|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الْعُظَمَاءُ أَمْسَكُوا عَنِ الْكَلاَمِ، وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ [9]. صَوْتُ الشُّرَفَاءِ اخْتَفَى، وَلَصِقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِأَحْنَاكِهِمْ [10]. كان لأيوب شخصيته القوية القائمة على حكمته وقدراته ومواهبه، فكان موضع تكريم العظماء والشرفاء. ففي حضرته يصمت الكل ليصغوا إليه، وينتفعوا بحكمته وخبرته الفائقة. ولعل العظماء والشرفاء إذا ما تنازعوا في أمرٍ أو اختلفوا في الرأي يجدون الحل الحاسم لدى أيوب. * "العظماء أمسكوا عن الكلام، ووضعوا أيديهم على أفواههم. يتخافت صوت الرؤساء، وتلصق ألسنتهم بأحناكهم" [9-10]. من هم هؤلاء الذين يُفهمون هنا بأنهم قادة أو شرفاء إلا الذين يبثون شرورًا هرطوقية؟ قيل عن هؤلاء بالمرتل: "يسكب هوانًا على رؤساء، ويضلهم في تيه بلا طريقٍ" (مز 40:107). فإن مثل هؤلاء الأشخاص لا يخشون من تفسير تدبير الله بمعنى خاطئ، وبالتأكيد يجتذبون القطعان الخاضعة لهم إلى تيه بلا طريقٍ، وليس في الطريق الذي هو المسيح. على هؤلاء ينسكب بحقٍ الهوان (النزاع)، عندئذ يكونون كمن يضعون أصابعهم على أفواههم.... يلتصق لسانهم بفمهم، إذ لا يجسرون أن ينطقوا بما هو شرير، بمنطوقات غير منضبطة، لكن يغطون كل ما يفعلونه في داخلهم لكي لا يقترحوا ما هو غير حقٍ ضد الإيمان الحقيقي... "يتخافت صوت الرؤساء، وتلصق ألسنتهم بأفواههم". وكأن الكنيسة تقول بوضوح: حين تُعطي لي فرصة للكرازة بصوتٍ علنيٍ عالٍ، يرهبني كل إنسانٍ غير خاضعٍ للحق. البابا غريغوريوس (الكبير) * من علامات القديسين أن يخفوا ما صنعوه من أعمال صالحة، لئلا يجلبوا على أنفسهم السقوط في الافتخار. لذلك يقول الحق: "احترزوا من أن تصنعوا برّكم قدام الناس لكي ينظروكم" (مت 1:6). هكذا أيضًا إذ وهب نورًا للأعميين الجالسين على الطريق أمرهما قائلًا: "انظرا، لا يعلم أحد" (مت 30:9). وقد قيل عنهما إنهما "خرجا وأشاعاه في تلك الأرض كلها"... يليق بهما أن يختفيا لتحقيق هدفٍ ما، وأن يعلنا ذلك عن ضرورة. ليكن اختفاؤهما لأجل حفظ نفسيهما، وليكن إعلانهما لأجل نفع الآخرين. لهذا كُتب: "لا يوقدون سراجًا، ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة، فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت 15:5-16). توجد أوقات يلتزم فيها قديسون أن يمارسوا أعمالًا صالحة حتى في حضور زملائهم المخلوقين، أو يقولوا لهم عما يفعلونه، ولكن ليس بهدف أن يتمجدوا بهذه الأعمال، بل يتمجد أبوهم الذي في السماوات... لهذا يتجنب الكارزون الصالحون الكرامة، ومع ذلك يرغبون في أن يُكرموا لكي يقتدي الآخرون بهم. بنفس الطريقة بالتأكيد عندما كان يتكلم الرسول بولس مع تلاميذه كان يهرب من الكرامة، ومع ذلك يُظهر كيف يستحق أن يُكرم جدًا. إذ قال لأهل تسالونيكي: "لسنا نطلب مجدًا من الناس، لا منكم، ولا من غيركم، مع أننا قادرون أن نكون في وقارٍ كرسل المسيح، بل كنا مترفقين في وسطكم" (1 تس 6:2-7). مرة أخرى في رسالته إلى أهل كورنثوس إذ تجنب الكرامة يقول: "فإننا لسنا نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح" (2 كو 5:4)... لهذا أظهر بطريقة مدهشة نعمة التواضع، وطلب فيض من المنفعة، كمن يعلن عن نفسه أنه خادم تلاميذه، ويبرهن أنه أفضل من أعدائه. البابا غريغوريوس (الكبير) |
|