كما نَقَلَها إلَينا الَّذينَ كانوا مُنذُ البَدءِ شُهودَ عِيانٍ لِلكَلِمَة، ثُمَّ صاروا عامِلينَ لها،
تشير عبارة "كما" في الأصل اليوناني καθὼς إلى مصطلح بمعنى بمقتضى أو من واقع. أمَّا عبارة "نَقَلَها" في الأصل اليوناني παρέδοσαν (معناها سلّمها باليد) فتشير إلى التقليد الرسولي بتسليم البشارة الإنجيلية شِفَاهِيّاً لأنه كانت أكثر التعاليم في عصور الكنيسة الأولى شَفَويَّة لا كتابةً. وهذا ما وصفه بولس الرسول بقوله "إِنِّي تَسَلَّمتُ مِنَ الرَّبِّ ما سَلَّمتُه إِلَيكُم" (1 قورنتس 23: 11). يتكلم لوقا عن التقليدالذي وصل إليه من العناصر المشتركة لدى مرقس ومتى ومن مختلف الكنائس من خلال المُبشِّرين بيسوع وتعليمه، وفي طليعتهم الرسل، بالإضافة إلى نشاط لوقا الرسولي مع بولس الرسول. فهو تقليدٌ مقدسٌ، تقليد شهود كلمة الله وخُدَّامها. وبالتالي إنجيل لوقا هو دليل لتقليد الكنيسة وإنجيل الرسل. والتقليد هو الوديعة المُعاشة في حياة الكنيسة بالروح القدس تتسلّمها الأجيال خلال التسليم الشفوي والكتابي وخلال العبادة والسلوك. أمَّا عبارة "كانوا مُنذُ البَدءِ" فتشير إلى أوّل خدمة المسيح. وتذكرنا هذه العبارة بقول بطرس الرسول عند اختيار بديلا ليهوذا الإسخريوطي "مُذ أَن عمَّدَ يوحنَّا إلى يَومَ رُفِعَ عنَّا. فيَجِبُ إِذًا أَن يَكونَ واحِدٌ مِنهُم شاهِدًا مَعَنا عَلى قِيامتِه" (أعمال الرسل 1: 22). أمَّا عبارة "شُهودَ عِيانٍ" في الأصل اليوناني αὐτόπται (معناها المُشاهدة بالعين مباشرة)فتشير إلى شهادة أناس شاركوا يسوع في حياته منذ بدء خدمته الرسولية وشهدوا له. هم لا يتكلمون إلا بما رأوا بأنفسهم، أي عن معرفة شخصية وخبرة عملية ومعايشة كاملة لما يتكلمون كما ورد في تعليم يوحنا الحبيب" ذاك الَّذي كانَ مُنذُ البَدْء ذاك الَّذي سَمِعناه ذاك الَّذي رَأَيناهُ بِعَينَينا ذاكَ الَّذي تَأَمَّلناه ولَمَسَتْه يَدانا مِن كَلِمَةِ الحَياة، أَنَّ الحَياةَ ظَهَرَت فرَأَينا ونَشهَد ونُبَشِّرُكمِ بِتلكَ الحَياةِ الأَبدِيَّةِ الَّتي كانَت لَدى الآب فتَجلَّت لَنا " (1 يوحنا 1: 1-2). وهذه العابرة لم تُستخدم في العهد الجديد سوى هنا فقط. وهؤلاء شهود عِيانٍ هم -كما جاء في سيرة الجماعة المسيحية الأولى –"رجالٌ صَحِبونا طَوالَ المُدَّةِ الَّتي أَقامَ فيها الرَّبُّ يَسوعُ مَعَنا" (أعمال الرسل 1: 21). وتُعد ُّشهادة هؤلاء المصدر الثاني الذي أخذ لوقا إنجيله منه، وهم الرسل وغيرهم ممَّن شاهدوا يسوع وأعماله وسمعوا أقواله وبشَّروا بكلمته وبذلوا الجهد في خدمته. ويُعلق العلامة أوريجانوس عبارة " شُهودَ عِيانٍ “لا تعني مجرد الرؤيا الجسديّة، إذ كثيرون رأوا السيِّد المسيح حسب الجسد ولم يُدركوا شخصه ولا تجاوبوا مع عمله الخلاصي". فكلمة " شُهودَ عِيانٍ" تعني المعرفة النظريّة، بينما تشير كلمة "خدَّام" للمعرفة التطبيقيّة. ويُعلق القديس أمبروسيوس" نال الرسل هذه النعمة... لقد عاينوا، ويُفهم من هذا جهادهم للتعرُّف على الرب، وخدموا، ويُفهم منه ظهور ثمار جهادهم". فالشهادة أو المعاينة الروحيّة أو الإدراك الروحي ترتبط بالعمل. فالأقوال والأخبار التي انفرد بروايتها لوقا الإنجيلي فقد أخذها عن شهود عِيانٍ. الشهادة للمسيح هي قبل كل شيء شهادة لقيامته (أعمال الرسل 1: 22) والشهود هم الاثني عشر أولا "الذين رأوا وسمعوا" (أعمال الرسل 1: 22)، لكن هناك آخرين يُدعون أيضا شهودا مثل بولس الرسول الذي لم يرَ ولم يسمع وإسطفانس (أعمال الرسل 22: 20). واعتمد لوقا على شهود عِيانٍ، لانَّ كان همَّه أن يعرف الحقيقة. أَّمَّا عبارة " لِلكَلِمَة" في الأصل اليوناني λόγος فتشير إلى شخص المسيح تعني أيضًا الرسالة الإنجيلية بكاملها دون أي تغيير، حيث يقصد بها تسجيل كلام المسيح وأعماله وشخصه، كما أكد هو لوقا نفسه" أَلَّفْتُ كِتابيَ الأَوَّل، يا تاوفيلُس، في جَميعِ ما عَمِلَ يسوعُ وعلَّم، مُنذُ بَدءِ رِسالَتِه إلى اليَومِ الَّذي رُفِعَ فيه إلى السَّماء" (أعمال الرسل 1: 1-2).
أمَّا عبارة " ثُمَّ صاروا عامِلينَ لها ِلكَلِمَة " في الأصل اليوناني ὑπηρέται γενόμενοι τοῦ λόγου (معناها الذين أصبحوا خداما للكلمة) فتشير إلى المعرفة التطبيقيّة الإنجيل أي البشارة التي أعلنها الرسل (أعمال الرسل 4: 31،) والمعاونون السبعة الذين أسسهم الرسل (أعمال الرسل 6: 2-5) وبولس الرسول وغيرهم.
باختصارٍ، سلم لنا رسل المسيح وتلاميذه أحداث الرب يسوع الذين كانوا شهود عِيانٍ لها، وقد شاهدوها وعاينوها وعاشوها بأنفسهم وكانوا خداما له.