مزمور 115 - تفسير سفر المزامير
تباين بين الله والأوثان
جاء هذا المزمور امتدادًا للمزمور السابق. فالمزمور 114 يسبح الله لأجل مجده وبركاته، خاصة في قيادته لشعبه عند الخروج من مصر والتحرر من عبودية فرعون. يستمر هذا المزمور في نفس الفكرة بأكثر عمومية. كما يتضمن تباينًا صارخًا بين الله الحي والأوثان الجامدة بلا حياة ولا مشاعر. يقدم لنا الله بكونه معينًا لشعبه، وترسًالهم. كما يُختم بالبركات التي تحل على شعبه المتكل عليه، الأمر الذي يعلنه بأكثر وضوح في المزمور التالي.
اختلف الدارسون في تحديد مناسبة هذا المزمور. فالبعض نسبه لموسى النبي عند عبور البحر الأحمر، وآخرون لداود النبي في بدء حكمه، وآخرون لمردخاي وأستير عندما أنقذ الرب شعبه على أيديهما، والبعض للثلاثة فتية حين أنقذهم الرب من أتون النار، وآخرون لحزقيال الملك الذي خلصه الرب من الأعداء.
هذا المزمور هو قصيدة شكر لله الحيّ العامل في حياة مؤمنيه وشعبه. وهو تسبحة كل يومٍ في حياة المؤمن الذي يهبه الله نصرة، ويقدم له مراحم جديدة في كل صباح، في الوقت الذي لا يكف عدو الخير عن مقاومته. قدر ما يبدو المؤمن أو كنيسة المسيح في خطرٍ، يتجلى رب المجد يسوع في عمله الخلاصي. الضيق هو الطريق الذي فيه نلتقي مع المخلص، ونختبر خلاصه، وننعم بحلاوة محبته، فتنطلق أعماقنا بالتسبيح له كل أيام غربتنا، لنمارسه أيضًا في الأبدية.
يقدم لنا هذا المزمور الإجابة على الأسئلة التالية:
1. أين هو إلهنا؟ [1-3] في السماء وهو القدير، من ينعم بالشركة معه، لن يقبل أن يضع ثقته في من هو أقل منه.
2. ما هي سماته؟ [4-11] إن كانت الآلهة الوثنية تقيم ممن يتعبدون لها حجارة جامدة بلا إحساس، فإن إلهنا يهبنا شركة الطبيعة الإلهية. كل إنسان يتشكل ليحمل أيقونة من يتعبد له. فمن يتعبد لمحبة العالم يحمل فيه سمات العالم الزائل، ومن يتعبد لمخلص العالم يحمل فيه سمات الحب لكل البشرية حتى لمقاوميه. إلهنا مشغول بنا، يرانا ويسمع أصواتنا ويعيننا.
3. هل نلتزم بتسبيحه؟ [12-18] يشرق القدوس بالبركة علينا، فيباركنا بغير انقطاع، فهل نباركه نحن، بقبولنا لبهائه عاملًا فينا، ونمجده بحياتنا المقدسة فيه. إنه يقدم لنا وعوده الإلهية، فهل نثق فيه، ونتكل عليه؟ هو الإله الحيّ، فهل نسبحه في أرض الأحياء، أم نستسلم للموت والانحدار نحو الصمت القاتل؟
هذا المزمور ليتورجي، يسبح هكذا:
أ. الشعب: يبدأ المزمور باعتراف الشعب عن أعمالهم الخاطئة [1-2]، ويستمر في رفض الآلهة الباطلة [3-8].
ب. اللاويون: يدخلون في الحوار [9-11].
ج. الكهنة: يعلنون البركة الإلهية [12-15].
د. الشعب: يسبحون بالقرار [16-18].
1. اعتراف جماعي
1-3.
2. تباين عن الأوثان
4-8.
3. الاتكال على الله
9-17.
4. لنبارك الرب!
18.
من وحي المزمور 115
1. اعتراف جماعي
حينما تحل بالإنسان تجربة قاسية، ويسقط في حالة إحباط، يعيره البعض قائلين: أين إلهك؟ (مز 42: 3)، وكما جاء في يوئيل: "لماذا يقولون بين الشعب: أين إلههم" (يوئيل 2: 17). وأيضًا قال ربشاقي الأشوري: "هكذا يقول الملك: لا يخدعنكم حزقيا، لأنه لا يقدر أن ينقذكم، ولا يجعلكم حزقيا تتكلون على الرب... هل أنقذ آلهة الأمم كل واحدٍ أرضه من يد ملك أشور؟" (إش 36: 14-18) أما ما هو أخطر من هذا، فهو أن يصدر هذا التساؤل من داخل الإنسان، حين يشعر كأن الله في سماواته لا يبالي به، ولا يهتم بإنقاذه.
