|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة و - تفسير سفر المزامير الشهادة لكلمة الله[41-48] وجد المرتل في الرب نفسه القائد والمرشد، يغرس في داخله ناموس العهد الجديد [33]، ويهبه حكمة وفهمًا [34]، وقوة لحفظه بكل القلب [34]، يميل قلبه إليه لا إلي محبة العالم [36]، ويفتح بصيرته على الحق عوض الباطل [37]، ويهبه المخافة الإلهية، وينزع عنه عار الخطية [38]. الأن ما هي استجابة المرتل لهذا المعلم الإلهي؟ إنه يختبر الخلاص الإلهي النابع عن مراحم الله ونعمته المجانية، لا الصادر عن بره الذاتي، وحمل الشهادة الحقة لإنجيل المسيح حتى أمام معيريه ومضايقيه. يشهد بفمه الذي لا ينطق إلا بالحق، وبحياته كلها حيث يحفظ ناموس الرب في كل حين. يشهد بسعة قلبه وحبه للجميع جنبًا إلي جنب مع شجاعته للشهادة حتى أمام الجميع. وفي هذا كله يرفع يديه على الدوام نحو الوصية التي دخل معها في حالة ودّ، أي صارت له صديقًا حميمًا تسنده في حياته الروحية وتعينه على الشهادة للحق الإنجيلي. 1. الخلاص والشهادة 41. 2. الشهادة والمعيرون 42. 3. الشهادة والثبات في الحق 43. 4. الشهادة وحفظ الوصية 44. 5. الشهادة والحب 45. 6. الشهادة والشجاعة 46. 7. الشهادة والصداقة مع الوصية 47،48. من وحي المزمور 119 (و) 1. الخلاص والشهادة تقوم شهادة المؤمن لعمل الله على تمتعه الشخصي بخلاصه العجيب القائم على حب الله الباذل ومراحمه اللأنهائية. لهذا يبدأ تسبحته هنا الخاصة بالشهادة بطلب الرحمة أو التمتع بالمسيا المخلص. لقد اختبر المرتل مراحم الله الجديدة كل صباح، لكنه كان يترقب بشوقٍ مجيء ابن داود الذي يعلن المراحم الإلهية اللأنهائية خلال عمل الصليب، لذا يناجي الله قائلًا: "ولتأتِ على رحمتك يا رب، وخلاصك كقولك" [41]. ليس هناك من أمان للإنسان أكثر من اتضاعه أمام الله العلى طالبًا مراحمه الإلهية ليتمتع بالخلاص الأبدي. هذا الخلاص الذي يهبه الرجاء في غفران خطاياه الماضية، ويقين في مساندة الله في الحاضر ليسلك في الطريق الملوكي، ويتمتع بعربون المجد الأبدي، مع قوة لمقاومة الشر. * بعد أن ذكر "رحمتك" أضاف على الفور "خلاصك". فإنه إذ تشملني رحمتك أتمتع بعد ذلك بالخلاص. تعبير "رحمة الرب" في حقيقته يعني "الخلاص الذي يعطيه". كان المرتل محقًا إذ لم يبدأ في صلاته بطلب الخلاص الذي يهبه الرب ويلي ذلك رحمته، وإنما أخذ الموقف المضاد. إن كنت قد خلصت فذلك حسب رحمة الرب لا حسب أعمالي الذاتية. العلامة أوريجينوس * يليق بنا أن نتساءل إن كان من الممكن أن يعود هذا كله على كلمة الله المرسل "المسيح"، لأنه هو رحمة الرب وخلاصه. لهذا يلزمنا أن نطلب في الصلاة أن تأتينا رحمة الرب، وخلاصه الذي بحسب رحمته، وهكذا إذ تشملنا الرحمة نخلص. إننا نجيب على الذين سبقوا فعيّرونا بأننا كنا أناسًا محرومين من رحمة الرب وخلاصه. القديس ديديموس الضرير * تُقال الرحمة والخلاص عن ربنا يسوع المسيح الذي لأجل وفرة رحمته تجسد لكي يصنع خلاصًا لجنس البشر. لما أُوحي إلي النبي بأنه سيأتي ابن الله متجسدًا لأجل خلاص العالم صار كما من قِبَلْ الطبيعة البشرية يلتمس ذلك بصيغة التمني، قائلًا: "لتأتِ على رحمتك يا رب وخلاصك كما قلت لأنبيائك". أنثيموس أسقف أورشليم * عما يصلي هنا سوى أنه خلال المراحم المملوءة حبًا لذاك الذي قدم الوصايا يمكنه أن يتمم الوصايا التي يشتهيها؟ القديس أغسطينوس الأن وقد جاء كلمة الله المتجسد وأعلن الرحمة في كمالها، مقدمًا لنا الخلاص المجاني، هل لنا أن نردد ذات الطلبة: "لتأتِ على رحمتك..."؟ لقد جاء السيد المسيح إلي العالم مرة لتقديم الخلاص للعالم كله، وهو يأتي دائمًا ليحل في قلوب مؤمنيه، معلنًا ذاته مخلصًا لكل مؤمنٍ. لهذا يؤكد المرتل "لتأتِ على رحمتك"، فأنا بصفتي الشخصية محتاج إلي رحمتك وإلي التمتع بخلاصك عاملًا فيَّ. مع كل صباح يكون للمخلص دوره الشخصي في حياة المؤمن، حتى ليحسب في كل يوم كأنه يتعرف عليه للمرة الأولى... لكي يشهد المرتل لعمل الله لخلاصي يحتاج إلي الله لا كمعلمٍ وقائدٍ فقط [33-40]، إنما يطلبه كمخلصٍ شخصيٍ له، وذلك من قبيل المراحم الإلهية. لقد شعر المرتل بالجهل فطلب من الله معلمه الفهم والقيادة لأعماقه، وإذ شعر بالخطية يطلب منه المراحم والخلاص المجاني، لا عن استحقاقه الذاتي وإنما حسب قوله، أي حسب وعوده الإلهية التي نطق بها الأنبياء. تمتعه بالمراحم والخلاص يثير عدو الخير عليه لهذا يسأل أيضًا قوة للشهادة في هذا الجو الرهيب. 2. الشهادة والمعيرون كما أن مراحم الله جديدة في كل صباح (مرا 23:3) كذلك يوجد مقاومون ومعيرون في كل يوم، ويحتاج المؤمن إلي الاختفاء في كلمة الله المصلوب، فهو وحده قادر أن يفحم العدو إبليس ويفسد كل حيله الشريرة. يشعر المرتل أن كلمة الله هي سلاحه ضد العدو، وسرّ قوته، وغناه الذي يتمتع به بالإيمان خلال خبرة الخلاص الذي ينعم به بمراحم الله. يقول المرتل: "فأجاوب الذين يعيرونني بكلمة، لأني اتكلت على أقوالك" [42]. * إذ تأتيني رحمتك وخلاصك حسب قولك، أكون قد خلصت، فيصير لديّ كلام به أجيب على معيِّريّ، مظهرًا لهم أن من ينال هذه العقائد لا يكون بحقٍ في عارٍ. يتطلع "الغرباء عن الإيمان" إلي هذه العقائد أنها حماقة، لكنني سأثبت لهم أنها مملوءة فطنة وحكمة. العلامة أوريجينوس * إذ أهلتني لنعمة رحمتك وخلاصك أنقض أقوال الذين يعيرون إيماننا ويمزحون لأجل اتكالنا عليك واستنادنا على أقوالك، ونجاوبهم بكلمة، أي ببرهانٍ واضحٍ. أنثيموس أسقف أورشليم * هؤلاء الذين يحسبون المسيح المصلوب عثرة أو جهالة يعيروننا به، وهم يجهلون أن "الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا" وأن الكلمة الذي هو من البدء كان مع الله، وكان هو الله. ليتك لا ترتعب ولا ترتبك بتعييراتهم. القديس أغسطينوس يقدم المؤمن براهينه لا خلال سفسطة الحوار العقيم، وإنما خلال قوة الروح، فإن بهجة خلاصه، وثمر الروح المتكاثر فيه، وشبع نفسه، وتهليل قلبه الخ. أمور لا يقدر الملحدون أن يقاوموها. إذ اختبر المرتل عذوبة الخلاص أدرك أنه قادر بالرب أن يحطم افتراءات العدو، لكن ما يشغله بالأكثر هو الشهادة الداخلية للمخلص بثباته في الحق إلي النهاية، مطالبًا الله مخلصه ألا ينزع من فمه قول الحق ولا من حياته خبرة الخلاص. 