|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صرخة للنجدة من عند الرب لَوْلاَ الْمُخَاتِلُونَ عِنْدِي، وَعَيْنِي تَبِيتُ عَلَى مُشَاجَرَاتِهِمْ [2]. بينما يرى أيوب القبور تستعد لاستقباله يرى حوله أصدقاءه كأنهم مخاتلون، يسخرن به ويهينونه في وجهه. حوَّلوا الجلسات إلى مشاجرات عوض التعزيات. أما قوله: "تبيت على مشاجراتهم" فتكشف أنهم كانوا يقضون اليوم كله معه في المشاجرات، حتى إن تركوه في نهاية اليوم لا يعلق بذهنه طوال الليل سوى هذه المشاجرات التي ترافقه. جاء النص هنا مترجمًا عن العبرية، مختلفًا عنه في السبعينية، وأيضًا في الفولجاتا. جاء في الترجمة السبعينية: "في قلق استعطف: ماذا أفعل؟ يسرق الغرباء خيراتي". حاصر القلق نفس أيوب، إذ رأى المعركة حامية، يقف لا أمام أصدقائه الذين صاروا غرباء عنه يحملون روح العداوة ضده بلا سبب، وإنما يرى وراءهم عدو الخير إبليس بكل قواته يقاومونه. هؤلاء هم الغرباء عن جنس البشر، لا عمل لهم إلا سلب الإنسان ما يتمتع به من بركات إلهية، وما يُعد له من أمجاد سماوية، إنهم خصوم للبشرية، يشتهون إذلالها كي تشاركهم مصيرهم الأبدي في جهنم! * لماذا (كان في قلق)؟ لأن أيوب يطلب في صلواته حلول الموت. إنه كمن يدافع عن نفسه، إذ هو مضطرب من التجارب، لأنه لا يعرف تمامًا ما هو سرّ تجاربه التي يصبها العدو عليه. لهذا يقول: "ماذا أفعل؟" يتبع ذلك: "يسرق الغرباء خيراتي" (راجع أي 17: 2 LXX). يدعو أيوب الشياطين غرباء لأنهم مخادعون، وأعداء لأنهم بالطبيعة غرباء حقيقيون لجنسنا. أما بخصوص سرقة خيراته، فقد قال هذا ليس لأنهم سلبوا خيرات أيوب، وإنما لأنهم كذبوا على الله كمن يسرق الكلمات عندما قال المفتري رئيسهم لله: "لا، بل ضع يدك والمس كل ما لديه، فبالتأكيد سيلعنك" (راجع أي 1: 11)... أما بالنسبة لله، إذ يعرف السرقة (التي ارتكبها الواشي) بكلماته، فقد سمح له بالتجربة لكي يجعل أيوب يتهيأ لعلامة النصرة المتلألئة. فإنه بالحق كمنتصرٍ يتجاسر فيقول: "من هو هذا؟ يضم يده معي" [3 LXX]. الأب هيسيخيوس الأورشليمي فإنه قد ضُرب لا للإصلاح من الخطية، وإنما للتمتع بمزيد من النعمة. الديان نفسه يحمل شهادة، هذا الذي يمدح وهو يضرب. لكنني أظن أننا ندرك هذه الكلمات بصورةٍ أفضل، إن فهمناها بخصوص فادينا، فإنه لم يخطئ وفي نفس الوقت "تعهد مرارة"، فبكونه بلا خطية تعهد عقاب خطيتنا. البابا غريغوريوس (الكبير) * يموت من هم ليسوا بقديسين في خطاياهم، أما القديسون فيتوبون عنها. يتحملون جراحاتهم، ويدركون أخطاءهم. ثم يسعون إلى الكاهن بحثًا عن العلاج، أو ينشدون التطهير بواسطة الأسقف. * "كونوا قديسين، لأني أنا قدوس يقول الرب" (لا 7:20). ماذا يعني بقوله: "لأني أنا قدوس"؟ أي، كما أعتزل وأتباعد عن كل ما يُعبد، سواء على الأرض أم في السماء، وكما أسمو على كل مخلوق، وأعتزل ما صنعته يداي، هكذا، فلترفضوا أنتم أيضًا كل من ليس مقدس أو مكرّس لله... وأخيرًا، فهذه الكلمة، التي يُطلق عليها hagios باليونانية Αγίου، تفيد بأنه شيء بعيد عن الأرض. * أما إذا رغبت في أن تتذكر قديسين آخرين، فستجيب عليك كلمات الكتاب المقدس: "لا إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحًا ولا يخطئ" (جا 20:7). فالمسيح وحده "له يدان كاملتان"، "لم يفعل خطية" (1 بط 22:2)، أي أن ليديه أعمال كاملة وتامة. العلامة أوريجينوس كُنْ ضَامِنِي عِنْدَ نَفْسِك. مَنْ هُوَ الَّذِي يُصَفِّقُ يَدِي؟ [3] بالرغم من قول أيوب إنه لم يخطئ خطية تستوجب كل هذه الضربات، إلا أنه يعترف بأنه مدين لله، يحتاج إلى ضامن أو كفيل قادر على أن يحل محله ليوقف الحجز ويودع الكفالة. كثيرًا ما أشار الكتاب المقدس إلى دور الضامن أو الكفيل "الرجل الصالح يكفل قريبه، والذي فقد كل حياءٍ يخذله، لا تنسى نِعَم الكافل، فإنه بذل نفسه لأجلك" (سي 29: 14-15) لم يجد أيوب إنسانًا ما على الأرض، حتى من أعز أصدقائه يشهد لبراءته، وليس من يقف في صفه كفيلًا أو ضامنًا، بل تحول الكل إلى أضداد له. من هنا لم يجد من يلجأ إليه سوى الله نفسه العارف بأسرار قلبه ونياته وتصرفاته الخفية والظاهرة. باسم البشرية كلها يصرخ إلى الله، طالبًا أن يكون كفيلًا له. فليس من يقدر أن يدفع عنا ديننا ويمثلنا أمام الحضرة الإلهية سوى الكلمة الإلهي المتجسد، وكما يردد القديس أغسطينوس في مناجاته لله، قائلًا إنه ليس من ملجأ يهرب إليه من الله سوى الالتجاء إلى الله نفسه. * إنه (السيد المسيح)، الذي لم يخطئ بالفكر ولا بالعمل، صار في مرارة خلال آلامه. لقد تحرر بالقيامة، وصار بجوار الآب بصعوده، حيث صعد إلى السماء وجلس عن يمين الله (يضمننا). البابا غريغوريوس (الكبير) من هو هذا، إذا لم يكن يسوع المسيح، الذي بجلداته قد شفانا نحن المؤمنين به، عندما "جَرَّدَ الرئاسات والسلاطين" الذين في وسطنا و"أَشْهَرَهُم جهارا" فوق الصليب؟ (كو 15:2) . * لقد سقطنا تحت سلطان أعدائنا، أي "مَلِكُ هذا الدهر" وأعوانه من قوى الشر. لهذا نشأت حاجتنا إلى الفداء بواسطة ذاك الذي يشترينا حتى نرجع من حالة التغرب عنه، لذلك بذل مخلصنا دمه فدية عنا... ولما كانت "مغفرة الخطايا"، وهي تتبع الفداء مستحيلة قبل أن يتحرر الإنسان، لا بُد لنا أولًا أن نتحرر من سلطان ذاك الذي أخذنا أسرى، واحتفظ بنا تحت سيطرته، نتحرر بعيدًا عن متناول يده، حتى نتمكن من أن نحظى بغفران خطايانا والبُرْء من جراحات الخطية، حتى ننجز أعمال التقوى وغيرها من الفضائل. *"لنا سلام مع الله" (رو1:5)، من خلال ربنا يسوع المسيح الذي صالحنا مع الله خلال ذبيحة دمه... جاء