ولعل هذا التساؤل جاء من بعض الأمم، الذين إذ يدخلون أورشليم أو أية مدينة من مدن إسرائيل، ولا يجدون تماثيل ثمينة، يعيّرون اليهود بأنهم بلا آلهة.
جاء هذا المزمور باعترافٍ جماعيٍ، أن الضيق الذي حلّ بهم ليس بسبب تجاهل الإله السماوي لهم، وإنما بسبب خطاياهم.
لَيْسَ لَنَا يَا رَبُّ، لَيْسَ لَنَا،
لَكِنْ لاِسْمِكَ أَعْطِ مَجْدًا،
مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ مِنْ أَجْلِ أَمَانَتِكَ [1].
يقدم المؤمن هذه التسبحة لله، فإذ يتطلع إلى الأمم المحيطة به، وهي تنكر الإيمان لا يسقط في الكبرياء، حاسبًا نفسه أنه أفضل منهم، بل ينسب كل ما بلغ إليه إلى نعمة الله ومراحمه، ومن أجل أمانة الله بالرغم من عدم أمانتنا. يجحد المرتل كل برٍّ ذاتي واستحقاق بشري، ليعلن مجد الله العامل برحمته وأمانته وحقه الإلهي في حياة مؤمنيه الجادين في التمتع به.
غالبًا ما يرتبط تعبير "أعطِ مجدًا" بالاعتراف بالخطية، كما حدث حين أخطأ عخان بن كرمي. "فقال يشوع لعخان: يا ابني أعطِ الآن مجدًا للرب إله إسرائيل، واعترف له، وأخبرني الآن ماذا عملت. لا تُخفِ عني" (يش 7: 19).
أيضًا عندما أخذ الفلسطينيون تابوت العهد، فسقط إلههم داجون أمامه، قال لهم العرافون والكهنة: "أعطوا إله إسرائيل مجدًا، لعله يخفف يده عنكم وعن آلهتكم وعن أرضكم" (1 صم 6: 5).
في هذا المزمور يعترف الشعب بأن الله بار، وما حلّ بهم من كارثة هو ثمرة طبيعية لشرورهم، وليس لهم ما يقدمونه من جهتهم ليطلبوا رحمته سوى أن يتمجد اسم الله وتظهر أمانة الله بالرغم من عدم أمانتهم. يقول الرب نفسه: "لا من أجلكم أنا صانع يقول السيد الرب، فليكن معلومًا لكم، فاخجلوا واخزوا من طرقكم يا بيت إسرائيل" (حز 36: 32).
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "أعطِ المجد على رحمتك وحقك".
يقول القديس أغسطينوس إنه كثيرًا ما تربط المحبة الرحمة والحق معًا في الأسفار المقدسة. [ففي رحمته يدعو الخطاة، وفي حقه يدين الذين عند دعوتهم يرفضون المجيء إليه[1].]
* لأن المسيح مات عن الخطاة (رو 5: 6)، لا يطلب الناس أي مجد لهم، بل لاسم الرب[2].
لِمَاذَا يَقُولُ الأُمَمُ:
أَيْنَ هُوَ إِلَهُهُمْ؟ [2]
يحاول عدو الخير على الدوام أن يشكك المؤمنين في رعاية الله لهم واهتمامه بهم. يبذل كل الجهد في كل العصور أن يصَّور الله في سماواته في عُزلةٍ، لا يبالي بشئون البشر.
يشعر الإنسان بالمرارة حين يهين غير المؤمنين الله كأنه غير موجود، أو لا حول له ولا قوة، مع أن السبب الحقيقي فيما يحل به هو خطاياه.
عندما لا يعود يُكرز بالإيمان به، إذ يأتي على السحاب ويولول غير المؤمنين، عندئذ لا يقول الأمم: أين هو إلههم؟"، بل يقفون في خوفٍ ورعدةٍ.