3. الشهادة والثبات في الحق لئلا يظن الإنسان أنه إذ يختبر مراحم الله مرة يتمتع بالخلاص نهائيًا، لذلك يؤكد ضرورة المثابرة على الثبوت في المسيح، أي الجهاد المستمر متكئًا على النعمة المجانية، لذلك يكمل المرتل طلبته، قائلًا: "فلا تنزع من فمي قول الحق، لأني توكلت على (انتظرت) أحكامك" [43]. يطلب من الله أن تستقر كلمته في فمه، فيحمل الحكمة والشجاعة مع القداسة ليشهد بكلمة الله لبنيان إخوته، وتبرير إيمانه الحيّ. إن كان قد اشتهي أن يخفي كلمة الله في قلبه لكي يحبها ويحفظها ويتأملها الأن يرددها بفمه ليكرز بها بلسانه كما بحياته المقدسة. * ينطق بهذه العبارة، لأن الذي سبق فتلقى "قول الحق" يتعرض لفقدانها. ينزعها الله من فم من تلقاها متى صار غير مستحقٍ لها. قيل أيضًا: "لا تهمل الموهبة التي فيك" 1تي14:4. يحدث الإهمال ليس فقط في زرع الموهبة أو عدم تركها تنمو وإنما بجعلها لا تطابق حياته (العملية). من جهة أخرى يمكن أن نتساءل عما إذا كان قول الحق يُنزع عن الفم فقط دون القلب حتى يتأكد التغير (التوبة) بفضل وجود "قول الحق" في الداخل، هذا الذي تلقاه الإنسان مرة واحدة. قيل: "وللشرير قال الله: مالك تتحدث بفرائضي، وتحمل عهدي على فمك" مز16:49. إنه لم يقل: "مالك تفكر في فرائضي". ربما إذا استمر الخاطيء في خطيته على الدوام يُنزع قول الحق من قلبه، إذ يكون قد اظلمَّ، وأُصيب بالعمى عن معرفة الحق... أيضًا يلزمنا شرح ماذا يعني "النزع إلي الغاية جدًا". النص غامض جدًا، فقد يعني أنه حتى وإن نزعت من فمي قول الحق فلا تنزعه تمامًا بالكلية؛ ربما تعني أن الكلمة التي هي فيَّ بالفعل، هذه احفظها في داخلي ولا تنزعها من فمي. بما إنني "انتظرت أحكامك" ووضعت فيها أمالي، لذلك يزداد رجائي باستمرار، لأن كلمة الحق التي هي في أعماقي، تجعلني انتظر أحكامك. العلامة أوريجينوس * إن حدث يوم ما أنني أجد صعوبة من جهة (تفسير) العناية الإلهية أو ما يشابه ذلك من هذا النوع، ولا أستطيع أن اعطي إجابة تزيل تناقضات هؤلاء الذين أقاموا المشكلة، اعطني بلطفك كلمتك التي تشرح الحق عند افتتاح فمي، فلا تنزع قول الحق من فمي. ولكي أستطيع أن أتحدث بطريقة أو أخرى من جهة هذه الأمور الصعبة "انتظرت أحكامك"، أي انتظرت كلماتك المتزنة والمختبرة جدًا عند التجربة. هذه الأحكام التي من خلالها تحكم البشر وتمارس عنايتك بهم. القديس ديديموس الضرير يرىالقديس أغسطينوسأن المتحدث هنا هو السيد المسيح الذي لن يُنزع من فمه قول الحق، وأيضَا الكنيسة التي هي جسده فإنها تنطق بالحق في هذا العالم وفي العالم الآتي أيضًا، وهكذا يفعل جماعة القديسين كأعضاء في جسد المسيح. * هذه الشريعة يجب أن تُفهم كقول الرسول "المحبة هي كمال الناموس". لهذا فهي تُحفظ بواسطة القديسين، الذين لا يُنزع من فمهم قول الحق، أي أنه بواسطة كنيسة المسيح نفسها، ليس فقط في هذا العالم، ولا حتى عند انقضاء الدهر، وإنما في العالم الآتي الذي بلا نهاية. القديس أغسطينوس 4. الشهادة وحفظ الوصية من ينتظر أحكام الله، مدركًا عنايته الإلهية حتى في لحظات الضيق، يحفظ الوصية متمسكًا بها عمليًا على الدوام. بهذا تكون شهادته حق وعملية ودائمة. لهذا يقول المرتل: "واحفظ شريعتك في كل حين إلي الأبد وإلي الدهر" [44]. * يقول: "احفظ شريعتك"، فهو لا ينفذها حينًا ويتركها حينًا آخر، بل وأكثر من هذا يقول إنني أُنفذها في الحياة الحاضرة والحياة المستقبلة. القديس أثناسيوس