|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المكابيين الثاني 6 - تفسير سفر المكابيين الثاني الاضطهاد الديني وبكور شهداء المكابينفي هذا الأصحاح يظهر بوضوح الضغط الوثني العقيدي، وهو سلاح استخدام جنبا إلى جنب مع السيف والقتل والسرقة، وكان أشبه بما يسمى الآن الاستعمار الثقافى أو العقيدي، فبينما كان أبولونيوس في أورشليم يقيم القلعة السلوقية، كان هناك داعية ديني وثني يعمل على محو آخر. تحويل هيكل أورشليم والسامرة معبدين لزيوس 1 وبعد ذلك بقليل، أرسل الملك جيرون الأثينى ليُكره اليهود على الارتداد عن شريعة آبائهم ولا يتبعوا شرائع الله، 2 وليُدنس هيكل أورشليم ويجعله على اسم زوس الأولمبى، ويجعل هيكل جرزيم على اسم زوس زوس المضياف، وفقًا لما كان يطلبه أهل المكان. 3 وكان تفشى هذا الشر شاقًا وثقيلًا حتى على الجماهير. جيرون الأثينى: تعنى كلمة Geron فى اليونانية "شيخ" وبالتالي فهو ليس اسم علم بل صفة (gerousia) ونقرأ في الكتابات النسكية عن "الشيخ المزيفpseudo- geron " وهكذا يقرأ التعبير في (الآية 1): "شيخًا أثينيا" وإذا اعتبرنا كلمة جيرون لقبًا فإن اثيني هي لقب أيضًا (1). وقد أرسل أنطيوخس أبيفانيوس جيرون هذا ليقوم بالدعاية الدينية والاشراف على تحويل العبادة إلى الطقوس الوثنية، وهو شخصية دينية مثل مرشد ديني، ارسل إلى اليهودية "كمبشر" بالوثنية. وكان من الطبيعي أن يستخدم أنطيوخس خبيرًا أثينياَ للإشراف على عملية "إصلاح ديني" في أورشليم! لا سيّما وقد تمتّع هو بضيافة أثينا له خلال الفترة ما بين إطلاق سراحه من روما حتى استيلائه على العرش، كما كانت لأثينا في المقابل مكانة عظيمة كمركز للثقافة والتعليم اليونانيَيْن، كما كانت مركزًا للدراسات الدينية المقارنة(1)، ونعلم أنه عندما أراد بطليموس الأول إعادة إحياء عبادة سيرابيس Serapis في مصر استعان بخبير من أثينا هو تيموثاوس "المفسر الديني"(2). الإله زوس (زيوس Zeus): وهو "زفس" رب الأرباب في الأساطير اليونانية، يقابله "جوبيتر" عند الرومان وُتسمّى أمه "ريا" وأبوه "كرونوس"، أخفته أمه في كهف بعد ولادته خوفًا من أبيه الذي ابتلع خمسة من قبله، وهناك في الكهف قامت الحوريات على تربيته، فلما كبر حارب أبوه فهزمه، واشتهر بمغامراته الكثيرة، وكان يتخفّى في شكل ثور أو وقواق. ويعد تمثال زيوس في هيكلة الضخم بأولمبيا احدى عجائب الدنيا، نحته المثّال اليوناني "مندياس" سنة 430 ق.م. بارتفاع 12 مترًا وكساه بالذهب والعاج، وكانت هيئته متربعًا على عرش من خشب الأرز المرصّع بالعاج والأبنوس والذهب. وفي العهد الجديد عندما شفى القديس بولس الرجل المقعد في لسترة، ظن السكان أن بولس هو الإله "هرمس" بينما برنابا هو الإله "زيوس" ومن ثم شرعا في تقديم الذبائح لهما ولكنهما منعاهم وبشّراهم بكلمة الله. هذا وكانت عبادة زيوس منتشرة في روما حيث كان ُيعبد فوق كل قمة جبل. زيوس الأولمبى Zeus Olympios: ُسمي هيكل أورشليم بهذا الاسم، نسبة إلى الألعاب الأوليمبية التي كانت ُتقام بالقرب من المكان، كما كانت المؤسسة الرياضية اليونانية ملاصقة للهيكل ذاته (4: 12). والمعنى الحرفي ل أولمبيوس Olympios هو "الذي من أولمبوس Olympus " ووضع هذا الإله فوق جبل يوناني يجعله متميزًا على الإله الساكن في جبل صهيون. زيوس المضياف (Zeus, patron of strangers) Zeus Xenios: وأما في جرزيم حيث كان الهيكل الذي بناه سنبلط مع حميه منسّى على جبل عيبال هناك، فقد دعى هكذا، أولًا لرغبة السامريين في عدم الاشتراك مع اليهود الأورشليميين في عبادة واحدة، ومن جهة أخرى لكون الذين هناك هم في معظمهم غرباء أتى بهم الأشوريين عند سبى السامريين (2 مل 17: 24-41) وكان المعروف آنئذ أن "زيوس المضياف" هو مؤوي الغرباء والأجانب. من جهة أخرى يفيد يوسيفوس بأن السامريين كانوا قد تقدّموا بالتماس إلى أنطيوخس أبيفانيوس لاعفائهم من الاضطهاد وبطلب تغيير اسم هيكلهم، مبررين ذلك بعدم اشتراكهم مع يهود أورشليم في عبادة واحدة (1) ولذلك فقد نظر السفر إلى "الذين تركوا العهد المقدس" الوارد ذكرهم في (دانيال 11: 32) على أنهم السامريين، ولكن السامريين في اختيارهم ل "Zeus Xenios " كانوا يرون فيه إحدى صفات إله إسرائيل، وهي الاهتمام بالغرباء (تثنية 10: 18) قارن مع (مزمور 146: 9) كما يروى تفسير سامري قديم للتوراه أن إبراهيم أب الآباء قد ُأحسنت ضيافته في جبل جرزيم(2). هذا وقد جاء تعبير "هيكل جرزيم" في الأصل العبري للسفر (أَشِر بَجرزيم = الذي في جرزيم) دون ذكر كلمة الهيكل، لأنه في نظر اليهود ليس هيكلا. وكما يقول يوسيفوس- في رسالة له- أن السامريون راسلوا أنطيوخس بأنه لا صلة لهم أو علاقة باليهود، وطلبوا منه الإذن بتسمية هيكلهم ب زيوس المضياف. وقد أثار هذا الزحف العقيدي جميع طبقات السكان