|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يسوع المَلِك كما رواه لُوقا الإنجيلي الأحد الرابع والثلاثون: يسوع المَلِك كما رواه لُوقا الإنجيلي (لوقا 23: 35-43) النص الإنجيلي (لوقا 23: 35-43) 35 ووقَفَ الشَّعْب هُناكَ يَنظُر، والرُّؤَساء يَهزَأُونَ فيقولون: ((خَلَّصَ غَيرَه فَلْيُخَلَّصَ نَفْسَه، إِن كانَ مَسيحَ اللهِ المُختار!)) 36 وسَخِرَ مِنه الجُنود أَيضاً، فدَنَوا وقرَّبوا إِلَيه خَلاًّ وقالوا: 37 ((إِن كُنتَ مَلِك اليَهود فخَلَّصَ نَفْسَكَ! ((38 وكانَ أَيضاً فَوقَه كِتابَةٌ خُطَّ فيها: ((هذا مَلِك اليَهود)). 39 وأَخَذَ أَحَدُ المُجرمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ يَشتُمُه فيَقول: ((أَلستَ المَسيح؟ فخَلَّصَ نَفْسَكَ وخَلَّصَنا!)) 40 فانتَهَرَه الآخَرُ قال: ((أَوَ ما تَخافُ الله وأَنتَ تُعاني العِقاب نَفْسَه! 41 أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لِأَنَّنا نَلْقى ما تَستوجِبُه أَعمْالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءًا)). 42 ثُمَّ قال: ((أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلِكوتِكَ)). 43 فقالَ له: ((الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس)). مقدمة نحتفل بعيد يسوع المَلِك، مَلِك الكون وسيد التاريخ في الأحد الأخير في زمن السنة الذي يُشكِّل نهاية السنة الطقسية الليتورجيا منذ اختتام المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965). احتفلت الكنيسة الأرثوذكسية بهذا العيد منذ عام 1453 في القسطنطينيّة، وأمَّا في الكنيسة الكاثوليكية فجاء هذا العيد متأخراً، فقط عام 1925 بمرسوم من البابا بيوس الحادي عشر كعيد خاص به. وفي هذا اليوم تدعونا الكنيسة لتوجيه أنظارنا إلى الجلجلة حيث نرى يسوع محكومًا عليه بالموت والصلب معلنًا مَلِكيته. فصار الصلّيب بمثابة العرش المَلكي الّذي تمّ تتويج يسوع ملكاً عليه. فالاحتفال بالمسيح المَلِك يعني الاحتفال بانتصاره المجيد، لكنّ هذا الانتصار يمرّ بالصليب. وأدخل البابا بيّوس الحادي عشر هذا العيد في العام 1925، وذلك لان العالم اخذ يستخدم السلطة والقوّة بطريقة مُناقضة لتعاليم المسيح المَلِك. يجسّد يسوع مَلِكوت الله في سلطة الحب، وليس حب السلطة حيث يصف لوقا الإنجيلي يسوع مَلِكاً ليس من خلال سلطته وقدرته على تدمير الكون والبشر، بل من خلال قدرته على خلاص الكون والبشر بموته فديةً على الصليب؛ فمُلكه هو مُلْك قداسة ونعمة، مُلْك عدل وحبٍّ، مُلْك وحدة وسلام. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 23: 35-43( 35 ووقَفَ الشَّعْب هُناكَ يَنظُر، والرُّؤَساء يَهزَأُونَ فيقولون: ((خَلَّصَ غَيرَه فَلْيُخَلَّصَ نَفْسَه، إِن كانَ مَسيحَ اللهِ المُختار! تشير عبارة "وقَفَ الشَّعْب هُناكَ يَنظُر" إلى صمت الشَّعْب المُمتلئ إجلالاً، إذ لم يعلم الشعب لزوم موتهِ كفارةً لخطاياهم كما ورد في تعليم بولس الرسول" ما مِن أَحَدٍ بارّ، لا أَحَد ما مِن أَحَدٍ يُدرِك ما مِن أَحَدٍ يَبتَغي وَجْهَ الله" (رومه 10:3)؛ أمَّا عبارة " يَنظُر " فقد تشير إلى انتظار الشَّعْب إلى تدخل من السماء. لقد آمنوا بيسوع المسيح والآن، سوف يأتيه الربّ لإنقاذه والدفاع عن مسيحه. إنّ إيمان الشَّعْب لم ينتقل إلى ملء الحقيقة. إنّه إيمان بإله الأمس وهو ليس إيمان بإله اليوم، الإله المصلوب، المُزدرى، والمُتألّم، حمل العهد الجديد. أمَّا عبارة "خَلَّصَ غَيرَه" فتشير إلى إنقاذ الغير من خطر كاد يهلك فيه، أو تحريره أو شفائه، كما سابقا شَفى المَرْضى (متى 8: 16)، وقام من الموت ابن أرملة نائين (لوقا 6: 11) وصديقه لَعازَر (يوحنا 11: 43). أمَّا عبارة "الرُّؤَساء يَهزَأُونَ" فتشير إلى تهكُّم الرُّؤَساء غير مُصدّقين يسوع، وفي هذا الصدد قال صاحب المزامير "كِلابٌ كثيرةٌ أَحاطَت بي زُمرَةٌ مِنَ الأَشْرارِ أَحدَقَت بي. ثَقَبوا يَدَيَّ ورِجلَيَّ" (مزمور 22: 17)؛ ويُعلق القدّيس أوغسطينوس، "قليلون هم الذين يجدّفون بالفم، غير أنّ من يجدّفون بسلوكهم فهم كثيرون". أمَّا عبارة "خَلَّصَ غَيرَه فَلْيُخَلَّصَ نَفْسَه "فتشير إلى طلب الرُّؤَساء من يسوع باستهزاء أن ينزل عن الصليب ويُخَلَّصَ نَفْسَه. ُوجّه الجُنود الرومان هذا الطلب إلى يسوع أَيضاً. فالرُّؤَساء يريدون إله الأمس الذي يتصور إلهه بموجب النموذج القديم للضربات العشر في مصر، والعبور المعجز للبحر الأحمر. لذلك يستهزؤون بيسوع لأنّه غير قادر على خلاص نَفْسَه من الصليب، في حين أنّه كان على يده " العُمْيانُ يُبصِرونَ، العُرْجُ يَمشُونَ مَشيْاً سَوِيّاً، البُرصُ يَبَرأُونَ والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومونَ، الفُقَراءُ يُبَشَّرون". وفي الواقع، تخليص النفس يجعل المرء أن يعتقد أنّ الخلاص يكمن في قوته الشخصية بعيدًا ومستقلاً عن الله. أمَّا عبارة "مَسيحَ اللهِ" فتشير إلى اللقب الذي أطلقه بطرس الرسول على يسوع "أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ" (متى 16: 16)، سبق وقد أُطلق هذا اللقب على يسوع على لسان الملائكة (لوقا 1: 32-33) وعلى لسان سمعان الشيخ (لوقا 2: 26) وعلى لسان الشياطين (لوقا 4: 41)؛ أمَّا لقب "المُختار" فيشير إلى لقب يسوع الذي ورد في يوم التجلي على لسان الآب السماوي عن ابنه يسوع المسيح لكي يدلَّ على انه "الكلمة" الذي يجب أن يسمعه الشَّعْب. وهذا اللقب مأخوذ من أشعيا النبي "مُلوكٌ يَنظُرون ويَقومون ورُؤَساءُ يَسجُدونَ لِأَجلِ الرَّبِّ الأَمين وقُدّوسِ إِسْرائيلَ الَّذي آخْتارَكَ" (أشعيا 49: 7) وقد ورد هذا اللقب في الكتابات الرؤيوية اليهودية، ويدل على العبد الذي اختاره الله لعمل الخلاص، لكن احتقره البشر. 36 وسَخِرَ مِنه الجُنود أَيضاً، فدَنَوا وقرَّبوا إِلَيه خَلاًّ وقالوا تشير عبارة "خَلاًّ " إلى نوع من النبيذ الرخيص الذي يستعمله الجُنود. وكان من أعمال الرحمة للمصلوب أن يسقوه خلًا ممزوجا بمرارة لتسكين الألم، حيث كانت الزوفاء والإسفنجة موجودتين بالمكان لحاجتهما لعملية الصلب كما نستشفُّ من سفر الأمثال "أَعْطوا المُسكِرَ لِلمُشرِفِ على المَوت والخَمرَ لِذَوي النُّفوسِ المرَّة. فيَشرَبوا وَينْسَوا شَقاءَهم ولا يَعودوا يَذكُرونَ عَناءَهم" (أمثال 31: 5-6). لكن القديس أمبروسيوس وجد في الخل رمز الفساد فقال " أخذ فسادنا ليسمِّره على الصليب". 