|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الخط الاجتماعي في فكر القدِّيس إكليمنضس السكندري
كنت أود أن أقدم الخط الاجتماعي في فكر كثير من آباء الكنيسة، لكنني اكتفيت بأمثلة لبعض آباء الكنيسة، مثل القدِّيس إكليمنضس السكندري من رجال القرن الثاني، والقدِّيس باسيليوس الكبادوكي أحد كواكب آباء الكبادوك. القدِّيس إكليمنضس السكندري والخط الاجتماعي كان القدِّيس إكليمنضس فيلسوفًا يرتدي بلين الفلاسفة وهو عميد مدرسة إسكندرية المسيحية، وكان يعتز بالفلسفة كطريقٍ للإيمان، جنبًا إلى جنب مع الناموس. يرى أن الفلسفة في عناصرها الصادقة هبة من الله مقدمة للأمم، كما قُدم الناموس هبة لليهود. يرى القدِّيس أن الإيمان المسيحي ليس قبولاً لأفكار فلسفية نظرية، وإنما تمتع بالحياة عمليًا، كعضوٍٍ حيٍّ في المجتمع يتمتع بعربون السماء. ففي كتابه المُربِّي Paedagogus يقدم لنا السيِّد المسيح كمهذِّبٍٍ يهتم بنا لممارسة حياة اجتماعية سوية، خلال الاتحاد معه والتمتع بالعربون السماوي. لا يفصل بين الحياة الزمنية والفكر السماوي. فيما يلي لمسات خفيفة مما ورد في كتاب المُربِّي عن الخط الاجتماعي الروحي في حياة المؤمن .
يدعونا القدِّيس إلى التمتع العملي بالشركة مع السيِّد المسيح محب البشر، فنحمل حبًا لكل إنسانٍ، وهذا هو أساس الخط الاجتماعي.
دعوة للتجديد
يرى القدِّيس أن سارة تعني “قوة الاحتمال” و”الصلابة”، إذ بالمداعبة الحكيمة (مع إبراهيم) (تك 26: 8) أنجبت اسحق الذي يعني “الضحك”. وكأنه يليق بالنفس الصلبة أن تمتلئ فرحًا.
يربط القدِّيس إكليمنضس بين الحياة الجادة التي تتسم بالصلاة وطول الأناة، وحياة الفرح. فإسحق الذي اسمه معناه “ضحك” حمل خشب المحرقة وسلك طريق الألم. فليس من فرحٍ روحيٍ ننعم به دون الجدية في الحياة والاحتمال في الرب . لا نعجب إن كان مدير مدرسة الإسكندرية في القرن الثاني الميلادي، هذا الذي ينطلق بأفكارنا وقلوبنا لنتمتع بخبرة الحياة السماوية، يخصص فصلاً كاملاً عن الطعام في كتابه الثاني عن “المُربِّي”. ففي نظره أن السيِّد المسيح، كلمة الله المتجسد جاء ليصعد بنا إلى السماوات دون تجاهل لحياتنا الزمنية من كل جوانبها. فالحياة البشرية وحدة واحدة، لا يمكن فصل خلاصها الأبدي على سلوكها الاجتماعي، بل وعن اهتمامها بالصحة الجسدية. والعجيب أن ما ينصحنا به هذا القدِّيس في القرن الثاني صار بعض رجال العلم في القرن الحادي والعشرين يحثُّوننا عليه.
يرى القدِّيس إكليمنضس أنه يجوز استخدام الخمر بكمية قليلة بسبب المرض أو البرد الشديد، أو في سن الشيخوخة. ويشترط ألاَّ يشرب الإنسان حتى فقدان الوعي أو الذاكرة أو ترنح الجسم. يُفضل مزج الخمر بالماء بأكبر قدر ممكن، ولا نتناوله بكثرة وبتكرار حتى لا نسقط في الإدمان .
مفهوم الغنى
يعتبر القدِّيس إكليمنضس داعية لحياة الفرح الحقيقي، لذلك يطالبنا بالتمييز بين الفرح النابع من القلب واللهو والمرح المبالغ فيه .
