أصحاب الأفكار المنحرفة
وتعليم الكنيسة الإيماني العقيدي ليس جزءًا من تعاليمها أو صورة من صور حياتها، بل هو كل الكنيسة وكل حياتها وتقليدها الكامل الذي لا يتجزأ ولا يتغير ولا يختزل منه أو يضاف عليه، والذين يحاولون شرح العقيدة وتفسيرها بفكر ذاتي بشرى، إنما يخلطون التعليم ويشوهون الإطار الشامل للعقيدة التي لا تتجزأ إلى وحدات منفصلة، وهم مسئولون لا عن ما يقولوه فقط بل أيضًا عن ما لم يقولوه وتعمدوا إغفاله.
ولا يخفى على أحد أن شرح العقيدة وتقديم التعليم الأرثوذكسي لابد أن يتأسس على ما يحدث في الليتورجيا، لأنها التطبيق العملي للعقيدة، خلال الخبرة السرائري، وهناك فرق كبير بين الذين يحفظون الإيمان بغير دنس ولا غش، وبين الذين تسلموه ذهبا وسلموه قشا.
لذلك نقول لأصحاب الأفكار المنحرفة: كيف تستهينون بكنيسة الله (1كو 11: 22) كما ولابد أن ننذرهم لأنهم بلا ترتيب (1 تس 5: 14) يسلكون بلا ترتيب وليس حسب التقليد (2 تس 3: 6)، ولعلنا نسأل هنا المنشقين وتابعيهم: أين الكنيسة التي تنقل لنا ليتورجيا السماء (سفر الرؤيا)؟ وأين سر الحضور الإلهي؟ أين الاهتمام بالعمق الداخلى والتكريس لله خلال صلوات الأجبية؟ أين الروح الوديع الهادئ في الترنيم وفي العبادة؟ أين الخشوع الواقعي من التشنجات العاطفية والأفعال النفسانية؟ أين وسائط النعمة التي بها تنسكب نعمة الروح القدس في حياتنا؟ هل الإيمان الذي تؤمنون به مجرد إيمان عقلي وكلام روحي يقال في قاعات؟ أم أن الإيمان حياة وتقديس؟ أين الاجتهاد والتغصب والممارسات والتداريب الروحية؟ وأين الأسرار الإلهية النابعة من جنب المخلص؟ أين المعمودية التي بها نولد من رحم الكنيسة؟ وأين الميرون الذي به نختم بمسحة القدوس؟ وأين الإفخارستيا الذي به يتم الثبوت المتبادل فنكون نحن في المسيح والمسيح ربنا فينا؟ أين شركة السمائيين؟ وأين شفاعة القديسين؟ وأين الأصوام والتضرعات والفضائل؟ أين تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات؟ أين سلطان الكهنوت؟ وبالجملة أين الاعتزاز بالكنيسة؟
وهكذا في هذا التعليم الغريب تطلب التقوى خارج الليتورجيا فتنعزل عن رجال الكهنوت، وتنفصل الروحانية الشخصية عن ينبوع الكنيسة ليبرز اتجاه " التقوى الحديثة "Moder Piety" التي تقوم على الآهات والإيحاءات العاطفية والنفسية، التي تجعل التقوى والروحانية تقوم على أساس شخصي فرداني، هذه التقوى المودرن modern التي يسمع فيها عن المسيح بدون اتحاد حقيقي معه أو ثبات سرائري فيه.
والأمر المحير أن هذه الأفكار الحديثة تخالف الوديعة التي لا تخضع للاقتراحات لأنها ما تعلمناه وليس ما نبتكره بأفكارنا وقراءاتنا، فهى (الوديعة) فكر الكنيسة العام وليس ما يخترعه أحد، هي ما تسلمناه وليس ما نجتهد فيه ونؤلفه، لكي نبقى تلاميذ للكلمة.
تلك الأفكار الغريبة لم تأت بين ليلة وضحاها بل كانت نتيجة لعدم طاعة وتلمذة وخضوع أصحابها، الذين انشغلوا بإبراز البطولات البشرية Super-human دون الالتزام بمعيار سلامة التعليم ونقاوته مستهينين بطول أناة آباء الكنيسة الذي كان ينبغي أن يقتادهم للتوبة والرجوع للمنهج الإنجيلي الرسولي الآبائي الليتورجى العقيدي والإيماني.
هذه الأفكار هي صورة ممسوخة ومشوهة للتعليم المسيحي، "كاركاتير" للمعتقدات السليمة،ويمكن حصرها في صورة بدع تتجدد وتعاود الظهور، مع بعض التحويرات والخداعات التي تدفع أصحابها في النهاية إلى أن يعلنوا أنهم ليسوا أرثوذكس لكنهم لا طائفيين.
ولا نعجب ان اتبع هؤلاء المنشقون حكمة العالم، لكننا لا نجهل حيلهم إذ هم يتبعون منشقين سابقين لهم، ويختفون وراء ثيابهم الهرطوقية، وهكذا انتشرت بدعهم لابسة عباءة أرثوذكسية، لكن ان تطلعنا في داخلهم نجد ترابا ورمادا، كل تعاليمهم دود مملوء فساد ورياء، لأنهم لم يوقروا ما وقره الآباء ولم يكرموا ما كرمه الآباء، ناقلين التخم القديم.
وليس خفيا على أحد ما اتسمت به بعض التعاليم الفاسدة، التى تجعل الباب الضيق باب واسع، وتجعل الشيطان تحت الأقدام، ومن ثم لا ضرورة للجهاد الروحي ولا حاجة اذن للسلوك بتدقيق أو تكميل خلاصنا بخوف ورعدة..!!
لم نسمع في هذه التعاليم أن الإيمان بدون أعمال ميت (يع 2:20)، وأنه لا منفعة ولا خلاص للايمان بدون أعمال (يع 2: 14)، وأن الإيمان وحده لا يبرر الإنسان بل الأعمال (يع 2: 24)، لم نسمع عن الأصوام والمطانيات والدموع والجهاد حتى الدم ضد الخطية، أليس الذي يسمع الكلمة ولا يعمل بها يشبه رجلا ناظرا وجه خلقته في مرآة، فانه نظر ذاته ومضى وللوقت نسى ما هو (يع 1: 23)..