ولو لم يضرب نعمان السريانى بالبرص ، لما اكتشف حاجته إلى الخلاص ، أو طريقه للذهاب إلى إله إسرائيل - وما أكثر ما تأتى البركات عن طريق الآلام والمتاعب ، ... هل قرأت عن ذلك العود الجميل من الغاب ، والذى كان مزروعاً فى بستان جميل تنساب المياه تحته ، ويداعب النسيم أوراقه ، فتمتزج موسيقاه بشدو الطيور ؟ كان يتمتع بحياة سعيدة بهيجة ، على أنه أحس ذات يوم بألم حاد عميق ، إذ أبصر سكيناً حادة تجتثه من الأصول ، وأخذ من مكانه ، وطرح على الأرض ، كان يبكى ، ولم ينفع أو يشفع بكاؤه ، بل عملت السكين فيه وأخذت تقطع منه قطعاً ، وتثقبه ثقوباً ، وهو لا يعلم السر فى هذا كله ، إلى أن جاء يوم وضعه رجل فى فمه ، وإذا به يخرج أنغاماً رائعة ، لقد تحول إلى مزمار وهو لا يدرى ، ... كانت آلام نعمان هى الطريق إلى أن يصبح مزماراً خالداً فى الأجيال كلها !! .
وكان الدرس الثانى الذى أدركه الرجل هو " الخلاص المجانى " ، إذ أن اللّه لا يعطى عطاياه العظمى بثمن أو مقابل ، إنه يعطى الشمس والهواء والماء بدون مقابل ، .. وهو يعطى أهم من هذا كله : الخلاص مجانياً وبدون مقابل .
وكان الدرس الثالث أنه لا يعطى الخلاص إلا للمتضعين المتخلين عن كل إنفه وكبرياء !! ... كان كامبل مورجان يقوم بخدمات انتعاشية فى أسبوع من أسابيع النهضة ، وكان يطلب من الذين يرغبون تسليم حياتهم اللّه أن ينتظروا فى غرفة خاصة ليجتمع بهم .. ، وفى أول ليلة قال له أحدهم : وهل يتوقف الخلاص على دخول غرفة الاجتماع ؟ ، ورأى مورجان ببصيرته كبرياء الرجل .. فقال هل : أجل .. فسأله الرجل: ولماذا ؟ ... فقال مورجان : إذا كان الإنسان سيملى شروطه على اللّه ، فإن اللّه لا يقبل هذه الشروط !! فقال الرجل : إذاً لن أدخل !! .. وقال له مورجان : وأنا لا أستطيع مساعدتك ، وظل الرجل يحضر طوال الأسبوع ، وفى اليوم الأخير كان هو أول الداخلين إلى الغرفة ، فقال له مورجان : لم فعلت ذلك ، أنا افتكرت أنك ستذهب إلى الجحيم ... فقال له : لقد قضيت هذا الأسبوع فى الجحيم . كان الرجل يصارع كبرياءه .
وكان الدرس الرابع : أن خلاص الروح عند الرب أهم وأعلى وأسمى من خلاص الجسد ، .. كان كل هم نعمان أن يعود خالياً من البرص ، ولكن اللّه أعطاه ما هو أهم ، إذ خلصه من برص الخطية والوثنية والنجاسة والشر ، ... لقد ذهب إلى إسرائيل ليتعامل مع اللّه فى " الجلد " ... ووكان اللّه يقصد أن يصل إلى " القلب " ... ووصل اللّه إلى أعماق قلبه ، لقد أعطاه اللّه جلد الصبى الصغير ، وأعطاه أيضاً قلب الصغير البسيط الوديع الشاكر ، فهو إذ يرجع من الأردن إلى بيت أليشع ، يقف أمامه ، ويراه للمرة الأولى ، ويهتف لا بأليشع ، بل باللّه الذى له كل المجد : " هوذا قد عرفت أنه ليس إله فى كل الأرض إلا فى إسرائيل " " 2 مل 5 : 15 " ... وحمل الرجل من تراب إسرائيل ما يراه تبراً ، إذ أقام مذبحاً للرب ، وعاش مؤمناً ، أو كما قال عنه سيدنا المبارك : " وبرص كثيرون كانوا فى إسرائيل فى زمان أليشع النبى ، ولم يطهر واحد منهم إلا نعمان السريانى " " لو 4 : 27 " .
وكان الدرس الخامس والأخير أن اللّه ليس لليهود فحسب ، بل للأمم أيضاً ، وأنه كما قال الرسول بطرس فى بيت كرنيليوس : " بالحق أنا أجد أن اللّه لا يقبل الوجوه . بل فى كل أمة الذى يتقيه ويصنع البر مقبول عنده " " أع 10 : 34 و 35 " .. ومع أننا لا نقبل فى الوقت الحالى استثناء نعمان بعد أن وصلنا إلى النور الكامل فى المسيح عندما قال : " عن هذا الأمر يصفح الرب لعبدك عند دخول سيدى إلى بيت رمون ليسجد هناك ويستند على يدى فأسجد فى بيت رمون فعند سجودى فى بيت رمون يصفح الرب لعبدك عن هذا الأمر " " 2 مل 5 : 18 " .. وقد وصفه ألكسندرى مكلارن بأنه نوع من المعايشة بين الدين والدبلوماسية ، لا يجوز للمسيحى أن يتورط فيه ، إلا أنه من الواجب أن لا نعامل نعمان فى العهد القديم بأنوار العهد الجديد !! ..