في أورشليم، فقد يُهدم الهيكل ويعودوا فيبنونه من جديد وربما على نحو أفضل كما حدث بعد العودة من السبى مع الهيكل الثاني، ولكن أن يتنجَس فقد كان في ذلك إهانة ثقيلة. حيث اتفق أنطيوخس مع الداعية الديني الأثينى على نشر الفكر الهيلينى والذي يقلل من شأن الهيكل والعقيدة اليهودية باعتبارها وثنية ! ! تُغضب الآله الإغريقى. المآدب والطقوس الوثنيه 4 وكان الوثنيون يملأون الهيكل عهرًا وقصوقًا، ويلهون مع الخليلات ويضاجعون النساء في الدور المقدسة ويُدخِلون إليها ما لا يحل. 5 وكان المذبح مملوءًا بالمحرمات التي نهت الشرائع عنها. 6 ولم يكن لأحد أن يُعيد السبت ولا يرعى أعياد الآباء ولا يعترف بأنه يهودي الأصل. إنتشر البغاء والفجور في المعابد الوثنية القديمة، حيث ُخصّصت أروقة في كل معبد لتلك الطقوس الُمخزية، كما كان هناك ما يسمّى بالكاهنات المكرسات واللائى ُخصّصن لمثل ذلك، وقد صوّر القدماء آلهتهم التي عبدوها في أشكال مخجلة موهمين الشعب بأن مثل تلك الطقوس مما يرضى الآلهة، وهكذا أغرقوا رعاياهم في مستنقع رديء، هذا وتعدّ الكتابات التي تعرض لمثل تلك الفلسفة والتي تدور حول الخصوبة في نتاج الأرض وجلب الخير وعلاقة ذلك بالجنس في المعابد: مما يثير التقزّز ويبعث على الغثيان، ومهما حاول المدافعون سواء القدماء من الفلاسفة والملوك، أو المحدثين من المحللين تبرير ذلك المسلك المشين، فإنه ولا شك قد جاءت تلك الممارسات كتجسيد وتصوير لنتائج الخطية البشعة في أزمنة العهد القديم. وكان في معابد زيوس وافروديت وعشتاروت ولاسيما معبد ديونيسيوس، مثل أولئك الكاهنات المكرسات (أو عذارى المعبد) حيث كان يخصّص الدخل من تلك الممارسات لخزينة الهيكل، وربما كان ذلك باحتيال من كهنة تلك المعابد على الشعب، للحصول على المال لتمويل مشاريع المعبد وضمان مخصّصات خدامه. هذا وقد استمرت مثل تلك المظاهر حتى زمن العهد الجديد، حيث وقفت لها المسيحية بالمرصاد حتى تراجعت قدامها، ويقال أن قسطنطين الملك هو الذي ألغى جميع أشكالها في القرن الرابع، ثمّ عادت للظهور بشكل مُغاير خلال العصور الوسطى تحت ما يسمى بعبادة الشيطان، غير أن محاكم التفتيش التي أقامتها الكنيسة الكاثوليكية قاومتها بصرامة وصلت إلى حد الإعدام حرقًا لمن تثبت عليهن تهمة هذه الممارسات (1). وفي المعابد القديمة خصصت المرافق لاقامة تلك الطقوس بما يصاحبها من مآدب طقسية يتخللها الخمر والموسيقى الخليعة، وهو ما فعله رجال الدين السلوقيين بهيكل أورشليم، يقول ديودورس المؤرخ أن الكهنة الوثنيين قاموا بذبح خنزير على مذبح المحرقة، وأرغموا اليهود على المشاركة فيه والأكل منه(2). كما جلبوا الكثير من الرعايا اليونانيين ليمارسوا هذا النوع من الطقوس المشينة، بل أنهم اجتذبوا الكثير من الشبان اليهود إلى تلك الهوّة، لا سيّما المثقفين وطبقة الأرستقراطيين. وكان هناك عقاب شديد ينتظر كل من حاول الاحتفال بالسبت، سواء داخل الهيكل أو خارجه، وبالتالي الاحتفال بأيّ من الأعياد، وعليه فلم يكن هناك من يستطيع الاعتراف بالإيمان ب "يهوه". ومن المرجّح أن الهيكل في أورشليم قد ُاغلق في وجه اليهود، حيث قام عليه مندوبون عن الملك بقيادة ذلك الشيخ الأثيني (آية 1) ولم يُسمح بالدخول إليه إلاّ لمن يرغب في الاشتراك في المآدب الوثنية وطقوسها. وهكذا تحول المكان الذي ملأه مجد الله يوم تدشينه في عهد سليمان إلى موضع للدعارة والعبادات الوثنية، ولنتصوّر كيف كان حال اليهود الغيورين في ذلك الزمان، حين كانوا يرون ويسمعون مثل هذه الطقوس لا شك أنهم كانوا يتعذبون مثل لوط البار الذي قيل عنه "إذ كان البار بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم يعذبون يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة" (بطرس الثانية 2: 8) و لعله إلى ذلك أشارالقديس بولس في رسالته إلى أهل غلاطية حيث يذكر العديد من أشكال الخطية والانحراف، فإنه بالرغم مما يبدو أنه مرادفات للتعبيرات إلاّ أن كل منها يختلف عن الآخر من حيث مدلوله، وبينما كان ُقرّاءه في ذلك الوقت يدركون الفروق بين كل معنى وآخر جيداَ بسبب انتشار مثل تلك الموبقات، فان الكتاب و الشراح الجدد ينأون بأنفسهم عن الخوض في شرح تفاصيل ذلك، مكتفين بأنها أشكال مختلفة للرذيلة والاستهانة بلطف الله وطول أناتة. ".. وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة عبادة الأوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزّب شقاق بدعة حسد قتل بطر، و أمثال هذه التي أسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضًا إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله " (غلاطية 5: 19-21). هذا وقد تصدّت الكنيسة لبدع تنادي بجواز مثل تلك الانحرافات، فقد أشار القديس اكليمندس السكندري إلى ذلك في كتاب "المتفرقات" مبكّتا تلاميذ كربوكراتس Carpocrates و أبيفانيوس Epiphanes بسبب أفكارهم وتعاليمهم المنحرفة . ويقول القديس كليمندس: كيف يمكن لمثل هذا الرجل أن يحسب كواحد منا؟ بينما بكل هذه الأقوال يقضي على الناموس والإنجيل؟ لأن أحدهما يقول: " لا تزن" (خروج 20: 14) والآخر يقول: " إن كل من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى 5: 28) إن قانون كربوكراتس القاضي بجواز الفسق الجماعي، لا يمكن أن يسمى أمرا إلهيا بل أعتقد أن هذا القانون الذي سنه كربوكراتس هو لشهوات الكلاب والخنازير والماعز(1). 7 و كانو كل شهر، يوم ذكرى مولد الملك، يساقون بضرورة مرة للاشتراك في المأدبة الطقسية، وفي عيد ديونيسيوس، يضطرون الى مرافقة موكبه و عليهم أكاليل من اللبلاب، 8 و صدر أمر إلى المدن اليونانية المجاورة، بايعاز من أهل بطلمايس، أن يعاملوا اليهود بمثل ذلك و بالاشتراك في المأدبة الطقسية، 9 و أن يذبح من أبى أن يتخذ السنن اليونانية، فكان في امكانهم أن يتوقعوا دنو الكارثة. كان انطيوخس يسمّي نفسه: أنطيوخس أبيفانيوس ثيوس (زيوس) أي أنطيوخس الاله الظاهر أو المتجسد، حيث كان يعتقد أنه زيوسوقد تجسد وظهر في شخصه، و بالتالي فإن عيد ميلاده والذي كان يحتفل به بصفة شهرية، كان الاحتفال به مرتبطًا بعبادات "زيوس" بمظاهرها المحزنة تلك، وكان اليهود يجبرون على ذلك من خلال تقديم الهدايا للملك ثم حضور تلك الاحتفالات والمشاركة فيها، وكانت تقام إمّا في بعض أفنية الهيكل إمّا في بعض الأماكن التي خصصت لذلك(1). إن هذا يفسر لنا فكرة عبادة الإمبراطور والتي كانت عاملًا رئيسيًا في اضطهاد المسيحية في العصر المسيحي الأول، حيث كانوا يرفضون هتاف: "كيريوس سيزاروس" أي "الرب هو قيصر" بل يهتفون "كيريوس خريستوس" أي "المسيح هو الرب" و كان الجنود يحتفظون في ثكناتهم العسكرية بأيقونات للإمبراطور يضعون قدامها البخور كل صباح حين يؤدون عبادة صباحية له، وكذلك كان يحدث في دور القضاء والمحافل العامة، وهو الأمر الذي استعيض عنه حديثًا بعلم البلاد و الذي يمثل البلد ككل و ليس شخص الحاكم فقط. ديونيسيوس Dionysus: إله الخمر عند اليونان، وُيقابله " باخوس Bachus" عند الرومان، وقد ورد في الأساطير الإغريقية أنه ابن زيوس وبالتالي فإن الاسم في اليونانية معناه "من يعبد زيوس". وهو إله القمح إذ تفيد الأسطورة بأنه وضع حال ولادته في مذراة قمح، وإله الكرمة والخمر والأشجار المثمرة، وقد ظهر في الصور القديمة في أشكال مختلفة مثل القمر والثور والتيس ذي القرنين، ولكن شكله وتماثيله الأخيرة كانت كإله للخمر والكرمة، وكان الكهنة ينصبون جذع شجرة في المعابد لينوب عن تمثاله وكذلك المزارعين في أراضيهم مسمّين إياه " المزهر " أو " ذو الأثمار اليانعة". ومع أنه كان في البداية واحدًا من آلهة أغريقية كثيرة، إلاّ أنه اكتسب شعبية كبيرة مع الوقت فصار أشهرها وأكثرها شعبية. طقوس الاحتفال به: كان ذلك يتمّ في فصل الربيع حين تبدأ الحياة تدب في الكروم والأشجار، وخلال الاحتفالات كان المحتفلون يمثلون دراما قصة حياته بالجوقات الموسيقية وهي أشبه بالتراجيديا، ولأن الأسطورة تقول أنه تمزق وهو حيّ، فإنهم يحضرون ثورًا يمزقونه حيًا ثم يأكلون لحمه نيئًا ويشربون دمه، كما كانت تلك الدراما تمثل سنويًا عند شاطئ بحيرة حيث تمثل نزوله إلى العالم السفلى لاستعادة أمه، وفي بعض الأوقات كان يستعاض عن الذبيحة الحيوانية بأخرى بشرية يفعلون بها نفس الشئ. ثم يفتحون برميل خمر معتق من السنة الماضية وينشدون أناشيد الإله ديونيسيوس. وفي المهرجان الضخم الصاخب الذي يقام للإله ديونيسيوس والذي يسمىّ " ديونيسيا Dionysia " في الهواء الطلق كان المحتفلون يسيرون في موكب ضخم إلى ساحة الاحتفال وهم يحملون تماثيلًا له وهو ممسك برمح ومتوجًا بحلية مخروطية الشكل تحيط بها أوراق الكرمة وحبات العنب، وقد ُارغم اليهود على الاشتراك في ذلك الموكب والمهرجان الضخم وهم يضعون فوق رؤوسهم أكاليل اللبلاب حيث يقضى طقس الاحتفال بذلك على المشتركين. وفي (الآية 8): يتضح لنا أن سكان عكا (بطلمايس) أوعزوا إلى الملك بإصدار أمر ُيلزم الجاليات اليهودية الساكنة في المدن ذو الأغلبية الإغريقية بالاشتراك في مثل تلك الاحتفالات والولائم الطقسية وأن يُعاقَب كل من يُخالف منهم بالقتل. وقد كان سكان عكا أعداءا تقليديين لليهود، راجع في ذلك (13: 25 و 1مكا 5: 5 و 12: 48). ولكن قرارًا مثل ذلك كان يتم دائمًا بالتصويت، أو بإيعاز من أحد مستشارى الملك، فهل كان أهل عكا (بطلمايس) مشتركين في هيئة للتصويت لاسيما وأنهم مواطنين أنطاكيين من خلال حصولهم على هذه الجنسية، كان المجتمعان الأنطاكيان الوحيدان في منطقة اليهودية آنذاك هما قلعة عكرة ومدينة عكا. كان كل ذلك ينذر بكارثة محققة تحل