رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
كاتب سيرة هذا الاب الطوباوى كما سيأتى معنا هو القديس البابا اثناسيوس الرسولى البطريرك العشرون .............. هذا البطريرك كان يفتخر بكونه عرف القديس انطونيوس منذ حداثته , وانه استقى له الماء مرارا كثيرة ... فقد قال : ولد القديس انطونيوس سنة 251م فى مدينة تدعى " كوما " " كوما قيمن الان قرب بنى سويف ومدينة هرقلية قديما التى كانت مشهورة بين مدن الصعيد " .... ولد من والدين مسيحيين اشتهرا بالغنى فى المال والفضيلة , فربياه على مبادئ الدين والتقوى , فنشأ هادئا وقورا محبا للعزلة والانفراد , كثير القناعة فى جميع مقتضيات المعيشة .. ومع ان والديه لم ينظماه فى سلك التعليم بأحدى المدراس الا انهما هذباه بعلومهما ومعارفهما كما تدل كتابات القديس انطونيوس الباقية الى الان التى تدل على مقدرته وتشهد له بالتضلع ... ولم يبلغ 18 من عمره حتى فقد ابويه , فألتزم ان يعتنى بتربية اخته الصغيرة ويدبر حركة املاكه الواسعة التى كان ينفق منها كثيرا لاغاثة البائسين , غير ان الافكار المقدسة كانت متملكة عليه , وكثيرا ماكان يعجب من شهامة الاباء الرسل الذين تركوا كل شئ وتجندوا لخدمة الكلمة وكيف كان كل مؤمن بواستطتهم يبيع املاكه ويضع ثمنها تحت اقدامهم ... واتفق ذات يوم انه ذهب الى الكنيسة كعادته هو واخته , وهذه الافكار تشغل خاطره واذا بفصل الانجيل يقرأ فسمع السيد المسيح يقول لاحد شبان اليهود الاغنياء " ان اردت ان تكون كاملا اذهب بع كل مالك واعطه للفقراء وتعال اتبعنى " فحالما سمع هذه العبارة حسبها صوتا الهيا يناديه من السماء فرضخ لهذه المشورة وعزم على تنفيذها ... ولما عاد الى منزله شرع فى العمل بهذا الكلام فأعطى اخته نصيبها ثم توجه بها الى دور العذارى التى كانت فى عصره قد اتسع نطاقها واوصى بها رئيستهن لكى تراعيها كأبنة لها , اما هو فأخذ يبيع كل املاكه ويوزع منها على الفقراء حتى لم يبق لنفسه شيئا ... وعاش بعد ذلك من كد يديه حيث كان يصنع قففا وحصرا ويقتات بثمنها ... ثم انصرف همه نحو ترويض جسده على النمو فى الفضيلة والعيشة بالقداسة والتقوى ... ولم تكن الاديرة معروفة وقتئذ بل كان الاتقياء الهائمون بحب العزله يجتهدون بكل طاقتهم فى الانفراد عن العالم والابتعاد عن معاشرة الناس فيتخذون لانفسهم مغائر لا تبعد قليلا عن المدن والقرى وهناك ينعكفون على العبادة ... فأجتمع انطونيوس ببعض هؤلاء وجعل يمر عليهم ويتعلم منهم الفضائل فكان كالنحلة التى تؤلف شهدها من متنوع الازهار فتعلم من واحد فضيلة الصبر ومن اخر التواضع ومن غيره الصمت ومن اخر الطاعة وهكذا الى ان وصل وكان يزاول العبادة من بينهم شيخا معلما له ... وكانت ذاكرته قوية جدا لدرجة حفظ الانجيل المقدس حتى اعجب به المتوحدون ... غير ان الشيطان لم يرق له ان يرى شابا كهذا متمسكا بعرى القداسة فجمع قواه ضده وشرع فى الهجوم عليه بواسطة الافكار الرديئة فكان مره يدفعه ليأسف على توزيع ثروته ويقول له يمكنك ان تبيعها وتتصرف