كرمة الرب
المزمور الثمانون
1. المزمور الثمانون هو مزمور توسّل تنشده الجماعة حول الكاهن أو الملك لتقول للرب إن حالة الضيق والشقاء قد طالت، وإن وجهه غاب عن شعبه ولم يعد يظهر له. "اللهمّ أرجعنا وأنر بوجهك علينا فنخلص". لازمة تتردّد في آ 4، 8، 15، 20. فتحمل تمنّيات الشعب بأن يعود واحدًا بقيادة الله راعيه، فتزهر كرمة الرب كما كانت في سابق عزها.
2. صلاة إلى الرب راعي اسرائيل ليعيد بناء شعبه، الكرمة التي غرسها.
آ 2- 7: القسم الأول: نداء يذكر الماضي المجيد ويشكو من الحالة الحاضرة. يطلب المرتّل ببعض كلمات أن يتجلى الله، أن تستيقظ فيه حميّته الحربية، وقد كان الراعي الذي يقود شعبه كالغنم. الله هو الملك الجالس على الكاروبيم والمنظم لامتلاك أرض كنعان. فليأت ويخلص. وتبدأ الشكوى (إلى متى) لتدلّ على الواقع الذي لا يتّفق وانتظار العهد: فنار ظهور الرب انقلبت نار غيرة، وغمامه غضبًا، وبدل هتاف النصر هو صراخ التوسّل. الراعي لا يطعم شعبه خبزًا ولا يسقيه ماء، بل يرويه دموعًا ويبدّل مجده عارًا.
آ 8: اللازمة (وتتردّد في آ 4، 15، 20) وهي نداء إلى الرب القدير، اله الجنود، ليرجع إلى شعبه ويُرجع شعبه إليه. يذهب إلى شعبه في المنفى ويرجع شعبه من المنفى إلى أرضه وهيكله. وتذكر اللازمة وجه الرب المنير الذي ينظر إلى شعبه من أعلى السماء نظرة عطوفة فيرحمه ويخلصه.
آ 9- 17: القسم الثاني: الفشل جعل اسرائيل يفكّر أن عهد الرب قد انتهى. لم يبقَ من، أورشليم إلاّ خرائب تحترق، والكرمة التي تعهَّدها الربّ قد أزيل سياجها وهُدم جدارها. وصارت بورًا يطلع فيها القتاد والشوك (أش 5: 5- 16). هل نسي الرب ما فعله من أجلها؟ أعطاها أرضًا فركزت فيها جذورها، ومدّت ظلالها في كل الاتجاهات من البحر إلى الجبل، من الفرات إلى الجنوب. ولكن هذه الكرمة صارت وكأن لا صاحب لها: داسها العدو بعد أن سلبها، والله لم يتحرّك؟ فلماذا؟ يكفي أن يهدّد الرب، أن يتطلع لكي يهرب السالبون.
3. قال الرب على لسان حزقيال (24: 11): "ها أنذا أطلب غنمي وأفتقدها واهتم بها". أفلا يهتم بشعبه المشتّت كالراعي الذي يرعى خرافه؟ أما يفعل شيئًا من أجل خلاص شعبه ووحدة قبائل الشمال مع يهوذا؟ فربّ الجنود (الرب القدير) يستطيع أن يخرج شعبه من الضيق المظلم ويعيده إلى النور والراحة: "الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا" (أش 9: 2).
يرى المرتّل حالة شعبه المزرية دون أن يشكّ بوظيفة الراعي أو بقدرته. فالرب لم يصبح راعيًا رديئًا، وهو ما زال الملك المالك في اسرائيل، ووجود تابوت العهد أكبر شاهد على حضوره وقدرته ورعايته. ولكن ما يطلبه المرتّل هو أن يصبح الحضور الالهي ظاهرًا براقًا، هو أن يَخرج الله من مخبأه فيصبح حضوره خلاصًا في شعبه. الله في اسرائيل هو الاله الذي يختبئ، وهو أيضًا الاله الذي يكشف عن ذاته.
إلى متى يرفض الراعي أن يسمع صلاة قطيعه؟ إلى متى يعطيه الدموع بدل الطعام الحقيقي والشراب الحقيقي؟ إذا كان هناك من مسؤول عن حالة الشعب، فالمسؤول هو الرب الذي يسمح للغير بأن يعاملوا شعبه بقساوة والذي يجلب بيده على شعبه أقسى المحن: "جعلتنا أنت نزاعًا لجيراننا". إذا كان الراعي يهتم بغنمه والفلاح بكرمته، ألا يهتم الله بشعبه؟
4. الوضع في الكنيسة ليس بعيدًا عن وضع شعب الله الذي يصلي هذا المزمور. فرقعة المسيحية تضيق، وامتدادها الروحي يضعف، وانقسام أبنائها لا يزال قائمًا. فمن يحبّ يسوع لا بدّ له من أن يتألّم من هذه الحالة ويصلي هذا المزمور ليطلب إعادة الوحدة التي لا يحقِّقها إلاّ المسيح راعي الخراف العظيم (عب 13: 20) وراعي نفوسنا (1 بط 2: 25). فاليه نرفع أبصارنا ونسأله أن يجعلنا مثل الكرمة التي حدّثنا عنها يوحنا (15: 1- 6) وهي كرمة كرّامها الله، كرمة تمدّ أغصانها في العالم كله.
5. الكرمة
الكرمة ثمينة جدًا وفيها بعض السرّ يحاول أن يدخل فيه نوح. لا قيمة لجذعها، وأغصانها العقيمة تقطع وتُلقى في النار. أما ثمرها فيفرح الآلهة والبشر (قض 9: 13).
الكرمة هي أولاً فرحة الإنسان. هذا ما أحسّ به نوح بعد اللعنة التي حلّت بالأرض. تغيب الكرمة فيكون غيابها علامة اللعنة. تحضر فيكون حضورها علامة البركة. فالله وعد شعبه بأن يعطيه أرضًا غنيّة بالكروم (عد 13: 23، 24؛ تث 8: 8). أما الذين يظلمون الفقير، فلن يشربوا من خمر كرمتهم التي تأكلها الجراد أو يحلّ محلّها الشوك والعلّيق.
والكرمة تدلّ بشكل خاص على شعب اسرائيل الذي كان زوجة خائنة بعد أن جعله الله نبتًا خصبًا. أحبّ الله كرمه وعمل كل شيء من أجله. وانتظر منه ثمار برّ، فكان له الحصرم البريّ. لهذا يسلّم الرب هذا الكرم إلى المدمّرين (أش 5: 1- 7). وتحدّث إرميا عن اسرائيل الكرمة المختارة التي انحلّت وفسدت وصارت عقيمة (إر 2: 21؛ 8: 13). ولهذا سوف تُقلع وتُداس (إر 5: 10؛ 12: 10). وتكلّم حزقيال عن هذه الكرمة التي يبست وأحرقت فدلّت على الشعب الخائن لربّه (19: 10- 14) أو على الملك (17: 5- 19).
ولكن سيأتي يوم فيه تزدهر الكرمة في حراسة الرب الساهرة (أش 27: 2- 3). لهذا يعود اسرائيل إلى محبّة الله وأمانته: يا ليته يخلّص هذه الكرمة التي نقلها من مصر وزرعها في أرضه وأجبر أن يسلمها للدمار والنار. بعد اليوم ستكون له أمينة كما يقول هذا المزمور. "نحن لن نرتدّ عنك، تحيينا فندعو باسمك. أرجعنا أيها الرب القدير، وأنر بوجهك علينا فنخلص".