* وكما يقول النبي: "لأن عندك ينبوع الحياة. بنورك نرى نورًا" (مز 36: 9). فالذين يشربون من غنى بيت الله، من نهر فرحه، يصيرون في نشوة. أيضًا كان داود العظيم في نشوة، لأنه خرج من نطاق نفسه إلى آفاق الفرح والسعادة الغامرة. فقد رأى الجمال الغير منظور، وصرخ بصوته الذي تقوده القوى المقدسة: "لماذا يقول الأمم أين هو إلههم" (مز 115: 2). يشرح داود بهذا التعبير كنوز الله العظيمة جدًا التي تعلو عن التعبير عنها. وقال بولس، بنيامين الجديد، وهو في نشوة السعادة والفرح العظيم: "لأننا إن صرنا مختلين فللَّه (تُعتبر النشوة والسعادة حركة ناحية الله) أو كنا عاقلين فلكم" (2 كو 5: 13). وأشار بولس بطريقة مماثلة إلى فستوس قائلًا: "لست أهذي أيها العزيز فستوس، بل أنطق بكلمات الصدق والصحو" (أع 26: 25)[3].
القديس غريغوريوس النيسي
إِنَّ إِلَهَنَا فِي السَّمَاءِ.
كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ [3].
إن كان العدو يحاول تشويه صورة الله نفسه، فيصوره في عزلة في السماء، لا عمل له، ولا دور له على الأرض، فإن المؤمنين من جانبهم يؤكدون أنه في السماء حيث لا موضع للعدو فيها ولا للشر مكان أو دور. إنه يعمل لحساب البشرية موضع حبه. كثيرًا ما يؤكد الكتاب المقدس: "الرب قريب". هو في السماء، لكنه قريب للغاية، أقرب إلينا من أعضاء أسرتنا وأحبائنا. قريب أيضًا بسبب محبته، وكما يقول رب المجد يسوع: "أبي يعمل حتى الآن، وأنا أيضًا أعمل".
إن كان الله غير منظور، إلا أنه حاضر في كل مكان، ويريد أن يعمل. إنه في السماء، ويود أن يحمل المؤمنون روح القداسة اللائقة به.
حينما رجع نبوخذنصر إلى عقله، وأدرك خطورة كبريائه، قال: "حسبت جميع سكان الأرض كلا شيء، وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض، ولا يوجد من يمنع يده، أو يقول له ماذا تفعل؟" (دا 4: 35)
* إنه في السماء وعلى الأرض كما يشاء يفعل، سواء بين الذين في مراتب عليا أو دنيا من شعبه. إنه يقدم نعمته هبة مجانية، فلا يفتخر أحد باستحقاقاته الذاتية لأعماله[4].
2. تباين عن الأوثان
أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ،
عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ [4].
جاءت كلمة "أصنام" هنا بمعنى "صور". إنها من فضة وذهب، لا حياة فيها. فهي أقل من الملائكة والناس. إن كان الله هو خالق البشر، فإن أصنامهم ليست عاجزة عن الخلقة فحسب، بل هي نفسها من "عمل أيدي الناس". إنها ليست بآلهة.
يميز القديس كيرلس الكبير بين الصور التي يعبدها الوثنيون كآلهة، وصور القديسين والأبرار التي تمجد الله، وترفع قلوبنا إليه.
* حتى إن صنعنا صورًا للأتقياء، فهي ليست لكي نتعبد لها كآلهة، وإنما لكي ما إذا رأيناها تحثنا على الاقتداء بهم، وإن صنعنا صورة للمسيح، إنما لكي ترتفع عقولنا في اشتياقٍ إليه[5].
* حقًا لديهم أصنام من نحاس وخشب وخزف، ومواد مختلفة من هذا النوع. لكن الروح القدس فضّل الإشارة إلى المواد الثمينة، لأنه عندما يتخلى من تلك التي هي أثمن، بالأكثر يستطيع أن يتخلى عن العبادة للأشياء التافهة. يتحدث في موضع آخر عن عابدي الأوثان: "قائلين للعود أنت أبي، وللحجر أنت ولدتني" (إر 2: 27). ولئلا يظن من يفعل هذا ليس للحجر أو العود، وإنما للذهب والفضة، فيحسب نفسه أكثر حكمة، لذا يلزمه أن يحول أذن قلبه إلى القول: "أصنامهم ذهب وفضة"[6].
لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ.
لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ [5].
يتعجب المرتل كيف يمكن لإنسان أن يعبد صور خرساء وعمياء، وتبقى هكذا على الدوام.
يدهش القديس أغسطينوس من الوثنيين الذين يكرمون الأصنام ويعبدونها، وينسبون لها سلطانًا، مع أن الإنسان الفنان صانعها أفضل وأسمى منها. الحيوانات حتى الضارة منها مثل الفئران والحيات فيها نسمة حياة لا توجد في الأصنام. والإنسان الميت وإن كان غير حي، لكنه يومًا ما كان حيًا، أما الأصنام فلم تعرف الحياة!