يحذرنا القدِّيس إكليمنضس من إساءة استخدام الموسيقى لئلا نكون مثل ذكور الأيائل التي تسحرهم أصوات الناي، فتستدرجهم الموسيقى للسقوط في الشباك التي ينصبها لهم الصيادون، أو مثل إناث الخيل التي يُعزف لها موسيقى لإثارتهن فيتم تلقيحهن. يرى القدِّيس إكليمنضس أن الروح القدس يميز بين الأغاني المثيرة للفساد، وبين الموسيقى التي يضربها الروح القدس عندما تُسبِّح الكنيسة الله. أما أدوات الموسيقى فهي الإنسان نفسه. يقول: [الإنسان في حقيقته آلة موسيقى للسلام، في حين أن بقية الآلات الموسيقية متى بُحثت نجدها آلات للحرب والقتال، تُلهب المشاعر نحو الشهوات أو لحمل السلاح، أو لإثارة الغضب والسخط .]
الأحاديث الهزلية يحذرنا القدِّيس إكليمنضس من الاشتراك في الأحاديث الهزلية، مع أخذ الموقف الإيجابي وهو الاشتراك في الحديث والحوار مع الصدِّيقين.
الاعتدال في الضحك كما في سكب الدموع
+ اعتقد أنه يجب أن توجد حدود حتى في حديث الحكماء المنضبطين، عند تبادلهم الحديث مع من يريد أن يحاورهم.
v يستخدم البعض أنواعًا لا حصر لها من العطور، حتى يفوح منهم عطر بالغ في الفخامة، وهم يبخرون ملابسهم ويرشونها بالعطور، ويصنعون هكذا بالفراش والمنازل، بل وتصل الرفاهية إلى تعطير جميع أوانيهم أيَّا كان استخدامها بالعطور المختلفة. يوجد البعض يضايقهم الاهتمام الزائد بمثل هذه الأمور. ويبدو لي أنهم في ذلك محقّون، إذ يكرهون العطور، لأنها تسبغ على الرجال خنوثة وميوعة، حتى أنهم يطردون من يصنع تلك العطور عن ولاياتهم المنتظمة وأيضًا الذين يقومون بتركيبها وبيعها.
أكاليل الزهور أساء الوثنيون استخدام أكاليل الزهور، فقدموها للغالبين في ألعاب عنيفة يمارس فيها القتل، كما قدموها كجزء من العبادة الوثنية.
خصص القدِّيس إكليمنضس فصل 9 من الكتاب الثاني لعمله “المُربِّي” عن النوم. يكشف في مقدمته عن مشاعر المؤمن في نهاية الله، أنه قضى يومًا سعيدًا، قُدم له كهبة من الله. يقول: [بعد تناولنا لطعام العشاء نتوجه بالحمد والشكر لله، إذ تفضَّل علينا بقضاء يومٍ سعيد.]
النوم الكثير لا نفع له، لا للجسد ولا للروح.
التمطِّي (تمطُّع) والتثاؤب ممارسات قلقة، تل على عدم استقرار النفس وعلى قلقها.
اللؤلؤ الكثير الثمن غزا مخدع المرأة في إسرافٍ شديدٍ، وهو من نتاج محارة تشبه القواقع، يبلغ حجمها أحيانًا ما يوازي عين سمكة من النوع الكبير، ولا تخجل هذه البائسة من الاهتمام العظيم بمثل هذه القواقع، بينما تستطيع أن تزين نفسها باللؤلؤة القدوس، الله الكلمة، الذي قال عنه الكتاب المقدس أنه لؤلؤة، يسوع الطاهر النقي المضيء، العين التي تراقب الجسد، الكلمة الكلِّي الصفاء، الذي به يصبح الجسد غالبًا وثمينًا عندما يتجدد بماء الحياة. يقارن القدِّيس إكليمنضس بين استخراج اللؤلؤ من القواقع – هذا اللؤلؤ المحاط بجسد من كل جانب، وهو في وسط مياه البحار والمحيطات – وبين أسوار أورشليم وأبوابها الاثنى عشر، كل باب لؤلؤة، يسكنها المؤمنون الذين تجددوا بمياه المعمودية المقدسة، وتقدست أسامهم. يقول إن البحار تخبئ اللآلئ في داخلها، بينما لا يطلب البشر الرب، اللؤلؤة الكثيرة الثمن. عوض طلبهم الله يبحثون عن الذهب الدفين في باطن الأرض، واللآلئ التي ينقب عنها أولئك الذين مصيرهم هو الموت.
|
|