القس مرقس ميلاد
- الثياب والعري في حياة نوح النبي
ثانيًا: نوح مثالًا لفئة من الناس عرت نفسها
† بعد أن كثرت الخطية على الأرض وأنزل الله الطوفان، بعد الطوفان مباشرة يقول الكتاب: "وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحًا وَغَرَسَ كَرْمًا" (سفر التكوين 9: 20) ابتدأ نوح يكون فلاحًا" ويقول الكتاب "ابتدأ" لأنه قبل ذلك كان بنّا "كان يبني الفلك". ثم يقول الكتاب: "وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ" (سفر التكوين 9: 21) حالة عري أخرى. قد يكون نوح لا يعرف أو غير مدرك أن عصير الكرم هذا سيجعله يسكر، بدليل أن الوحي في سفر حزقيال شهد ببر ثلاثة هم: نوح البار، وأيوب، ودانيال "وَفِي وَسْطِهَا نُوحٌ وَدَانِيآلُ وَأَيُّوبُ، فَحَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنَّهُمْ لاَ يُخَلِّصُونَ ابْنًا وَلاَ ابْنَةً. إِنَّمَا يُخَلِّصُونَ أَنْفُسَهُمْ بِبِرِّهِمْ" (سفر حزقيال 14: 20) لذلك لا نستبعد مطلقًا أن يكون نوح فعل هذا بحسن نية والذي يؤكد هذا أنه لم يكرر هذه الخطيئة مرة أخرى، لم نسمع ولم يذكر الكتاب المقدس أن نوح سكر مرة أخرى.
كلام القديس جيروم عن نوح:
† حدث ذلك عندما كان عمر نوح 600 سنة والقديس ڃيروم له كلام لطيف جدًا عن نوح حيث قال: "الرجل الذي ظل مستورًا 600 سنة تعرى في ساعة سكر". وفعلًا 600 سنة عاشها نوح وهو مستور وبمجرد أن شرب الخمر تعرى. وقال في موضع آخر: "الرجل الذي لم تقوى عليه مياه الطوفان، عراه السكر".
.
† أي بشاعة في هذه الخطيئة الرديئة (خطيئة السكر). لذلك قال لنا معلمنا بولس الرسول: "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 18).
† والغريب نجد البعض لديه فكرة خاطئة أن المسيحية تتساهل في موضوع السكر هذا، لا أدري من أين أتوا بهذه الفكرة؟! البعض يتخذون معجزة الخمر في عرس قانا الجليل دليل على أن المسيحية تبيح السكر، ولكن الحقيقة أن الخمر الذي سقي في هذا العرس خمر غير مسكر عبارة عن عصير عنب وكان ذلك المشروب هو المشروب الشعبي الذي اعتدا الناس توزيعه في الأفراح (مثل الشربات عندنا).
حام كشف عورة أبيه واستحق اللعنة:
† يقول لنا الكتاب المقدس: "فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا" (سفر التكوين 9: 22) عندما تعرى نوح، رأى حام ابنه عورة أبيه، فنادى على إخوته ليروا عورة أبيهم، كنوع من التهكم والسخرية على أبوه.
وهذه النقطة لا نستطيع أن نتجاوزها فرغم أن نوح قد أخطأ إلا أن ابنه حام قد أخطأ أيضًا عندما كشف عورة أبيه وتهكم عليه لذلك استحق نسله اللعنة بسبب هذه الخطية.
الأب الروحي وكيل الله:
† وإن كان كشف عورة الآباء الجسديين خطيئة تستحق اللعنة، فكم بالأحرى كشف أخطاء آبائنا الروحيين. أقول هذا يا أحبائي لأن في هذه الأيام تسري موضة إدانة الآباء الروحيين، ليس فقط الآباء الكهنة بل وصلت الإدانة للأساقفة والبطريرك! وأصبح من السهل أن يدين الأبناء آبائهم الروحيين بلا توقير! في قصة نوح وجدنا أن نوح أخطأ ولكن عندما نظر له حام ابنه - وعن حق - في خطأه استحق اللعنة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى مثل أرشيف مارمرقس وغيره. فما بالنا بآبائنا الروحيين.
† يجب أن نعلم يا أحبائي أن الأب الروحي أقامه الله كوكيل عنه حسب قول بولس الرسول. والله فقط هو صاحب الحق في إدانته لأن السرائر لله وهو وحده العالم بكل الأمور ولا يحق لنا نحن أن نصدر أي أحكام في زمننا الحاضر. ليس من حقك أنت أو أي إنسان أن يدين الأب الروحي حتى لو كان قد أخطأ من وجهة نظرك.
