|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نصرة الإيمان لأَنَّهُ تَمَرْمَرَ قَلْبِي، وَانْتَخَسْتُ فِي كُلْيَتَيَّ [21]. الآن وقد أدرك المرتل أن الأشرار مع كل ما نالوه من غنى ونجاح، فقدوا صورة الله فيهم، فصار لا وجود لهم في مدينة الله، صاروا كما لو كانوا قد فنوا، لم يأخذ موقف الشماتة، بل دفعه هذا لمراجعة نفسه. دخل في ندامة وحزن داخلي على خطاياه. جاء في كتابات القديس أغسطينوس: "لأنه ابتهج قلبي، تغيرت في كليتاي". * يمكن أيضًا أن تفهم: "لأنه ابتهج قلبي" في الله، "تغيرت أيضًا كليتاي"، أي تغيرت شهواتي وصرت طاهرًا بالكلية. القديس أغسطينوس وَأَنَا بَلِيدٌ وَلاَ أَعْرِفُ. صِرْتُ كَبَهِيمٍ عِنْدَكَ [22]. لا يدَّعي المرتل أنه قد أدرك بالتمام خطة الله، وعرف أسرار عنايته الإلهية، بل يعترف بأنه جاهل، يقف أمام الله كمن لا يفهم شيئًا. إنه لا يحكم على الأغنياء الأشرار كصاحب معرفة، فهو لا ييأس من خلاصهم. * يليق بنا ألا نيأس حتى من هؤلاء الذين نقول عنهم مثل هذه الأمور. القديس أغسطينوس * صرت عندك لجهلي كالبهيمة، مع أني لم أفارقك، بل دائمًا معك بالقلب والنية. الأب أنثيموس الأورشليمي * لما سمع أنبا بيمين أنّ أنبا "نستير" موجود في المجمع (أي في الدير) اشتاق جدًا أن يراه، وأخبر أب الدير لكي يرسله ليزوره، لكنه رفض أن يرسله وحده. وبعد بضعة أيام شعر وكيل الدير ببعض أفكار تضايقه، فتوسل إلى أب الدير أن يرسله إلى أنبا نستير، فصرفه قائلًا: "خذ أبّا بيمين معك." ولما جاء وكيل الدير إلى أنبا نستير أخبره بأفكاره فشفاه منها. وبعد ذلك سأل أنبا نستير أنبا بيمين قائلًا: "من أين أتيت بمثل هذا التواضع أنه مهما حدث من اضطرابٍ في المجمع لا تتكلم ولا تتدخل لكي تضع حدًّا للنزاع؟" ولما ضغط الشيخ أنبا نستير على أنبا بيمين أجاب قائلًا: ”اغفر لي يا أبي، فعندما دخلتُ المجمع (في بدء رهبنتي) قلتُ لنفسي: أنا والحمار واحد، فكما يُضرَب الحمار ولا يتكلم ويُشتَم ولا يُجيب، هكذا أكون أنا، كما قال داود النبي الطوباوي: "صرتُ كبهيمٍ عندك" (مز 73: 22)". فردوس الآباء * بطرقٍ أخرى أيضًا ينتفع الذين يعيشون حياة الفقر، لأنهم بعدم تركيز قلوبهم على المذخَّر هنا على الأرض، يلتحفون بملكوت السماء، ويتمِّمون بوضوح تصريح المرتل داود النبي القائل: "صرتُ كبهيمٍ عندك" (مز 73: 22). لأنه كما أنّ الحيوانات الأليفة في أدائها لمهامها الخاصة تكتفي بالغذاء الذي يُبقي على حياتها فحسب؛ هكذا أيضًا الذين يعيشون الفقر يعتبرون أن استعمال الفضة أمرٌ تافه، ويؤدّون أعمالهم اليدوية لأجل غذائهم اليومي وحده. هؤلاء يمتلكون أساس الإيمان، ولأجلهم تكلّم الرب عن عدم اهتمامهم بالغد قائلًا: "اُنظروا إلى طيور السماء، إنها لا تزرع ولا تحصد ... وأبوكم السماوي يقوتها" (مت 6: 26). وبهذا الكلام يتشجّعون (لأن الله هو الذي قاله)، وبثقةٍ يهتفون بكلام الكتاب: "آمنتُ لذلك تكلّمت" (مز 116: 