|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المتكآت الأولى دُعى السيد المسيح إلى بيت أحد رؤساء الفريسيين فى يوم السبت ليأكل. ولاحظ كيف اختار المدعوون المتكآت الأولى، وتسابقوا متنافسين عليها. لاحظ كيف ينهزم الإنسان داخلياً، حينما يسعى للتفوق على غيره، متجاهلاً مشاعر الآخرين، وبلا أى نفع يجنيه سوى محبته للظهور وإثبات الوجود الذى بلا ثمرة. فقال للمدعوين مثلاً: “متى دعيت من أحد إلى عرس فلا تتكئ فى المتكأ الأول، لعلَّ أكرم منك يكون قد دُعى منه. فيأتى الذى دعاك وإياه ويقول لك أعطِ مكاناً لهذا. فحينئذٍ تبتدئ بخجل تأخذ الموضع الأخير. بل متى دعيت فاذهب واتكئ فى الموضع الأخير، حتى إذا جاء الذى دعاك يقول لك: يا صديق ارتفع إلى فوق. حينئذ يكون لك مجد أمام المتكئين معك. لأن كل من يرفع نفسه يتضع، ومَن يضع نفسه يرتفع” (لو14: 8-11). بالرغم من بساطة المثل، إلا أنه ممتلئ بالحكمة، ويتميز بالتصوير الدقيق للمعنى الذى قصده السيد المسيح. الإنسان المتضع يجد سهولة كبيرة فى أن يجلس فى المتكأ الأخير، أى فى الموضع الأخير. بل يعتبر أن هذا هو مكانه الطبيعى، وأنه لا يستحق مكاناً أفضل منه. كما أنه يفرح بتقديم غيره على نفسه “مقدمين بعضكم بعضاً فى الكرامة” (رو12: 10). حاسبين البعض أفضل من أنفسهم. المثل الذى أعطاه السيد المسيح، أوضح بأجلى صورة كيف أن محب الكرامة يعرّض نفسه لمواقف يسئ بها إلى نفسه وكرامته. وكيف أن الكرامة الحقيقية هى فى الهروب من الكرامة. محب الكرامة يتعب دائماً إذا لم يحصل على رغباته، ويتعب من إهمال الآخرين له. محب الكرامة يتعب إذا لم يمدحه أحد، ويتعب إذا مُدح غيره. محب الكرامة يستجدى المديح من الناس، فإذا لم يمدحه أحد يبدأ هو فى مديح نفسه، وفى الحديث عما يراه فى أعماله من أسباب العظمة ودواعى الشكر والمديح. مع أن الكتاب يقول: “ليمدحك الغريب لا فمك، الأجنبى لا شفتاك” (أم27: 2). كل هذه المعانى نستطيع أن نتعلمها من المثل الذى قاله السيد المسيح. ونتعلم أيضاً أن من يهرب من الكرامة، تجرى خلفه وترشد جميع الناس إليه. فالناس بطبيعتهم يميلون إلى الإنسان المتضع، ويرتاحون للتعامل معه. لأنهم يشعرون بتحرره من الأنانية، والانحصار حول الذات، وأنه يقدّم الآخرين على نفسه مقدّراً إياهم، وشاعراً بأنهم أفضل منه. المتضع يحبه الناس، والمتعالى يثير فيهم مشاعر الرفض وعدم الارتياح. المتضع يشبه منحدراً متسعاً تجتمع إليه المياه وتملأه. والمتعالى يشبه قمة أو نتوءًا عالياً لا تستقر فوقه المياه، بل تتركه سريعاً منحدرة إلى أسفل. هكذا تملأ النعمة الإلهية قلوب المتضعين. هناك من يحب الظهور فيظهر كبرياءه، وهناك من يختفى فيتألق اتضاعه ويجتذب إليه الجميع. محبة المتكأ الأخير تحتاج إلى اقتناع داخلى، وتحتاج إلى تدريب، وتحتاج إلى يقظة روحية وعين ساهرة متطلعة نحو إشراق الملكوت على النفس، حيث ترى فى المسيح فرحها وسعادتها التى تغنيها عن كل مجد زائل وخادع. |
|