37 إِن كُنتَ مَلِك اليَهود فخَلَّصَ نَفْسَكَ! تشير عبارة "إِن كُنتَ مَلِك اليَهود" إلى تعلم الجُنود الكلام الساخر من هزء رؤساء اليهود، ومن العنوان الذي فوق الصليب، وهو أن يسوع هو مَلِك اليهود حيث أنَّ المَلِك داود كان علامة للمسيح المَلِك الموعود المولود من نسل داود (2 صموئيل 5: 1-3)، بعد الألفية العظيمة التي بدأت مع داود الملك (2 صموئيل 5: 3) ووجدت ذروتها في مُلك يسوع. أمَّا عبارة "اليَهود" فتشير أولاً إلى سبط أو ممَلِكة يهوذا (2 ملوك 16: 6 و25: 25) تمييزاً لهم عن الأسباط العشرة الذين سُمُّوا بإسرائيل، إلى أن تشتت الأسباط وأُخذ سبط يهوذا إلى السبي؛ ثم توسَّع معناها فصارت تشمل جميع من رجعوا من الأسِر من النسل العبراني، ثم صارت تُطلق على جميع اليهود المُشتَّتين في العالم (متى 2: 2). وفي أيام المسيح والرسل كان العالم مُكوَّناً من يهود وأمم. ولفظة يهود أعم من عبرانيين، لأنها تشمل العبرانيين الأصليين والدخلاء، وقد أنبئ اليهود بأنهم سيُشتَّتون في كل أنحاء المعمورة إذا تركوا الله وعصوا شريعته (العدد 26: 33 وتثنية الاشتراع 4: 27 وأشعيا 6: 12)، وتمَّت فيهم النبوة. أمَّا عبارة "فخَلَّصَ نَفْسَكَ" فتشير إلى استهزاء في صورة الشرط، أي إن صدقت بدعواك. إنّ الردّة "فخَلَّصَ نَفْسَكَ" يُردّدها رؤساء اليهود (لوقا 23: 35)، ثمّ الجُنود (لوقا 23: 37)، وأخيراً اللصّان (لوقا 23: 39). تكرَّرت هذه العبارة ثلاث مرّات، كما تكرّرت التجارب في الصحراء في بداية الحياة العلنيّة ثلاث مرّات (لوقا 4: 1-13)، حيث عرض الشيطان على يسوع أن يكون مَلِكاً قادراً على تخليص نَفْسَه، والسعي نحو المجد الشخصي كقوّة مطلقة تفصله عن آبيه السماوي. 38 وكانَ أَيضاً فَوقَه كِتابَةٌ خُطَّ فيها: هذا مَلِك اليَهود تشير عبارة "كانَ أَيضاً فَوقَه كِتابَةٌ" إلى القانون الروماني الذي يفرض وضع لافتة تعلق على صليب المحكوم عليه بالإعدام تعلن سبب صلبه. وكانت الكتابة على اللافتة بأحرف يونانية ولاتينية وعبرية. وهذه كانت اللغات الثلاث المستعملة في فلسطين وقتئذ؛ أمَّا عبارة " هذا مَلِك اليَهود " فتشير إلى الكتابة التي فرضها بُنطِيوس بيلاطُس لغيظه من اليهود إعلانًا عن صلب مَلِك اليهود. والعنوان دُوِّن بصيغ مختلفة في الأناجيل الأربعة (متى 27: 37، ومرقس 15: 26، ولوقا 23: 38، ويوحنا 19: 19) فاذا ضممناه معا كانت الحصيلة "هذا هو يسوع الناصري مَلِك اليهود"(INRI) وهي اختصار أربعة الكلمات اللاتينية، IESUS NAZARENUS REX IUDAEORUM. وكانت التُهمة المعلقة على الصليب أن المسيح هو مَلِك اليهود، وبالتالي صلبَ اليهود المسيح رمز الأمل والرجاء في حريتهم من الرومان. وكما باع يهوذا الإسخريوطي معلمه ثم انتحر، هكذا باع اليهود مَلِكهم، رمز وطنهم الذي يحلمون به فانتحروا يوم تدمير طيطس أورشليم وأهلها وهيكلها سنة 70. 39 وأَخَذَ أَحَدُ المُجرمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ يَشتُمُه فيَقول: أَلستَ المَسيح؟ فخَلَّصَ نَفْسَكَ وخَلَّصَنا! تشير عبارة "أَحَدُ المُجرمَين" إلى اللص اليسار الذي اقتدى بالمستهترين بيسوع مثل رؤساء اليهود والجُنود؛ أمَّا إنجيل متى ومرقس فإنَّهما يرويان أنَّ كلا المجرمين عيرا يسوع. وأمَّا لوقا الإنجيلي فيحدثنا أنَّ واحدا منهما فقط كان يُجدِّف عليه مستخدِمًا ألفاظ الشتم والإهانة، فتحقق في المسيح قول أشعيا النبي "أُحصِيَ مع العُصاة وهو حَمَلَ خَطايا الكَثيرين وشَفَعَ في مَعاصيهم" (أشعيا 53: 12)، أمَّا عبارة "المُجرمَينِ" فتشير إلى المكانين اللذين كان يعقوب ويوحنا قد طلباهما من يسوع "امنَحْنا أَن يَجلِسَ أَحَدُنا عن يَمينِك، والآخَرُ عَن شِمالِكَ في مَجدِكَ" (مرقس: 10: 37)؛ أمَّا عبارة "المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ" فتشير إلى عادة الرومان الذين جعلوا الصلب للمجرمين الخطرين في مستعمراتهم، وأَيضاً للعبيد. ولما جاء قسطنطين وقَبِل الإيمان المسيحي الغي الحكم بالصلب بمنشور رسمي؛ أمَّا عبارة "يَشتُمُه" في الأصل اليوناني ἐβλασφήμει (معناها كان يجدِّف) فتشير إلى كفر واستهزاء في صورة الشرط؛ أمَّا عبارة "فخَلَّصَ نَفْسَكَ وخَلَّصَنا! " فتشير إلى أعظم سخريات القدر في التاريخ، كان يمكنه أن يخَلَّصَ نَفْسَه، ولكنه لم يفعل ذلك، بل بقي على الصليب خلاصا لنا، وهذا الخلاص لا يكلفنا شيئا، ولكن كلفه كل شيء. ويُعلق يوحنا الذهبي الفم "لقد احتمل يسوع، ربُّ السماء والأرض، سخرية الأشرار، مُقدَّماً لنا نَفْسَه مثالًا للصبر". 40 فانتَهَرَه الآخَرُ قال: أَوَ ما تَخافُ الله وأَنتَ تُعاني العِقاب نَفْسَه! تشير عبارة "فانتَهَرَه" في الأصل اليوناني ἐπιτιμῶν إلى زجرِ اللص اليمين بعُنف واحتقار زميله اللص اليسار بسبب عدم إدراكه أن الله قد سمح لابنه أن يحمل عقابنا، وذلك كي يبقى معنا، حيثما نكون في ضلال؛ أمَّا عبارة " الآخَرُ " فتشير إلى اللص اليمين الذي صُلب مع المسيح لكنه تاب. ورد ذكره أيضا في بعض الكتابات القديمة غير الرسميَّة مثل" إنجيل نيقوديموس"، "وإنجيل الطفولة العربي" الذي يقول أنَّ اسمه "طيطس"، وكلاهما من القرن الرابع. بينما تُطلق عليه الكنيسة الأرثوذكسية الروسية اسم "راخ"، ويشهد على إكرامه في العصور القديمة وجود قطع أثريه لصليب خشبي في كاتدرائية الصليب المقدس في روما. يرى فيها التقليد صليب اللص التائب ويُسميه القديس "ديماس". أمَّا عبارة "أَوَما تَخافُ الله" فتشير إلى تأنيب زميله المجرم في أنَّ يكون كسائر المشاهدين في عدم مخافة الله، والذي سيقف سريعا أمام ذلك الديَّان الذي يعاقب كل الذين هزئوا بهذا الإنسان البار. أمَّا عبارة "وأَنتَ تُعاني العِقاب نَفْسَه" فتشير إلى حكم الموت، وكأنَّه يقول له: لا حق لك بالنظر إلى ما أنت فيه أن تدينه أو تلومه أو تستهزئ به، وبالحري كان يجب أن يحمَلِك شعورك بمثل آلامه على الشفقة عليه ومخاطبته بكلام العزاء والتشجيع بدل السخرية. 41 أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لِأَنَّنا نَلْقى ما تستجوبه أَعمْالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءًا. تشير عبارة "أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل " إلى رؤية اللص اليمين إلى الأمور كما كانت والاعتراف بإثمه وإثم زميله المُجرم، وشهد أنَّهما مذنبان أمام الله وأنَّهما تعدَّيا على الشريعة المدنية واستحقَّا بموجب تلك الشريعة العِقاب الذي وقع عليهما؛ أمَّا عبارة "أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءًا" فتشير إلى اعتراف اللص اليمين ببراءة المسيح بتواضع، والتواضع يمكِّن الإنسان من اتخاذ الموقف الصحيح ويُمهِّد له للقاء الرب، علمًا أنَّ الله أقام أَيضاً أربعة شهود غَيرَه لم نكن نتوقع شهادتهم للمسيح في ذلك النهار عينه. الشاهد الأول يهوذا الذي اسلمه كما في الإنجيل متى "فلَمَّا رأَى يَهوذا الَّذي أَسلَمَه أَن قد حُكِمَ عليه، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ إلى عُظماءِ الكَهَنَةِ والشُّيوخِ" ( متى 27: 3)، والشاهد الثاني زوجة بُنطِيوس بيلاطُس الذي أعلنت له "دَعْكَ وهذا البارّ، لأَنِّي عانَيتُ اليَومَ في الحُلمِ آلاماً شديدةً بِسَبَبِه" (متى 27: 19)، والشاهد الثالث بُنطِيوس بيلاطُس الذي حكم عليه " أَنا بَريءٌ مِن هذا الدَّم،" (متى 27: 24)، والشاهد الرابع قائد المائة الذي سمره على الصليب " فَلَمَّا رأَى قائِدُ المِائَةِ ما حَدَثَ، مَجَّدَ اللهَ وقال: ((حقّاً هذا الرَّجُلُ كانَ بارّاً! " (لوقا 23: 47). 