10). القديسة الأم سنكليتيكي * "صرت كبهيمٍ عندك، ولكنني دائمًا معك". بمعنى إنني أتبعك كحيوان مطيع، فلا اضطرب بسبب طبيعة الطريق. لتقودني على الدوام سواء كان الطريق قصيرًا أو طويلًا أو صعبًا. إنه لن يجعلني مضطربًا سواء كان ضيقًا أو منحدرًا أو شديد الانحدار. فإنني أقول لنفسي، ما دمت صالحًا ستقودني حسنًا... لهذا لن أنفصل عن صحبتك، وإنما دائمًا أنا معك، أقتدي إثر خطواتك مطيعًا اللجام، وأسير أينما ذهبت بي سواء كان الطريق سهلًا أو وعرًا، واسعًا أو ضيقًا. فإنني أتشجع بحكمتك وأتكل على صلاحك. إنني أعرف أن ما تفعله صالح ونبيل. ثيؤدورت أسقف قورش وَلَكِنِّي دَائِمًا مَعَكَ. أَمْسَكْتَ بِيَدِي اليُمْنَى [23]. إذ يسلم المرتل نفسه لله كي يقوده كما يشاء، فإنه يعترف أيضًا بأنه صار كبهيمٍ عندما انشغل بالأرضيات. * وإذ يلُتفت إلى تلك الأمور ويتأملها، كان النبي فرحًا متهللًا، بينما كان مضطربًا قليلًا. لهذا السبب يقول: "لأنه ابتهج قلبي، واسترخت حقواي، وصرت كلا شيٍء، ولا أعرف وصرتُ كبهيمٍ عندك، ولكني دائمًا معك" (مز 73: 21-23). وهو يقول ما معناه: "حينما علمتُ أن الله يعتني ويهتم بشئون البشر، استراحت حقواي". وهذا يعني: بعد طول التعب المضني الذي سَبّبَه جهله القديم، استراح خلال معرفة الخير السماوي ومعرفة النعمة. لأن هناك حقوي النفس، حقواه اللتان تضطربان فينا بسبب الضغط الذي يحدثه جهلنا، لكنهما تستريحان، إذ تجدان راحةً في معرفة التعليم السماوي، وتقويان بالاعتماد على نوع ما من السند الذي تجلبه الوصايا السماوية. ثم يقول: "لهذا أدركت أنني تعبت باطلًا لأنني لم أكن أعرف ما هو حق". "صرت كبهيم!" يضيف بحق قوله: "عندك" أو "أمامك"، أجل، فبالمقارنة مع ساكني السماء، فالإنسان ليس إلا بهيمًا؟ فالنجوم أيضًا، وإن كانت تشرق ساطعة، تنزوي وتختفي عند بزوغ الشمس. يقول موسى أيضًا: "لم أؤهل من أمس، من حين كلمت عبدك، بل أنا ضعيف وثقيل اللسان" (خر 4: 10 LXX). هكذا يبدو الإنسان بهيمًا أعجمَ بالمقارنة، لا أقول بالمسيح، بل حتى بالملائكة، لكن حتى إن كان الأمر كذلك، لا نيأس، لأن الربَ يحفظ البشرَ والبهائم كليهما معًا (مز 36: 6). ومن ثم فلأنني لم أتعلم من ذاتي بل منك، فإنني ألتصق بك دومًا حتى أكف عن أن أكون بهيمًا، وحينئذ تقول لي "وأما أنت فقفْ هنا معي" (تث 5: 31). فالإنسان الذي بجهله انحدر إلى الحماقة ونقص المعرفة، الذي يزن بميزان البهيمة، يبدأ من جديد فيصير إنسانًا، حينما تشمله نعمة الله. فهو حقًا إن اقتدر بالعقل والنعمة، لأثبت أنه إنسانًا بتلك الحقيقة عينها. ومن ثم يتهلل أنه انفصل عن الحيوانات العجماوات، ودخل في شركة البشر الذين يفتقدهم الله ويحميهم. لأنه من هو الإنسان إلا الذي يفكر الرب فيه ويفتقده؟ (قابل مز 8: 4) القديس أمبروسيوس * بالحقيقة صرت كبهيمٍ، عندما اشتهيت الأرضيات من الله، لكنني لن أفارقك يا إلهي. القديس أغسطينوس * كل البشر، ونحن أنفسنا، لسنا دومًا مع الله، بالمعنى الذي يتحدث الله نفسه بالمرتل قائلًا: "أنا مقيم دائمًا"، والذي يجيب عليه المرتل: "نعم، لتمسكني بيمينك" (مز 73: 23). الله ليس مع كل البشر بالمعنى السليم الذي به أنت وأنا يكون لنا حين نبارك شخصًا، فنقول: "الرب معك". ما أقصده هو هذا: أخطر بؤس للإنسان أن يكون بدون الله، بمعنى ألاَّ تكون له علاقة داخلية مع ذاك الذي هو الحياة والوجود ذاته. أضف إلى هذا ألاَّ يتذكر أنه في خطة الله الأصلية من نحو الإنسان، أن تحقيق مثل هذه العلاقة أمر ممكن. عندما لا يكون للإنسان علاقة مع الله بهذا المعنى الداخلي لا يتذكر الله. وبهذا لا يطلب أن يدرك الله، ويتعرف على طرقه، ولا يجد فيه لذة يومية. أقول إنه ليس مع الله، مع أن الله معه... لكي أوضِّح ما أقوله بطريقة أفضل، فلا تخطئ في هذه النقطة الهامة كأنها أمر تافه، أقدم لك مثالًا مما يحدث كل يومٍ في العالم. تصور أنك تقابل شخصًا لم تتعرف عليه قط، لكنه يقول لك: "نعم، إنك تعرفني". ولكي يذكرك بذلك يصف لك في شيءٍ من التفصيل أين قابلك ومتى وكيف حدث ذلك. لكن بعدما يخبرك بكل هذه الأمور، لا تزال تقول له: "آسف، فإنني لست أعرفك". فإن كان هذا صحيحًا، فإنه يعني أن أمورًا أخرى تشغل ذهنك، فنسيت هذا الشخص تمامًا، وقد زال كل أثر لمعرفتك السابقة له. لكن افترض أنك أخيرًا تذكرت الشخص، فإنك ترجع إلى فكرك السليم من نحوه. وبالتدريج إذ تقضي معه وقتًا تصير ذاكرتك من نحوه كاملة، تتذكر كل ما نسيته. ليس هذا فقط، وإنما تتعرف عليه أكثر فأكثر في أمور تفصيلية. الآن على نفس المثال الذي قدمته لتطبقه على روحك، كيف يمكنك أن تتذكر الله، وكيف تنمو في سيرك اليومي معه. يوجد رجال ونساء، مع إنهم في دار الإيمان، إلاَّ أنهم ليسوا مع الله. إنهم لا يدركون أنه حتى الأشياء التي تدعى صالحة ومبهجة على هذه الأرض بالحقيقة ضارة إن سببت لنا أن ننسى الله. عندما لا نثق فيه، عندما نتجاهله أو ننساه، فإننا نكون لسنا معه. هذا يسبب ضررًا لنفوسنا على الدوام. القديس أغسطينوس بِرَأْيِكَ تَهْدِينِي، وَبَعْدُ إِلَى مَجْدٍ تَأْخُذُنِي [24]. ما هو رأي الله أو مشورته التي تهدينا وتقودنا إلى المجد سوى كلمة الله. * لهذا السبب يقول داود، إذ قد افتقده (الرب): "أمسكت بيميني، وأصعدتني بمجدٍ" (مز 73: 23-24)، هذا هو النص الذي تسلمناه وهو يتفق مع النسخة اليونانية، لأن اليونانية تقول ekratesas tea cherios أي "أمسكتَ باليد" و tes dexias mou " يميني" [أي "أمسكت بيميني".] يتلقى الإنسان إرشادًا طيبًا حينما يمسك الله بيمينه، بيد الله نفسه. مثل هذا يمكنه القول: "الرب عن يميني، فلا أتزعزع" (مز 16: 8). لو أن آدم كان قد اختار أن يكون له الرب عن يمينه، ما خدعته الحيّة، لكن لأنه نسي وصية الله، وتمم إرادة الحية، أمسك الشيطان بيده، وجعلها تمتد لشجرة معرفة الخير والشر، ليقطف أشياءً حُرَّمت عليه! وفيه عبر الحكم إلى جميع الناس، وبدأ المعاند يقف عن يمين كل إنسان. من هنا أيضًا جاءت تلك اللعنة ضد يهوذا "ليقف شيطان عن يمينه" (مز 109: 6). وإن كانت تلك اللعنة قاسية، فإن تلك البركة التي بها تنحل رباطات اللعنة، هي بركة في غاية الأهمية جدًا. لهذا فإن الرب يسوع الذي أخذ قضية الإنسان وحالته، وضع الشيطان عن يمينه هو تمامًا كما نقرأ في سفر زكريا (زك 3: 1)، هكذا حيث يقف ميراث آدم فهناك وقف المسيح. وكرياضيٍ صالحٍ، سمح للشيطان أن يقف عن يمينه (أي يمين الرب)، لكي يطرحه وراءه، قائلًا: "اِذهب يا شيطان!" (مت 4: 10). وحينئذ طُرحَ المُعاند من موضعه ورحل. ولكي لا يقف الشيطان عن يمينك، يقول لك المسيح: "تعال، اتبعني" (مت 19: 21). لهذا تنبأ داود سلفًا بمجيء الرب الذي نزل من السماء ليحررنا من قوة الخصم المُعاند، إذ قال: "الرب عن يميني فلا أتزعزع". أما من كان الشيطان عن يمينه فيتزعزع. تبرر داود إذن فيما قاله: "أمسكت بيميني" أي، حتى لا أخطئ الآن، وحتى أتخذ موضعي في مكان الاتكال والثقة، إذ كنت قبلًا أترنح وخطواتي متقلقلة! كم كان قول الرسول حكيمًا حقًا! لأن الرب إذ رآه منزعجًا مضطربًا مدّ يمينه، ولم يدعه يسقط، بل تبعه ليمشي دون خوف (مت 14: 30-31). وعند تمتعه بخلاصه، ماذا قال بطرس إلا تلك السطور النبوية: "أمسكتني بيميني، وفي مشيئتك قدتني، وأصعدتني بمجدٍ"؟ وما هي اليد اليمني إلا قوة النفس العاملة (التي لا تكف عن الجهاد)؟ وإن قُيدتْ بمشيئة الرب، لا يعوزها شيء، ولا تفتقر إلى شيء. ولا تحتاج إلى أية مساعدة أو معونة من هذا العالم! القديس أمبروسيوس مَنْ لِي فِي السَمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِي الأَرْضِ [25]. إن كان الله هو المعين والسند والحصن وواهب المعرفة الخ، فإنه شهوة النفس ونصيبها الأبدي؛ هو كل شيء بالنسبة لها. · هكذا كان (الله) هو كل شيء بالنسبة لهم، فلا تُحسب السماء ولا ملكوت السماوات شيئًا إن قورنت بهذا الذي يشتاقون إليه. * إنه يعني أنت هو كل شيء بالنسبة لي... ليس شيء ما في الأعالي أو أسفل أشتهيه، إنما أشتاق إليك وحدك. القديس يوحنا الذهبي الفم * إني لم أشتهِ شيئًا مما في السماء، ولا على الأرض، إلا أن أكون معك. وأنت تعلم أن قلبي قد ذاب من هذا الاشتياق يا خالق قلبي وعارف ضميري. الأب أنثيموس الأورشليمي * أولًا عُدْ إلى نفسك مما هو خارج عنك، عندئذ قدم نفسك ثانية لذاك الذي خلقك. فهو مصدر كل سعادتنا وصلاحنا الكامل. * أن تعبد الله هو أن تحبه، وتشتهي أن تراه، وتترجى وتؤمن أنك ستراه. هذا هو الشوق إلى السعادة، أن تبلغ إليه، إذ هو السعادة عينها. اسأل نفسك: إلى أي مدى يزداد حبك؟ الإجابة هي أن قلبك هو معيار تقدمك. الآن نحن نراه بطريقة غامضة، إذ يتزايد حبنا، لكن عندئذ سنراه بوضوحٍ. أيها الأحباء، لا يأتينا هذا الحب من عندنا، بل بالروح القدس الذي أُعطي لنا... هناك لا توجد بعد خطية، ولا يوجد شيء باطل، بل نلتصق به بالحب، ذاك الذي نئن مشتاقين إليه. سنعيش إلى الأبد في تلك المدينة التي نورها الله، ونجد فيه تلك السعادة التي نجاهد الآن من أجلها. * لتدركوا أيها الأحباء أن فرح كل الأفراح يتحقق بالبهجة في الثالوث الذي خُلقنا على صورته. * أينما توجهت نفس الإنسان، فإنها إن لم تتجه نحوك تجمع لقلبها الأحزان، حتى إن اِلتصقت بما هو محبوب لديها. إن كان هذا المحبوب خارج الله، فإنها تلتصق بالحزن. لأن هذه الأمور الجميلة لا وجود لها بدونك... هب لي أن أسبحك من أجل هذه الأشياء، يا إلهي، خالق كل هذه الأشياء. لكن لا تدع محبة هذه الأشياء تلتصق بنفسي. لا يوجد في هذه الأمور موضعًا للراحة، لأنها أمور غير باقية، بل تعبر وتختفي من حواسنا. القديس أغسطينوس * يقول القديس: "ماذا ينتظرني في السماء؟ ومعك لا أريد شيئًا في الأرض!" (راجع مز 73: 25). هذا يعني: إنك نصيبي، أنت وفرت لي كل الأشياء، لا أطلب شيئًا سوى أن أمتلكك نصيبًا لي! لم أخضع لأي مخلوق في السماوات، كما يفعل الأمم، وما رغبتُ شيئًا من ثروة وملذات الحياة الغاشة في هذا العالم. لستُ معتازًا، لأنك أنت أصعدتني... وإذ لا شيء لي، فإني أملك كل شيء (2 كو 6: 10)؛ لأني أملك المسيح، ذاك الآب الذي لم يشفق في السماء عليه، بل بذله لأجلنا أجمعين. كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيءٍ (رو 8: 32)؟ كما قال الرسول. لأن كل الأشياء هي في المسيح، الذي به كان كل شيءٍ، وفيه يقوم الكل مجتمعًا (كو 1: 16-17). لهذا إذ أملك كل شيءٍ فيه، لا أطلب مجازاة، لأنه مكافأة الجميع، لهذا قال المسيح لمن يصير كاملًا، "اَحمل صليبك واتبعني" (مر 8: 34؛ مت 16: 24؛ لو 9: 23؛ مت 10: 38). لأن من يتبعه لا يصير كاملًا بالمجازاة، بل بالكمال يصير كاملًا لأجل المجازاة. لأن المتمثلين بالمسيح ليسوا صالحين بسبب الرجاء، بل لحبهم للفضيلة، لأن المسيح صالح بالطبيعة. وليس رغبةً في نوال مكافأة! لهذا تألم لأنه سُر أن يصنع صلاحًا، لا لأنه أراد أن يكتسب نموًا في المجد من جرَّاء آلامه! لهذا من يريد أن يقتدي بالمسيح، لا يصنع ما لنفعه هو، بل ما هو لمنفعة الآخرين. ولهذا السبب عينه يضعف بالنسبة لنفسه، بينما يصير أقوى بالنسبة للآخرين، بازدياد الفضيلة. القديس أمبروسيوس قَدْ فَنِيَ لَحْمِي وَقَلْبِي. صَخْرَةُ قَلْبِي وَنَصِيبِي اللهُ إِلَى الدَهْرِ [26]. أمام حب المؤمن الفائق نحو الله يضعف جدًا حتى يبدو كأن جسمه وقلبه قد فنيا، ليملأ الله كل كيانه الداخلي. * يقول المرنم حقًا: "قد فني لحمي وقلبي، صخرة قلبي الله" (مز 73: 26). حقًا إن الأمور الباقية (الخالدة)، لا تأتي إلا بعد زوال الأرض وفنائها. لهذا يفنى الجسد حينما تموت الجسديات. والذين يحملون في أجسادهم إماتة يسوع المسيح (2 كو 4: 10)، أيضًا يفنون، لأنه إذ يعمل المسيح فيهم (2 كو 4: 12)، تموت كل شهوة أو ميل نحو الخطية. من هذا يُشار إلى أن قلب الإنسان يفنى حينما تموت الأفكار الشريرة التي القلب مصدرها. لهذا