بها حسنا وتعيش فى رضاء الله , واخرى يقوده الى الندم على تركه واهماله اخته الوحيدة , وتارة يمثل له مشقات الطريق الذى سائرا فيه , وتارة يملا فكره من الصور الجميلة التى تسوقه الى الفساد ... اما القديس انطونيوس فقد تسلح تلقاء هذه الهجمات بسلاح اله الكامل فأخذ يردد فى ذهنه فردوس النعيم البهيج وعذاب جهنم المؤلم , وتفانى فى قمع جسده وتذليله فكان ينقطع عن الاكل اليوم كله ويأكل بالليل واحيانا ثلاثة ايام , وكان يلبس المسح ويرقد على الارض او على حصير , فلما عجز الشيطان عن ان يوقعه فى محبة العالم , حاول معه بطريقة اخرى ان يجربه بالفخر والتباهى بأنه افضل الناس قداسة , ولكنه لم يسمح لهذه الافكار ان تستمر معه وبذلك كان يتخلص من التجربة قبل استيلائها عليه ... وفى يوم عثر على كنز قديم للكنوز التى انهال عليها التراب والرمل فظن انها خيالات ولكنه تحققها وعلم ان الشيطان يريده الرجوع الى العالم ففر هاربا وترك هذا الكنز وذهب الى المقابر وكان احد اصحابه يأخذ مايصنعه من سلال ويحضر مايحتاجه من الخبز والماء والملح ... ويروى انه عاش عمره كله بدون ان يتناول لحما او يشرب خمرا ... |
29 - 01 - 2014, 01:43 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: القديس الانبا انطونيوس
ولما وبلغ القديس 35 عاما عزم ان يتوغل فى البرية , وتوجه الى شرقى النيل وتعمق فى البرية حتى عثر على قصر قديم عظيم البناية بنته احد ملوك مصر الفراعنة منذ زمن بعيد فسكن فيه .... وفى ذلك الوقت كان خبر قداسته قد شاع فى كل مكان فكان الناس يتبادرون اليه لسماع الكلمة ولنوال شفاء امراضهم , وتتلمذ له كثير من الاباء واقام منهم مئات حول قصره وذلك سنة 305م ولكنه كان لا يظهر لهم الا فى النادر حتى مضت 20 سنة وفى نهايتها اضطر الى الخروج والتجلى للذين ارادوا السير على منواله ... ولما بلغ القديس 55 سنى من عمره حتى امتلآ ت البقاع الموجودة حوله بعدد من الراغبين فى عيشة العزلة حتى قامت الاديرة بجوار ممفيس وارسينو وبابل وافردويت , واماكن كثيرة امتلآت من الرهبان الذين عاشوا تحت اشراف وتدبير القديس انطونيوس ... وكانت من نصائحه لتلاميذه ..... " يجب عليكم ان تقرروا فى اذهانكم ان الواحد منكم يحتسب ذاته كل يوم انه ابتدأ جديدا حتى لا يكسل ولا يتراخى ... فالانسان يستطيع ان يجد نعما فى اى مكان طالما هو متعلق بالله فى قلبه ... والشياطين يفزعون جدا من الصلوات والصوم والسهر والتقشفات لا سيما من احتقار العالم والفقر الاختيارى وكسر حدة الغضب لان هذه الفضائل تسحق رأس ابليس .... كما ان اسلحة محاربتنا لاعدائنا هى الايمان الحى والسيرة النقية .. والذى تعبد الله وهجر العالم وان كان كل شئ حتى مجد الملوك وكنوزهم ينبغى ان يحتسب كل ذلك كالعدم بالنسبة الى السماء ... وان الذى تركه يجب عليه تركه بعد قليل لانه ليس بأحد دائم على الارض , وان ترك الانسان مالا يقدر ان يأخذه معه بعد الموت فليس امرا كبيرا ... وكما ان العبد اذا امره سيده بشئ لا يستعفى من عمله لاجل خدمته