42 ثُمَّ قال: أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلِكوتِكَ. تشير عبارة "أُذكُرْني" إلى الرب الذي يتذكر ولا ينسى. فإن المجرم اليمين لم يسأل النجاة من الموت على الصليب لكنه سلّم نَفْسَه إلى الربّ، وسأله أن يذكره في ملكوته، أي الدخول في علاقة معه، ليس بسبب قوّة هذا الإله، بل بسبب براءته وصلاحه. إذ وثق بيسوع وبمحبته ورحمته لكي يعتني به كما يشاء؛ لأنه أدرك أنّ هذا الإنسان يسوع، لديه مَلِكوت يتخطى حدوده الموت. ومَلِكوت يسوع هو عبارة عن علاقة، ويتحقّق حين نقبل بتواضع أن ننتمي إلى هذا المَلِكوت. أمَّا عبارة " في مَلِكوتِكَ "فتشير إلى مَلِك يسوع المسيح عند مجيئه الثاني؛ إنّ المَلِكوت يقوم على العلاقة الحيويّة بين الإنسان مع الربّ. أمَّا عبارة " يا يسوع" فتشير إلى توجه اللص اليمين بحديثه إلى يسوع ويُناديه باسمه كما يفعل الأصدقاء. ويسوع هي الصيغة العربية للاسم العبري יֵשׁוּעַ (معناه الله مخَلَّصَ). وقد تسمَّى يسوع بحسب قول الملاك ليوسف (متى 1: 21)، ومريم (لوقا 1: 31). أمَّا عبارة " أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلِكوتِكَ " فتشير إلى صلاة المنازعين، وهي مألوفة في الدين اليهودي وهي تعبير عن إيمان المجرم اليمين الذي يرى يسوع مَلِك كمُحرّره، ومخَلَّصَه حيث ينظر إلى الصليب كوسيلة للدخول إلى المَلِكوت، وانه سيأتي في مجد ٍوسلطانٍ يليق بالمَلِك. علَّنا مع المجرم التائب المعترف، نستطيع أن نصرخ "أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلِكوتِكَ". يعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " إنّه لشرف عظيمٌ للملكوت أن يكون له ربّ قادرٌ على جعل السارق أهلاً بكلّ النِّعَم التي يمنحها الملكوت "(العظة الأولى للجمعة العظيمة عن الصليب واللّص اليمين). 43 فقالَ له: الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس. تشير عبارة "الحَقَّ أَقولُ لَكَ"إلى كلام يدل على السلطة وغايته التأكيد فيما يقوله، وبالتحديد نعم من دون إعادة التفكير فيما تمَّ قوله ووعده. ويقول أحد الكتاب القدماء "من ييأس وهو يرى اللص يرجو؟ إن يسوع الكلي الصلاح والحلم يستجيب بسرعة، وبسرعة يَعدُ، فمن ييأس مِن مُستجيبٍ مُحبٍّ مثل هذا"؟ أمَّا عبارة "سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس" فتشير إلى وعد يسوع للص اليمين نعمة البقاء معه في مَلِكوته. يعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " ما هذا الذي قلتَه، يا ربّ؟ أنت مصلوب ومُسَمَّرٌ بالمسامير، وتَعِد بالفردوس؟ أجل، لكي تعرفَ ما هي قدرتي من خلال الصليب"(العظة الأولى للجمعة العظيمة عن الصليب واللّص اليمين). ولم يكن بوسع يسوع أن يعد أفضل من ذلك. يُقدّم يسوع المَلِكوت مجاناً إلى هذا الرجل الّذي يموت على الصليب مع المسيح، ويقوم معه من الموت، ويعيش معموديّته الشخصيّة، أي الانتماء الشخصي للمسيح يمنح حياةً لا تزول. فمَلِك يسوع الحقيقي هو المغفرة، وهو أَيضاً الحبّ والخدمة. وهذا القول هو احدى الكلمات السبع التي تفوّه بها يسوع على الصليب. ثلاث منها ذكرها لوقا الإنجيلي وحده: الكلمة الأولى " يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون" (لوقا 32: 34)، وهي كلمة شفاعة؛ والكلمة الثانية " الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس (لوقا 23: 43) ممارسا وظيفته كمَلِك؛ ويتضمن هذا القول وعد يسوع انه هو واللص يكونان معا في الفردوس، حيث أنَّ المسيح مات ليفتح لنا باب الفردوس؛ ولا شك أنَّ وعد المسيح ونعمته عزَّى نفس اللص وقوَّاها وهو متألم على الصليب إلى أن سلَّم الروح. ومن هذا المنطلق، نستنتج أنَّ نفوس المؤمنين تبقى حية بعد انفصالها عن الجسد وتدخل على أثر الموت مكان المجد والسعادة كما جاء في تعليم يسوع " يا أَبَتِ، إِنَّ الَّذينَ وهَبتَهم لي أُريدُ أَن يَكونوا معي حَيثُ أَكون فيُعايِنوا ما وَهَبتَ لي مِنَ المَجد لأَنَّكَ أَحبَبتَني قَبلَ إِنشاءِ العالَم"(يوحنا 17: 24). والكلمة الثالثة " يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي! " (لوقا 23: 46) وهي تدل على كمال الفداء. وهناك ثلاث كلمات ذكرها يوحنا وحده، الأولى وهي "أَيَّتها المَرأَة، هذا ابنُكِ " (يوحنا 19: 26) "هذه أُمُّكَ" (يوحنا 19: 27)، وهي تدل على يسوع الذي يعتني بالجميع، والكلمة الثانية "أَنا عَطْشان" (يوحنا 19: 28)، وتدل على يسوع المشتاق لكل نفس تؤمن، والكلمة الثالثة وهي " تَمَّ كُلُّ شَيء (يوحنا 19: 30)، وهي تدل على نصرة الخلاص. وأخيرا كلمة اشترك في تدوينها كل من إنجيل متى ومرقس. فنجدها في إنجيل متى بهذه الصيغة " إِيلي إِيلي لَمَّا شَبَقْتاني؟" أَي: "إِلهي، إِلهي، لِماذا تَرَكْتني؟ " (متى 26: 46)، أمَّا في إنجيل مرقس فوردت بهذه الصيغة "َلُوي أَلُوي، لَمَّا شَبَقْتاني؟ أَي: إِلهي إِلهي، لِمَاذا تَركتَني؟ " (مرقس 15: 34)، وتدل هذه الكلمة على أن آلام المسيح سبب خلاصنا؛ أمَّا ترتيب الكلمات بحسب ما نطق بها يسوع فهي كالتالي (1) "يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم" (لوقا 34:23)، (2) "سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس" (لوقا 43:23)، (3) "أَيَّتها المَرأَة، هذا ابنُكِ " (يوحنا 19: 26)، (4) " إِلهي، إِلهي، لِماذا تَرَكْتني؟ (متى 46:27)، (5) "أَنا عَطْشان" (يوحنا 28:19)، (6) "يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي"(لوقا 46:23) (7) "تَمَّ كُلُّ شَيء " (يوحنا 30:19). أما عبارة " اليَومَ" فتشير إلى تكرارات خمسة أيام مركزية في حياة يسوع التي تشكل إعلانًا بآنيّة الخلاص الّذي يتم يوم سيادة وملوكيّة يسوع من على عرشه، وهي: يوم بتحقيق الخلاص منذ ولادة يسوع (لوقا 2: 11)، ويوم افتتاح رسالته بالناصرة (لوقا 4: 21)، ويوم تعبير عن دهشة معاصريه أمام أعماله (لوقا 5: 26)، ويوم اللقاء مع العشّار زكا (لوقا 5: 19). وأخيراً الكلمات الموجهة للمجرم المصلوب معه. هذا اللص اختبر آنية الخلاص المسيحاني وسيادة يسوع عليه. يشير يسوع من على عرش الصلّيب إلى آنية الخلاص الإلهي هذا اليوم الملكي والخلاصي معًا بقوله "سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس". ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "إنّ المَلِكوت المقفل منذ آلاف السنوات قد فتحَه الصليب لنا "اليوم". ففي مثل هذا اليوم وهذه السّاعة فقط أدخلَ الله إليه اللّص. فيكون بهذا قد اجترحَ معجزتَين: لقد فتح باب مَلِكوت السماوات وأدخل إلى المَلِكوت لصًّا". (العظة الأولى للجمعة العظيمة: عن الصليب واللّص اليمين). أمَّا عبارة "الفِردَوس" في الأصل اليونانيπαράδεισος فتشير إلى المكان الراحة والأمانة والسعادة الذي ينتظر فيه الموتى الأبرار القيامة (لوقا 16: 22-31) وأمَّا هنا فتدل كلمة فردوس على السماء (2 قورنتس 2: 4، الرؤية 2: 7). ويرى الآباء أنَّ اللص اليمين نال السعادة الأبدية مع يسوع بكلمة واحدة. ويعلق القدّيس بطرس خريزولوغُس " نجح سارق الفردوس سطوًا بأن يدخل الملكوت" (العظة 167). وكان اليهود يُميِّزون بين فردوسين، فردوس علوي هو قسم من السماء، وفردوس سفلي وهو قسم من مقر الموتى المُخصص لنفوس الأبرار. وقد وردت كلمة "فردوس" ثلاث مرات في العهد القديم (الجامعة 2: 4-5؛ نشيد الأناشيد 4: 12 -13؛ نحميا 2: 7-8)، وثلاث مرات في العهد الجديد: لوقا 23: 43، 2قورنتس 12: 2، ورؤيا 2: 7). والفردوس كلمة فارسية معناها الأصلي "حظيرة أو حديقة"، وهي تكاد تكون بنفس اللفظ في العبرية גַן־עֵדֶן وتعني "جنة عدن ". وكان زينفون (Xenopon) الفيلسوف اليوناني هو أول من استعار هذه الكلمة للغة اليونانية للدلالة على الحدائق الغناء والتنزهات التي غرسها ملوك فارس ونبلاؤها. وأصبحت منذ القرن الثالث قبل الميلاد تستخدم للدلالة على أي حديقة أو بستان جامع. وقد استخدمت الترجمة السبعينية هذه الكلمة للتعبير عن "جنة عدن" גַּן־בְּעֵדֶן (تكوين 2: 8)، وكان الفردوس مكان السعادة الذي فقده الإنسان (تكوين 3: 22ـ 24). ثم أصبحت اللفظة (الفردوس) في نظر بعض يهود ذلك الزمان، تشير إلى مقر الأموات الصالحين حتى يوم القيامة، أي المكان الذي ينتظر فيه الموتى الأبرار القيامة (لوقا 16: 22-31). أمَّا الفردوس في المفهوم الإسلامي فهي من أعلى الدرجات في الجنة عند المسلمين كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وذكرت مرتين في القرآن " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا"(سورة الكهف 107)،" فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ" (سورة المؤمنين 23). كما فعلت مع اللص، أشفقْ على قذارتي واذكرني! وكما فعلت مع الخروف الضائع، ابحثْ عنّي يا ربّي، وستجدني؛ وعلى كتفيك، احملْني إلى منزل أبيك، يا ربّي! أنت الذي أدخلتَ إلى الفردوس اللص الذي صُلِب معك لأنّه وثق برحمتك، أذكرني أنا أيضًا في ملكوتك لأنّني أنا أيضًا قد صُلبت معك لأمثل أمامك "بدون دَنَسَ ولا تَغَضُّن" (أفسس 5: 27)؛ وُيعلق القدّيس بِرنَردُس "المسيح متسامح إلى حدّ أنّه قال لأحد المجرمَين: "الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس" حين طلب هذا الأخير من الرّب يسوع أن يذكره. لأَنَّنا، إِذا شارَكْناه في آلامِه، نُشارِكُه في مَجْدِه أَيضًا " (رومة 8: 17)" (العظة الأولى للأحد الأوّل من شهر تشرين الثّاني). ثانياً: تطبيق النص الإنجيلي (لوقا 23: 35-43) انطلاقا من الملاحظات الوجيزة حول وقائع النص الإنجيلي (لوقا 23: 35-43)، نستنتج انه يتمحور حول مُلِك يسوع روحياً، وهو مَلِكوت الله، كون المسيح مخَلَّصَ العالم، وليس مُلْكًا سياسيًا أي مُحرِّر اليهود من عبودية الرومان. وقد أبرز لوقا الإنجيلي ملامح مَلِك المسيح في ميزتين: مَلِك خالٍ من انتصارات بشرية، ولكن لديه انتصارات روحية، أي خلاص الكون والبشرية. 1) مُلْك يسوع يخلو من كل صيغة انتصارية بشرية فهم اليهود يسوع ومُلْكه بمعنى سياسي ودُنيوي، بمعنى أنّ المسيح يجب أن يخَلَّصَ نَفْسَه والآخرين من الشرور الطبيعية، ومن الكوارث القومية، والذلّ والفقر والقهر والاحتلال الروماني من ناحية، كما جاء في أقوال أحد المُجرمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ " أَلستَ المَسيح؟ فخَلَّصَ نَفْسَكَ وخَلَّصَنا!" (لوقا 23: 39)؛ ومن ناحية أخرى، كانوا يعتقدون أنَّ المسيح سيُعيد أمجاد مَلِك داود، لهذا السبب نرى أُمَّ ابنَي زَبَدى الرسولين يوحنا ويعقوب تسعى إلى تأمين مستقبل ولديها فطلبت من يسوع " مُرْ أَن يَجلِسَ ابنايَ هذانِ أَحدُهما عن يَمينِكَ والآخَرُ عَن شِمالِكَ في مَلِكوتِكَ" (متى 20: 21). ولكن مُلْك يسوع هو مُلْك حقّ وحياة، مُلْك قداسة ونعمة، مُلْك عدل ومحبّة وسلام، إذ أنه " لم يأتِ لِيُخدَم، بَل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفسِه جَماعَةَ النَّاس"(متى 20: 28)، لأنه " لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه. 14 فَإِن عَمِلتُم بِما أُوصيكم بِه كُنتُم أَحِبَّائي. 15 لا أَدعوكم خَدَماً بعدَ اليَوم لِأَنَّ الخادِمَ لا يَعلَمُ ما يَعمَلُ سَيِّدُه. فَقَد دَعَوتُكم أَحِبَّائي لأَنِّي أَطلَعتُكم على كُلِّ" (يوحنا 15: 13). لم ينقاد يسوع إلى حماسة الجماهير في يوم دخوله الانتصاري اورشليم الراغبة في إعلان صفته الملوكية، ولكنه ارتضى بمُظاهرة علنية، وظهر في مشهدٍ متواضع ٍعلى نحو ما جاء في نبوءة زكريا "هُوَذا مَلِكُكَ آتِياً إِلَيكِ بارّاً مُخَلِّصاً وَضيعاً راكِباً على حمارٍ وعلى جَحشٍ آبنِ أتان "(زكريا 9: 9)، وترك الجمع يهتفون به مَلِكا لإسرائيل " تَبارَكَ الآتي، المَلِك بِاسمِ الرَّبّ!" (لوقا 19: 38)، ولم يقبل يسوع أَيضاً أن يُلبّي طلب الجمع باختطافه لتنصيبه مَلِكا، إثر معجزة تكثير الخبز والسمك (متى 14: 13-21)، بل ابتعد عنهم. لمِا فيها من عناصر بشرية وأمالاً زمنية دُنْيوية اتَّهم اليهود يسوع عند الحاكم بُنطِيوس بيلاطُس وكأنه نال من السيادة الرومانية بقولهم "وَجَدْنا هذا الرَّجُلَ يَفتِنُ أُمَّتَنا، ويَنهى عَن دَفْعِ الجِزيَةِ إلى قَيصَر، ويَقولُ إِنَّه المسيحُ المَلِك " (لوقا 23: 2). فحكم بُنطِيوس بيلاطُس على يسوع بناء على هذا الاتهام السياسي وهو "أَنَّ هُناكَ مَلِكا آخَرَ هو يسوع " (أعمال الرسل لوقا 17: 7)؛ لكن يسوع كان يتجنّب كلّ مظاهر القوّة والسلطان البشري. كان يسوع مَلِكاً، لأنّه كان لديه مَمْلكة، لكنّ مَمْلكته في خلاف كامل مع أيّ استعراض للقوّة في هذا العالم، وليس فيها مكان للعنف. لأنَّ يسوع ليس مَلِكا بحسب عقلية هذا العالم، إنَّما بالطاعة للآب والاستسلام له لكي يتمّ تدبيره، تدبير المحبة والخلاص، كما جاء في تعليم بولس الرسول "فلا بُدَّ لَه أَن يَمَلِك، حتَّى يَجعَلَ جَميعَ أَعدائِه تَحتَ قَدَمَيه" (1 قورنتس15، 25). ملوكيّة يسوع ترتبط بهويته التي تستمد سلطتها من أبيه السماوي الذي أرسله إلى العالم ليشهد للحق. لذلك فإن زمن مُلْك المسيح هو زمن إخضاع كل شيء للابن وتسليم كل شيء