بالأمة، والعجيب أن مثل هذا التحول في الفكر والممارسة يحتاج في العادة إلى عشرات وأحيانًا مئات السنين، إلا أنه لا يستغرق هنا سوى بضع سنوات قليلة وهي نفس السرعة التي تحرك بها الغيورين من اليهود لكي ينفضوا عن أمتهم وعن هيكلهم هذا الشر البغيض. ومع أن أنطيوخس قد وجه قراره إلى يهود اليهودية (1مكا1: 44) إلاّ أنه أرسل نسخًا إلى جميع أنحاء المملكة (1مكا1: 51) في إشارة إلى سياسة ملكية يتعين تنفيذها ضد اليهود، وهكذا يتضح لنا من (الآية 9) الآن شعور اليهود بأن زمان ضيق قد حلّ بهم، وأن زمان الغضب الأخير قد أتى عليهم. وأنه من بين الأسباب التي جلبت ذلك الاضطهاد: خطايا اليهود الذين تأغرقوا، الزنا وراء الآلهة الأخرى، تدنيس الهيكل، وأفعال الكهنة غير الجديرين بالكهنوت ثم الرشوة والظلم، هذا وقد رأى اليهود في ذلك الاضطهاد فترة الذروة لسلسلة من العقابات وضعها الله على الشعب الخاطئ. ومع أن هناك الكثير من الأمثلة لأناس أنقذهم الله من الموت (دانيال 3 و 6، 1مل 19 و 2 مل 1 و 18: 9 - 19: 35 و 2أخ 20: 1-30) إلاّ أن هناك أيضًا مَن قَبِل الموت في ظل وعد بأن الله سينتقم له (قارن إرميا 26: 12 - 15 مع 26: 20 - 23 و 1 مل 19: 14-18 و 1 أخ 24: 20-22 و اشعياء 52: 13). لقد تحدث أشعياء عن قضيب غضب الله باعتباره أحد ملوك آشور أو بابل الذي تجاوز أمر الله، وأنه سيعاقب على ذلك (10: 5-15 و 14: 4-25) كما تحدث إشعياء عن "خادم الرب" المعاني ووصفه بأنه مشوّه ومضطهد ومقتول، ولكنه مع ذلك سوف يتمتع بوجود مجيد، بل تحدث عن قيامة الجسد من الموت (25: 8 و 26: 19) وفي فترة الاضطهاد اعتبر الكتبة "خادم الرب" الذي أشار إليه اشعياء في (52: 13 - 53: 12) إمّا أنه أمة إسرائيل كلها، أو القادة الذين استشهدوا في نطاق إسرائيل، ثم تنبأوا بقيامتهم (انظر دانيال 12: 2، 3). بواكير الشهداء الماكبيون 10 فإن امرأتين أحضرتا لأنهما ختنتا ولديهما. فعلقوا طفليهما على أثديهما وطافوا بهما في المدينة علانية، ثم ألقوهما عن السور. 11 ولجأ قوم إلى مغاور كانت بالقرب منهم، للاحتفال بالسبت سرًا، فَوشِىَ بهم إلى فيلبس، فأحرقهم بالنار معًا، وهُم يحترزون من أن يدافعوا عن أنفسهم، إجلالًا لهذا اليوم المقدس. كان أمر الملك يمنع العبادة في الهيكل، قد رافقة بعض الإجراءات الأخرى مثل عدم الاحتفال وإقامة أية طقوس حتى خارج الهيكل، وقد أشير إلى ذلك في (1مكا 1: 60، 61) وأما بخصوص هاتين السيدتين اللتين ختنتا ولديهما فلعله قد ُربط الطفل الصغير المختون بحبل من يديه ورجليه ثم علق في رقبة أمه بينما قيدت يدي الأم من الخلف، ثم طيف بالمرأتين وطفليهما في المدينة في موكب ساخر حيث لحق بهما الكثير من الإهانات، وفي النهاية صعد بهما إلى سور عال قد يكون سور أورشليم أو غيره حيث ُالقيا من فوقه لينال بذلك الجميع إكليل الشهادة من أجل الناموس والوصية (1)، فإن السيدتين بلا شك كانتا تعرفان مسبقًا ما قد يلاقيهما متى خالفتا أوامر الملك، وفي سفر المكابيين الأول إشارة إلى أنه قد ُعوقب بالموت كذلك جميع الذين اشتركوا في ذلك (1: 60، 61). وعندما ُوشى كذلك بأن البعض الآخر يحتفل بالسبت بعيدًا في الجبال، فقد قام فيلبس مندوب الملك بمعاقبتهم بوحشية وهو قائد الحامية السلوقية في قلعة عكرة (5: 22 و 8:8) مما يوحي بأن الكهوف كانت في اليهودية بالقرب من أورشليم. وسواء أكان يوف أنهم لن يدافعوا عن أنفسهم في السبت أم لا فقد كان عنيفًا معهم أنظر التعليق على (1مكا 2: 32-38). هذا وقد أدت مذبحة السبت إلى إعلان متتيا ورفاقه إمكانية القتال في السبت دفاعًا عن النفس. ويذكّرنا أولئك المحتفلون بالسبت في المغائر، بالمسيحيين الأوائل والذين كانوا يلجأون بسبب الاضطهاد إلى المغائر والكهوف للاجتماع وإقامة الأفخارستيا، حيث كثيرًا ما تعرّضوا للإهانة والاستشهاد من أجل أمانتهم، وفي الحالتين كان ُيوشى بأولئك الأمناء لدى الحكام. ويمكن تلخيص الأسباب التي استشهد من أجلها هؤلاء اليهود فى: الختان (1مكا1: 60-61) والسبت (1مكا2: 29 - 38) والأطعمة الطقسية "غير النجسة" (آيات 18 - 31 و 7: 1 - 41 و 1مكا1: 62، 63). لماذا يسمح الله بالاضطهاد؟ 12 وإنى لأرجو من مُطالعى هذا السفر أن لا يستسلموا إلى خور عزائمهم بسبب هذه الضربات، وأن يحسبوا أن هذه الاضطهادات لست لهلاك أمتنا، بل لتأديبها. 13 فإنه إذا لم يُهمل الكافرون زمنا طويلًا، بل عُجَّلَ عليهم بالعقاب، فذلك دليل على رحمة عظيمة. 14 أما سائر الأمم، فإن السيد يُمهل عقابهم بطول أناته، إلى أن يطفح كيل أثامهم. ولم يقض بأن يُعاملنا على هذا الوجه، 15 لئلا يعاقبنا أخيرًا حين تَبلُغُ آثامنا تمامها. 16 فهو لا يرفع عنا رحمته أبدًا، وإذا أدَّبَ شعبه بالشدائد، فلا يخذله. 