كمؤرخ ومعلم
كان المقدس يوسف من الذين أطلقوا الشرارة الأولى في الدراسات الآبائية لهذا الجيل... وهو أول الرواد الأوائل الذين استقينا منهم الرضعات الأولى للفكر الآبائي الأصيل، وقد أسس ما بنى عليه بعد ذلك.
ويرجع إليه الفضل في تشجيع عملية الدراسة والبحث والترجمة وتحقيق المخطوطات... ولا أكون مبالغا إذا قلت أنه من المشجعين الأوائل لإصدارات التربية الكنسية بمكتبة العذراء محرم بك.... ثم لمطبوعات مارجرجس اسبورتنج والتي صارت منارة للإشعاع الفكري في هذا المجال على مستوى الكرازة المرقسية.
وكان المقدس يوسف حبيب يرى أن المكتبة هي أثمن مكان بعد المذابح وبعد أماكن وأجساد القديسين، فكان يعطى المكتبات اعتبارا كبيرا يحب ارتيادها والمكوث فيها. ولازلنا نذكر اعتياده للذهاب إلى المكتبة البلدية بالإسكندرية ومكتبة البطريركية القديمة ومكتبات الأديرة. حتى أنه عمل لنفسه اشتراكا شهريا بالقطار، يذهب إلى القاهرة مرتين في الأسبوع ليفتش وينقب ويترجم ويحقق السير والأقوال ثم يضعها في كتيبات نافعة للخدمة ولبنيان النفوس.
وقد جاءت كتاباته وترجماته الخاصة لسير الآباء كنزا لا ينضب، بذل كل ما يملك لتكميلها من أجل الكنيسة وإنجيلها وآبائها. ونشعر بالدين الكبير نحوه في المسيح يسوع ربنا الذي يكلله بشركة الأمجاد الإلهية ويحسبه مع مصاف القديسين الذي عاش كواحد منهم صديقًا لهم.
أعطاه الله نعمة وفهم قلب حتى أنه كان يقرأ ويبحث ويدرس ويحفظ ويترجم... فازداد حكمة وتدربا بالأمور الفاضلة حتى أكمل جيدًا إرساء هذا الاهتمام وصار أول اهتمام بالنشر وبالتراث عبر مكتبة مدارس أحد محرم بك.
كان التأليف مادة عمله وشغله الأول بحد ذاته فألف كتبا وشابه الكثير من الأولين. يغوص في ذخائر المخطوطات النفيسة حتى لا تنقطع صلتنا بالآباء معلمي الكنيسة. ولم يكن فقط ناسخا للمخطوطات على مستوى النساخة لكنه عمل بالذي نسخه وأتقن ونشر الكثير منه. كذلك كشف عن التاريخ على اعتبار أنه عمل الله وسط الكنيسة وكعلم كنسي يحيط بحياتها من كل الجوانب. فأهتم بالسير والمدلولات والأعمال والمقاصد كمصدر دائم للإلهام وكينبوع قوة روحية وتراث مقدس له معنى لاهوتي ودلالة غنية.
وكان حماسه عجيبا في الدراسة احتمل لأجله الأتعاب والتنقل والجهد والسفر ول يضعف بل دأب في العمل. ويرجع إليه الفضل كل الفضل في حفظ تراث وأفكار ومبادئ وأسماء وأقوال وأعمال آباءنا التي حرص على نشرها في ازمنة كان فيها البحث صعبا والإمكانية قليلة.
ومما لاشك فيه أنه نال موهبة الكتابة والترجمة من عند الرب. فكان يتلو الآيات عن ظهر قلب ويحكى قصص القديسين وسيرهم بطلاقة وتدقيق في التواريخ والأحداث والتفاصيل والأماكن والمعاني... وهو أشهر وأقدم شماس في جيلنا له إسهامات في هذا الصدد وقد وجدنا نحن منها ربح عظيم وحلاوة روحية.
- كان شعار المقدس يوسف العملي "تحت الطلب" جاهزا للخدمة في أي وقت وفى أي مكان. لذا قام بتدريس المنهج المدرسي للدين المسيحي بالمدارس المرقسية بالإسكندرية (مرحلتي ثانوي وإعدادي). وله العديد من المقالات المنشورة في مجلة الكرازة بالإضافة لمئات الكتب التي قام بنشرها. كذلك له أبحاث عن أقدس الآثار المسيحية وأماكن وجودها، وتضمنت كتاباته اهتمامات متنوعة من التفاسير والسر والتاريخ والترجمات ونصوص المخطوطات والتي من ضمنها ما تم اكتشافه بخرائب طرة وأشهر ترجماته كانت نقلا عن مجموعة Sources Chretiemnes..
الأمر الذي لم يكن سهلًا في الستينات!!
- وإلى جوار إجادته للغة الفرنسية التي نقل عنها أقوال الآباء الأقباط. اشتهر أيضا بنبوغه في اللغة القبطية وكان يجيدها بطلاقة وقد ترجم عنها الكثير، بل وكان يقف ليقرأ الإنجيل ويترجمها ترجمة فورية من القبطية إلى العربية والعكس. وكان ضليعا مدققا غزير الاطلاع.
وقد ظل المقدس يوسف حبيب نشيطة تلتقط المعرفة الروحانية من الينابيع ويؤدى هذه الخدمة حتى النهاية بل وصدرت أخر كتاباته بعد انتقاله للمجد بمقدمة لقدس أبينا الموقر القمص تادرس يعقوب.... بعد أن أنجز في حياته أعمالًا كثيرة من المدونات التي سجلها المؤرخون وكشف لنا عن الكثير من الأسرار لأول مرة. وكتب أكثر من مائة كتاب نافع، كذلك وضع الكثير من الذكصولوجيات والمدائح (قبطي / عربي).
الله إلهنا الذي يزن الجبال يعرف بالأكثر ما قدمه من جهد ومال ووقت حتى فلسه الأخير وحتى يسلمنا ما تسلمه من عمل يديه كي نذكره وهو المعروف لدى الله والعزيز عنده.