* صانع (الأصنام) نفسه أعظم منها، إذ قام بصبها وأوجدها بعمل أطراف جسمه، ومع هذا فأنت تخجل من أن تعبد الصانع (الفنان)، مع أنك تفعل ما لا تستطيع هي أن تفعله.
حتى الحيوان يسمو عليها، إذ قيل: "لا تصرخ بحناجرها"... كيف أن الفئران والحيات وكل الحيوانات التي من نفس النوع أفضل منها، وهي تدين أصنام الوثنيين...
يتحرك الإنسان بنفسه لكي يُرعب حيوانًا حيًا ويطرده عن إلهه، ومع هذا يعبد هذا الإله العاجز عن الحركة، كما لو كان صاحب سلطان...
حتى الإنسان الميت يسمو على هذا الإله، الذي لم يعش وليس هو حي[7].
* مع أن الإنسان يصنع آلهته، إلا أن يصير أسيرًا لها، وذلك بمجرد قبوله التبعية لها بتعبده لها... فما هي الأصنام سوى أشياء لها أعين ولا تبصر، كما يقول الكتاب المقدس؟[8]
لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ.
لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ [6].
يحتاج الإنسان إلى إله يسمع وله ويتجاوب معه، وقادر على العمل والمشاركة. أما هذه الأصنام فصّماء حتى عن الشم. أما بالنسبة لله الحي، ففي محبته الفائقة يميل بأذنيه ليسمع حتى تنهدات قلوبنا، يشتم فينا رائحة البنوة، فيضمنا إلى أحضانه ويقَّبلنا.
* لا تنطق بشيء أمام الله (بكبرياء) كما لو كنت صاحب معرفة، إنما اقترب إليه وأنت تحمل فكر الطفل (الواثق في أبيه)، واسلك أمامه، فتُحسب أهلًا للرعاية الأبوية التي يقدمها الآباء لأطفالهم الصغار[9].
لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ.
لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي،
وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا [7].
لم يكف العهد القديم عن شجب العبادة الوثنية. تعجز الأصنام عن العمل والحركة والنطق. هذه السمات التي للأصنام تدعو للسخرية مع الشعور بالعجز. وكما قيل بإشعياء النبي: "فبمن تشبهون الله، وأي شبه تعادلون به. الصنم يسكبه الصانع، والصائغ يغشيه بذهبٍ، ويصوغ سلاسل فضة. الفقير عن التقدمة ينتخب خشبًا لا يسوس، يطلب له صانعًا ماهرًا لينصب صنمًا لا يتزعزع" (إش 40: 18-20).
* لقد حرر الذين يملكون الأشياء الجامدة من العبودية لها، وذلك خوفًا من أن يصيروا فيما بعد عبيدًا للأوثان، التي قيل عنها: "لها أفواه ولا تتكلم؛ لها أعين ولا تبصر، لها آذان ولا تسمع؛ لها مناخر ولا تشتم؛ لها أيدٍ ولا تلمس؛ لها أرجل ولا تمشي" (مز 5:115). من أجل هذا، دعا بولس الرسول محبة المال "عبادة أوثان"، لأنه كما أن الأمم يعبدون الأشياء الجامدة التي لا توجد فيها مشاعر ولا حياة، هكذا أيضًا الذين يحبون الغنى يخدمون ذهبًا صامتًا وفضة بلا حياة[10].
مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا،
بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا [8].
يرى القديس أغسطينوس أن الأمم إذ عبدوا التماثيل الحجرية صاروا حجارة، كالأشياء التي اعتادوا أن يعبدوها، عبدوا الصورة الجامدة فصاروا هم أنفسهم بلا حس[11].
إن كان عابدو الأوثان في حماقتهم عبدوا المخلوقات غير العاقلة، فصاروا على مثالها، مملوءين بالحماقة، فإننا إذ نعبد الإله الخالق، نود أن نقتدي به بكونه كلي الحكمة والفهم والحب والرحمة. فالإنسان يقتدي بمن يتعبد له! كما أن الأصنام لا حول لها، هكذا العابدون لها يصيرون بلا قوة، فيشبهون آلهتهم الأصنام وعابدوها يجحدون العقل والفهم، ويتسمون بالغباء.
* وماذا نقول نحن الآن؟ كانت الطبيعة البشرية في وقت من الأوقات جامدة خلال الوثنية، فتحولت طبيعة الإنسان القادرة على التغيير إلى الطبيعة التي لا حياة فيها كالأصنام التي كانوا يعبدونها. يقول الكتاب: "مثلها يكون صانعوها، بل كل من يتكل عليها" (مز 115: 8).