للآب، "والمَوتُ آخِرُ عَدُوٍّ يُبيدُه" (1 قورنتس 26). وفي النهاية، عندما يصبح كل شيء تحت ملكيته، يَخضع يسوع نَفْسَه إلى الآب، "لِيكونَ اللّهُ كُلَّ شَيءٍ في كُلِّ شيَء" (1 قورنتس 15، 28). نستنتج مما سبق أنَّ يسوع لم يرفض لقب "مَلِك" إلاّ عندما فُهم بحسب النظرة السياسية، أمَّا عندما كان يتحدث عن مَلِكوت الله كمَلِك حق وحياة، مَلِك قداسة ونعمة، مَلِك حب وسلام، فلم يكن يرفض هذا اللقب، بل كان يوضِّحه وذلك في ثلاث وقائع وهي: الواقعة الأولى: تكمن في لقاء يسوع بالسامرية، إذ صرَّح علانية لها أنَّه المسيح المنتظر، مَلِك إسرائيل. فلما قالَت لَه المرأة السامرية "إِنِّي أَعلَمُ أَنَّ المَشيحَ آتٍ، وهو الَّذي يُقالُ لَه المسيح، وإِذا أَتى، أَخبَرَنا بِكُلِّ شَيء". قالَ لَها يسوع: "أَنا هو، أَنا الَّذي يُكَلِّمُكِ" (يوحنا 4: 25-26). فقد كان السامريون ينتظرون مسيحا بمثابة مَلِك نبوي مثل موسى، وبالتالي لم يكونوا ينتظرون مسيحا سياسيا بل مَلِكا روحيا، لذا كشف يسوع عن هويته المسيحانية للسامرية يقينًا منه أنَّها ستفهم نوعا ما معنى مُلْكه المسيحاني. الواقعة الثانية: تكمن في لقاء يسوع الأخير مع الحاكم بُنطِيوس بيلاطُس خلال استجوابه بشأن " اتهامه "أَأَنتَ مَلِك اليَهود؟ (يوحنا 18: 33)، انتهز يسوع الفرصة لكي يُعلن مُلْكه، ولم ينكرْ هذا اللقب بل أجابه "هوَ ما تَقول، فإِنِّي مَلِك. وأَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ. فكُلُّ مَن كانَ مِنَ الحَقّ يُصْغي إلى صَوتي" (لوقا 18: 36). ولكنه وضّح "لَيسَت مَمَلِكتي مِن هذا العالَم. لَو كانَت مَمَلِكتي مِن هذا العالَم لَدافعَ عَنِّي حَرَسي لِكي لا أُسلَمَ إلى اليَهود. ولكِنَّ مَمَلِكتي لَيسَت مِن ههُنا" (لوقا 18: 37)، ولا تُمثِّلها في هذا العالم أية ممَلِكة بشرية، فلا مجال للمنافسة بينه وبين قيصر (لوقا 23: 2). فقد اتخذ مُلْك يسوع طابعًا خاصًا يُميّزه عن نظام العالم السياسي. لذلك لا تنافس بأية حال من الأحوال مع سلطة الملوك الأرضيين، بل على المسيحيين الخضوع لملوك هذا العالم وتقديم الإكرام لهم، كما جاء في تعليم بطرس الرسول " إِخضَعوا لِكُلِّ نِظامٍ بَشَرِيٍّ مِن أَجْلِ الرَّبّ: لِلمَلِك على أَنَّه السُّلْطانُ الأَكَبَر، وللِحُكَّامِ على أَنَّ لَهمُ التَّفويضَ مِنه "(1بطرس 2: 13)، ولكن على شرط ألاَّ يعارضوا بها سلطة الله الروحية والقيم الإنسانية. الواقعة الثالثة: تكمن في لقاء يسوع مع نتنائيل. فلم يتنكر يسوع لاعتراف نتنائيل "أَنتَ مَلِك إِسرائيل، إلاَّ انه وجّه أنظاره نحو مجيء ابن الإنسان قائلا له " الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: ستَرونَ السَّماءَ مُنفَتِحَة، وملائِكَةَ اللهِ صاعِدينَ نازِلينَ فَوقَ ابنِ الإِنْسان" (يوحنا 1: 49) وأخيراً لم يُكلِّم يسوع المسيح رسله عن مَلَكوته إلاّ في الوقت الذي بدأ فيه آلامه " أَنا أُوصِي لَكم بِالمَلكوت كَمَا أَوصى لي أَبي به، فتَأكُلونَ وتَشرَبونَ على مائدتي في مَلكوتي" (لوقا 22: 29-30)، موجّها أنظارهم نحو الأزمنة الأخيرة. فالاحتفال بالمسيح المَلِك هو الاحتفال بانتصاره المجيد من خلال موته على الصليب وقيامته مجيداً ومنتصراً. ولذلك فإن مُلْك المسيح يكمن في العلاقة معه، وهذا العلاقة لا تنطوي على السلطوية وسحق الإنسان بل بخدمته وإعطائه الحياة والخلاص. 2) مُلْك يسوع المُخَلَّصَ لم يُبيّن لوقا الإنجيلي للشعب اليهودي ورؤسائه والجُنود الرومان أنَّ مُلْك يسوع يخلو من كل صيغة انتصارية بشرية فحسب، إنما بيَّن لهم أَيضاً أنَّ يسوع مَلِكا من خلال قدرته على الخلاص. فيسوع المُعلّق على الصليب الذي هزء به وسخر منه الرُّؤَساء والشعب والجُنود أظهر حقيقته: مَلِكا ومخَلَّصًا للإنسانية. أ) يسوع المَلِك المُخَلَّصَ أمام الشَّعْب ورؤساء اليهود: " وقَفَ الشَّعْب هُناكَ يَنظُر، والرُّؤَساء يَهزَأُونَ فيقولون: ((خَلَّصَ غَيرَه فَلْيُخَلَّصَ نَفْسَه، إِن كانَ مَسيحَ اللهِ المُختار!" (لوقا 23: 35). يحقّ للرؤساء بالأمس وللناس اليوم أن يتساءلوا عن معنى يسوع المخَلَّصَ، وهو يموت معلّقًا على الصليب؟ ولماذا يصمت الله أمام الظلم والعنف الذي يتعرض له يسوع، وهو من أفنى حياته ليُعلن مَلَكوت الله وعن قربه من كلّ مسكين وبائس، كما جاء في نبوءة أشعيا "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ الـمَظلومين (لوقا 4: 18). لذلك لا يصدّق الرُّؤَساء أنّ الله مع يسوع، وهو يموت عاريًا مشوهًا على الصليب. فهذا المشهد يناقض تمامًا صور الناس عن مجد الله وعظمته، وتخيّلهم لبركته وعنايته بمحبّته، رؤساء اليهود يرون ملكية المسيح بمنظار دنيوي، بمعنى أنّ المسيح يجب أن يخَلَّصَ الآخرين ونَفْسَه من الشرور الطبيعية، ومن الكوارث القومية، أي الصليب والذلّ والفقر والقهر والاحتلال الروماني. لكن آمالُهم خابت، عندما نادى يسوع بالتّخلّي عن القوّة، وإبدالَها بمحبّة الأعداء، لذا أعلن اليهود سُخطهم عليه بل رفضوه وأسلموه لأعدائِهم الرّومان للتّخلِّص منه، بأشنع عملّية صلبٍ عرفها التّاريخ. بالرغم من ذلك، اعترف الرُّؤَساء بألسنتهم "خَلَّصَ غَيرَه"، وصار اعترافهم هذا شهادة ضدهم. ونرى هنا شدَّة عمى الشَّعْب ورؤساءهم إذ تذكروا أعمال الرحمة التي سبق الرب وأجراها للفقراء والمرضى والجياع وللمُتضايقين فإنهُ خَلَّصَهم من شدائدهم المُتنوعة فقالوا:" فَلْيُخَلَّصَ نَفْسَه، إِن كانَ مَسيحَ اللهِ المُختار!"(لوقا 23: 35). وكان يعتقدون أن المسيح مَتَى جاء يمكث إلى الأبد فلما نظروا يسوع الناصري مُسمرًا على خشبة الصليب جزموا تمامًا أنهُ مُضلٌ كما حكموا عليهِ لدى مجمعهم، ولم يفهموا فحوى النبوات القديمة عن المسيح أي الآلام والأمجاد التي بعدها، كما جاء في رسالة بطرس الرسول" بَحَثوا عنِ الوَقتِ والأَحوالِ الَّتي أَشارَ إِلَيها رُوحُ المسيحِ الَّذي في الأنبياء، حينَ شَهِدَ مِن ذي قَبْلُ بِما عُدَّ لِلمَسيحِ مِن الآلام وما يَتبَعُها مِنَ المَجْد "(1بطرس 11:1) لم يفهم الشَّعْب أنه لا حياة إلا في الحقّ، ولا حياة إلا في بذلها للآخرين. أمَّا طلب رؤساء اليهود من يسوع أن يُخَلَّصَ نَفْسَه "خَلَّصَ غَيرَه فَلْيُخَلَّصَ نَفْسَه، إِن كانَ مَسيحَ اللهِ المُختار! " (لوقا 23: 35) فهو طلب استفزازي يُشبه في شكله تجارب يسوع الثلاث في الصحراء. حان الوقت، ووفقًا لإنجيل لوقا، "لمّا أَنْهى إبليسُ جَميعَ ما عِندَه مِن تَجرِبَة، انصَرَفَ عَنه إلى أَن يَحينَ الوَقْت (لوقا 4: 13). وهنا كما في الصحراء يجب على يسوع أن يختار إمَّا أن يكون إنسانًا مثل أي إنسان آخر، أو أن يختار هذه المرة، إن شاء، طريق القوة والإذهال وإثارة الإعجاب. يُخيّر هنا بين الثقة بقوته الشخصية أو الثقة