير الحياة بجملتها خلوة مستمرة. وللاعتراف أهمية قصوى في الحياة الروحية، فيشرح ثيؤفان أنَّه لابد من الاعتراف الفوري بكل خطية تقلق الضمير وتتعبه، لأنَّها إذا أُهملت، سوف تؤدى إلى الفتور، أمَّا إذا اعترف الإنسان بها، فإنَّها تؤدى إلى دموع التوبة الدافئة، وينصح هذا المجاهد الحبيس بضرورة الفحص اليومي للضمير وباليقظة الدائمة للأفكار وبالإرشاد الروحي من أب مرشد حكيم (يسمى في روسيا ستارتز staretz). وخصص ثيؤفان الصفحات الأخيرة من كتاب "طريق الخلاص" لقوانين الجهاد مع الأهواء وكيفية نمو الإنسان وتقدمه صوب الاتحاد مع الله، وفي حديثه عن الجهاد ضد الأهواء، يتبع ثيؤفان مناهج الآباء وخبراتهم خاصة أحد آباء الكنيسة الروسية المشهورين ويُدعى نيلوس الذي من صورا Nilus of Sora، فيشرح أنَّ الإنسان عندما ينتهي من جهاده ضد الأهواء يصل إلى بداية الحياة في اتحاد مع الله، والدليل والعلامة الأولى على ذلك هي تركه لكل قلق وهم خاص به مع تسليم تام وكلِّى للإرادة الإلهية " إنَّ مَنْ يُسلّم نفسه لله، أو مَنْ يُكرَم بهذه العطية، يبدأ يتجه نحوه ويعيش فيه، ولكن هذا لا يعنى إلغاء الحرية (الإنسانية) بل هي لا تزال موجودة لأنَّ تسليم النفس ليس فعلًا نهائيًا يحدث مرة واحدة وينتهى، بل هو فعل يستمر على الدوام، إذ أنَّ الإنسان يُسلّم نفسه لله الذي يقبله ويعمل فيه ويعمل بقدراته وملكاته، وهذه هي الحياة الإلهية الحقيقية لأرواحنا". إنَّ هؤلاء الذين اقتنوا تسليمًا كاملًا لله وصلاة دائمة بلا انقطاع، هم مستعدون ولائقون للدخول في حياة الوحدة "ذاك الذي ذاق الحلاوة الإلهية يجوع بلا شبع للوحدة لكي يعيشها على الدوام بلا معوقات، وهو على الدوام يضطرم في نفسه نارًا مع نار، جهد مع جهد، اشتياق مع اشتياق، لذلك المتوحد هو الأيقونة الأرضية للملاك.. هؤلاء الذين يعيشون في حياة الوحدة المباركة يحيون مثل الملائكة ويتشبهون بطريقة حياتهم، لأنَّه كما أنَّ الملائكة لن يشبعوا أبدًا من تمجيد الخالق، كذلك هؤلاء الذين يصعدون إلى سماء الوحدة". إنَّ "اللاهوى" هو التاج الأخير للمجاهد، فالإنسان الذي بلا هوى لا يهتم بأيّ من الأشياء التي تثير وتغذى أهواءه، فلا تترك تلك الأشياء أيّ تأثير عليه حتى لو كانت أمامه، وذلك لأنَّه متحد مع الله، وذاك الذي يُكرّم بمثل هذه القامة، يصير هيكلًا لله الحي الذي يرشده ويُعلّمه في سائر كلماته وأعماله وأفكاره.. وهؤلاء الذين بلغوا هذه القامة هم أصدقاء لله وقامتهم مثل قامة الرسل لأنَّهم أيضًا يعرفون الإرادة الإلهية في كل شيء، لأنَّ القامة الرسولية هي ثمرة الوحدة عندما يعيشها الإنسان حسنًا.. ويذكر ثيؤفان أنَّ الله لا يترك كل المتوحدين في وحدتهم على الدوام، فهؤلاء الذين بلغوا اللاهوى المبارك في الوحدة، والذين كُرِّموا بالاتحاد الإلهي الحقيقي وبسُكنى الله داخلهم، يُأخذون في الغالب لخدمة هؤلاء الذين يبحثون عن الخلاص. ويختم ثيؤفان كتابه "طريق الخلاص" بقوله: "إنَّنا لا نعلم هنا على الأرض أيّ شيء يفوق قامة الرسل.. هنا نهاية البحث في الحياة المرضية لله". |