ولا يمكن تلافي هذا الأمر، لأن كل الذين ينظرون إلى الله ويحفظون وصاياه، يكتسبون صفات الطبيعة الإلهية، بينما الذين ينحازون إلى الباطل، أي الأصنام، يتحولون إلى ما يعبدونه، ويصيرون حجارة بدلًا من بشر[12].
* خُلق الإنسان أولًا على صورة الله، إلاّ أنه تحول إلى حيوان غير عاقل، فصار شبيها بالنمر والأسد من خلال العادات الشريرة، وكما يقول النبي: "يكمن المختفي كأسد في عرينه. يكمن ليخطف المسكين. يخطف المسكين يجذبه في شبكته" (مز 10: 9).
لقد تحول الإنسان إلى حيوان متوحش بعد أن صار قويًا. "مثلها يكون صانعوها، بل كل من يتكل عليها" (مز 115: 8). ويصبح الشخص نمرًا بصبغ نفسه بقذارة هذا العالم. وعندما تلوثت الطبيعة البشرية انجرفت في عبادة الأوثان، وأخطأ اليهود وسقطوا في غيرها من الشرور والخطايا. وبعد ذلك مرت الطبيعة البشرية خلال الأردن والمرّ والأعشاب العطرة والبخور وارتفعت إلى مستوى عالٍ، حتى أنها تسير الآن مع الله...
يمنح العريس النفس التي تصعد إليه عمقًا في التمتع بالسمو، ويظهر جماله لها، ويذكرها بأخطائها السابقة وهي على هيئة الحيوانات المتوحشة، حتى تتمكن من الفرح في تمتعها الحالي بمقارنته بحالتها السابقة[13].
3. الاتكال على الله
إذ يتكئ المؤمن على صدر الله إن صح التعبير، يجد عونًا له في مقاومة الخطية التي أفسدت طبيعته، ويجد في الله ترسًا يحميه من إبليس وكل حيله. إنه يترقب يوم مجيء البرّ بفرحٍ، لأنه لا يخشى الدينونة، بل يترقب بالتهليل لقاءه بالله مخلصه.
يَا إِسْرَائِيلُ اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ.
هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ [9].
إن كان الوثنيون يثقون في الأصنام الجامدة، ويسلمون حياتهم لها، كم بالأولى أن يثق المؤمنون بالله الحي، محب البشر، المدبر والحكيم. يقول المرتل: "أنفسنا انتظرت الرب؛ معونتنا وترسناهو. لأنه به تفرح قلوبنا، لأننا على اسمه القدوس اتكلنا" (مز 33: 20-21). ليس من اتكل عليه وخزي.
يوجه حديثه إلى إسرائيل، أو إلى الكنيسة كلها، من كل الطبقات، الأغنياء والفقراء، الصبيان والشيوخ.
يَا بَيْتَ هَارُونَ اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ.
هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ [10].
إن كانت الدعوة للاتكال على الله موجهة لكل المؤمنين، فإنه يليق بالكهنة والخدام العاملين في كرم الرب أن يتكلوا عليه كمجنٍ أو ترس لهم.
يَا مُتَّقِي الرَّبِّ اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ.
هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ [11].
بعد أن وجه الدعوة إلى جميع المؤمنين، ثم ركز على العاملين في الكرم، أراد أن يؤكد أن الذين يتمتعون بعون الرب، ويكون لهم الله بالحق مجنًا (ترسًا) هم الذين يسلكون في مخافته، ويعيشون بروح التقوى، بإخلاص وبروح التوبة.
الرَّبُّ قَدْ ذَكَرَنَا، فَيُبَارِكُ.
يُبَارِكُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ.
يُبَارِكُ بَيْتَ هَارُونَ [12].
إن كان المرتل يدعونا للاتكال على الله، فلا يعني أنه محتاج أن نذَّكره، فنحن دومًا في فكره، يحبنا وينشغل بنا، ويريد على الدوام أن يباركنا. لكنه لا يُلزمنا بأن ننال بركته، إنما يليق بنا أن نتجاوب مع إرادته المقدسة.
يُبَارِكُ مُتَّقِي الرَّبِّ الصِّغَارَ مَعَ الْكِبَارِ [13].
يؤكد المرتل شهوة قلب الله أن يبارك الصغار مع الكبار. ليس عند الله محاباة، ولا ينسى أحدًا. إنه أب!
* ليأتِ الصغار، ليأتِ المرضى إلى الطبيب، ليأتِ الذين هم مفقودون لمخلصهم، ليأتوا ولا يُمنع أحد عن المجيء.
