نظرتان في الخدمة متلازمتان
الأولى : نظرة الخادم نحو الله الذي يمده بالقوة للخدمة .
والثانية : نظرة الخادم نحو ضعفه الذي يكتشفه في نفسه كل يوم .
هاتان النظرتان ولو أنهما متعارضتان شكلاً ، إلا أنهما منسجمتان انسجاماً كلياً ، ونقول "كلياً" لأن الانسجام هنا هو في الواقع بين قوة الله وضعف الإنسان ، فهو انسجام طبيعى ولاهوتى معاً ؛ حتى أن الله نفسه يتطلب تلازمهما "لأن قوتى في الضعف تُكمَل" (2كو 12 : 9) . والذي يكمل هنا هو قوة الله وليس ضعف الإنسان ، حيث يظل الضعف ضعفاً كما هو !!
فالكاهن أو الخادم إن هو أكثر من النظر إلى ضعفه ، وتغاضى بنوع من الخداع النفساني عن النظر إلى قوة الله التي يخدم بها ويخدم تحت سلطانها وتدبيرها ، فإن توازنه يختل ويسقط تحت نفسه ! وهذا يأتي بسبب صغر النفس ، وذلك من عدم تجلى الإيمان في القلب على أساس عمل الدم الإلهى ، وعدم ازدهار الرجاء في النفس على أساس القيامة التي أخذناها حقاً أبدياً لنا .
كذلك إذا أكثر الكاهن أو الخادم من النظر إلى قوة الله متغاضياً عن حقيقة ضعفه وخطاياه ، فإنه يتجبر ويتصلف ويدَّعي الألوهة ، حيث لا يعيده إلى موقعه الحقيقي إلا سقطة أو انكسار علنى يكشف له حقيقة ضعفه !
على أننا نود لو نوضح أكثر ، الفرق بين نظرة الخادم نحو الضعف الصحيح أو التواضع الصحى الذي لا يؤذي النفس ولا يسيء إلى الإيمان ، الذي يزيد الخدمة قوة وكرامة ومجداً لحساب المسيح ، وبين نظرة الضعف اليائس أو التواضع المريض الذي تشمله الكآبة وصغر النفس الذي يلغي عمل الإيمان ويضعضع الخدمة ، وينعكس على الرعية فيثبط من همتها ويحط من شجاعتها !
والفرق بين الاثنين هام وخطير ، فنظرة الضعف الحقيقي إلى أنفسنا لا تلغي الإحساس بقوة الله بل تزيدها فاعلية . أما نظرة الضعف اليائس النفساني ، فإنها تلغي الإحساس بقوة الله ولا تعطيها فرصة للعمل !
أى أن الضعف والتواضع الحقيقي يزكيان عمل قوة الله في الخادم وفي الخدمة ، وهذا يزيد الخدمة نجاحاً لحساب الله . أما الضعف والتواضع المريض فقد يزكي الإنسان أمام بعض الناس ، ولكنه يفقده قوة الله فتنحط الخدمة وتنحط الروح المعنوية للرعية .
لذلك ، ليس من صالح الخدمة أن يُظهر الكاهن أو الخادم ضعفه للرعية ويتغنى بضعفاته بمناسبة وغير مناسبة . يكفي أن يكون الإنسان متضعاً بالعمل لا بالكلام ، فكل كاهن أو خادم يُظهر ضعفه لرعيته يخطئ خطأين :
الأول بكونه يستجدي بذلك عطفهم أو مديحهم ،
الثانى بأنه يُحزنهم ويحط من ثقتهم بالله ويحطم من مَثلهم الحي الذي يقتدون به .
فالكاهن أو الخادم لا يكرز بنفسه حتى يكشف لهم ضعف نفسه ، بل هو يكرز بالمسيح ، فعليه بالضرورة أن يكشف لهم قوة المسيح التي بها يخدم والتي منها يستمدون إيمانهم وحياتهم وقوتهم !!