بالآب. أمام هذا الطلب، يلتزم يسوع الصمت. وفي الواقع يتضمّن هذا الطلب تحدِّيين: التحدي الأول: زعموا أنه إذا فشل يسوع في أن يُخَلَّصَ نَفْسَه، وبالتالي فهو يخسر دَعواه في أن يُقبل كمَلِك: "إِن كُنتَ مَلِك اليَهود فخَلَّصَ نَفْسَكَ!" (لوقا 23: 37). وإذا لم يقدر يسوع أن يُخَلَّصَ نَفْسَه، فلن يُصدّق أحدٌ أنَّ باستطاعته أن يُخَلَّصَ آخرين". لكن العلامة التي قدّمها يسوع المسيح للامَّة اليهودية برهانا على مُلْكه ليس نجاته من الموت، إنما قيامته من بين الأموات " اُنقُضوا هذا الهَيكَل أُقِمْهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام! فقالَ اليَهود: ((بُنِيَ هذا الهَيكَلُ في سِتٍّ وأَربَعينَ سَنَة، أوَ أَنتَ تُقيمُه في ثَلاَثةِ أيَّام؟)) أَمَّا هو فكانَ يَعْني هَيكَلَ جَسَدِه. فلمَّا قامَ مِن بَينِ الأَموات، تذكَّرَ تَلاميذُه أَنَّه قالَ ذلك، فآمنوا بِالكِتابِ وبِالكَلِمَةِ الَّتي قالَها يسوع" (يوحنا 2: 19 -22). ومن ناحية أخرى، اختار يسوع نَفْسَه هذا الموت بملء حريته " إِنَّ الآبَ يُحِبُّني لِأَنِّي أَبذِلُ نَفْسي لأَنالَها ثانِيَةً ما مِن أَحَدٍ يَنتزِعُها مِنَّي بل إنّني أَبذِلُها بِرِضايَ. فَلي أَن أَبذِلَها ولي أَن أَنالَها ثانِيَةً" (يوحنا 10: 18). التحدي الثاني: هو طلب أَحَدُ المُجرمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ للمسيح: " أَلستَ المَسيح؟ فخَلَّصَ نَفْسَكَ وخَلَّصَنا! " (لوقا 23: 39)؛ سخر هذا المجرم بالمسيح كما سخر به رؤساء اليهود، ولم يفهم أن المسيح قد جاء لا ليُخَلَّصَ نَفْسَه، إذ هو غير محتاج إلى خلاص بل ليُخَلَّصَ الآخرين من الخطيئة، كطبيب يتقدم ليشفي المرضى. فليس بنزول المسيح مِن على الصليب يصير مخَلَّصَا للبشرية بل بموته من أجلها. فهدف حياة يسوع هو الخلاص، "لِأَنَّ ابْنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلَّصَه" (لوقا 9: 10) ويُعلق القديس أثناسيوس "بالحق أراد المخَلَّصَ ربنا أن يُعرف مخَلَّصَا لا بخلاص نَفْسَه بل بخلاصه للآخرين. فالطبيب لا يُحسب كذلك بشفائه نَفْسَه، بل بإبراز مهارته مع المرضى". ب) يسوع المَلِك المُخَلَّص أمام الجُنود الرومانيين أعلن يسوع نفسه مُلْكه ليس في بداية حياته العلنية، ولكن ساعاتٍ فقط قبل الحكم عليه بالموت إلى بُنطِيوس بيلاطُس والجُنود الرومانيين من خلال الآمه، إذ "سَخِرَ مِنه الجُنود أَيضاً، فدَنَوا وقرَّبوا إِلَيه خَلاًّ وقالوا ((إِن كُنتَ مَلِك اليَهود فخَلَّصَ نَفْسَكَ!" (لوقا 23: 36 -37) واخذوا يُحيُّوه بوصفه مَلِك اليهود ويتبارون في التهكم على هذا المَلِك، كما علّقوا رقعة على الصليب مكتوب عليها "هذا مَلِك اليَهود" (لوقا 23: 38). قصد بُنطِيوس بيلاطُس بهذه اللافتة السخرية من المَلِك المصلوب أمام الجميع، هو مَلِك فَقَدَ مملَكته إلى الأبد. كتب هذه اللافتة باللاتينية تبيانًا للإمبراطور قيصر أنه قتل من ادَّعى المُلُوكية وقاوم قيصر كي يُبرِّرَ موقفَه، أمام رئيسه القيصر أغسطس في روما، وكتبها بالعبرانية إهانة للشعب اليهود، الّذين كان في بالهم المناداة بمَلك ٍلمقاومة الاستعمار، ليقول لهم "هوذا مَلِككم مصلوبًا". وكتبها بيلاطس باللاتينية. الواقع أنَّ المسيح نصَّب نَفْسَه مَلِكا على العالم بالصليب، واستخدم يسوع بُنطِيوس بيلاطُس كي يُعلن للعالم هذه الكتابة "هذا مَلِك اليَهود" (لوقا 23: 38)، " وكانَتِ الكِتابَةُ بِالعِبرِيَّةِ واللاَّتينَّيةِ واليُونانِيَّة" (يوحنا 19: 20). كُتبت باللغات الرئيسية، المعروفة للعالم آنذاك بالعبرية لأنها لغة أسفار الكتاب المقدس في العهد القديم، وهذا جعل العبرانية معروف. فاللغة العبريِّة هي لغة الشَّعْب اليهودي والكتاب المقدس والدين اليهودي، كانت الكتابة بالعبرية فيها شهادة أن يسوع المصلوب هو المسيح الموعود به والمسيح المنتظر. وباللاتينية لأنَّها لغة والقوانين والسلطة والإدارة الرومانية جعلت اللاتينية لغة مشهورة، وحيث أن اللاتينية هي لغة الحكام والسياسة، كانت هذه الكتابة شهادة أن المسيح "مَلِك المُلوكِ ورَبُّ الأَرْباب" (رؤيا 19: 16)؛ وباليونانية لأنها لغة الفلسفة التي جعلت اليونانية مشهورة، وحيث أنَّ اللغة اليونانية فهي لغة الثقافة والفلسفة التي كانت سائدة في العالم كله وبهذا كانت هذه الكتابة شهادة ة الفلسفة أن المسيح هو رب الحق. وبذلك كان في اللغات الثلاث التي كتبت بها هذه العبارة كرازة لكل العالم المعروف، وفيها إعلان أن المسيح مَلِك على العالم كله، وانه بالحق مَلِك روحي على جميع الأمم، وليس فقط اليهود وحدهم كما ظنُّوا. يُعلق الأب ثيؤفلاكتيوس" لقد كُتبت عِلّة يسوع بثلاث لغات مختلفة، حتى لا يفشل أحد من المارَّة به في معرفة أنه قد صُلب لأنه أقام نَفْسَه مَلِكا. وكُتبت باليونانية واللاتينية والعبريَّة، هذه اللغات التي يعني بها أكثر الأمم قوة (الرومان) وحكمة (اليونان) وعبادة لله (اليهود)، جميعها تخضع لسلطان المسيح ومُلْكه". وصارت علته تاجًا له يُمثل حقيقته الخفيَّة كمَلِك، كما جاء في سفر النشيد "أُخرُجْنَ يا بَناتِ أورَشَليم واْنظُرْنَ المَلِك سُلَيمان بِالتَّاجِ الَّذي تَوَّجَته بِه أمُّه في يومِ عُرسِه وفي يَومِ فَرَحِ قَلبِه" (نشيد الأناشيد 3: 11). ونستنتج مما سبق أنَّ اللافتة كانت صادقة حيث أنَّ يسوع هو مَلِك اليهود والأمم وكل الكون. ونستنتج مما سبق أنَّ اللافتة كانت صادقة حيث أنَّ يسوع هو مَلِك اليهود والأمم وكل الكون. والقليلون الذين قرأوا اللافتة في ذلك الوقت فهموا معناها الحقيقي، فان يسوع المسيح بموته وقيامته قد وجّه ضربة قاضية إلى حكم الشيطان وممْلَكته لقيام مَلكوت الله على الأرض؛ إذ أنَّ العنوان المكتوب فوق صليب المسيح أظهر الحُكم على اليهود، وأعلن نعمة الله الفائقة في وقت واحد، لأن مَلِكهم المرفوض المُهان هو فادينا وإلهنا أَيضاً. تنازل مرةً حتى صار منظره تعييرًا للناس وسُمِّر على خشبه بين لصيَّن ولم يقدر أن يُخَلَّصَ نَفْسَه وإيانا أَيضاً. ولكن على الصليب، سطع هذا المَلِك أمام الذين ينظرون إليه نظرة إيمانية، فقد "ووَرَدَ في الكتاب ((سَيَنظُرونَ إلى مَن طَعَنوا"(يوحنا 19: 37). ج) يسوع المَلِك المخَلَّص أمام المُجرمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ لم يُعلن يسوع مُلْكه إلى بُنطِيوس بيلاطُس والجُنود الرومانيين من خلال آلامه بل أَيضاً إلى المُجرمَيْن المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ. يروي إنجيل متى أنَّ المجرمَيْن أخذا بالتجديف على يسوع المصلوب (متى 27: 44). ويَقول: "أَلستَ المَسيح؟ فخَلَّصَ نَفْسَكَ وخَلَّصَنا!"