وبَينما هم نازلونَ مِنَ الجَبَل، أَوصاهُم يسوعُ قال:
((لا تُخبِروا أَحداً بِهذِه الرُّؤيا إلى أَن يَقومَ ابنُ الإِنسانِ مِن بَينِ الأَموات)).
تشير عبارة "بَينما هم نازلونَ" إلى صباح الغد، كما نستشفه من رواية إنجيل لوقا "وفي الغَدِ نَزَلوا مِن الجَبَل"(لوقا 9: 37). أمَّا عبارة "لا تُخبِروا أَحداً بِهذِه الرُّؤيا" فتشير إلى ضرورة محافظة التَّلاميذ على سر التَّجَلِّي، لكنهم لم يدركوا ما رأوه إلاَّ بعد قيامته. كما أنهم لن يستطيعوا أن يُبشروا بحقيقة يسوع الإلهية إلا بعد أن اختبروا حدث القيامة، أي التمجيد الكامل ليسوع، وحلول الروح القدس عليهم في العنصرة. فكانت غاية التَّجَلِّي تكمن في تثبيت إيمان الرُّسل أنَّ يسوع هو المسيح وإعدادهم أن يكونوا شهودًا على ذلك. ويُميز يسوع بين رسالته على الأرض والزمن التابع للفصح حيث سيُعلن الرُّسل سره. فحافظ التَّلاميذ على هذا السِّر حتى قيامة يسوع، لان قيامته من بين الأموات كشفت مَجْده. ويُحذّر يسوع تلاميذه عن إعلان رؤية التَّجَلِّي قبل قيامته تجنبًا لحدوث أية ثورة شعبية، كما حدث عند معجزة تكثير الخبز السمكتين "عَلِمَ يسوعُ أَنَّهم يَهُمُّونَ بِاختِطافِه لِيُقيموهُ مَلِكاً، فانصَرَفَ وعادَ وَحدَه إلى الجَبَل" (يوحَنّا 6: 14-15)، ولكيلا يُفهم بشكل خاطئ كما تدل أسئلتهم (متى 17: 10-13)؛ أمَّا عبارة " أَن يَقومَ ابنُ الإِنسانِ مِن بَينِ الأَموات" فتشير إلى ضرورة موت ابن الإنسان وقيامته من الموتى الذين غادروا الحياة. أراد يسوع أن يقترن إعلان تجليه بإعلان قيامته. لكن التَّلاميذ لم يفهموا مراده بالقيامة "حَفِظوا هذا الأَمْر وأَخذوا يَتَساءَلونَ ما مَعنى القِيامةِ مِن بَينِ الأَموات" (مرقس 9: 10). مع أنَّه أخبرهم قبل ذلك صريحًا بأنَّه يقوم بعد ثلاثة أيَّام لموته " فكما بَقِيَ يُونانُ في بَطنِ الحُوتِ ثَلاثةَ أيَّام وثلاثَ لَيال، فكذلكَ يَبقى ابنُ الإِنسانِ في جَوفِ الأَرضِ ثَلاثةَ أيَّام وثلاثَ لَيال" (متى 12: 40). لم تكن فكرة القيامة غريبة عن العقلية اليهودية، إنَّما ما هو غريب ومُحيِّر بانها قريبة، في حين كان يتوقع اليهود حصولها في آخر الأزمنة.