||||
07 - 06 - 2014, 03:51 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب القديس ثيؤفان الحبيس، من آباء روسيا
رسائله تقدم لنا رسائل ثيؤفان الحبيس رؤية عميقة لروحانيته، إذ هي مملوءة بالنصائح والإرشادات. في إحدى رسائله، يقدم ثيؤفان مقالًا رائعًا عن الصلاة فيكتب: "الصلاة هي رفع العقل والقلب إلى الله في التسبيح والشكر والتوسل لأجل الصالحات الروحية والمادية التي نحتاجها"، لذلك جوهر الصلاة هو ارتفاع وصعود الذهن إلى الله، فالعقل يقف في وعى تام أمام الله، وإذ هو مملوء بالتكريس اللائق، يبدأ يفتح له قلبه، وهذه هي الصلاة العقلية، وكل صلاة يجب أنْ تكون هكذا، فالصلاة في الكنيسة أو في البيت إنَّما تقدم فقط كلمات وشكل الصلاة، لكن كل إنسان لديه جوهر الصلاة في قلبه وعقله، وكل ترتيب الصلوات الطقسية والسواعي مملوء بتوسل العقل إلى الله. لقد أوصانا المخلّص بأنْ ندخل مخدعنا الداخلى ونصلى لله الآب في الخفاء، وإذا كان المخدع يعنى القلب، إذًا بالتالي، وصية الرب تعلّمنا أنْ نصلى في قلبنا إلى الله، وهذه الوصية للمسيحيين جميعهم، والرسول بولس يوصى بنفس الأمر قائلًا أنَّنا لابد أنْ نصلى في الروح كل حين (أف 18:6) فهو يوصى بالصلاة الروحية للمسيحيين جميعهم بلا استثناء، وهو أيضًا يوصيهم أنْ يصلوا بلا انقطاع (1تس 17:5) ولكن الصلاة بلا انقطاع مستحيلة إلاَّ في القلب، وقد يظن البعض أنَّ الصلاة بلا انقطاع مستحيلة، لكن ما دامت ضرورية ووصية حتمية لكل المسيحيين إذًا لابد أنْ تكون أيضًا ممكنة لأنَّ الله لا يوصى بالمستحيل، أمَّا كونها صعبة فهذا أمر صحيح، لكن كل صلاح بصفة عامة صعب، وإنْ كانت الصلاة أصعب فما ذلك إلاَّ لأنَّها مصدر كل صلاح والحافظة له. إذا سأل أحد "كيف أصلى؟" تكون الإجابة ببساطة "خاف الله" فخبرة مخافة الله تثير الانتباه والوعي في القلب وتغصبه على الوقوف بتكريس أمام الله، وهذا الوقوف الروحي العقلي أمام الله هو الصلاة، وطالما تظل مخافة الله في القلب، يستمر الوقوف العقلي أمام الله ولا يختفي من القلب، وهذه معونة عظيمة في الصلاة العقلية، ولو قال أحد: "الأعمال تشتتني" يجيبه ثيؤفان بأنَّ مخافة الله ليست فيه، لأنَّ الأعمال ليست عائقًا عن الوقوف العقلي أمام الله، ولا عن تذكر الله.. اَخرج من حياتك كل شيء رديء وخاوي ولا تترك إلاَّ ما يجب عليك بحسب وصية الإنجيل، وسوف ترى أنَّ أعظم ضرورياتك والتزاماتك لا تفصل عن الله بل على العكس، ستجد أنَّها تجذب قلبك إليه. عندما تستيقظ في الصباح، قف بثبات أمام الله في قلبك أثناء صلاة باكر، وبعد ذلك اِمض إلى العمل المعيَّن لك من الله، ولكن اِبق مع الله داخل وعيك وداخل مشاعرك، وعندئذ سوف تنجز عملك بقدراتك الجسدية، بينما تظل في الله في الذهن والقلب. إنَّ مَنْ يظنون أنَّه لكي نمارس الصلاة لابد أنْ نجلس في مكان ما في الخفاء، ونتأمل