17حسبنا أننا ذكرنا بهذا، ولنعد، بعد هذه الكلمات الوجيزة إلى حديثنا. تأتى هذه الأعداد في هذا الموضع بالذات لتعزية القارئ لهذه الأخبار الُمحزنة، وكذلك كمقدمة لما سيرويه السفر من قصص استشهاد رائعة بعد ذلك مباشرة، فيورد هنا نظرية هدف الله الحنون من تلك الاضطهادات. فلم يسمح الله بالاضطهاد انتقامًا من الشعب أو عقابًا لهم، كلاّ بل أنه في محبته الشديدة لهم يخصّهم بأفضل الأكاليل، إذ يمثّل الشهداء المرتبة الأولى في الكنيسة يليهم المعترفون.. بل أن الاستشهاد هو نعمة وكرامة لا يستحقها كل إنسان، إن الشهيد هو الإنسان الذي تصل شهادته للإيمان بالله حد الموت، وبينما كان المضطِهدون ينظرون إلى المقبلين على الموت باعتبارهم أشخاصًا متعصبين مبالغين في أمانتهم، كان الاستشهاد بالنسبة لهم هم يعبر عن الأمانة منتهى الأمانة.إن الكنيسة تحتاج بين حقبة وأخرى إلى دماء الشهداء لتجديدها وأنهاض قلوب الشعب، ولقد كانت دماء الشهداء بذار الكنيسة، وكانت الكنيسة بالتالي في أزهى عصورها وأقواها خلال الفترات التي تعرّضت فيها للاضطهاد وقدمت بالتالي الكثير من أولادها كشهداء. في حين ضعفت في الفترات الأخرى التي لم يكن فيها اضطهاد، حيث يقوى روح الاستشهاد بين الناس. ولكنه ولأجل الضعفاء ولئلا تخور قواهم وعزائمهم فإن الله يسمح بنهاية تلك الفترات العصيبة، وبذلك تكون مثل تجربة يتنقّون ويزكّون من خلالها، في حين يترك الأمم حتى يمتلئ كأسها "يمنعوننا عن أن نكلّم الأمم لكي يخلصوا حتى يتمموا خطاياهم كل حين ولكن قد أدركهم الغضب إلى النهاية" (1تس 2: 16) ومع ذلك فإن الله رحيم حتى بالأمم فهم في النهاية خليقته (حكمة 11: 9، 10 و 12: 20-22). فقد كان المضطهِدون هم الأداة التي استخدمها الله في تأديب شعبه. ولعله من الملاحظ في (الآية 13، 14) أن هناك مقارنة ما بين نصيب اليهود وهو الحرية والازدهار عقب نهاية الاضطهادات وبين نصيباليونان ومقدونيا وغربي آسياالصغرى، حيث كان اليونانيون مهزومين من روما في حروب مدمّرة (راجع 1مكا 8: 9-11) يضاف إلى ذلك كيف سمح الله برحمته بأن يواجه اليهود الأبرار الاضطهاد. وسوف نرى في الإصحاح السابع كيف أن معاناتهم قد جلبت رحمة الله للباقين على قيد الحياة... استشهاد أليعازر 18 كان رجل يقال له ألعازار من متقدمى الكتبة، طاعن في السن، رائع الطلعة، فأكرهوه على فتح فمه قسراًَ على أكل لحم الخنزير. 19 فاختار أن يموت مجيدًا على أن يجيا حياة نجسة. مشى طوعًا إلى عذاب الدولية، 20 بعد أن قذف ما لا يجل ذوقه رغبة في الحياة. 21 فخلا به المشرفون على هذه المأدبة الطقسية التي تحرمها الشريعة، لما كان بينهم وبينه من قديم المعرفة، وجعلوا يحثونه أن يؤتى بما يحل له تناوله من اللحم مهيأ بيده، ويتظاهر بأنه يأكل من لحم الضحية التي أمر بها الملك، 22 لينجو من الموت إذا فعل ذلك، وينال منهم معاملة إنسانية نظرًا إلى صاقته القيمة لهم. 23 لكنه عزم عزمًا شريفًا، جديرًا بسنه ومكانة شيخوخته وما بلغ إليه من جلال المشيب، وبكمال سيرته الحسنة منذ حداثته، ولاسيما بالشريعة المقدسة الإلهية، وأجاب لذلك طالبًا أن يرسل عاجلًا إلى مثوى الأموات، وقال: 24 " لا يليق بسننًاَ أن نراءى، لئلًا يظن كثير من الشبان أن أعلازار، وهو ابن تسعين سنة، قد انحاز إلى مذهب الغرباء، 25 ويضلوا هم أيضًا بسببي وبسبب ريائى من أجل حياة أصبحت قصيرة جداَ، فأجلب على شيخوختى، 28 وأبقيت للشبان قدوة بطولة بميتة جسنة طوعية وسخية في سبيل الشرائع الجليلة المقدسة". ولما قال هذا، سار من ساعته إلى عذاب الدولية. 29 فتحول أولئك الذين أبدوا له الرأفة قبيل ذلك إلى العداوة، وقد بدا لهم كلامه جنونًا. 30 ولما أشرف على الموت من الضرب، تنهد وقال: "يعلم الرب، وهو ذوالعلم المقدس، أنى، وأنا قادر على التخلص من المو، أكاب في جسدي عذاب الضرب الأليم، وأما في نفسي فإني أحتمل ذلك مسرورًا لأني أخاف الله". 31 وهكذا فارق هذا الرجل الحياة، تاركًا موته قدوة بطولة وتذكار فضيلة، لا للشبان فقط، بل للأمة بأسرها. يمثل هذا الجزء من الأصحاح وكذلك الأصحاح السابع أقدم الأمثلة الباقية من قصص استشهاد المؤمنين بإله واحد، وهي المصدر المباشر لما ُعرف بعد ذلك بأدب الاستشهاد والشهداء اليهود والمسيحيين، لاسيما تقبل الشهيد الآلام بسرور بدلًا من أن يأتي بتصرف أو سلوك تافه في نظر الأمم، وكذلك الحوارات التي تدور بين الشهيد ومضطهديه ومعذبيه، والإيمان الراسخ له حتى الموت، ثم تسجيل غضب المضطهدين ثم إعجابهم عندما تذهب عذاباتهم ُسدى، ثم تقديم الشهيد كمثل يُحتذى به لدى جميع المؤمنين ولا شك أن ما ورد في (عبرانيين 11: 35، 36) يشير إلى (2 مكا 6: 18-7: 42). ألعازار Eleazar: اسم عبري معناه "الله قد أعان": وهو شيخ مسنّ يبلغ من العمر تسعين عامًا، وكما أشرنا في موضع سابق فإن "الكاتب" ُيقصد به اللاهوتي والمعلم، وهو المسمىّ الرابي أو الحاخام، وفي العهد الجديد كان اللّقب يشير بوجه خاص إلى اللاهوتي. وكان ألعازار من أبرز كتبة ذلك الوقت، وقد أضفت عليه تقواه وعلمه مهابة وكرامة خاصة. وأغلب الظن أنه كان في اليهودية و بالتحديد في أورشليم، وربما كانت هناك معرفة قديمة بينه وبين الذين عذّبوه (آية 21، 22) والذين كانوا في الغالب من اليهود المتعاونين مع العدو، ربما أنطاكيين من أورشليم. ومن هنا فمن المرجّح أن تكون أورشليم هي مكان استشهاده، وسوف نناقش لاحقًا الرأي القائل بأن ألعازر هو أبو المكابيين السبعة (أصحاح 7) وأن استشهادهم كان في أنطاكية حيث عرش الملك.. وحيث أقامت لهم الكنيسة الأنطاكية كنيسة هناك. وقد وجد الُمضطهدون في الضغط على ألعازروسيلة للضغط بالتالي على الأصغر سناَ وثقافة وتمسّكًا، ذلك متى أذعن لهم، ولكنه رفض بشدة تناول لحم الخنزير أو تقديمه ذبيحة أو حتى لمسه، وكذلك لئلا يكون عثرة لتلاميذه وجيل الشبان كله (آية 25) (1). فلما وضعوا اللحم في فمه بالقوة، بصق من فمه ما ُوضع فيه قسرًا، وكان بعض من نواب الملك أصدقاء قدامى له ولم يكن يسرّهم موته عرضوا عليه أن ُيحضر لحمًا طاهرًا بمعرفته ويأكله قدام الجميع وكأنه لحم الذبيحة وفي هذا اعفاء له من مسئولية العثرة، ولكنه رفض أيضًا إذ كان يحرص على أرضاء الله أولًا ثم الناس بعد ذلك، فلقد أراد أن يكون صادقًا مع الله ومع نفسه ومع الآخرين، دون اللجوء إلى مثل تلك التمثيلية، وبينما أشفق عليه رجال الملك، لم يشفق هو لا على نفسه ولا على زوجته وأولاده وتلاميذه. وإن في ذلك تبكيت صريح لأولئك الذين يخفون صليبهم أو هويّتم الدينية خوفًا من الاضطهاد، وكذلك أولئك الذين يهربون من المواجهة، بل والذين ينكرون المسيح خوفًا من عقاب أو خسارة مالية أو حتى الاضطهاد والموت. فهوذا شيخ طاعن لا يهاب العذاب ولا يهرب من الموت، وقد وثق أنه سيموت آجلًا أو عاجلًا، والأفضل له أن يموت ميتة كريمة يشهد بها لله والوصية تاركًا سيرة حسنة من بعده ويبقى أمينًا إلى آخر لحظة في حياته. يروى مار اسحق القصة التالية فيقول: سمع أحد الملوك بأن حكيمًا في بلده قد آثر الصمت وامتنع عن الكلام ليقضى بقية حياته يسمع فقط ويتأمّل، واستدعاه وطلب إليه أن يسلك على نحو طبيعي: يتكلم ويسمع، يعلم ويتعلم، يناقش ويحاضر، حتى لا يكون مغاليًا ويفيد الآخرين. ولكن الرجل لم يردّ على الملك بكلمة واحدة، فانتهره الملك كيف يسخر منه هكذا ويهزأ بعرشه وتاجه بصمته هذا. ومن ثمّ أمر السياف بأخذ رأسه. وفيما الحكيم والسياف خارجان انتحى بالسياف جانبًا وأوصاه إن آثر الحكيم الصمت حتى النهاية ولم يتكلم ولا خاف من الموت فلا يمسّه بسوء، أمّا إن خاف وتكلم فعليه عندئذ أن يقتله ! ! أما السيّاف فرفع السيف محذرًا ومعطيًا الرجل آخر فرصة لعله يتكلم فينجو بذلك من الموت، فلم ينبث ببنت شفة، فأعاد الجلاد سيفه إلى غمده، وعاد بالرجل إلى الملك، الذي أكرمه ثم أطلقه. أماَ الفيلسوف فقد فكر في نفسه قائلًا: إني ميت لا محالة.. آجلًا أو عاجلًا، فلأموتن عن مبدأ، حتى أترك قدوة طيبة لتلاميذي ومريديّ وكل من سمع بى، فإن تراجعت فتكلمت فلسوف أصير عارًا لدى الجميع(1). وهكذا اختار الرابى ألعازار أن يموت على الإيمان بدلًا من أن يحيا لزمن يسير في الخزي، هكذا يقول الآباء " إن الموت في الجهاد خير من الحياة في التكاسل" ولم تغره خطة مندوبي الملك لانقاذه، وهو ما يعيد إلى أذهاننا ما كان يحدث في عصور الاستشهاد، حين كان بعض القادة يضطرون بحسب أوامر الملك إلى محاكمة وربما قتل بعض من أقاربهم أو أصدقاءهم بسبب تمسّكهم بالمسيح، وكيف كان هؤلاء المسيحيين يحثّون القادة على تنفيذ أوامر الملك دون شفقة، إذ أن في ذلك ربحًا لهم فهم أي الجلادون يعينونهم على تحقيق أمل طالما اشتهوا تحقيقه. وقد تسبب موقف الشهداء هذا كثيرًا في إيمان القادة أنفسهم واستشهادهم معهم بعد اعترافهم بالمسيح. لماذا نهت الشريعة عن أكل لحم الخنزير؟ يرجع ظهور هذا الحيوان إلى آلاف السنين قبل الميلاد في آسيا، وهو من الثدييات ذوات الأظافر ومنه أربعة أنواع: الأفريقى (الحلّوف والهلّوف والهيلوشير) ثم الأوربى (الرتْ) ثم الأفريقى (البيكاري) ثم الأسيوي (البابيروس). وقد حرمت الشريعة أكله للأسباب التالية: 1 فهو وإن كان مشقوق الظلف إلاّ أنه لا يجترّ (لاويين 11: 7 و تثنية 14: 18) ومغزى ذلك أن الذي لا يجتر يشبه الذي لا يلهج طوال اليوم في كلمة الله، ومشقوق الظلف هو القادر على السعي في الطريق الروحي والتمييز بين الخير والشر، وكان هذا المغزى كامنًا في الوصية ومادام الشعب غير مستنير فإنه لا يكتشفه. 2 كان الخنزير شائع بين الوثنيين الذين حول بنى إسرائيل، سواء تربيته أو أكله أو تقديمه كذبائح لآلهتهم، وكانت الشريعة تساعد اليهود في التحرر من كل ما هو عادة وثنية. 