إن كانت الفروع (الأطفال) لم ترتكب أية خطية بعد، لكنهم هلكوا بسبب أصلهم، "يبارك الرب الصغار مع الكبار" (مز 115: 13). ليلمس الطبيب الصغار مع الكبار...
إذ كان الفقدان شاملًا هكذا ليكن الخلاص عامًا. كلنا ضعنا، لنوجد جميعنا في المسيح... ليته لا يُعزل أحد عن خلاصه[14].
لِيَزِدِ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ.
عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَبْنَائِكُمْ [14].
يحثهم المرتل على الاتكال على الله، لا لنوال عونه وبركته فحسب، وإنما تزداد هذه البركة، فيشعر المؤمن بالتجديد المستمر. وفي نفس الوقت يفتح الباب لنسله، فغالبًا ما يشتهي الإنسان البركة لأولاده وأحفاده أكثر مما يشتهيها لنفسه.
أَنْتُمْ مُبَارَكُونَ لِلرَّبِّ
الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [15].
يشتهي المؤمنون عبر الأجيال أن ينعموا بالبركة التي تمتع بها أبوهم إبراهيم.
تشير البركة هنا إلى البركة التي قدمها ملكي صادق لإبراهيم "وباركه، وقال: مبارك إبرام من الله العلي، مالك السماوات والأرض" (تك 14: 19). بركة لا يمكن تقديرها، لأنها صادرة من خالق السماوات والأرض.
السَّمَاوَاتُ سَمَاوَاتٌ لِلرَّبِّ،
أَمَّا الأَرْضُ، فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ [16].
جاءت كلمة "السماوات" هنا في المرتين بصيغة الجمع، ولعله يقصد السماء الثالثة، التي لم يستطع الرسول بولس أن يصفها. فإن كان الله قد أعطى بني آدم الأرض ليعيشوا فيها خلال حياتهم الزمنية، إلا أنه يُعد لهم الأمجاد الأبدية في السماوات!
يرى العلامة أوريجينوس أن الله السماوي يقدم الأبوة السماوية، فيضمنا إليه كعائلته السماوية، أما نحن الذين لنا الأرض، فنرتبط معًا خلال علاقات زمنية[15].
* السماء بالحقيقة عالية، والمسافة بينها وبيننا غير محدودة. إذ يقول: "السماوات سماوات للرب". ولكن، ليس بسبب هذا نكون مُهملين أو خائفين، كما لو كان الطريق إليها مستحيلًا، بل بالحري يلزمنا أن نكون غيورين[16].
* لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأُ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماءِ حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون. لأنهُ حيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضًا.
فإن كان القلب على الأرض، أي إن كان الإنسان في سلوكه يرغب في نفع أرضي، فكيف يمكنه أن يتنقى مادام يتمرغ في الأرض؟! أما إذا كان القلب في السماء فسيكون نقيًا، لأن كل ما في السماء هو نقي. فالأشياء تتلوث بامتزاجها بما هو أردأ منها، ولو كان هذا الرديء نقيًا في ذاته. فالذهب يتلوث بامتزاجه بالفضة النقية، وفكرنا يتلوث باشتهائه الأمور الأرضية، بالرغم من نقاوة الأرض، وجمال تنسيقها في ذاته.
لكننا لا نفهم كلمة "السماء" هنا بمعنى مادي، لأن كل ما هو مادي يعتبر أرضًا. فالذي يكنز في السماء ينبغي عليه أن يحتقر العالم كله. فالسماء هي تلك التي قيل عنها: "السماوات سماوات للرب" (مز 16:115) أي جلد روحي. لأنه لا ينبغي لنا أن نثبت كنزنا وقلبنا في هذه السماء الزائلة، بل لنثبتهما ونكنزهما في السماء الباقية إلى الأبد. أما السماء والأرض (الماديتان) فتزولان[17].
لَيْسَ الأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ الرَّبَّ،
وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ السُّكُوتِ [17].
لا يُسمع صوت التسبيح من أفواه الأموات المنحدرين إلى أرض السكوت، أي في القبور. لهذا يليق بنا أن نتعدى الوجود في القبور، لنسبح الله أبديًا. "لأن الهاوية لا تحمدك. الموت لا يسبحك. لا يرجو الهابطون إلى الجب أمانتك. الحيّ هو يحمدك كما أنا اليوم" (إش 38: 18-19).
* العيد لا يعني التمتع بأكل اللحوم والملابس الفاخرة، ولا هو أيام للترف، إنما تكمن بهجته في معرفة الله وتقديم الشكر والحمد له.