قد يخفي النسيان كل الأرضيات، والذين بوركوا بالقلب الطاهر النقي، فاستحقوا أن يعاينوا الله، يأتيهم إله قلوبهم (مت 5: 8). ليقتربوا إليك ولا ينفصلوا عنك، لأن الله القريب لا يرد الذين يقتربون إليه فقط (يو 6: 37، يع 4: 8)، بل يريد أن يكون سبب خلاص للجميع، لا أن يموتوا. حقًا إنه لا يرفض أحدًا إلا الذي قرر أن يفصل نفسه من أمام وجهه. القديس أمبروسيوس * المسيح هو الكل، فمن يترك الكل لأجل المسيح، يجد ذاك في محل الكل، ويقدر أن يعلن بحرية: "نصيبي هو الرب". * إن كانت الكلمة اليونانية "إكليروس Kleros" معناها "نصيب"، فإن رجال الكهنوت دُعوا هكذا، إما لأنهم ينتمون إلى نصيب الرب، أو أن الرب نفسه هو نصيب الكهنة. الإنسان الذي يقتني الرب ويقول مع النبي: "الرب هو نصيبي" لا يمكن أن يقبل شيئًا بجانبه. * المسيح هو القداسة التي بدونها لا يقدر أحد أن يعاين وجه الله. المسيح هو خلاصنا، إذ هو المخلص والفدية في نفس الوقت. المسيح هو كل شيء بالنسبة لنا، فمن يترك شيئًا من أجله، يجده مقابل ما قد تركه، فيستطيع في حرية أن يقول: "نصيبي هو الرب". القديس چيروم * المسيح علة كل الخيرات، منه تنبع كل المواهب للمحتاجين. هو الغنى (أف 2: 4) الحقيقي، وليس غنى خارجًا عنه. هو الأمان العظيم، صالح بدم صليبه ما في السماء وما على الأرض (كو 1: 20). منه المحبة، ومن يحب أخاه يتعلم منه كيف يحب... كل من يحب أخاه يسكن المسيح فيه، لأنه الحب الحقيقي الذي نقض سياج العداوة (أف 2: 14) الذي شيدته الحية بين آدم والله. (الرسالة الثالثة) القديس مار يعقوب السروجي لأَنَّهُ هُوَذَا البُعَدَاءُ عَنْكَ يَبِيدُونَ. تُهْلِكُ كُلَّ مَنْ يَزْنِي عَنْكَ [27]. إذ يقبل الله النفس البشرية كعروس سماوية، فإن تعلقت بشهوات زمنية، وأحبت العالم تصير كمن زنت وراءه. * الآن تحب النفس عريسها، فماذا تطلب منه، من عريسها الذي تحبه...؟ (المؤمن الحقيقي) يحبه وحده، يحبه لا لنوال شيء ما، إنما يجد فيه كل الأشياء، إذ به كان كل شيء (يو 1: 3). القديس أغسطينوس * لكي يُظهر أنه ليس فقط لا يُسلمنا بل ولا حتى يتركنا ما لم نرد نحن ذلك، اسمعوه يقول: "أليست آثامكم صارت فاصلة بيني وبينكم" (إش 2: 59 LXX )، وأيضًا: "هوذا البعداء عنك يبيدون" [٢٧]. القديس يوحنا الذهبي الفم * إذ نرنم "البعداء عنك يبيدون"، يليق بنا أن نسعى لتجنب كل الشهوات الشريرة. الأب قيصريوس أسقف آرل * قد فنيَ قلبي من اشتياقي أن أكون معك دائمًا، لأن الذين يتباعدون منك بقبائحهم يهلكون، والذين يتركونك يا عريس النفوس الحقيقي والملتصقون بالشياطين هم زناة، فتستأصلهم وتبيدهم. الأب أنثيموس الأورشليمي أمَّا أَنَا فَالاِقْتِرَابُ إِلَى اللهِ حَسَنٌ لِي. جَعَلْتُ بِالسَيِّدِ الرَبِّ مَلْجَإِي، لأُخْبِرَ بِكُلِّ صَنَائِعِكَ. الاقتراب إلى الله هنا يضاد الابتعاد عنه والزنا وراءه [ع27]. إذ يدرك المؤمن اقتراب الله منه، يجد مسرته في اقترابه هو من