الرسولي * هكذا يمكن فعلًا حفظ شريعتك على الدوام، ليس فقط في هذا العالم بل وإلي الأبد أيضًا، حيث أن كلام يسوع لا يزول (مت24:35). على أي الأحوال نحن نحفظ شريعة الله خلال صورة الحقائق (عب1:10)؛ هذه الشريعة التي كانت محفوظة بواسطة اليهود من خلال الظل، والتي يلزمنا أن نحفظها خلال الخيرات العتيدة إلي الأبد. العلامة أوريجينوس الشهادة لكلمة الله لكي يشهد المؤمن الحقيقي لكلمة الله يلزمه الآتي: 1. التمتع الشخصي بكلمة الله الواهبة الخلاص، أو التمتع بالسيد المسيح الذي أعلن المراحم الإلهية خلال عمله الخلاصي الذي سبق فوعد به بالأنبياء [41]. 2. مساندته ضد عدو الخير وجنوده بتمتعه ببهجة الخلاص وثمره المفرح، وبقوة الروح [42]. 3. استمرارية التمتع بخلاص الله حتى النهاية [34] تسنده في الشهادة لعمل المخلص. 4. تتحقق الشهادة بالبهجة الداخلية بالخلاص، وبالحديث عن عمل الله، وأيضًا باتساع القلب ورحابته [45]، والشجاعة حتى أمام الملوك [41]، متحررًا من كل خوف. 5. بالدخول في صداقة وود مع كلمة الله ورفع ذراعيه إليه للصلاة مع السلوك العملي. 5. الشهادة والحب إن كانت الوصية أبدية لذا يتممها المؤمن الحقيقي على الدوام، شاهدًا لها أمام نفسه وأمام الغير بسلوكه العملي، فإن هذه الوصية طريقها صعب وضيق لكنها تعطي رحابة القلب واتساعه للجميع، حتى للمضايقين. وكما سبق فرأينا أن طريق الوصية ضيق لكنه يهب القلب اتساعًا وحبًا، أما طريق الشر فمتسع جدًا لكنه يعطي القلب أنانية وضيقًا. "كنت أسلك في السعة، لأني لوصاياك ابتغيت" [45]. * من يحب الله لا يكون متلجلجًا في مواجهة أنواعٍ من الضيقات والأحزان، لا يتضايق لكنه يكون في سعة ورحابة قلب فرحًا، لأن المحبة تتمهل، وتطلب الصلاح. المحبة لا تحسد ولا تطرد ولا توبخ، ولا تقبح، ولا تطلب حقوقها، ولا تحتد ولا تفتكر بالشر، ولا تُسر بالظلم بل تفرح بالحق، تحتمل كل شيء، تصدق كل شيء، وتترجى كل شيء، وتصبر على كل شيء... لأجل هذا كتب بولس الرسول إلي أهل رومية: "مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين، متحيرين لكن غير يائسين، مُضطهَدين لكن غير متروكين، مطروحين لكن غير هالكين، حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا ..." 2كو 8:4-10. أنثيموس أسقف أورشليم * يسلك "في رحب" حتى وإن كان متضايقًا، إذ قيل: "في الضيق رحبت لي" مز2:4، كما قيل: "مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين" 2 كو 8:4 ... يقول بولس الرسول من جهة نفسه: "لستم متضايقين فينا" 2 كو 12:6، وفي اتهامه لأهل كورنثوس يقول: "بل متضايقين في أحشائكم" 2كو 12:6، فإن الشرير يتضيَّق في نفسه بأعماله الشريرة، وعلى العكس منه يقول (المرتل): "اسلك في الرحب"، موضحًا السبب الذي لأجله يسلك في الرحب وهو "لأني لوصاياك ابتغيت". العلامة أوريجينوس 6. الشهادة والشجاعة خلال سعة القلب التي يتمتع بها المرتل بالنعمة الإلهية يمارس الوصايا ببهجة قلب، بل ولا يجد حديثًا ممتعًا حتى في حضرة العظماء مثل الشهادة لوصية الرب وعمله الخلاصي، وذلك لنفعه ونفعهم. بعدما تحدث عن اتساع القلب بالحب حتى في وقت الضيق يعلن المرتل عن شجاعته في الشهادة للوصية أمام الملوك دون خزي؛ فإن الشجاعة