في الله، لا يعرفون معنى الصلاة، فنحن لا نحتاج إلى مكان خفاء بل إلى قلبنا، فيجب أنْ نقف هناك ونتأمل في الله. يقول الناس أنَّ الوحدة تساعد كثيرًا على النمو في الصلاة ولكن هذا مستحيل إلاَّ للرهبان لأنَّ المؤمنين في العالم يعيشون في أعمال لا تنتهي لذلك ليس لديهم وقت للصلاة، وهنا يقول ثيؤفان ردًا على ذلك، أنَّه صحيح أنَّ الوحدة نافعة وضرورية، لكن هناك نوعيْن من الوحدة، النوع الأول هو الوحدة الدائمة الكاملة عندما يخرج الإنسان إلى البرية ليحيا في وحدة تامة، والنوع الثاني هو وحدة جزئية مؤقتة، وإنْ كان النوع الأول غير مناسب لمَنْ يعيشون في العالم، لكن النوع الثاني يناسبهم تمامًا ويمكنهم أنْ يمارسوه، فكل إنسان لديه كل يوم بعض الدقائق التي يختلي فيها مع نفسه حتى لو لم يحاول أنْ يرتب لنفسه بضعة ساعات من الخلوة، وهذا الوقت يمكن أنْ يستخدمه الإنسان لينمو في الصلاة العقلية والوقوف القلبي أمام الله، وبالتالي لا يستطيع أحد أنْ يجد لنفسه الأعذار ويقول أنَّه ليس لديه وقت لممارسة الصلاة العقلية "اِبحث عن ساعة واِفحص نفسك، اِترك عنك كل الهموم وقف عقليًا في قلبك أمام الله واِفتح له نفسك" هذه هي نصيحة ثيؤفان الحبيس. ويشرح ثيؤفان فكرته عن الخلوة الداخلية بقوله أنَّه بجانب الخلوة الخارجية هناك أيضًا الخلوة الداخلية، فخارج الإنسان، يمكن أنْ يكون هناك نهر معتاد من الاهتمامات البشرية، لكن في نفس الوقت يمكن أنْ يكون هناك مَنْ يقف في القلب دون أنْ يلاحظ ما يحدث حوله، فالجميع يعلمون أنَّه عندما ينشغل الإنسان بالحزن لا يرى ولا يسمع مهما كانت الضوضاء حوله، إذ أنَّه وحده في قلبه منشغلًا بحزنه، وكلنا يعلم ذلك من الخبرة الشخصية، فإذا كان الأمر هكذا في الحياة الطبيعية إذًا يمكن أنْ يحدث أيضًا في الحياة الروحية، فعندما يبدأ الإنسان يحزن في قلبه، سوف يستطيع أنْ يُثبت وعيه وتركيزه في قلبه، وهكذا يكفى أنْ تجاهد لأجل نوال تلك الحالة الداخلية كىّ تكون في خلوة على الدوام أيًا كان المكان الذي أنت فيه، وهذا ليس أمرًا صعبًا، فقط اِقتنى مخافة الله وسرعان ما ستحزن وينسحق قلبك، عندئذ تُثبت انتباهك على الشيء الواحد الذي تحتاجه: كيف يجب أنْ تظهر أمام وجه الله؟ هذه هي الخلوة. وفى إحدى رسائله، يكتب ثيؤفان عن صلاة يسوع وكيف أنَّها تُقال شفاهة وعقليًا وقلبيًا، وفي حديثه عن الصلاة الشفاهية يقول: "في صيغتها المختصرة، تُقال هذه الصلاة كما يلي "يا ربي يسوع المسيح، ارحمني أنا الخاطئ" وفي صيغتها الكاملة تُقال هكذا "يا ربي يسوع المسيح، ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ" ورغم أنَّ هذه الصلاة تُقال في البداية بِتَغَصُّب، إلاَّ أنَّه بعد بعض التدريبات وغصب النفس، إذا كان هناك عزم ثابت على ضبط أهوائنا الكثيرة عن طريق الصلاة والمعونة، تُخمد هذه الصلاة الأهواء بسبب الممارسة وتزداد سهولة وحلاوة". في الصلاة الشفاهية لابد أنْ نبذل كل جهد لنثبت العقل