الأنماط الزراعية في الهلال الخصيب
يتفق جميع العلماء علي أن الزراعة هي أساس الحضارة، ففي الزراعة يتمكن الفلاح من إنتاج فائض من الطعام للآخرين حتي يتفرغوا للعمل في الحرف والمهن التخصصية الأخرى. وقد تميزت معظم البلاد التي تحدث عنها الكتاب المقدس، باحتراف أهلها للزراعة التي كانت أساسًا لقيام الحضارة فيها. وكانت الزراعة التي مارسها بنو إسرائيل وثيقة الصلة بالزراعة كما مارستها شعوب الشرق الأوسط القديمة. كما كان بنو إسرائيل وجيرانهم يربون الحيوانات للانتفاع بألبانها ولحومها وأصوافها، ولاستخدامها في الركوب والحمل وحرث الأرض. وقد نتج عن اختلاف العوامل البيئية من موضع لآخر، التباين في الأساليب المستخدمة في الزراعة.
ولا شك أن العبرانيين لاحظوا الزراعة في أرض مصر بدورتها السنوية المرتبطة بفيضان النيل كل عام. ورغم أن بني إسرائيل كانوا جماعة من الرعاة في أثناء تغربهم في أرض مصر (تك 47: 6)، لكنهم لابد قد تعرفوا علي نظام الزراعة المبني علي أساليب الري الطبيعي والصناعي، لانتاج الحبوب والخضر والفواكه، وعندما دخل بنو إسرائيل إلي أرض الموعد واستقروا فيها، مارسوا الزراعة في فترة انتقالهم من حياة الرعي والترحال إلي حياة الزراعة والاستقرار، مستخدمين أساليب الكنعانيين في الزراعة.
ولقد عرف العبرانيون أيضًا أساليب الزراعة في بلاد بين النهرين عن طريق اتصالهم بهم في التجارة وفي الحروب. لقد كانت البيئة في بلاد الدجلة والفرات تختلف عنها في وادي النيل، لأن فيضان نهري دجلة والفرات كان جارفًا وخطيرًا، واستتبع ذلك قيام نظام للتحكم في الفيضان، وشق الكثير من القنوات للري، إلا أن كلتا المنطقتين كانت تنتجان محاصيل متشابهة وبخاصة من الحبوب، كما زرع بنو إسرائيل نفس المحاصيل، لكنهم لم يستخدموا نفس أساليب الري في بلادهم التي تتخللها الأودية والمرتفعات.