المسيح لكي يُهْلِك الأعداء، ويصنع السلام، ويصالحنا مع الله الذي فَصَلْنَا عنه حاجز الشر الذي أقمناه بخطايانا. العلامة أوريجينوس لأَنَّكَ مَنَعْتَ قَلْبَهُمْ عَنِ الْفِطْنَةِ. لأَجْلِ ذَلِكَ لاَ تَرْفَعُهُمُ (تمجدهم) [4]. أما عن أصدقائه فبسبب سوء نيتهم نزع الرب عنهم الحكمة والتمييز. فارقتهم الحكمة التي وُهبت لهم من الله، إذ استردها، لأنهم لا يستحقونها. فحيث لا يوجد الحنو نحو المتألمين ينزع الله الفطنة من قلوبهم، تزول عنهم الكرامة ويلتصق بهم العار، ويصيرون في حالة انهيار، وليس في نمو وارتفاع. وبالتالي لا تكون لديهم القدرة على إدراك رحمة الله ولا التمييز لفهم معاملاته، خاصة عندما يسمح بالضيق لمؤمنيه. * إنه لمن النافع لنا أن يكون أعداؤنا محدودين في الحكمة ومجردين منها. لهذا يقول بولس: "لكننا نتكلم بحكمة الله في سرِّ، الحكمة المخفية التي وضعها قبل كل الدهور لمجدنا، التي ليس أحد من رؤساء هذا العالم يعرفها، فإنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1 كو 2: 7-8). "لذلك لا تمجدهم"... لماذا؟ من أجل ما هو لنفعنا، هكذا معرفة الحق مخفية عنهم (الشياطين)؛ وإذ يرغبون الشر، يشتهون أن يجعلونا جهلاء ونجدف على الخالق. الأب هيسيخيوس الأورشليمي الذين يقبلون التأديب الإلهي بفطنة وتمييز تنسحق قلوبهم بالتوبة، ويتمتعون بالمجد. "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله، إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين، فأي ابن لا يؤدبه أبوه؟" (عب 6:12-7). * لتفرح وأنت تحت الجلدات، فإن الميراث محفوظ لك، لأنه لا يطرد شعبه. هو يؤدب إلى حين، ولا يدين إلى الأبد . القديس أغسطينوس الآن يحتمل البعض جلدات لكنهم لا يشكلون حياتهم لتتجدد بخوف الرب الذي يجلدهم. لذلك بحق قيل الآن: "نزعت قلوبهم بعيدًا عن التأديب". بمعنى أنه وإن كان الجسم تحت التأديب، فإن القلب ليس تحت التأديب مادام الشخص المضروب بالعصا لم يرجع إلى تواضع الذهن. لم يقل هذا كما لو كان القدير، الإله الرحوم، قد نزع قلب الإنسان بعيدًا عن التأديب. إنما بعد سقوطه بإرادته، يسمح الله له أن يبقى على حاله في السقوط... "لذلك فإنهم لا يتمجدون"، فإنه إن كان القلب تحت التأديب، يطلب الأمور العلوية، ولا يفتح فمه طالبًا الزمنيات... بينما الذين يطلقون أنفسهم نحو الملذات المنحطة يشتاقون دومًا إلى خيرات الأرض. إنهم لن يرفعوا قلوبهم نحو مباهج السماء، فلو أنهم رفعوا عقولهم نحو الرجاء في المدينة السماوية لتمجدوا... البابا غريغوريوس (الكبير) الَّذِي يُسَلِّمُ الأَصْحَابَ لِلسَّلْبِ، تَتْلَفُ عُيُونُ بَنِيهِ [5]. لا يقف الأمر عند حرمان هؤلاء المخاتلين من الفطنة أو من البصيرة الداخلية لمعرفة حكمة الله، وإنما يسيئون حتى إلى نسلهم، إذ يرون في آبائهم أنهم قد أساءوا التصرف مع أصدقائهم. جاء النص في كتابات البابا غريغوريوس (الكبير): "يَعد إبليس أصدقائه بالغنيمة، وأعين أبنائه تفشل". وكأن أيوب يقارن بين أولاد الله وأولاد إبليس. الأولون يسقطون تحت التأديب لأجل رفعتهم ومجدهم وميراثهم الأبدي، أما الآخرون فيقدم لهم إبليس وعودًا كاذبة بنوال غنائم، وهي عطايا زمنية مؤقتة، بينما يهلكون أبديًا. يرى البابا غريغوريوس أنه قبلًا كان يتحدث عن الأشرار بصيغة الجمع، والآن يتكلم عن رأسهم إبليس بصيغة المفرد. وبكونه الرأس يُمكنه أحيانًا أن يوجه الحديث باسم الأشرار، وأحيانًا باسم أبيهم إبليس. لأن ما للرأس هو للجسد كله، وأيضًا ما للجسد يُنسب للرأس. كما يقول أيضًا إن إبليس رئيس كل الأشرار يقدم وعودًا لأصحابه الشياطين والأرواح الشريرة، أن يقدم لهم غنيمة ليست إلا أبناء البشر الذين صاروا أسرى له! * "يَعِدْ (إبليس) أصدقاءه بالغنيمة، وأعين أبنائه تفشل" بعدما نطق الطوباوي أيوب بعبارة تخص جماعة الأشرار، أي تخص جسم العدو القديم، للحال ينتقل إلى عبارة تخص قائدهم نفسه (إبليس)، رأس كل أبناء الهلاك. ينتقل من صيغة الجمع إلى صيغة المفرد، لأن الشيطان وكل الشعب الشرير هم جسم واحد. غالبًا ما يحدث أن الجسم يأخذ اسم الرأس، والرأس يُلقب بلقب الجسم... الرأس يأخذ لقب الجسم، كما قيل عن الملاك المرتد نفسه: "إنسان عدو فعل هذا" (مت 13: 28). رئيس كل الأشرار له البعض كزملاء، والبعض كأبناء. من هم زملاؤه إلا الملائكة المرتدون الذين سقطوا معه من كرسي المدينة السماوية؟ ومن هم الآخرون الذين هم أبناء له سوى الناس الأشرار، الذين يولدون خلال حثه الشرير على ممارسة الشر؟ هكذا أيضًا قيل بصوت الحق لغير المؤمنين: "أنتم من أب هو إبليس" (يو 8: 44) هذا الشرير هو مصدر الخطأ يعد بالغنيمة لزملائه، حيث يعد الأرواح الشريرة بأنفس الناس الأشرار يمسكون بها حتى النهاية. "وأعين أبنائه تفشل"، حيث يضع الأمور الأرضية هدفًا للناس يتطلعون إليها، فيجعلهم يحبون ما لا يقدرون أن يحتفظوا به طويلًا. إذ لا تستطيع نزعة الحب المُوجه خطأ أن تبقى عندما يُظهر أن كلا من المحبين والأشياء المحبوبة يصيرون كلا شيء بسرعة. البابا غريغوريوس (الكبير) أَوْقَفَنِي مَثَلًا لِلشُّعُوبِ، وَصِرْتُ لِلْبَصْقِ فِي الْوَجْهِ [6]. أصدقاؤه الذين كانوا يشتهون الجلوس معه، ويتلمسون رضاه ويمتدحونه، صاروا يسخرون به في ضيقته، ويحسبونه مثلًا ودرسًا لكل مراءٍ وشرير كي لا يقتدي أحد به. صار أيوب صورة حيَّة للذين يعيشون في الرب، فيسخر بهم العالم، وإن أمكن يبصقون على وجهه. كما كان رمزًا للسيد المسيح الذي سخر به الأشرار، فصار مثلًا هزًأ، وبصقوا على وجهه. "كثيرا ما شبعت أنفسنا من هزء المستريحين، وإهانة