والذهن على كلمات الصلاة ونقولها ببطء مُركزين انتباهنا كله على الأفكار المتضمنة في هذه الكلمات، وعندما يشرد العقل في أفكار غريبة، يجب أنْ نُثبّته فورًا في كلمات صلاتنا مرة ثانية، وتُعطَى للعقل نعمة عدم التشتت بعد وقت طويل، ليس عندما نريد نحن، بل عندما نتضع ويهبنا الله إياها. لقد قال رب المجد "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي" (مت 24:16) إذا طبقنا هذه الكلمات على الصلاة، نجدها تعنى: مَنْ يُريد أنْ يدرب نفسه على الصلاة، يجب أولًا أنْ ينكر نفسه ومشيئته الخاصة وأحكامه ويحمل صليبه، أيّ العمل الجسدي والروحي الضروري والحتمي لهذا التدريب، وعندما نسلم ذواتنا تمامًا للعناية الإلهية الساهرة دومًا، يجب أنْ نحتمل باتضاع وبسرور العمل لأجل الصلاح الحقيقي الذي يهبه الله في الوقت المناسب لإنسان الصلاة الحارة، عندما يضع الله بنعمته حدودًا لذهننا ويُثبّته بلا تشتت في تذكره لله وفي صلاته. وفى رسالة للأم ماجدالين Magdalen من دير زنامنسكى Znamensky Eletsky وهي راهبة "استلمت الطقس الملائكي العظيم" يكتب ثيؤفان عن أعلى قامات الصلاة التي اختبرها هو بنفسه فيقول أنَّه في البداية عندما يتوب الإنسان ويتحول نحو الرب، تكون الصلاة أول تدريباته، ويبدأ يذهب إلى الكنيسة ويبدأ يصلى في مخدعه سواء بكتاب الصلوات (الأجبية) أو بدون كتاب، لكن طوال الوقت توجد أفكار تجول وتطوف في ذهنه وتشتته، ومن المستحيل أنْ يضبطها، لكن مع استمرار التدريب في الصلاة، تبدأ أفكاره تثبت وتصير صلاته أكثر نقاوة. وفى رسالة أخرى يقول ثيؤفان أنَّ الإيمان المسيحي ليس مجرد نظام عقيدي، بل هو وسيلة وطريقة لاستعادة الإنسان الذي سقط، بموت الإله المتجسد وبنعمة الروح القدس "انظر أيّ من هؤلاء الذين تبعوا الرب وسترى أنَّه قليلًا قليلًا ينمو في الروح ويصير عظيمًا"، والأب سيرافيم (أيّ سيرافيم ساروفسكى) هو مثال لذلك، لقد كان بسيطًا غير متعلم، لكن مع ذلك إلى أيّ علو قد ارتقى؟! وكان ثيؤفان يؤكد دومًا على أهمية الحياة الكنسية وعلى أنَّه لا خلاص لأحد خارج الكنيسة، فيقول: "لا يمكن لأحد أنْ يخلص وحده، لأنَّ الرب قد صنع جسدًا واحدًا من المؤمنين جميعهم، فلا أحد يخلص إلاَّ في الكنيسة أيّ في الاتحاد الحي مع جماعة المؤمنين كلهم في الكنيسة، ومع الرب نفسه كرأس لها". ويؤكد على وحدة الكنيسة فيقول أنَّ الرب قد دعَى الكنيسة "كرمة" وهو نفسه الساق، والمؤمنين كلهم هم الأغصان، فالكنيسة في جميع أعضائها هي كلٌ واحد لا ينقسم متحد بحياة الرب نفسه، وكما يذبل الغصن ويجف متى نُزع من الشجرة، كذلك فإنَّ كل مَنْ يفصل نفسه عن كنيسة الله، وبالتالي عن الرب، لا تعود له حياة، ويوضح القديس بولس هذا الاتحاد الحيوي الأساسي بين المؤمنين مع الرب خلال الكنيسة بأنْ يُسمِّى الكنيسة "جسد المسيح"، فنحن المؤمنون جميعًا جسد المسيح، والمسيح الرب هو رأس هذا الجسد،وكما هو الحال في أجسادنا، كذلك لا يعيش العضو لنفسه بل في