|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
استجابة الصلاة: "وبينما أنا أتكلم وأُصلي وأعترف بخطيتي وخطية شعبي إسرائيل، وأطرح تضرعي أمام الرب إلهي عن جبل قُدس إلهي" [20]. كثيرًا ما كان القديس أغسطينوس يقتبس هذه الآية في حديثه ضد أتباع بيلاجيوس وكالستوس Coelestius الذين كانوا يعتمدون على العمل البشري، ويتجاهلون النعمة الإلهية وطلب المراحم الإلهية. كان القديس أغسطينوس يؤكد دائمًا أنه لا يوجد في العالم إنسان واحد بار لا يحتاج إلى مراحم الله. إن كان دانيال الذي لم يذكر عنه الكتاب المقدس خطية ما ارتكبها، وشهد له حزقيال أنه أحد ثلاثة أفراد في العالم مشهود لهم "أيوب ونوح ودانيال" (حز 14: 14)، قد ألقى بنفسه في قطيع الخطاة، طالبًا باتضاع وانسحاق مغفرة خطاياه، فماذا يكون حالنا نحن؟! لقد طالب السيِّد المسيح جميع تلاميذه أن يطلبوا في كل يوم مغفرة الخطايا أكثر من مرة خلال الصلاة الربانية، فمن يظن أنه بار وغير محتاج إلى المغفرة إنما يفصل نفسه عن مدرسة السيِّد المسيح. يقول القديس جيروم: [كما سبق فأشرنا قبلًا لم يفكر دانيال في خطايا الشعب فقط بل وفي خطاياه بكونه واحدًا من الشعب، أو فعل هذا بطريق الاتضاع، فإنه وإن لم يكن قد ارتكب خطايا شخصية، لكن هدفه هو نوال العفو باتضاعه ]. "وأنا متكلم بعد بالصلاة، إذا بالرجل جبرائيل الذي رأيته في الرؤيا في الابتداء مُطارًا واغفًا لمسني عند وقت تقدمة المساء. وفهَّمني، وتكلم معي وقال: يا دانيال إنيّ خرجتُ الآن لأُعلِّمك الفهم. في ابتداء تضرُّعاتك خرج الأمر، وأنا جئتُ لأخبرك لأنك أنت محبوبٌ جدًا. فتأمل الكلام وافهم الرؤيا [21-23]. يكشف دانيال النبي عن حب الله الفائق الذي يستمع إلى صلاته، ويقبل اعترافه عن خطاياه وخطايا شعبه، وينصت إلى تضرعه من أجل جبل قدس الرب، أي من أجل مدينة أورشليم والهيكل وكل المقدسات الإلهية. يُسر الله بالمؤمنين المتضعين الذين يعترفون بضعفاتهم، والذين في غيرة متقدة، لا يطلبون لأجل أنفسهم، بل لأجل الغير، كما لأجل المقدسات الإلهية. أولًا: يقول دانيال النبي: "وأنا متكلم" [21]. لم يُصلِّ دانيال بقلبه فحسب، وإنما أيضًا بلسانه؛ يُقدم الصلاة بروحه كما بجسده؛ يشترك بكل كيانه في التعبير عما في أعماقه. وقد جاءته الإجابة على سؤاله بينما كان يُصلي. ثانيًا: لم يكن بعد قد انتهى دانيال النبي من صلاته، إذ يقول: "وأنا متكلم بعد بالصلاة" [21]، استجاب الله لصلاته قبل أن يفرغ منها. والعجيب أن رئيس الملائكة جبرائيل يقول له: "في ابتداء تضرعاتك خرج الأمر" [23]، أي في بدء الصلاة، لأن الله استجاب لقلب دانيال قبل أن يُعبر عما فيه بشفتيه. ثالثًا: أرسل الله إليه رئيس ملائكة طائرًا بسرعة! اهتمام إلهي عجيب. هنا لأول مرة نسمع عن أجنحة الملائكة أو أنها كائنات طائرة. ظهر له على شكل إنسانٍ، لذا قال "الرجل جبرائيل". بهذا يؤكد الله تقديره للإنسان واعتزازه به، فيجعل ملائكته ليس فقط تظهر لخدمة الإنسان، وإنما تحمل أيضًا شكله، حتى يمكن التلاقي بينهم. يقول القديس جيروم: [قيل أنه "طار" لأنه ظهر بمظهر إنسانٍ ]. رابعًا: ظهر رئيس الملائكة لدانيال ولمسه "عند وقت تقدمة المساء"، أي في وقت الساعة الثالثة بعد الظهر. كان دانيال مسبيًا منذ قرابة سبعين عامًا، لم يرَ ذبيحة المساء، التي كان الكهنة يقدمونها في هيكل الرب. لكن السنوات الطويلة لم تسحب قلبه عن الذبيحة، ولم تحرمه عن التمتع ببركة بيت الرب الذي تهدمت حجارته! في وسط القصر ببابل كان قلبه ينطلق مع كل صباحٍ ومساءٍ ليشارك بالروح العبادة التي انقطعت في أورشليم. هكذا يرتبط الإنسان مع كل الشعب في العبادة، حتى وإن كان مستبعدًا في زنزانة، بل ويشارك الكنيسة السماوية عبادتها الفائقة أينما وُجد. يقول القديس جيروم: [قيل: "عند وقت تقدمة المساء" ليُظهر أن صلاة النبي قد امتدت من وقت ذبيحة الصباح حتى المساء، لهذا وجه الله رحمته إليه]. ظهور رئيس الملائكة ولمسه "في وقت تقدمة المساء" يحمل معنى رمزيًا، أنه قد جاء المساء، وحلّ ملء الزمان الذي فيه لا تنتهي السنوات السبعون للسبي بل ينتهي زمان الخطية بمجيء المحرر المخلص، الذي يلمسنا بتجسده الإلهي، ويدخل بنا إلى المعرفة السماوية الجديدة. خامسًا: كشف رئيس الملائكة جبرائيل لدانيال عن مركزه لدى الله إذ يقول: "لأنك أنت محبوب جدًا" [23]، وبالمعنى الحرفي للكلمة العبرية "الرجل الذي يرغب فيه الله"، أي موضع سرور الله. الله محب كل البشرية يُسر بالأكثر بمن يتمتعون بشركة عميقة معه، فيُسر أن يُعلن لهم أسراره الإلهية. سادسًا: قدم له وصية إلهية، بل عطية إلهية، وهي عطية الفهم: "فتأمل الكلام وافهم الرؤيا" [23]. لقد درس دانيال نبوات إرميا، وفهم تاريخ العودة من السبي، لكنه كان محتاجًا إلى فهمٍ أعظم، حيث ينسحب قلبه من الرجوع إلى كنعان إلى الرجوع إلى السماء عينها خلال عمل المسيا. |
|