(لوقا 23: 39). إنه يطلب من يسوع النجاة من الموت الجسدي، ولو طلب نجاة نَفْسَه من الهلاك الأبدي لاستجاب له يسوع حالا. وكانا كلاهما يُعيِّرانه ثم بدأ أحد هما يراجع نَفْسَه ويتذكَّر خطاياه، فصار " شُعلَةً مُنتَشَلَةً مِنَ النَّار؟" (زكريا 2:3). ومن هذا المنطلق ليس الآلام الجسدية بحد ذاتها تليِّن القلب وتقود الإنسان إلى التوبة، وليس لمشاهدة المسيح على الصليب قوة تخَلَّصَ، ما لم تقترن نعمة الله والإيمان بذلك. الكنيسة تعوَّدت أن تطلق على هذا المجرم التائب، لقب " اللص اليمين"؛ فهو بتوبته وبإيمانه بالسيد المسيح صار عن اليمين مثل الخراف وترك المكان الأيسر الذي للجداء للص الآخر كما جاء في تعليم يسوع "فيُقيمُ الخِرافَ عن يَمينِه والجِداءَ عن شِمالِه"(متى 25: 33). وفي الواقع، يروي إنجيل متى أنَّ هذا اللص بدا في التجديف (متى 27: 44) ثم عدل عن ذلك إلى الصلاة. فأقرَّ بخطاياه، ثم اعترف ببراءة غَيرَه أي يسوع. وأخيرا: انتَهَرَ رفيقه الآخَرُ قائلا: "أَوَ ما تَخافُ الله وأَنتَ تُعاني العِقاب نَفْسَه! أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لِأَنَّنا نَلْقى ما تستجوبه أَعمْالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءًا" (لوقا 23: 40 -41). وعلَّ أنَّ علة ذلك التغيُّر هي تأثير صبر المسيح وحلمه فيه والصلاة التي نطق بها من أجل قاتليه وقوة الروح القدس التي قاده إلى التوبة والإيمان. رأى اللص اليمين في صورة يسوع المصلوب مَلِكا مُظَفراً على عرش الصليب العظيم. رأى صليبه عرشا، ويُعلق البابا غريغوريوس الكبير "على الصليب سُمرت يدا المجرم وقدماه ولم يبقَ فيه شيء حر سوى قلبه ولسانه". وبهما اعترف بيسوع مَلِكا بلسانه وآمن به بقلبه "فالإِيمانُ بِالقَلبِ يُؤَدِّي إلى البِرّ، والشَّهادةُ بِالفمِ تُؤَدِّي إلى الخَلاص" (رومة 10: 10)، اعترف اللص اليمين بهذا المَلِك العظيم المصلوب، أمام جماهير الحاقدين، وطلب من صاحب العرش: أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلِكوتِكَ (لوقا 23: 42) وآمن به بقلبه فعلّق القديس أوغسطينوس " آمن اللص في الوقت الذي فيه فشل المعلمون أنَفْسَهم تمامًا. واعترف بذاك الذي رآه مُسمَّرا على الصليب، ولم يره مَلِكا". اعترف اللص فوجد أبواب الفردوس مفتوحة! رأى اللص اليمين في صورة يسوع المصلوب مَلِكاً روحانياً، وليس مَلِكا أرضيا. وكان هناك إلهام إلهي لهُ، كما سبق المسيح وقال لبطرس "فلَيسَ اللَّحمُ والدَّمُ كشَفا لكَ هذا، بل أَبي الَّذي في السَّمَوات." (متى 16: 17)؛ والله هو الذي يكشف عن العيون، وهذا لمن يريد الابن أن يكشف له كما صرّح يسوع المسيح "قد سَلَّمَني أَبي كُلَّ شَيء، فما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ مَنِ الِابْنُ إِلاَّ الآب، ولا مَنِ الآبُ إِلاَّ الِابنُ ومَن شاءَ الِابنُ أَن يَكشِفَهُ لَه" (لوقا 22:10)؛ فيعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "قل لي أيها اللص كيف تذكرت مَلِكوت السماوات؟ ماذا حدث الآن وأمام عينيك المسامير والصليب والتهمة والهزء والشتائم؟ فيقول: نعم أرى هذه كلها ولكن الصليب نَفْسَه رمز المَلِكوت، فلذلك أدعو المصلوب عليه مَلِكا، لأنه يجب على المَلِك أن يموت عن رعيته". رأى اللص اليمين يسوع المصلوب وآمن به دياناً، إذ جلس يسوع الديَّان في الوسط: لص آمن فخَلصَ، فكان لهُ الفردوس؛ ويُعلق القديس أوغسطينوس "الصليب نَفْسَه إن تأملناه حسنًا هو كرسي للقضاء. ورأى اللص اليمين في ضعف يسوع قوة، وقاده اعترافه إلى الإيمان، وانفتحت عيناه فعرف أن المسيح هو مَلِكٌ. لذلك وصفه القديس أوغسطينوس "اللص الصالح" بأنه "خير سارق، بما أنّه في اللحظة الأخيرة سرق الفردوس"، ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "من المؤكّد أنّه ما كان أيّ مَلِك ليسمح لسارق أو حتّى لأيّ من خَدمَه أن يجلس معه حين دخوله إلى مدينة ما. أمّا الرّب يسوع المسيح، فقد فعل ذلك: إذ إنّه لشرف عظيمٌ للمَلكوت أن يكون له ربّ قادرٌ على جعل السارق أهلاً بكلّ النِّعَم التي يمنحها المَلكوت" (العظة الأولى للجمعة العظيمة: عن الصليب واللّص اليمين). وأمَّا اللص الآخر جدّف فأُدِين، لأنه المسيح هو ديان الأحياء والأموات، نعم فالبعض عن يمينه والآخر عن يساره". فأعطى المسيح المصلوب الفردوس للص اليمين وترك اللص اليسار، فكان يسوع ديانًا وهو على الصليب. رأى اللص اليمين يسوع المصلوب المُشرف على الموت فاتحًا باب المَلكوت بقوله له "سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس"(لوقا 23: 43). ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "ما هذا الذي قلتَه، يا ربّ؟ أنت مصلوب ومُسَمَّرٌ بالمسامير، وتَعِد بالفردوس؟ أجل، لكي تعرفَ ما هي قدرتي من خلال الصليب" (العظة الأولى للجمعة العظيمة: عن الصليب واللّص اليمين). وفي الواقع، قد ينتهي المَلكوت في نظر أي إنسان رأى يسوع معلّقاً على الصليب، ولم يكن من السهل أن يثق المجرم في يسوع المصلوب، وبالرغم من ذلك، تخطَّت نظرته من الخزي الحالي إلى المجد الآتي. وآمن أن المسيح صُلب كي يفتح باب الفردوس، باب مَلكوته، واعترف به مَلِكا، إذ قال: "أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلِكوتِكَ" (لوقا 23: 42). رأى صورة يسوع مَلِكا متألما معه، كما جاء في تصريحه لزميله المجرم "أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لِأَنَّنا نَلْقى ما تستجوبه أَعمْالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءًا" (لوقا 23: 41)، وكأنَّه يقول مع بولس الرسول "إن كنَّا نتألم معهُ لكي نتمجد أَيضاً معهُ" (رومة 8: 17). ما قام به يسوع هو أنَّه بذلُ ذاته، فاتحًا المَلكوت لكل من يصلي ويرى نَفْسَه مُحتاجًا إلى المغفرة. وهكذا باب المَلكوت يبقى مفتوحًا إلى آخر لحظة من موت الإنسان. توجّه الرجل المجرم على وشك الموت إلى المسيح طالبا الغفران" أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلِكوتِكَ" (لوقا 23: 42)، فقبله المسيح. وهذا دليل على أنَّ الوقت ليس متأخرا كي يبدا العودة إلى الله. لقد كان يسوع حتى في أقسى وأسوأ الأحوال، رحيما بهذا المجرم الذي قرَّر الإيمان به في لحظات موته. ويُعلق القديس ايرونيموس " المسيح نَفْسَه جلب اللص من الصليب إلى الفردوس، ليُظهر أن التوبة لن تتأخر في عملها. لقد حوَّل موت القاتل إلى شهيدًا". إن الاهتداء اللص اليمين كان له الاهتمام الخاص عند لوقا الإنجيلي من حيث أن هذا يوضح حقيقة أن الخلاص بابه مفتوح دائما للجميع، ليس فقط إلى اللص اليمين وقائد المئة ويوسف الرامي ونيقوديموس، إنَّما إلى كثيرين غَيرَهم أَيضاً. ويعلق القدّيس ايرونيموس " قبل أن يفتح الرّب يسوع المسيح باب الفردوس عندما قال للمجرم المعلّق عن يمينه: "الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس"، كانت