حياة مشتركة مع الجسد كله، وما أنْ ينفصل عن الجسد حتى يموت ويفسد، والمؤمن لا يعيش في عزلة وانفصال بل في شركة مع حياة الكنيسة كلها، وإذا انفصل عنها يموت روحيًا وهكذا يهلك. وفى اقتباس واضح بتعليم القديس كبريانوس أسقف قرطاچنة الشهيد، يقول ثيؤفان الحبيس: " إنَّ الكنيسة هي أمنا، وهؤلاء الذين ليست الكنيسة أمًا لهم، لا يكون الله أبًا لهم". ويُقدس ثيؤفان تقليد الكنيسة الأرثوذكسية المُسلم من الرسل والآباء القديسين، لذلك لا يَعتبر الطوائف البروتستانتية أعضاء في جسد المسيح، لأنَّ الذي أسس هذه الطوائف ليس الرسل بل أناس بإرادتهم الخاصة وبتدبير من وضعهم. وعن التدبير السرائرى للكنيسة المقدسة، شرح ثيؤفان كيف أنَّ سرىْ التوبة والتناول يهبا للنفس نعمة التبرير والتقديس، وبحسب وصية الرب، يقدم جسده ودمه في كل مكان على الأرض على الدوام لأجل غفران الخطايا، لذلك، بحسب ثيؤفان، كىّ نشترك في مراحم الرب هذه، لابد أنْ يكون لنا شركة حية دائمة مع كنيسته بأنْ نعيش ونحيا هذه الأسرار. كما أكد على أنَّ نوال نعمة الميلاد الثاني تتطلب أيضًا من المؤمن جهادًا وعملًا طويلًا يستمر طوال الحياة، وذلك أنْ يجاهد لينقى الروح والجسد ويحررهما تمامًا من كل ميل ردdx وكل شهوة، وأنْ ينمى الاشتياقات الصالحة في نفسه، وقد رتبت الكنيسة الأصوام وجعلتها قوانين للمؤمنين كىّ تُخضع الجسد وتُطفئ شهواته، وأعمال المحبة التي وضعتها، إنَّما لكي تزيل الحركات الشهوانية من النفس وتغرس بدلًا منها الأفكار والمشاعر الصالحة، كما رتبت الكنيسة الصلوات الطقسية المنظمة لكي تهذب النفس وتدخلها في اتحاد مع اللامنظور. فكانت الكنيسة بالنسبة لثيؤفان تحتضن كل الإنسان طوال حياته، فما أنْ يُولد حتى تأخذه في أحضانها وتسافر معه طوال حياته، وترافقه في جهاده ثم تصحبه إلى العالم الآتي: ويُشبّه ثيؤفان هؤلاء الذين يظنون أنَّ لهم خلاص خارج الكنيسة بالمثال التالي: "تخيل نهرًا واسعًا وعميقًا، وهناك جسور مُقامة عليه، وتوجد وسائل أخرى لعبوره كالقوارب، وكل مَنْ يريد أنْ يعبر إلى الضفة الأخرى يسير على الجسر أو يجلس في القارب ويعبر، ولكن الآن جاء "أناس حكماء!!" ظنوا أنَّه لا الجسور ولا القوارب ضرورية لهم، وظنوا أنَّ روحًا سوف تأخذهم وتعبر بهم إلى الضفة الأخرى، فجلسوا بغرور على شاطئ النهر دون أنْ يتحركوا، بل ابتسموا وهم يشاهدون الآخرين يعبرون ودعوهم عديمي العقل. تُرى هل سيعبر هؤلاء إلى الشاطئ الآخر؟ كلا بالطبع، بل سيظلون في موضعهم طوال حياتهم". [القوارب والجسور هي أنواع الجهاد القانونية والتي تصل بالإنسان إلى ميناء ملكوت السموات، ومَنْ يرفضون الجهاد القانوني هذا، لا يكون لهم أبدًا بلوغ إلى ملكوت السموات]. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديس ثيؤفان الحبيس المجاهد |
+ كيف نصلي+ القديس ثيوفان الحبيس |
رسائل القديس ثيؤفان الحبيس |
ملامح من فكر القديس ثيؤفان الحبيس |
اعمال القديس ثيؤفان الحبيس |