3 تكوين جسم الخنزير يسمح له بتناول أي شيء كطعام، ولذلك فقد عُدّ كوسيلة حيوية في تحويل القاذورات والنباتات إلى لحم. 4 بسبب قصر رقبته لم يكن يستطيع تنظيف جسمه مما يعلق به من حشرات، ولذلك فهو يتمرّغ في الأوحال مما يجعل منظره قبيحًا مقززًا. 5 يستخدم الخنزير أنفه مع رقبته ذي العضلات القوية في حفر الأرض بحثًا عما يقتات به، مما يزيد منظره قبحًا. 6 يحمل الخنزير في جسمه عدوى بعض الأمراض الخطيرة، لا سيّما "الدودة الشريطية" والتي قد ُتودى بحياة الإنسان متى دخلت جسمه عن طريق أكل لحم الخنزير. هذا وقد استمر التحذير من التعامل مع الخنزير سواء أكله أو تربيته أو تقديمه كذبيحة بالتالي، فإلى ذلك أشار إشعياء النبي (65: 4 و 66: 3، 17). كما حُرّم على رعاة الخنازير دخول الهيكل أو مصاهرة اليهود، بل ُعدّ كل من لمس الخنزير: نجسًا، حتى أصبحت كلمة خنزير تطلق على النجس والمتعثّر في توبته. وفى أيام السيد المسيح كان هناك رعاة خنازير، يرعونها بقصد بيعها إلى الجنود الرومانيين الذين في أورشليم، وذلك في كورة الجدريين حيث دخلت الشياطين في قطيع الخنازير (متى 8: 30-32 و مرقس5: 11-16 و لوقا 8: 32، 33). ولكنه ومنذ أن أعلن الله للقديس بطرس بأنه لا يوجد شيء نجس من خلائق الله، أصبح أكل لحم الخنزير مثله في ذلك مثل جميع الحيوانات والطيور مباحًا (أعمال 11: 5-11). الدولبة Tympanum, Tumpanon: وتسمى أيضًا "التوتير Rack" وهي آلة تعذيب رهيبة تفتق عنها ذهن الفرس للتنكيل بعتاة المجرمين وأولئك المراد الانتقام منهم عند موتهم، وهي عبارة عن آلة مستديرة مثل الترس أو الساقية تدور فوق برج عالى ملئ بالرماد (رماد الذبائح غالبًا) يثبت المحكوم عليه في تلك الآلة على ظهره ثم تدار فيدور معها في الرماد حتى يموت مختنقًا، وفي حين ثُبت في مدار الدولاب سكاكين أو سيوف بارزة تمزق جسد المحكوم عليه كلما مر بها. وفى العصر السلوقى (زمن هذه الأحداث) كانت هناك آلة من هذا النوع في بيرية، يرسل إليها من كانت جرائمهم خطيرة مثل سبّ الملك أو نهب المقدسات، وقد ُقتل منلاوس رئيس الكهنة الخائن بنفس الطريقة (13: 4-8) ولكنه وبينما اعتبر اليهود ألعازار شهيدًا، فقد اعتبروا موت منلاوس انتقامًا وقصاصًا عادلًا من الله. أما الذين أظهروا لألعازار العطف لما تقتضيه الصداقة، فقد ضاقوا بإصراره، واعتبروه مسًا من الجنون أن يختار إنسان الموت بدلًا من عرض سخيّ ينقذ حياته من الموت، فتحوّلوا إلى جلادين له، وكانوا يتركون له الفرصة بعد كل شوط من التعذيب لكي يتراجع عن موقفه، ولكنه لم يفعل، بل أنه لما شارف على الموت صرّح بأنه وبرغم الآلام القاسية التي يكابدها إلاّ أنه مستريح الضمير راض النفس غير نادم على ذلك. وهكذا أعطى ذاته مثالًا نادرًا في الاستشهاد من أجل محبة الله، وقد اعتبروه آباء الكنيسة الأولى شهيدًا مسيحيًا قبل المسيحية، إذ يشترك مع شهداء المسيحية في المنهج، من حيث الاستخفاف بالآلام الحاضرة مقابل المجد العتيد، وكذلك النظرة إلى الجسد وزواله، مقابل إرضاء الله أكثر من الناس. يقول القديس كبريانوس الشهيد في مقالته الحادية عشر إلى فرتاناتوس في الحث على الاستشهاد (1): " لقد تنبأ الرب بأنه سيكون لنا ضيق في العالم واضطهاد (يوحنا 15: 18-20) وأنهم سيخرجوننا من المجامع ليقتلوننا وهم يظنون أنهم يقدمون خدمة لله (يوحنا 16: 2-4) ثم طمأننا بأن حزننا سيتحول إلى فرح (يوحنا 16: 20) وكذلك قال: "قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يوحنا 16: 33).." ويضيف الشهيد كبريانوس: " إن هذه الأشياء التي تحدث الآن للمسيحيين ليست جديدة أو مفاجئة، حيث أن الأبرار والمستقيمين والذين قدسّوا كلمة الله بخوف يتعرضون دائمًا للضيقات والعقاب بطرق وحشية ومتنوعة، ويعانون من الضيق، فهوذا هابيل البار قتله أخوه، ويعقوب عاش في المنفى بسبب أخوه، ويوسف بِيع وداود اضُطهد من شاول واضطهد آخاب إيليا النبي، وذُبح زكريا بين الهيكل والمذبح صائرًا بذلك ذبيحة في الموضع الذي اعتاد فيه تقديم الذبائح، هكذا نحتفل بالعديد من الشهداء الأبرار.. الفتية الثلاثة.. دانيال.. ومثلهم الأخوة المكابيين السبعة وأمهم.. ودعنا نتكلم عن ألعازر والذي عرضت عليه الفرصة لكي يتظاهر فقط بأكل اللحم النجس، لم يوافق على هذا المكر مصرّحًا بأنه لا يتلاءم مع سنه ومكانته ولا نُبله أن يكون مرائيًا مما يعثر الآخرين، وأنه ليس بذي عائد كبير كسب لحظات قصيرة من الحياة مقابل تحمّل عقاب سرمدى من الله، ومن بين الجلدات والعذاب صرّح بأنه مسرور رغم كل تلك الآلام، لقد كان مخلصًا ذو فضيلة ذائعة ونقية بوفرة إذ لم يعمل حساب للملك أنطيوخس بل للملك الديان، وأدرك أنه لا يخدم خلاصًا أن يخدع الناس، بينما الله هو قاضي ضمائرنا وهو المخوف وحده، وهو لا ُيخدع أو يُهزأ به. هكذا نحن إذا عشنا