الله. يجد في الله ملجأ له، وفرصة لمناجاته والحديث معه وعنه. * يا إخوة، ماذا تنالون أكثر. فإنه ليس شيء أفضل من الاقتراب إلى الله، حين نراه وجهًا لوجهٍ (1 كو 13: 12). القديس أغسطينوس * ليس القديس بولس وحده الذي يقول إنه يجب أن نتحد مع الله، فلا ندع شيئًا يفصلنا عنه. ألم يعبّر النبي على هذا الأمر بقدرٍ مساوٍ وبإيجازٍ شديدٍ للغاية، عندما يقول: "الاقتراب إلى الله حسن لي". · مثل هذا الالتصاق يَشهد به ذاك الذي يقول عنه الرسول: "المحبة فلتكن بلا رياء، كونوا كارهين للشر، ملتصقين بالخير" (رو ١٢: ٩). · في السماء لا تكون لنا خبرة الاحتياج، ولهذا سنكون سعداء. إذ نكون مكتفين، ويتحقق هذا بإلهنا. وسيكون هذا لنا بالنسبة لكل الأشياء التي نتطلع إليها هنا أنها عظيمة القيمة. هنا تطلبون الطعام كأمرٍ ضروري، هناك يكون الله طعامكم. هنا تطلبون الأحضان الجسدية، "الاقتراب إلى الله حسن لي" [ع٢٨]. هنا تطلبون الغنى، فكيف تحتاجون إلى كل هذه الأمور هناك، حيث تقتنون ذاك الذي خلق كل الأشياء؟ أخيرًا لكي يقيمكم في أمان يقول الرسول الكلمات الخاصة بتلك الحياة: "يكون الله الكل في الكل" (١ كو ١٥: ٢٨). القديس أغسطينوس * هل التصقت بالله؟ لقد أنهيت رحلتك، وستبقى في مدينتك الحقيقية. * الآن إن كنتم تحبون ما قد صنعه، فكم بالأكثر يلزم أن نحب ذاك الذي خلقها. إن كان العالم جميلًا، فكم يكون مبدع العالم؟ لهذا مزقوا قلوبكم وأبعدوها عن محبة المخلوقات لكي ما تلتصقوا بالخالق. عندئذ القول بما هو مكتوب في المزمور: "الاقتراب إلى إلهي حسن لي". * النفس التي تهجر خالقها لتحب المخلوق زانية. ليس شيء أكثر طهارة أو أكثر بهجة من محبته. فإن تركتموه واحتضنتم غيره تصيرون دنسين. أيتها النفس، إن أردت أن تتأهلي لحضنه، اتركي الأمور الأخرى هذه، والتصقي به دون توقع لمكافأة. لهذا يقول المرتل: "الاقتراب إلى الله حسن لي". في العبارة السابقة: "هوذا البعداء عنك يبيدون". بعد ذلك كأنه يرغب أن يظهر ما هو الزنا، لذا أضاف: "الاقتراب إلى الله حسن لي"، لست أطلب شيئًا سواه. الالتصاق به هو صلاحي، صلاحي الذي بلا أي رجاء للعودة عنه. * عندما تبلغون إلى هذه الحالة السعيدة للكمال، ستحسبون كل ملذات هذا العالم نفاية، وتستطيعون القول مع النبي: "أما أنا فالاقتراب إلى الله حسن لي". * بالتأكيد الشيطان هو موجه الاتهام ضد القدِّيسين. إنه لا يقدر في حضرة ديان كهذا أن ينسب اتهامًا خاطئًا باطلًا ضدنا... فهو يعرف مع من يتكلم. لهذا يلجأ إلى القول بشيءٍ صادق. فإن خصمنا الذي يحسدنا على وجودنا في ملكوت السماوات، ولا يريدنا أن نكون هناك حيث طُرد هو منه، يقول: "هل مجانًا يَعبد أيوب الله؟" (أي 1: 9). يتهم خصمنا أيوب دون أن ينظر إلى قلبه. يليق بنا أن نحرص على حبنا لله، ليس من أجل مكافأة. فإنه أيّ نوع من المكافأة هذه التي يعطيك الله إياها؟ مهما أعطاك فهو أقل من ذاته. لا تعبد الله تلقائيًا لكي ما تقبل منه شيئًا. اعبده دون أن ترجو مقابل، وعندئذ تتقبله هو، فإن الله يحفظ نفسه لك لتتمتع به. إن كنت تحب ما خلقه، فكم يكون خالق العالم؟ لذلك انزع من قلبك محبة المخلوقات لكي ما تلتصق بالخالق، وعندئذ تقول ما جاء في المزمور: "خير لي أن اَلتصق بإلهي" (مز 72: 28). الأب قيصريوس أسقف آرل * يُقال أن ابنة صهيون هي أورشليم، لكونها تحت جبل صهيون. وأيضًا الكنيسة المسيحية وأبوابها هي هياكل في العالم كله. وأيضًا أبوابها التي تدخل إلى كنيسة المسيح هي العهدان القديم والجديد ومعلموها وأحبارها. الأب أنثيموس الأورشليمي * يمكن تقسيم الأشخاص الذين وصلوا إلى المرحلة التي تلي مرحلة الطفولة إلى نوعين: ينمو البعض بواسطة الدراسة والتفكير، بينما البعض الآخر ينمون باِتحادهم مع كلمة الله، وارتباطهم بالحب العميق (مثل هذه النفوس تشبه داود وبولس). فيقولون: "أما أنا فالاقتراب إلى الله حسن لي" (مز 73: 28). وأيضًا من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ لا الموت أو الحياة، ولا الأمور الحاضرة ولا الآتية، ولا أي شيء آخر يمكن أن يفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا (رو 8: 35، 38-39). على الجانب الآخر يوجد أشخاص آخرون، هؤلاء يهربون من خطيئة الزنا لخوفهم من العقاب، فيبقون غير فاسدين وطاهرين، لكنهم يرفضون الشر من خلال الخوف لا الرغبة. لكن يوجد من هم أكمل، الذين يتحدون في عدم فساد مع طهارة الله، ويسمى هؤلاء "بالملكات" لاتصالهم بالملك. يُسمى الأشخاص الذين يزرعون الفضيلة نتيجة للخوف "بالسراري". فالسراري... لا يشاركن في عظمة الله ونبله. إذ كيف يمكن أن يفصل الشخص، الذي ينقصه العقل المدبر بالفضيلة، نفسه من الشر بخنوع العبيد؟ تُشير كلمة "ملكات" إلى الأشخاص الذين اِستحقوا الوقوف إلى جانب اليمين من الملك. وهو يقول لهم: "تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34). ويقول لهؤلاء الذين هم أقل في المستوى: "خافوا من الذي بعد ما يقتل له سلطان أن يلقي في جهنم" (لو 12: 5). القديس غريغوريوس أسقف نيصص * حواس النفس الخمس المدركة إن نالت النعمة من فوق وتقديس الروح، كانت هي حقًا الخمس عذارى اللواتي نلن حكمة النعمة من فوق. وأما إن بقيت على طبيعتها كانت جاهلة، فتنكشف أنها من مواليد العالم، لكونها لم تَنبذ عنها روح العالم، مع أنها في غرورها، تزعم أنها عرائس العريس حقًا بلطف منطوقها ورزانة منظرها، لأنه كما أن النفوس التي تلتصق بالرب بكليتها فيه، تفتكر وتصلي وتسعى وتتلهف إلى محبة الرب (مز 72: 28)، كذلك النفوس المربوطة بحب العالم تشتهي أن يكون تصرفها على الأرض، فهناك تسعى، وهناك تشغل أفكارها، وهناك يسكن عقلها تمامًا. القديس مقاريوس الكبير |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 69| تسبحة نصرة |
مزمور 41 - نصرة قيامة |
مزمور 40 - تسبحة نصرة المسيح |
مزمور 33 - ترنيمة نصرة وفرح |
مزمور 21 - نشيد نصرة الملك |