الماضية , كذلك الرجل المتعبد لله لا ينظر ما قد فعله وانما يلتفت الى مابقى مما يجب عليه لربه وانه لا يجازى ولا ينال الاكليل على البداية بل على النهاية الحسنة ... فأكتساب الفضيلة ليس امرا صعبا كما يتصوره الناس بل يجب ان نلقى كل اتكالنا عل ربنا يسوع المسيح وان ابليس لا يستطيع ان يضرنا مالم نسلم له انفسنا " ... وكان القديس عائشا بين تلاميذه الى سنة 311م ففيها سمع خبر ثورة الاضطهاد الذى اضرمه مكسيميان قيصر ... فأسرع مع بعض من رهبانه الى الاسكندرية وطفق يزور السجون ويعظ ويشوق الناس الى سفك دمائهم من اجل المسيح وكان يرتل مع المسجونين وكان يطلب الانفراد بالمتهمين ويثبت ايمانهم ويصف لهم السعادة الابدية ... فلما علم الحاكم بذلك امر بمنع الرهبان من الدخول الى السجون اما القديس فعزم على متابعة خطته حتى لو ادت به الى الاستشهاد ... فلبس ثوبا ابيض واعتلى رابية كان الحاكم مزمعا ان يمر بها وطلب من الرب ان يؤهله لنيل الشهادة , فلما رأه الحاكم اعجب بشهامته ونظر اليه نظرة احترام , ومن ذلك الحين هدأت الاضطهادات فعاد القديس البى ديره ... وكان يحب الاختلاء والتأمل واعتاد ان يصرف الليل كله فى الصلاة راكعا غير متحرك ... ومر وقت اشتد اضطهاد الاريوسيين على الارثوذكسيين , فأرسل اليه البابا اثناسيوس الرسولى يطلب منه ان يأتى ويناصب معه الاريوسيين ... وحدث قبل هذا الوقت ان قسطنطين الملك واولاده حرروا لهذا القديس خطابا وطلبوا اليه بخضوع ان يتنازل للرد على رسائلهم فتعجب الرهبان من تواضع الملك واظهروا استغرابهم الزائد فجمعهم القديس وقال " لا تتعجبوا لان ملكوك الارض كتبوا الينا ولا يجب على المسيحى ان يستعظم هذا الامر ويندهش منه , اما الامر العجيب والمذهل للعقول فهو ان الله كتب شريعته من اجل البشر وارسلها على ايدى اصفيائهم .. وفى اخر الايام خاطبنا فى ابنه الوحيد الذى يسمو بما لا يقاس كل كل ملوك وسلاطين " ... ولما رأى الرهبان عدم اهتمامه بالرد على رسالة الملك اقنعوه بضرورة الرد لا لانه ملك بل لانه مسيحى قصد الاستفادة فلا ينبغى ان تمنع عنه ... فحر له خطابا يقول فيه : " انى اسر معكم من انكم تعبدون يسوع المسيح واحرضكم على التفكير فى خلاصكم وعلى احتقار الاشياء الارضية بدون ان تغفلوا لحظة عن الدينونة الاخيرة وان تتأملوا بأن يسوع المسيح هو الملك الحقيقى والابدى الوحيد وان تتخذوا الفطنة دستورا لاعمالكم فى ادارة شئون المملكة وتسيروا فى الرعية بالحلم والعدالة وتساعدوا الفقراء كمساعدتكم لاخواتكم " ... فلما قرأ الملك واولاده وكبار دولته هذه الرسالة اثرت فيهم تأثيرا عظيما وادركوا الفرق بين كتابات الارثوذكسين وكتابات الاريوسين المملوءة من روح الرياء والنفاق . واحتفظ الملك برسالة القديس كأنها كنز عظيم ... وبناء على طلب البابا اثناسيوس عزم القديس على التوجه الى الاسكندرية ولكنه علم بنفى البابا اثناسيوس فكتب الى الملك قسطنطين يحتج فيه على مقاومته للآرثوذكسين وخطب فى الاسكنجرية وقال : " ان كنت جئت مرة ثانية من خلوتى