أيضًا كمكرسين لله، إذا جعلنا طريقنا على خطوات الآباء القديمة المقدسة، فلنُجز خلال الاختبارات والمعاناة ذاتها وشهادات الآلام، إنه لا يمكن حصر عدد الشهداء، هكذا يصرّح سفر الرؤيا حيث كان جمع لا يحصى من جميع قبائل الأرض، هؤلاء قيل عنهم أنهم الذين قد أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسّلوا ثيابهم وبيّضوا ثيابهم في دم الخروف (رؤيا 7: 9-15) فإذا كان مجمع الشهداء المسيحيين قد أظهر وبرهن أنه بهذه العظمة، فلا يظن أحد أنه شيء صعب أن ُيصبح شهيدًا، عندما يرى أن ُيصبح شهيدًا، عندما يرى أن حشد الشهداء لايمكن أن ُيحصى، ويرد كذلك في وصايا الآباء الاثني عشر تعليقًا على استشهاد ألعازار: (1)" وأولئك الذين ماتوا في الأسى سيقومون في ابتهاج والذين قد عاشوا في الفاقة لأجل الرب سيغتنون والذين كانوا معوزين سيمتلئون ومن كانوا ضعفاء سيتقوّون والذين ُوضعوا للموت لأجل الرب سيقومون للحياة...". ويقول الأب أفراهات السرياني في الشروحات Pemonstrations الفصل الحادى والعشرين عن الاضطهاد (2): "اسمعوا يا أحبائي هذه أسماء الشهداء والمعترفين والمُضطَهَدين... يهوذا المكابى واخوته ُاضطهدوا وهم أيضًا احتملوا التعيير، الأخوة السبعة بنو المرأة المباركة احتملوا التعذيب بجلدات مُرّة (2مكا 7) وصاروا معترفين وشهداء حقيقيين، وألعازار الشيخ والمتقدم في السن أثبت مثالًا نبيلًا من أجل اعترافه، فقد اعترف وصار شهيدًا حقًا..." (1) ومن المعروف أنه كان في أفسس ثم في أثينا في وقت لاحق، جماعة ُعرفت باسم الجيروسيا المقدسة Gerousia كانت مهمتها الإشراف على حسن سير الاحتفالات الدينية وصنع التماثيل، ومن هنا كان من الطبيعي أن يلقب عضو جماعة الجيروسيا بال جيرون، وفي العصر الهيلينى كان النظير لمجلس الشيوخ اليهودي جيروسيا في أثينا هو مجلس الـأريوباغوس areopagus والذي كانت له السلطة القضائية على الديانات الأجنبية. (1) ويقول يوسيفوس في (الآثار اليهودية - كتاب 12 / فصل 5: 4) أن هذا الشيخ الأثيني كان هو فيلبس المذكور في (2مكا 22:5). (2) Jonathan A. Goldsten, II Macc. (1) تاريخ يوسيفوس عصور اليهود القديمة (ج 12 / 5 - 5 - 257 - 264). راجع أيضا: Jonathan Goldsten, 1Macc. P.223) وجاءت "الآية 2" في الترجمة الحرفية للفولجاتا: "لأن أهل الموضع كانوا غرباء". (2) Jonathan A. Goldsten, II Macc. (1) ظهرت هذه الطائفة في مصر منذ سنوات، ولكن المؤسستين المدنية والدينية قاومتها بشدة فاختفت من مصر، وإن كانت ما تزال موجودة في أمريكا وبعض الدول الغربية. (2) هذا ويقول التلمود في باب (دين كتاب 4 فصل 34: 2): " أن المذبح كان مغطى بدم خنزير " وكان تقديم الخنزير كقربان أمر شائع لدى الأمم القديمة في منطقة الهلال الخصيب (هيرودوت 2: 57). راجع أيضًا: Diodore, 34: 1 وطبقا لما أورده بوسيدونيوس (عن ديودوروس 34: 1) أنهم ذبحوا خنزيرة كبيرة كذبيحة على مذبح المحرقات، وُاجبر الكاهن الأعظم و بقية اليهود على الأكل من هذه الذبيحة. (1) كان أبيفانيوس هذا ابنا لكربوكراتس، واسم أمه ألكسندرا، وعائلة والده من الإسكندرية، بينما كانت عائلة أمه من سيفالينيا، وقد عاش سبعة عشر عاما فقط، وتم تكريمه كإله في بلدة سام في سيفيلينيا، علمه أبوه التعليم العام والفكر الأفلاطوني، وشرح له معرفة الموناد Monad والذي تفرعت منه هرطقة الكاربوكراتيين. وقد ألّف أبيفانيوس هذا كتابا أسماه: "عبر البر" أباح فيه الكثير من الانحرافات. انظر كتاب المتفرقات Stromata للقديس كليمندس السكندري (3: 2، 5، 8). (1) لقد أثبت شيرار (ZNTW 1902,48-52) من عدة مصادر أن ملوك مصر كانوا يحتفلون بيوم ميلادهم ويوم توليهم العرش، وهذا ما طلبه أنطيوخس أبيفانيوس لنفسه، كما أن هذا الأمر ينطبق على ملوك برغامس إذ تخبرنا احدى الكتابات القديمة من برغامس خبر احتفالهم كل شهر بيوم ميلاد أبجروستوس الملك حتى زمن أندرونكس (راجع Gutberlet). (1) يتّضح من ذلك أن الاستشهاد قد تم في أورشليم، وربما كان القذف من ارتفاع عال هو الوب مفل للإعدام النساء، ويورد بوليبيوس المؤرخ أن الملكة لاوديقة السلوقية قد أعدمت وصيفتها وُتدعى داناي Danae على هذا النحو في القرن الثالث ق.م. (1) كان قدماء الملوك يضغطونبقوة على من يخالف معتقداتهم من رعاياهم، وهناك نصوص قديمة نصف اضطهاد نابونيدس Nabonidus لعابدى ردوخ، بل أن هناك كتابات تصف احتمال الشهداء المردوخيين لآلام الاضطهاد ُانظر: Jonathan A. Goldten, II Macc P. 282 (1) للأمة بأسرها (آية 31): جاءت في الأصل العبري (لِرَبيم من هاعام = لكثيرين من الشعب)، وفي اليونانية (toiV pleistoiV)، وجاءت في الفولجاتا) universae genti أي لكل الشعب). (1) ANF, Vol. V, P. 502-505. (1) ANF, Vol, VIII, P. 21. (2) NPNF, Vol. XIII, P. 401 |
|