هذا الشكر وهذا الحمد، يقدمه القدِّيسون وحدهم الذين يعيشون في المسيح، إذ مكتوب: "ليس الأموات يسبحون الرب، ولا من ينحدر إلى أرض السكوت. أما نحن فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر" (مز 115: 17-18).
وهكذا كان الأمر مع حزقيا الذي خلُص من الموت، فسبح الله قائلًا: "لأن الهاوية لا تحمدك. الموت لا يسبحك... الحيّ هو يحمدك كما أنا اليوم" (إش 38: 18-19).
فتسبيح الله وتمجيده هو من اختصاص الذين يحيون في المسيح وحدهم، هؤلاء يصعدون إلى العيد، لأن الفصح ليس للأمم (الوثنيين عابدي الأصنام)، ولا للذين هم يهود بحسب الجسد، بل للذين يعرفون الحق، وذلك كما يقول ذاك الذي أرسل للإعلان عن مثل هذا العيد، "لأن فصحنا أيضًا المسيح، قد ذُبح لأجلنا".
لذلك وإن كان الأشرار يقحمون أنفسهم لكي يحفظوا العيد، بينما عمل العيد هو تمجيد الله، لهذا فإنهم كأشرارٍ يقتحمون متطفلين في دخولهم كنيسة القدِّيسين. هؤلاء يوبخهم الله معاتبًا كل واحدٍ منهم قائلًا: "ما لك تتحدث بفرائضي" (مز 50: 16).
ويوبخهم الروح القدس قائلًا بأنه ليس للتسبيح مكان في فم الخاطئ (ابن سيراخ 15: 9)، ولا للخطية وجود في مذبح الله، لأن فم الخاطئ يتكلم في الأمور الجامحة، كقول المثل: "فم الأشرار ينبع شرورًا" (أم 15: 28).
لأنه كيف يمكننا أن نسبح الله بفم دنس، إذ لا يمكن أن يتفق النقيضان معًا؟ لأنه أية خلطة للبرّ والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ هذا ما يقوله بولس خادم الإنجيل (2 كو 6: 14).
أما البار، فإنه وإن كان يظهر ميتًا عن العالم، لكنه يتجاسر فيقول: "أنا لا أموت، بل أحيا وأحدث بأعمالك العجيبة" (مز 118: 17)، فإنه حتى الله لا يخجل من أن يُدعى لهم إلهًا، هؤلاء الذين بحق يميتون أعضاءهم التي على الأرض (كو 3: 5)، ويحيون في المسيح الذي هو إله أحياء لا إله أموات، هذا الذي بكلمته ينعش كل البشر، ويعطيهم طعامًا يحيا به القدِّيسون، كما أعلن الرب قائلًا: "أنا هو خبز الحياة" (يو 6: 48).
* الغاية التي من أجلها يصير الإنسان غريبًا عن هذا العالم إنما هي أن تعبر نفسه إلي عالم آخر ودهر آخر، كما يقول الرسول: "إن مواطنتنا هي في السماوات" (في 20:3)، كما يقول: "وإن كنا نسلك علي الأرض، لسنا نسلك حسب الجسد" (2 كو 3:10)، لذلك فإن من يجحد هذا العالم، يجب أن يؤمن بكل يقين أنه ينبغي أن يعبر بفكره منذ الآن بالروح إلي عالم آخر. وهناك تكون سيرتنا ولذتنا وتمتعنا بالخيرات الروحية، وأنه ينبغي أن يولد من الروح في الإنسان الداخلي، كما قال الرب: "من يؤمن بي، فقد انتقل من الموت إلي الحياة" (يو 24:5). فإنه يوجد موت آخر غير الموت الطبيعي المنظور، وحياة أخرى غير هذه الحياة المنظورة. يقول الكتاب: "وأما المتنعمة فقد ماتت وهي حية" (1 تي 6:5)، كما يقول: "دع الموتى يدفنون موتاهم" (لو 60:9)، "لأن ليس الأموات يسبحونك يا رب، بل نحن الأحياء نباركك" (مز 17:115، 18)[18].
* هذه الأسئلة موجهة إليهم، أما كلمات الأنبياء فهي لنا نحن المؤمنين.
لكن مادام البعض الذين يعلمون بالأنبياء ولا يؤمنون بما هو مكتوب، ويجادلون ضدنا، مسيئين فهم ما كُتب بحق: "لذلك لا يقوم الأشرار في الدين" (مز 5:1).