لاظهر بينكم فذلك لكى اؤدى شهادة جلية لحقيقة ايماننا المقدس .. انهم قد تجاسروا على الطعن بألوهية مخلصنا وقالوا انه خليقة بسيطة .. كلا .. ان ابن الله ليس هو خليقة ولم يشأ من العدم , بل كان منذ الازل لانه كان الكلمة وحكمة الاب .. ولهذا لا تشتركوا قط مع الاريوسيين المنافقين لانه لا يمكن اتحاد بين النور والظلام انه لكفر ان يقال بأنه وجد وقت لم يكن فيه الكلمة لان الكلمة كان دائما مع الاب . ... ثم قال ..... انكم مسيحيون لانكم فى التقوى الحقيقية وفى الايمان الحقيقى , واما الاريوسيون فأنهم حينما يقولون ان كلمة الاب ابن الله مخلوق فانهم لا يختلفون بشئ عن الوثنيين الذين يعبدون الخليقة عوضا عن الخالق ... فصدقوا اذن ان كل الخلائق تقف ضدهم لانهم يجعلون فى عداد المخلوقات رب وسيد كل الاشياء التى هى من صنع يديه فأهربوا اذن من مخالطتهم كهربكم من الحيات والعقارب فمن لا يحب يسوع المسيح فليكن محروما .. الرب سيجئ " ... وصل خبر قداسته لكثير من الوثنيين فصاروا يفدون اليه ويتبركون بلمس جبته ولما ازدحموا عليه حاول تلاميذه ان يمنعوهم فأنتهرهم وامرهم ان يتركوا الحرية لكل من يأتى اليه فتمكن من تنصير عدد عظيم من الوثنين حتى قال احد المؤرخين " ان الذين تنصروا على يده حينئذ اكثر من الذين تنصروا فى مدة سنة " ... ولما هدأت الاحوال عاد القديس الى ديره ... وكتب حوالى 20 رسالى الى الرهبان والبعض يقول 7 فقط ... وذات يوم جاء اليه فليسوفان ليختبرا علمه فقال لهما لماذا تتعبان نفسيكما لزيارة احمق مثلى فأجاباه انا جئنا اليك لاعتقادنا انك رجل حكيم .. فقال لهما اذا كنت حكيما فكونا اذا مثلى لان الاقتداء بالحكماء واجب فأنا مسيحى فكونا كذلك فصمتا متحيرين ثم تركاه ... ولما وصل الى سنة 105 سنة جعل يطوف اديرة الرهبان ويزود تلاميذه بالنصائح ويحثهم على القيام بواجباتهم المقدسة وقال لهم : " سأفارقكم يااولادى لكنى لا انفك عن محبتكم وانما ارجو ان تدوموا بكل غيرة ممارسين اعمالكم المقدسة ولاتتراخوا ابدا اياكم ان يخمد نشاطكم فى تتميم واجباتكم .. اجعلوا الموت كل يوم نصب اعينكم واجتهدوا بعناء كلى فى ان تحفظوا انفسكم طاهرة وخالية من الافكار الردئية ابذلوا الجهد فى اقتفاؤ اثار القديسين واتبعوا بكل شجاعة طريق الحق وحذار من ان تشتركوا مع شيع الهراطقة الذين تعرفون ردائتهم واعمالهم الذميمة واهربوا كما تهربون من الطاعة من الاريوسيين المعروف كفرهم عند كل الناس ... وان كان حكام الولايات يساعدونهم ويناضلون عن تعليمهم فلا تتعجبوا قط لان هذه السلطة الوهمية التى اختلسوها لابد ان تتلاشى بل فليكن ذلك محرضا لكم بزيادة على ان لا يكون لكم اقل علاقة معهم حافظوا على تقليدات ابائكم واثبتوا بالاخص فى ايمان سيدنا يسوع المسيح له المجد الذى تعلمناه من الكتب المقدسه والذى فسرته لكم مرارا "... ولم ينته من هذا الكلام حتى اسرع بالذهاب الى صومعته لشعوره بمرض اصابه ودعا تلميذيه """" مكاريوس " ابو مقار الكبير المصرى """" "" واماناس "" وخاطبهما قائلا : """ انى ارى ياولدى ان الله يدعونى اليه وانى مزمع كما هو مكتوب ان اسلك طريق كل احد .. فداوما اذا على البر حسب عادتكما ولا تفقدا ثمرة اعمالكم المقدسة التى مارستماها منذ سنوات عديدة ولكن اجتهدا كأنكما بادئان فى ان تحفظا وتزيدا فى ارتقاء حرارتكما .. وانتما تعلمان مكائد الشيطان وقساوته ولا تجهلان ضعفه فلا تخافاه قط بل امنا بيسوع المسيح ولا تكن لكما رغبة الا فى خدمته .. وان شئتا ان تبرهنا على محبتكما لى وانكما تتذطرانى كأبيكما فلا تسمحا ان ينقل جسدى الى مصر خوفا من ان يحفظه اهلها فى بيوتهم .. وهذا هو السبب الذى حملنى على الفرار لاموت فوق هذا الجبل .. فأدفنانى اذا تحت الارض ولا تقرا لاحد عن موضع لحدى اذا جاء يوم القيامة اقتبل هذا الجسد من يد يسوع المسيح بكر القيامة خاليا من الفساد ... اما ثيابى فوزعاها هكذا ... اعطيا للآسقف اثناسيوس احد جلود الغنم والرداء الذى استلمته منه جديدا رداه له باليا .. اعطيا للآسقف سيرابيوس جلد الغنم الاخر واحفظنا لكما مسحى .. استودعكما الله ياولدى العزيزين .. ان انطونيوس يغادركما ويتخلف عنكما " ... وبعد ان لفظ هذه الكلمات اقترب تلميذاه وعانقاه وهما يبكيان وللحال امتد على سريره منتظرا الموت بسرور .. ولم يكن نظره قد كل بعد , ولا سقط سن من اسنانه .. وبدأ وجهه للناظرين كأنه يسطع نورا وبهاء ... ثم اسلم الروح بيد مخلصه فى اليوم الثانى والعشرين من شهر طوبة سنة 365م , فقام تلميذاه بتكفينه واخفيا قبره حسب ارشاده ووزعا متروكاته كما اوصى فكان من ناله شئ منها يعتبره اثمن من اللالئ ... وقد دفن جسد القديس الطاهر امام باب الهيكل القبلى بالكنسية التى بناها فى حياته بأسم السيد العذراء وسميت بعد ذلك بأسمه ولم تزل حتى اليوم تضم ذلك الجسد الكريم داخل دير عظيم شيد فى ايام الانبا انطونيوس بجوار مغارته بجبل العربة ... بركة صلاته وشفاعته تكون مع جميع مشرفى واعضاء هذا المنتدى العظيم ... الرب يعطينا روح الفهم والمعرفة ... والموضوع له باقية .... مكتوب من كتاب : تاريخ الكنيسة القبطية |
|||
29 - 01 - 2014, 01:44 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: القديس الانبا انطونيوس
ولما وبلغ القديس 35 عاما عزم ان يتوغل فى البرية , وتوجه الى شرقى النيل وتعمق فى البرية حتى عثر على قصر قديم عظيم البناية بنته احد ملوك مصر الفراعنة منذ زمن بعيد فسكن فيه .... وفى ذلك الوقت كان خبر قداسته قد شاع فى كل مكان فكان الناس يتبادرون اليه لسماع الكلمة ولنوال شفاء امراضهم , وتتلمذ له كثير من الاباء واقام منهم مئات حول قصره وذلك سنة 305م ولكنه كان لا يظهر لهم الا فى النادر حتى مضت 20 سنة وفى نهايتها اضطر الى الخروج والتجلى للذين ارادوا السير على منواله ... ولما بلغ القديس 55 سنى من عمره حتى امتلآ ت البقاع الموجودة حوله بعدد من الراغبين فى عيشة العزلة حتى قامت الاديرة بجوار ممفيس وارسينو وبابل وافردويت , واماكن كثيرة امتلآت من الرهبان الذين عاشوا تحت اشراف وتدبير القديس انطونيوس ... وكانت من نصائحه لتلاميذه ..... " يجب عليكم ان تقرروا فى اذهانكم ان الواحد منكم يحتسب ذاته كل يوم انه ابتدأ جديدا حتى لا يكسل ولا يتراخى ... فالانسان يستطيع ان يجد نعما فى اى مكان طالما هو متعلق بالله فى قلبه ... والشياطين يفزعون جدا من الصلوات والصوم والسهر والتقشفات لا سيما من احتقار العالم والفقر الاختيارى وكسر حدة الغضب لان هذه الفضائل تسحق رأس ابليس .... كما ان اسلحة محاربتنا لاعدائنا هى الايمان الحى والسيرة النقية .. والذى تعبد الله وهجر العالم وان كان كل شئ حتى مجد الملوك وكنوزهم ينبغى ان يحتسب كل ذلك كالعدم بالنسبة الى السماء ... وان الذى تركه يجب عليه تركه بعد قليل لانه ليس بأحد دائم على الارض , وان ترك الانسان مالا يقدر ان يأخذه معه بعد الموت فليس امرا كبيرا ... وكما ان العبد اذا امره سيده بشئ لا يستعفى من عمله لاجل خدمته الماضية , كذلك الرجل المتعبد لله لا ينظر ما قد فعله وانما يلتفت الى مابقى مما يجب عليه لربه وانه لا يجازى ولا ينال الاكليل على البداية بل على النهاية الحسنة ... فأكتساب الفضيلة ليس امرا صعبا كما يتصوره الناس بل يجب ان نلقى كل اتكالنا عل ربنا يسوع المسيح وان ابليس لا يستطيع ان يضرنا مالم نسلم له انفسنا " ... وكان القديس عائشا بين تلاميذه الى سنة 311م ففيها سمع خبر ثورة الاضطهاد الذى اضرمه مكسيميان قيصر ... فأسرع مع بعض من رهبانه الى الاسكندرية وطفق يزور السجون ويعظ ويشوق الناس الى سفك دمائهم من اجل المسيح وكان يرتل مع المسجونين وكان يطلب الانفراد بالمتهمين ويثبت ايمانهم ويصف لهم السعادة الابدية ... فلما علم الحاكم بذلك امر بمنع الرهبان من الدخول الى السجون اما القديس فعزم على متابعة خطته حتى لو ادت به الى الاستشهاد ... فلبس ثوبا ابيض واعتلى رابية كان الحاكم مزمعا ان يمر بها وطلب من الرب ان يؤهله لنيل الشهادة , فلما رأه الحاكم اعجب بشهامته ونظر اليه نظرة احترام , ومن ذلك الحين هدأت الاضطهادات فعاد القديس البى ديره ... وكان يحب الاختلاء والتأمل واعتاد ان يصرف الليل كله فى الصلاة راكعا غير متحرك ... ومر وقت اشتد اضطهاد الاريوسيين على الارثوذكسيين , فأرسل اليه البابا اثناسيوس الرسولى يطلب منه ان يأتى ويناصب معه الاريوسيين ... وحدث قبل هذا الوقت ان قسطنطين الملك واولاده حرروا لهذا القديس خطابا وطلبوا اليه بخضوع ان يتنازل للرد على رسائلهم فتعجب الرهبان من تواضع الملك واظهروا استغرابهم الزائد فجمعهم القديس وقال " لا تتعجبوا لان ملكوك الارض كتبوا الينا ولا يجب على المسيحى ان يستعظم هذا الامر ويندهش منه , اما الامر العجيب والمذهل للعقول فهو ان الله كتب شريعته من اجل البشر وارسلها على ايدى اصفيائهم .. وفى اخر الايام خاطبنا فى ابنه الوحيد الذى يسمو بما لا يقاس كل كل ملوك وسلاطين " ... ولما رأى الرهبان عدم اهتمامه بالرد على رسالة الملك اقنعوه بضرورة الرد لا لانه ملك بل لانه مسيحى قصد الاستفادة فلا ينبغى ان تمنع عنه ... فحر له خطابا يقول فيه : " انى اسر معكم من انكم تعبدون يسوع المسيح واحرضكم على التفكير فى خلاصكم وعلى احتقار الاشياء الارضية بدون ان تغفلوا لحظة عن الدينونة الاخيرة وان تتأملوا بأن يسوع المسيح هو الملك الحقيقى والابدى الوحيد وان تتخذوا الفطنة دستورا لاعمالكم فى ادارة شئون المملكة وتسيروا فى الرعية بالحلم والعدالة وتساعدوا الفقراء كمساعدتكم لاخواتكم " ... فلما قرأ الملك واولاده وكبار دولته هذه الرسالة اثرت فيهم تأثيرا عظيما وادركوا الفرق بين كتابات الارثوذكسين وكتابات الاريوسين المملوءة من روح الرياء والنفاق . واحتفظ الملك برسالة القديس كأنها كنز عظيم ... وبناء على طلب البابا اثناسيوس عزم القديس على التوجه الى الاسكندرية ولكنه علم بنفى البابا اثناسيوس فكتب الى الملك قسطنطين يحتج فيه على مقاومته للآرثوذكسين وخطب فى الاسكنجرية وقال : " ان كنت جئت مرة ثانية من خلوتى لاظهر بينكم فذلك لكى اؤدى شهادة جلية لحقيقة ايماننا المقدس .. انهم قد تجاسروا على الطعن بألوهية مخلصنا وقالوا انه خليقة بسيطة .. كلا .. ان ابن الله ليس هو خليقة ولم يشأ من العدم , بل كان منذ الازل لانه كان الكلمة وحكمة الاب .. ولهذا لا تشتركوا قط مع الاريوسيين المنافقين لانه لا يمكن اتحاد بين النور والظلام انه لكفر ان يقال بأنه وجد وقت لم يكن فيه الكلمة لان الكلمة كان دائما مع الاب . ... ثم قال ..... انكم مسيحيون لانكم فى التقوى الحقيقية وفى الايمان الحقيقى , واما الاريوسيون فأنهم حينما يقولون ان كلمة الاب ابن الله مخلوق فانهم لا يختلفون بشئ عن الوثنيين الذين يعبدون الخليقة عوضا عن الخالق ... فصدقوا اذن ان كل الخلائق تقف ضدهم لانهم يجعلون فى عداد المخلوقات رب وسيد كل الاشياء التى هى من صنع يديه فأهربوا اذن من مخالطتهم كهربكم من الحيات والعقارب فمن لا يحب يسوع المسيح فليكن محروما .. الرب سيجئ " ... وصل خبر قداسته لكثير من الوثنيين فصاروا يفدون اليه ويتبركون بلمس جبته ولما ازدحموا عليه حاول تلاميذه ان يمنعوهم فأنتهرهم وامرهم ان يتركوا الحرية لكل من يأتى اليه فتمكن من تنصير عدد عظيم من الوثنين حتى قال احد المؤرخين " ان الذين تنصروا على يده حينئذ اكثر من الذين تنصروا فى مدة سنة " ... ولما هدأت الاحوال عاد القديس الى ديره ... وكتب حوالى 20 رسالى الى الرهبان والبعض يقول 7 فقط ... وذات يوم جاء اليه فليسوفان ليختبرا علمه فقال لهما لماذا تتعبان نفسيكما لزيارة احمق مثلى فأجاباه انا جئنا اليك لاعتقادنا انك رجل حكيم .. فقال لهما اذا كنت حكيما فكونا اذا مثلى لان الاقتداء بالحكماء واجب فأنا مسيحى فكونا كذلك فصمتا متحيرين ثم تركاه ... ولما وصل الى سنة 105 سنة جعل يطوف اديرة الرهبان ويزود تلاميذه بالنصائح ويحثهم على القيام بواجباتهم المقدسة وقال لهم : " سأفارقكم يااولادى لكنى لا انفك عن محبتكم وانما ارجو ان تدوموا بكل غيرة ممارسين اعمالكم المقدسة ولاتتراخوا ابدا اياكم ان يخمد نشاطكم فى تتميم واجباتكم .. اجعلوا الموت كل يوم نصب اعينكم واجتهدوا