عري نوح كان السبب في إدخال اللعنة مرة أخرى للبشرية:
† وتكملة قصة نوح يرويها لنا الكتاب المقدس فعندما رأى حام عورة أبيه وأبلغ أخويه على سبيل التهكم يقول الكتاب: "فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا" (سفر التكوين 9: 23) ثم يكمل: "فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نُوحٌ مِنْ خَمْرِهِ، عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ، فَقَالَ: «مَلْعُونٌ كَنْعَانُ! عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ»" (سفر التكوين 9: 24، 25) ولصقت اللعنة بكنعان.
† وهناك سؤال في هذه النقطة هو: إذا كان حام هو الذي أخطأ لماذا كانت اللعنة لكنعان ابنه؟! المفترض أن اللعنة تكون على حام فلماذا جاءت اللعنة على كنعان؟!
وهناك تفسير للعلامة أوريجانوس في هذه النقطة يقول:
احتمال كبير يكون كنعان هو الذي رأى جده نوح في عريه فذهب وأبلغ أبيه حام ومن هنا استحق كنعان اللعنة أي أن كنعان هو المحرك للموضوع. وهذا تفسير مقبول يفسر لنا سبب اللعنة التي أصابت كنعان. ونقول أيضًا لأن حام قد باركه الله فكيف يلعنه نوح.
المهم في الموضوع أن اللعنة دخلت مرة ثانية للطبيعة البشرية.
اللعنة الأولى أصابت البشرية عندما قتل قايين أخيه هابيل:
† فعندما أخطأ آدم لم يلعنه الله بل لعن الحية. ولكن المرة الأولى التي لعنت فيها البشرية كانت عندما قتل قايين أخوه هابيل حيث قال له الرب: "مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ" (سفر التكوين 4: 11).
† حدث بعد هذا بزمان أن أنزل الرب الطوفان على الأرض وبدأ نسل جديد برأس جديدة هي نوح. وبعد انتهاء الطوفان على الأرض نجد الله يقول لنوح عندما خرج من الفلك: "سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ" (سفر التكوين 9: 6). أي أن الله أعطى نوح السلطان أن يشرع كحاكم أن القاتل يقتل. وهذه كانت أول مرة يعطى الله الإنسان سلطان أن يقتل النفس التي قتلت نفس "وَمِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ الإِنْسَانِ، مِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَخِيهِ. سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ" (سفر التكوين 9: 5، 6). الرب أقام نوح حاكمًا للأرض ومن هذا الإعلان يا أحبائي بدأت كل حكومات الأرض وكل شرائع الأرض تشرع قانون بقتل القاتل. لكن للأسف يا أحبائي وجدنا نوح الحاكم سريعًا ما سكر بالسلطة.
نوح مثالًا لمن يسكر بالسلطة:
† كثير من الحكام الذين يعطيهم الله السلطان يسكرون بخمر السلطة. وعندما نبحث في الكتاب المقدس نجد فعلًا أن الكثير من حكام الأرض سكروا من السلطة والمراكز. لقد أقام الرب نبوخذنصر لكي يصير شجرة تتآوى فيه الشعوب لكن للأسف سكر نبوخذنصر بالسلطة وتعرى من النعمة التي أعطاها له الله. الله أقامه سيد في الأرض ولكنه استخدم هذا السلطان فيقول عنه الكتاب: "وَلِلْعَظَمَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا كَانَتْ تَرْتَعِدُ وَتَفْزَعُ قُدَّامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. فَأَيًّا شَاءَ قَتَلَ، وَأَيًّا شَاءَ اسْتَحْيَا، وَأَيًّا شَاءَ رَفَعَ، وَأَيًّا شَاءَ وَضَعَ" (سفر دانيال 5: 19).
† كذلك رأينا فرعون موسى يبيد جنس بالكامل كل ابن ذكر يولد يطرح في النهر. ها هم الحكام عندما سكروا بالسلطة.
وفي كل الكتاب المقدس ستجد الكثير من هذه الأمثلة بدءًا من آخاب وحتى نهاية الكتاب المقدس، حتى داود الذي شهد عنه الرب قائلًا: "وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِي، الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي" (سفر أعمال الرسل 13: 22)، تلطخت يد داود بدم أوريا الحثي.