حسنًا يليق بنا أن نقابلهم بطريقة سطحية بقدر الإمكان، لأنه إذا قيل: "إن الأشرار لا يقومون في الدين"، فهذا يظهر أنهم سيقومون في الدين، لأن الله لا يحتاج إلى إمعان نظر طويل إليهم، بل بعد قيام الأشرار في الحال يذهبون إلى عقابهم.
وإذا قيل: "ليس الأموات يسبحونك يا رب" (مز 17:115)، فهذا يظهر أن هذه الحياة فقط هي الوقت المعين للندم والمغفرة. "والذي يهبط إلى الهاوية لا يصعد" (أي 9:7).
فالذين يسرون بها (الحياة) هم الذين سيسبحون الله، أما الذين ماتوا في الخطايا، فلا يبقى لهم وقت أن يسبحوا بعد الموت كمتمتعين بالبركات. إنما ينوحون على أنفسهم، لأن التسبيح لمن يشكر، والنحيب لمن هو تحت العقاب.
لذلك يقوم الأتقياء بالتسبيح، أما الذين ماتوا في الخطايا فليس لهم وقت للاعتراف (الحمد) بعد ذلك[19].
القديس كيرلس الأورشليمي
4. لنبارك الرب!
يمد الله يده ويبارك مؤمنيه، ويشعر المؤمنون أنهم في فكر الله على الدوام، يحفظ وعوده، أمين في تحقيق ميثاقه.
أَمَّا نَحْنُ فَنُبَارِكُ الرَّبَّ،
مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ. هَلِّلُويَا [18].
يليق بالكنيسة أن تبارك الرب من الآن وإلى الأبد. حقًا إنها تواجه متاعب، لكن رجاءها في الله مخلصها، وتطلعها إلى الأمجاد الأبدية، يجعلها في فرحٍ دائمٍ حتى في لحظات التعب والألم.
* كما أن ملكوت الشيطان يكون بقبول الخطية، فإن ملكوت الله يُنال بعمل الفضيلة في نقاوة قلب وبمعرفة روحية، وأينما وجد ملكوت السماوات فبالتأكيد تكون الحياة الأبدية بفرحٍ، وحيثما وجد ملكوت الشيطان، فبلا شك يوجد الموت والقبر. ومن يكون في ملكوت الشيطان، لن يقدر أن يحمد الله، إذ يخبرنا النبي قائلًا: "ليس الأموات يسبّحون الرب، ولا مَن ينحدر إلى أرض السكوت. أما نحن (الأحياء الذين نعيش لله وليس للخطية أو للعالم)، فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر، هلليلويا" (مز 17:115، 18). "لأنهُ ليس في الموت ذكرك. في الهاوية (الخطية) مَنْ يحمدك" (مز 5:6). فالإنسان ليس كيفما كان،بل ولو دعا نفسه مسيحيًا آلاف المرات أو راهبًا لا يقدر أن يعترف بالله إن كان يخطئ متمسكًا بخطيته[20].
من وحي المزمور 115
أنت معيني وترسي!
* نعمتك العجيبة تعمل فيّ.
ليس لي أن افتخر بعملٍ ما.
إنما رحمتك تسندني،
وأمانتك تتعهدني.
وعودك صادقة وأمينة.
* في وقت ضيقي ليس لي إلا أن أدين نفسي.
خطاياي تفسد سلامي.
بنعمتك تغفر كل آثامي.
* اعتز الوثنيون بأصنامهم،
خاصة المصنوعة من ذهبٍ وفضةٍ.
لم يدركوا أنها عاجزة عن الخلق،
إذ هي نفسها من عمل أيدي الناس.
لأعتز بك يا خالق السماء والأرض.
فلا يكون للذهب ولا للفضة مكان في قلبي.
لتحتل القلب كله،
يا خالق الكل!
* أشتاق أن أسمع صوتك العذب، يا خالق الفم.
لأراك وأتمتع ببهائك.
يا من صنعت لي عينين،
وقدمت لي بصيرة داخلية لمعاينة أسرارك.
أمل أذنك، فأنت وحدك تسمع أنات قلبي، وتدرك ما وراءها.
هب لي رائحة أطيابك،
فأصير موضع بهجة السمائيين.
لتبسط يدك وتحتضني،
فليس من معزٍ مثلك.
دائمًا تبحث عني،
وتسعى إليّ، لتردني إليك.
* لتمتد يدك يا رب وتباركني.
وليفرح قلبي بعمل نعمتك في حياة الكثيرين.
فينضم إلى كنيسة المسيح كل اليوم الذين يخلصون،
ينعمون بالحياة السماوية المطوّبة.