|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الْغَمْرُ انْصَبَّ عَلَى أَسَاسِهِمِ [16]. لقد باغت الطوفان الأشرار فجأة وهم غير مستعدين، ظانين أنهم يعيشون سنوات طويلة، فغرقوا وهلكوا كما لما كان قبل الأوان. لقد عجًّل الطوفان بحياتهم فجأة. لقد وضعوا الأرض أساسًا لهم، وبنوا عليها آمالهم، وظنوا أنهم في أمان كما على أساس صخري، لكن الغمر أنصب على أساسهم هذا. "الطوفان الذي جلبه الله على عالم الفجار" (2 بط 2: 5). ربما يتساءل البعض: أليس عمر الإنسان معروفًا مسبقًا عند الله، فكيف يُقال إن الأشرار يُقبض عليهم قبل الأوان؟ هل يموتون قبل الموعد المعيَّن لهم؟ وهل تطول أيام حياة الأبرار عما عيَّنه الله لهم؟ أولًا: يرى البابا غريغوريوس (الكبير)، أن كل إنسان له عمر لائق به يناسبه أو يستحقه. لكن الله أيضًا يعلم مسبقًا أن هذا الشرير من الأفضل أن يموت مبكرًا لكي لا يعثر الصديقين، أو يتركه لعمرٍ أطول لأجل إعطائه فرصة لعله يتوب. فما يُقال عن أن عمر الإنسان يقصر أو يطول لا يعني أن الله يغيِّر رأيه فيما سبق أن عرف، لكن الإنسان ينال عمرًا أطول أو يُقصر عمره لحكمة إلهية، سواء بالنسبة للشخص نفسه أو من هو حوله، وهو يعلم مسبقًا أيضًا ما يليق، هل يضيف أو يُنقص من عمر شخص ما حسبما يلزم أن يكون عليه حسب الطبيعة أو حسب استحقاقه. ثانيًا: يرى العلامة أوريجينوس أن مقاييس العمر تختلف عند البشر عنها عند الله. فكما يقول المرتل يوم واحد عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيومٍ واحدٍ. ففي يوم الرب العظيم نُفاجأ بأطفالٍ صغار يُحسبون كأشخاصٍ عاشوا سنوات كثيرة، وشيوخ نراهم كأطفالٍ صغار. لتوضيح ذلك إن قارنَّا الجنين يوحنا المعمدان حين ارتكض مبتهجًا في بطن أمه القديسة أليصابات، نجده حسب المقياس البشري لم يكن قد وُلد بعد، ولا تُحسب مدة بقائه في الرحم من عمره، بينما في نظر الله وحسب مقاييسه يحسب كإنسانٍ ناضجٍ، سنه أكثر مما لرئيس الكهنة، والكهنة، والكتبة، والفريسيين إلخ. في ذلك الحين، لأنهم يُحسبون كموتى لم يشهدوا للسيد المسيح بالرغم من معرفتهم للنبوات عقليًا. قد يموت أبرار وهم أطفال ويحسبون كمن عاشوا آلاف السنين في عينيّ الرب، وقد تطول أيام طغاة أشرار وتحسب أيامهم كلا شيء. "تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم". عندما نسمع عن وصية الرب: "أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض"، لا نندهش إن مات ابن أو ابنة في سن مبكرة بالرغم من إكرامهما للوالدين، فإن هذا الابن (أو الابنة) يُحسب كمن طال عمره على الأرض، لأن يومًا واحدًا من عمره يُحسب عند الرب كألف سنةٍ. هذا هو التفسير الروحي الرمزي الذي تبنَّاه العلامة أوريجينوس في مواضعٍ كثيرة حين تحدث عن عمر الإنسان على الأرض. بحسب هذا التفسير يُقبض على الأشرار قبل الأوان، لأن حياتهم بلا ثمر، لم ينتفعوا بفرص التوبة للتمتع بالشركة مع الله واهب الحياة. فبموتهم يحسبون كموتى فقدوا الحياة، ولم يحرصوا عى التمتع بها. *"الذين يؤخذون قبل الوقت، حيث يفيض الطوفان على أساسهم"... كل إنسان يؤخذ من هذه الحياة في وقت سبق معرفته قبل الزمن بسلطان إلهي. لكن يلزم معرفة أن الله القدير، في خلقته لنا وتدبير أمورنا، يعين حدود (حياتنا) حسب استحقاق كل أحدٍ. فقد يلزم الشرير أن يعيش وقتًا قصيرًا، لئلا يسيء إلى كثيرين يسلكون باستقامة، وقد يلزم أن يبقى الإنسان الصالح مدة أطول في الحياة، حتى يكون معينًا في أعمال صالحة لكثيرين. مرة أخرى فإن الشرير يلزم أن يبقى مدة أطول في الحياة حتى يضيف أعمالًا شريرة إلى أعماله. وهكذا البار قد يمارس حياة صادقة تتطهر بامتحانه، أو يلزم سحب الإنسان الصالح بأكثر سرعة، لئلا إن عاش أكثر، قد يُفسد براءته. لكن ليوضع في الاعتبار إن رأفات الله هي التي تهب الخطاة فرصة للتوبة. على أي الأحوال قد تُوهب لهم أزمنة ولا يرجعون ليحملوا ثمار الندامة بل يخدمون الشر، وبرحمة الله ينالون الأزمنة لعلهم يتخلون عن تصرفاتهم. بالرغم من أن الله القدير يعرف مسبقًا وقت موت كل أحدٍ، متى تنتهي حياته، لا يقدر أحد أن يموت قبل أوانه، بل في الوقت المعين لموته، فإنه إن كان قد أُضيف إلى حياة حزقيا خمسة عشر عامًا (2 مل 20، إش 38)، فإن زمن حياته بالحقيقة زاد عن النهاية التي كان يستحقها، وقد سبق فعرف الله وقته في هذه اللحظة والتي فيما بعد يسحبه من الحياة الحاضرة. هذا الأمر هكذا: ماذا يعني "يُقطع الأشرار قبل أوانهم" سوى أن كل أولئك الذين يحبون الحياة الحاضرة يعدون أنفسهم لفترات أطول من تلك الحياة؟ وعندما يسحبهم الموت من الحياة الحاضرة، فإن الفترات الطويلة لحياتهم التي اعتادوا أن يتخيلوها تكون قد سُحبت منهم، إنها تُقطع إربًا. بحق قيل عن هؤلاء: "أساسهم قد أفاض بطوفان"... وُصف قايين إنه أول من أسس مدينة على الأرض (تك 4: 17)، وهو بهذا أكد بوضوح أنه غريب، حيث كان غريبًا عن الثبات في العالم الأبدي، فأنشأ أساسًا على الأرض. بكونه غريبًا عن الأمور العلوية وضع استقراره في أساسٍ لأمور سفلية، ووضع استقرار قلبه في اللذة الأرضية. كما بانهيار الزمن اليومي حالة الموت في الحياة الحاضرة ذاتها تجري نحو النهاية، وتحطم تكريس أبناء الهلاك بإزالة هؤلاء الأشخاص عينهم، بحق قيل عن الأشرار: "أساسهم قد أفاض بطوفانٍ"، بمعنى ذات التغير يلقي فيهم استقرار إنشاءات الأشرار. البابا غريغوريوس (الكبير) |
|