المستكبرين" (مز 123: 4). "صرت ضحكة لكل شعبي، وأغنية لهم اليوم كله" (مرا 3: 14). "بذلت ظهري للضاربين، وخدي للناتفين، وجهي لم استر عن العار والبصق" (إش 50: 6). "حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه، وآخرون لطموه" (مت 26: 67). "وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه" (مت 27: 30). "فابتدأ قوم يبصقون عليه، ويغطون وجهه ويلكمونه، ويقولون له تنبأ، وكان الخدام يلطمونه" (مر 14: 65). "وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة، ويبصقون عليه، ثم يسجدون له جاثين على ركبهم" (مر 15: 19) . "وآخرون تجربوا في هزءٍ وجلدٍ، ثم في قيودٍ أيضًا وحبسٍ" (عب 11: 36). * "كثيرًا ما امتلأنا هوانًا" (مز 3:123). كل الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى حسب المسيح، يلزمهم أن يحتملوا الإهانة (2 تي 12:3). يليق بهم أن يُحتقروا من الذين لا يختارون الحياة بتقوى. يحتقرون أولئك الذين يطلبون السعادة التي لا يمكن رؤيتها بعيونهم، ويُقولون لهم: "بماذا تؤمن يا أيها المجنون؟ هل عاد أحد من العالم السفلي وقدم تقريرًا لك بما يحدث هناك؟ أنظر فإني أرى وأتمتع بما أحب، إنك مُحتقر، لأنك تترجى ما لا تراه". "كثيرًا مما شبعت أنفسنا من هزء الأغنياء (المستريحين)، وإهانة المستكبرين" (مز 4:123). إننا نسأل: من هم الأغنياء؟ لقد شرح ذلك بقوله "المستكبرين". الهزء والإهانة هما واحد، كما أن الأغنياء والمستكبرين هما واحد، لماذا الأغنياء مستكبرون؟ لأنهم يريدون أن يكونوا سعداء هنا... ربما يسخرون عندما يكونون سعداء، إذ يفتخرون بخيلاء غناهم. عندما ينتفخون بحالهم المملوء غرورًا من أجل كرامتهم الباطلة، يسخرون بنا. يبدو كمن يقول: انظروا، فإنه خير لي أن أتمتع بالخيرات التي أمامي. ليبتعد عني أولئك الذين يعدون بما لا يقدرون أن يظهروه. ما أراه أمسك به؛ ما أراه أتمتع به، لأسلك ناجحًا في هذه الحياة، لتكن أنت في أكثر أمانٍ، لأن المسيح قام وقد تعلمت أنه سيهبك حياة أخرى، لتتأكد أنه سيهبها لك. القديس أغسطينوس القديس مقاريوس السكندري كَلَّتْ عَيْنِي مِنَ الْحُزْنِ، وَأَعْضَائِي كُلُّهَا كَالظِّلِّ [7]. صار أيوب رجل أحزان ودموع، حتى كلت عيناه. واشتد به الحزن حتى أبلي لحمه، وصار أشبه بهيكلٍ عظمي،ٍ أو أشبه بالظل، ليس فيه سوى الجلد والعظام. يُصَوِّر لنا أيوب حاله المُر، فمن شدة الحزن كلت عيناه أو صارتا معتمتين عاجزتين عن رؤية نور الحق الإلهي. فقد كاد الحق أن يختفي. لقد تحٌَول الأصدقاء إلى أعداء مقاومين بكل قوة، تسندهم في ذلك إمكانياتهم. ويبرر تصرفاتهم ما حلّ بأيوب نفسه، الذي كاد أن يصير كالظل الذي لا كيان له. سُلب منه كل شيء، وبلا سبب! هذا ومن جانب آخر يصِّور لنا حال المؤمن أو الكنيسة ليس فقط أثناء المعاناة من مضايقات الأشرار المرة، ولكن الحزن الشديد الذي يحل بالمؤمن أو الكنيسة ككلٍ من أجل كل نفسٍ تحيد عن طريق الحق، وتضل عن المعرفة الصادقة. لهذا يصرخ الرسول بولس، قائلًا: "من يضعف وأنا لا أضعف؟ ومن يعثر وأنا لا التهب؟" (2 كو 11: 29). هذه المشاعر يعيشها رجال الله سواء في العهد القديم أو الجديد، الذين إذ يختبرون عذوبة العشرة مع الله، لا يطيقون حرمان أحدٍ منها. يقول المرتل: "الكآبة ملكتني من أجل الخطاة الذين حادوا عن ناموسك" (مز 119: 53). ويقول إرميا النبي: "يا ليت رأسي ماءً، وعينيَّ ينبوع دموع، فأبكي نهارًا وليلًا قتلى بنت شعبي" (إر 1:9). * "عيني معتمة بالسخط، وكل أعضائي كما لو كانت قد صارت كلا شيء" [7]. تصير العين معتمة بالسخط عندما يُمنح ذات الأشخاص نور الحق... ويرون أنفسهم مُحتقرين إلى زمنٍ طويلٍ، ويستخف بهم الأشرار. إنهم يرتبكون في دهشة لدى الحكم المخزي، ويفشلون في سبر غور سرّ الله: لماذا يُسمح للأشرار أن ينتصروا على براءة الصالحين؟ من لا يستغرب عندما يرى هيروديا برقصة ابنتها تنال من يد الملك السكران رأس "صديق العريس"، النبي، والأعظم من نبي، تُقدم أمام وجوه ضيوفه على طبق (مت 14: 6-11؛ لو 7: 26)؟ البابا غريغوريوس (الكبير) أنثيموس أسقف أورشليم القديس ديديموس الضرير القديس باسيليوس الكبير القديس يوحنا الذهبي الفم يلزمنا ألا نخاف إن تآمر الذين يحاربون المسيح (الأريوسيون) ضد الصالحين، إنما بالحري نحن نرضي الله بالأكثر بسبب هذه الأمور، إذ نتهيأ أكثر ونتدرب على حياة الفضيلة. لأنه كيف ننال الصبر ما لم توجد متاعب وأحزان؟ وكيف تظهر الشهامة إلا باحتمالنا الهزء والظلم؟ وكيف يختبر الاحتمال ما لم يوجد هجوم من الأعداء (الأريوسيين وغيرهم)؟ وكيف تتزكى طول أناتنا إن لم توجد وشايات ممن هم ضد المسيح (الأريوسيين)؟! وأخيرًا كيف يمكن للإنسان أن يدرك الفضيلة ما لم تظهر أولًا شرور الأشرار؟! هكذا فإن ربنا سبقنا في هذا عندما أراد أن يظهر للناس كيف يحتملون... عندما ضُرب احتمل بصبر، وعندما شُتم لم يشتم، وإذ تألم لم يهدد، بل قدم ظهره للضاربين، وخديه للذين يلطمونه، ولم يحول وجهه عن البصاق (1 بط 23:2؛ إش 6:50). وأخيرًا كانت إرادته أن يُقاد إلى الموت حتى نرى فيه صورة كل الفضائل والخلود، فنسلك مقتفين آثار خطواته، فندوس بالحق على الحيات والعقارب وكل قوة العدو (الخطية). القديس أثناسيوس الرسولي الشهيد كبريانوس القديس أغسطينوس القديس أغسطينوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لقد صرخت إليه، ولكني لازلت في محنة |
أيوب | صرخة لوقف التأديب |
أيوب | صرخة إلى الله لإنقاذه |
مدعون للوحدة كما صلى الرب يسوع نفسه |
أحمد ماهر: ليه جلسات التصويت بـ«لجنة الـ50» سرية |