دون الحب تصير تهورًا، كما أن الحب يدفع نحو الشهادة للحق بلا خوف. والمثل الحي لهذا هم الثلاثة فتية في أرض السبي الذين وُجه إليهم الاتهام: "لم يجعلوا لك أيها الملك اعتبارًا، آلهتك لا يعبدون، ولتمثال الذهب الذي نصبت لا يسجدون" دا12:3؛ أما هم ففي شجاعة قالوا للملك: "هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك، وإلاَّ فليكن معلومًا لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته" دا13:8، 19. وكما قال بطرس ويوحنا الرسولأن: "لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" أع20:4. "وتكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز" [46]. في خطاب للقديس إمبروسيوس يوجهه إلي الإمبراطور ثيؤدوسيوس لكي يصغي إليه، قائلًا أنه لا يستطيع أن يصمت وإلا كان هذا فيه خطر على كليهما. فيه أشار أن ثيؤدوسيوس وإن كان خائف الله لكن يلزمه ألا ينحرف... * ليس من جانب الإمبراطور أن يرفض حرية الكلمة، ولا للكاهن ألا ينطق بما يفكر فيه. فإنه ليس شيء فيكم أيها الأباطرة معروف عنكم مثل تقديركم للحرية، حتى بالنسبة للخاضعين لكم في طاعة عسكرية. فإن هذا هو الفارق بين الرؤساء الصالحين والطالحين، أن الصالحين يحبون الحرية، والطالحين يطلبون العبودية. وليس شيء في الكاهن خطير مثل عدم إعلأنه بحرية عما يفكر فيه من جهة الله وذلك من أجل الناس. فقد كُتب: "أتكلم بشهاداتك أمام الملوك ولا أخجل" [46]. وفي موضع آخر: "يا ابن الإنسان جعلتك رقيبًا لبيت إسرائيل"، لكي "إن رجع البار عن بره وعمل إثمًا... لأنك لم تنذره"، أي لم تخبره لتحفظه في تذكار بره، فإنه يموت "أما دمه فمن يدك أطلب. وإن أنذرت أنت البار وهو لم يخطئ فإنه حياة يحيا لأنه أُنذر، وأنت تكون قد نجيت نفسك" حز17:3،20، 21.1 القديس أمبروسيوس * بعد ذلك وجهت حديثًا واضحًا للإمبراطور ثيؤدوسيوس الكلي الرأفة، ولم أتردد في الحديث معه مواجهة... إنه لم يتضايق لأنه عرف أنني لم أفعل ذلك لمصلحتى الخاصة إنما لم أخجل عن أن أتكلم في حضرة الملك ما هو لنفعه ولنفع نفسي [46].1 القديس أمبروسيوس * هكذا تكون جسارة من يحمل الصليب. لنتمثل بهذا؛ فإنه وإن كان ليس الوقت زمن حرب، لكنه زمن الشجاعة في الحديث، إذ يقول أحدهم: "تكلمت بشهاداتك قدام الملوك، ولم أخزَ". إن صرنا وسط وثنيين فلنغلق أفواههم بلا غضب ولا عنف3. القديس يوحنا الذهبي الفم * الجهاد من أجل الحق حتى الموت، دون الخجل من الحديث عنه حتى أمام الملوك. القديس أغسطينوس * علامة محبة الله هي... أن تتكلم بشهاداته قدام الملوك جهرًا وبشجاعة، كما تكلم الرسل والشهداء... لا نخزَ إن كانت أعمالنا وأقوالنا لائقة بملك الملوك المتكلم فينا، وأن نهذ بوصاياه بالمحبة والثقة، لا بضجر أو تهاون. أنثيموس أسقف أورشليم * من لا يستمد الكلمة لإعلأن البشارة المفرحة بقوة عظيمة يتكلم بخزي، أما من يقول: "تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز" ينطق بما يستحق المجد لا الخزي. العلامة أوريجينوس * يمكننا تطبيق هذا النص بحق على من يُساق أمام ولاة وملوك كشاهد لاسم المسيح (مت18:10). كما يمكننا تطبيقه على من يفتح فمه أمام القديسين (الذين هم بالحقيقة ملوك في أرواحهم)، متحدثًا بشهادات