أرواح القدّيسين تنحدر إلى مثوى الأموات في زمن الشريعة (التكوين 37: 35)؛ في الإنجيل، "لصّ اليمين" موجود في الفردوس"(عظات حول إنجيل القدّيس مرقس). أخيراً رأى اللص اليمين في يسوع المصلوب مُعجزة من المعجزات، وهي انه رأى المسيح المصلوب قد زلزلَ الأرض من تحت أقدام الذين صلبوه، وشق الصخر عند الجلجلة، وغفر لصالبيه، وجعل النهار ظلاماً، وجعله آهلا للفردوس. تلك آية أتاها يسوع على الصليب ليرى الناس أن صليبه عرش الرحمة والنعمة والحياة. وباختصار، ظهرت مُلْكية يسوع على الصليب، وهو في أعظم ذلٍ وهوانٍ وعارٍ، إذ هو مُعلقٌ بين السماء والأرض، ويحيط به اثنين من المجرمين، فسمع صلاة اللص اليمين ليس لأنه سرق وقتل، لكن بسبب توبته والاعتراف به مسيحا ومَلِكا وهو على صليب العار. نستنتج مما سبق أنَّ يسوع المصلوب يكون لبعض الناس " رائِحَةٌ تَسيرُ بِهم مِن مَوتٍ إلى مَوت"، وللبعض الآخر "رائِحَةٌ تَسيرُ بهم مِن حَياةٍ إلى حَياة" (2 قورنتس 2: 16). فكلا اللصين شاهدا المسيح مصوباً، ولكن واحداً منهما قسَّى قلبه وظلَّ يجذّف، والآخر ليّن قلبه وصلَى. وهكذا إن تاب أحد عن خطيئته وآمن بالمسيح ولو في آخر ساعة من حياته ينال الخلاص. لذلك لا يحسن أن ييأس أحدٌ من نيل الخلاص حتى عند ساعة موته. يسوع يملك على اللص اليمين الذي اعترف به بإرادته واختياره الحرّ ملكا روحيا، وديانا، وفاتحا الملكوت السماوي. إن الدخول إلى مَلكوت الله يتمُّ من خلال اعتراف أنّ يسوع المصلوب هو مَلِكٌ. وهذا المصلوب الآخر يعيش الحالة البشريّة بأكملها، حيثّ أنّنا جميعاً على الأرض مصلوبون من قِبَل شرّ خطايانا. أمّا يسوع فهو مصلوب من قِبَل شرّ الآخرين، من شرّ الإنسان. من صليبنا يجب أن ننظر إلى صليبه، لأنّ صليبه وحده هو الوسيلة لدخول مَلِكوت الإله. إنّ صليبنا هو الخطيئة. بينما يسوع المسيح، هو صليب الفداء، والخلاص، والتبرير. الخلاصة في عيد يسوع الملك وصلنا إلى نهاية السنة الليتورجية من خلال احتفالات وأعياد إيماننا، السر الكامل لحياة الربّ يسوع بحقيقة كوننا معه، في مَلِكوته. إن مَلِكوت الله ليس مكانا أو سلطة بل شخصا، هو شخص يسوع المسيح. والدخول إلى مَلكوته هو علاقة حميمة مع المسيح الذي يقودنا إلى الآب، كما حدث مع اللص اليمين؛ فالحياة هي أن نكون مع المسيح، وحيث المسيح هناك مَلِكوته. إذا اظهر يسوع قوته ورحمته في ساعة صلبه فكم بالحري يُظهر مثل ذلك في ساعة ارتفاعه "جَميعُ الَّذينَ يُعطيني الآبُ إِيَّاهُم يُقبِلونَ إِليَّ ومَن أَقَبَلَ إِليَّ لا أُلقيهِ في الخارج " (يوحنا 6: 37). ما من طريق آخر لفهم مُلْك المسيح إلا َّهذا، أن يعي المرء أنَّ مواجهة الشر بالشر هو فشل، هو هزيمة ورضوخ لمنطق الشر. أمَّا قوة المسيح فهي قوة الحب، ومَلكوته هو مَلِكوت الحب، كما صرّح بولس الرسول" لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغلِبُكَ، بلِ اغلِبِ الشَّرَّ بِالخير"(رومة 12: 21)؛ فيسوع هو مَلِك ٌ، لأنَّه أحب إلى اقصى الحدود، كما صرّح يوما لتلاميذه "لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفْسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه" (يوحنا 15: 13). وبهذا الحب وثق يسوع باللص اليمين، ولم يتوقف على خطيئته وبؤسه وشرّه، لأنّه كان يعرف قلب الإنسان، أحبّه كما هو، بمشاعره وعواطفه، بقدرته على الحبّ والعطاء، وبخطيئته وعنفه متضامنًا معه في كلّ شيء، حتى الموت، وموت الصليب. إنّ هذا اللص هو كلّ واحد منا، يعرف طعم الضعف والصغر، ويرزح تحت ثقل الأنانيّة والخوف والشكّ، يكتشف أنّ حياته قد تشوَّهت. إنّ يسوع معنا اليوم كما كان بالأمس مُعلّقًا على الصليب بجانب اللص، يعرف ما نشعر به، ويفهم ما نعيشه، ويعي تطلّعنا للخلاص والفرح الحقيقيّ والسلام العميق، فيشاركنا درب آلامنا، ويراهن على قدرتنا على التجاوب مع الحبّ والحياة والصدق، وينتظر ردّنا الحرّ والشخصيّ، صابرًا وراجيًا. وبعبارة أخرى، يسوع هو المَلِك الحقيقيّ، لأنّه يُحبّ كلّ إنسان. وبصليبه جذب إليه الجميع، وصار مَلِكا على قلوبهم. وبالصليب فهم البشر أن يسوع المسيح -ابن الإنسان-هو هو نَفْسَه ابن الله الوحيد، هو المَلِك الحقيقيّ، لأنّه لا يُرغم أحدًا على الإيمان بحبّه له، بل ينتظر ويرافق، حتى ولو أدّى الطريق إلى الموت، والموت على الصليب. إنّ يسوع هو المَلِك الحقيقيّ ومَلِكوته لا تراه العيون الباحثة عن والمجد والقوة، بل القلوب المؤمنة بحبّه ورحمته وحنانه، تستطيع أن تكتشفه. إنّ يسوع هو المَلِك الحقيقيّ، لأنّه يثق ويؤمن بأنّ الحبّ هو الغالب والمنتصر، وأنّ الناس كلّهم، ونحن معهم، سيقودنا الحبّ إلى الحياة، وبهذا الحب هدم سور العداوة وصار هو سلامنا، كما جاء في تعليم بولس الرسول "فإِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة وهَدَمَ في جَسَدِه الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهما، أَيِ العَداوة" (أفسس 2: 14)، إذ "وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه" (قولسي 1: 20). فيسوع يعلمنا أن مُلْكه الحقيقي هو الغفران والخدمة والتواضع والمحبة والتضحية وحيث تمَلِك المحبة فهناك يمَلِك المسيح. الدعاء نسألك، أيّها الربّ يسوع المصلوب، الذي أعلنت نفسك مَلِكًا على جميع من يؤمنون بك رباً والها، كن سيداً على قلوبنا وحياتنا وعائلاتنا ومجتمعنا وعالمنا، واذكرنا في مَلَكوتِكَ كما ذكرتَ اللص اليمين، فنرى في صليبك، صليب الفداء والخلاص، فلا نستَحْيِ بِالشَّهادة لك بتحمل صليبنا اليومي فننتقل إلى مَلَكوتِكَ السماوي كي نسبّحك مع الملائكة والقديسين للأبد. آمين قصة تمثال يسوع المَلِك كان الأب يعقوب حداد الكبوشي كلّما اجتاز ممرّ نهر الكلب، يقف أمام تلك الرسوم والكتابات التي تركها الفاتحون تخليداً لانتصارهم. وكان يحلم بأن ينتصب مَلِك الملوك على تلة فوق هذا الوادي. وفي سنة 1950، تمّ شراء الأرض وشرع في بناء الدير. ويوم عيد يسوع المَلِك، في 28 تشرين الأول سنة 1951، أقيم فيه قداس احتفالي. وفي الأول من كانون الأول سنة 1952، ركز تمثال المسيح المَلِك على قاعدة ترتفع 57 متراً عن الأرض، على تلة ترتفع 75 متراً عن سطح البحر. هندس هذا التمثال الفنان الإيطالي، إرنستو باليني، وقد أشرف بنَفْسَه على نقله من إيطاليا إلى لبنان في عشرة صناديق. وزن التمثال 75 طناً، علوّه 12 متراً، عرض يديه المفتوحتين 10 أمتار، ووزن كل يد 5 أطنان. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تَجَلِّي يسوع كما رواه مَتَّى الإنجيلي |
أحد الشعانين كما رواه متى الإنجيلي |
عيد التجلي كما رواه متى الإنجيلي |
أحد الشعانين المبارك كما رواه لوقا الإنجيلي |
التجلي في حياة يسوع كما رواه لوقا الإنجيلي |