بعناء كلى فى ان تحفظوا انفسكم طاهرة وخالية من الافكار الردئية ابذلوا الجهد فى اقتفاؤ اثار القديسين واتبعوا بكل شجاعة طريق الحق وحذار من ان تشتركوا مع شيع الهراطقة الذين تعرفون ردائتهم واعمالهم الذميمة واهربوا كما تهربون من الطاعة من الاريوسيين المعروف كفرهم عند كل الناس ... وان كان حكام الولايات يساعدونهم ويناضلون عن تعليمهم فلا تتعجبوا قط لان هذه السلطة الوهمية التى اختلسوها لابد ان تتلاشى بل فليكن ذلك محرضا لكم بزيادة على ان لا يكون لكم اقل علاقة معهم حافظوا على تقليدات ابائكم واثبتوا بالاخص فى ايمان سيدنا يسوع المسيح له المجد الذى تعلمناه من الكتب المقدسه والذى فسرته لكم مرارا "... ولم ينته من هذا الكلام حتى اسرع بالذهاب الى صومعته لشعوره بمرض اصابه ودعا تلميذيه """" مكاريوس " ابو مقار الكبير المصرى """" "" واماناس "" وخاطبهما قائلا : """ انى ارى ياولدى ان الله يدعونى اليه وانى مزمع كما هو مكتوب ان اسلك طريق كل احد .. فداوما اذا على البر حسب عادتكما ولا تفقدا ثمرة اعمالكم المقدسة التى مارستماها منذ سنوات عديدة ولكن اجتهدا كأنكما بادئان فى ان تحفظا وتزيدا فى ارتقاء حرارتكما .. وانتما تعلمان مكائد الشيطان وقساوته ولا تجهلان ضعفه فلا تخافاه قط بل امنا بيسوع المسيح ولا تكن لكما رغبة الا فى خدمته .. وان شئتا ان تبرهنا على محبتكما لى وانكما تتذطرانى كأبيكما فلا تسمحا ان ينقل جسدى الى مصر خوفا من ان يحفظه اهلها فى بيوتهم .. وهذا هو السبب الذى حملنى على الفرار لاموت فوق هذا الجبل .. فأدفنانى اذا تحت الارض ولا تقرا لاحد عن موضع لحدى اذا جاء يوم القيامة اقتبل هذا الجسد من يد يسوع المسيح بكر القيامة خاليا من الفساد ... اما ثيابى فوزعاها هكذا ... اعطيا للآسقف اثناسيوس احد جلود الغنم والرداء الذى استلمته منه جديدا رداه له باليا .. اعطيا للآسقف سيرابيوس جلد الغنم الاخر واحفظنا لكما مسحى .. استودعكما الله ياولدى العزيزين .. ان انطونيوس يغادركما ويتخلف عنكما " ... وبعد ان لفظ هذه الكلمات اقترب تلميذاه وعانقاه وهما يبكيان وللحال امتد على سريره منتظرا الموت بسرور .. ولم يكن نظره قد كل بعد , ولا سقط سن من اسنانه .. وبدأ وجهه للناظرين كأنه يسطع نورا وبهاء ... ثم اسلم الروح بيد مخلصه فى اليوم الثانى والعشرين من شهر طوبة سنة 365م , فقام تلميذاه بتكفينه واخفيا قبره حسب ارشاده ووزعا متروكاته كما اوصى فكان من ناله شئ منها يعتبره اثمن من اللالئ ... وقد دفن جسد القديس الطاهر امام باب الهيكل القبلى بالكنسية التى بناها فى حياته بأسم السيد العذراء وسميت بعد ذلك بأسمه ولم تزل حتى اليوم تضم ذلك الجسد الكريم داخل دير عظيم شيد فى ايام الانبا انطونيوس بجوار مغارته بجبل العربة ... بركة صلاته وشفاعته تكون مع جميع مشرفى واعضاء هذا المنتدى العظيم ... الرب يعطينا روح الفهم والمعرفة ... والموضوع له باقية .... مكتوب من كتاب : تاريخ الكنيسة القبطية |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|