الله... إذ رفض الالتصاق بالتراب وأراد أن يعيش حسب كلمة الرب، أي حسب الكتاب المقدس الإلهي الموحى به، يطلب العون الإلهي لكي يحيا. من يهتدي ينطق بكلمات الرب، فتظهر أعماله وسيرته الصالحة. العلامة أوريجينوس * لقد بلغت آخر درجات الضيق، إذ صرت مطرودًا بواسطة الطغاة، لذلك أطلب أن أخلص حسب وعد الله لنا: "ولا تحيط بكم السيول" 2مل5:22؛ مز5:17. القديس أثناسيوس الرسولي 7. الشهادة والصداقة مع الوصية أخيرًا فإن المرتل في شهادته يلجأ إلي الوصية لا كأوامر ونواهٍ وإنما ككائن يتعامل معه، يناجيه، ويرفع ذراعيه إليه (يصلي إليه)، ويدخل معه في ودٍ أو صداقة، إذ يقول: "هذذت بوصاياك التي أحببتها جدًا. ورفعت أذرعي إلي وصاياك التي وددتها جدًا. وتلوت في حقوقك" [47،48]. واضح أنه يتحدث عن الوصايا بكونها "كلمة الله" الحيّ، الذي يدخل معه في علاقة حب، يصلي إليه، ويوده. رفع الذراعين [48] هو طقس قديم وطبيعي يشير إلي التضرع، كما يشير إلي العمل وتنفيذ الوصية بالذراع اليمنى كما بالذراع اليسرى، أي في عبادتنا الروحية وسلوكنا اليومي؛ أو في الفرج والضيق. وكأن المرتل يوجه قلبه نحو الوصايا الإلهية بالصلاة الدائمة مع الجهاد المستمر، وكما يقول في مزمور آخر: "استمع صوت تضرعي إذ استغيث بك وأرفع يديّ إلي محراب قدسك" مز2:28. * غاية التلذذ بوصايا الله هو وضعها موضع التنفيذ والعمل... من يتلذذ بالحق أولًا، قائلًا: "أتلذذ بوصاياك التي أحببتها جدًا"، يقول بعد ذلك: "ورفعت أذرعي إلي وصاياك التي وددتها جدًا". ما أجمل أن نتلذذ بالوصايا ونفهم معانيها ثم نرفع أذرعنا إلي الأعمال التي تتفق مع الوصايا. لا نتمم عمل الوصايا عن حزنٍ أو اضطرارٍ (2كو 7:9)، وإنما بفرح. إذ نتلذذ بها وننفذها يلزمنا أن ننطق بها (تث7:6)، لهذا يضيف "وتلوت (أناجي) في حقوقك"، بمعنى أنه من أجل حبي لوصاياك لا أتوقف عن الحديث عنها، وإنني أتلو وأنا متلذذ جدًا بكل ما يمس حقوقك. العلامة أوريجينوس إذ يُعلق القديس أغسطينوس على هاتين العبارتين يقول: [لقد أحب (المرتل) وصايا الله لأنه كان يسير في حرية، أي بالروح القدس، الذي خلاله ينتشر الحب وتتسع قلوب المؤمنين. لقد أحب بالفكر والعمل. بالنسبة للفكر يقول: "هذذت"، وبالنسبة للعمل يقول: "رفعت أذرعي"]. * من يصنع وصايا الله تلتصق بالله نفسه، وأما من يخالفها فتلتصق بالتراب نفسه، وتتمرغ في الأرضيات وتصير ترابية. لذلك جاء في الأصحاح العاشر من سفر التثنية قوله: "الرب إلهك تتقي، إياه تعبد، وبه تلتصق" تث20:10. أنثيموس أسقف أورشليم الذي يغتني بعد فقرٍ مدقعٍ لا يمكن ألا أن يتأمل خزائنه، عينا قلبه لا تفارقانها، هكذا يتأمل الشاب وصايا الله التي يخفيها في قلبه، وفي تأمله الدائم يتفهمها يومًا فيومًا بأعماق جديدة، فتصير موضوع لهجه ولذته ليلًا ونهارًا؛ إنه لن ينساها! بمعنى آخر إذ يكتشف الشاب غناه بالوصية يمارس حياة الهذيذ الدائم التي لا تنفصل عن حياته العملية: أ. التأمل في الوصية. ب. تفهمها بروح الله الساكن فيه. ج. لهجه فيها بلذة فائقة. د. الشهادة للوصية بشجاعة دون خوف. هـ. لن ينساها قط، أي لا يمكن لأحدٍ ما أو لشيءٍ ما أن يسحب فكره وذاكرته عنها. من وحي المزمور 119(و) بوصيتك أشهد لرحمتك وخلاصك! * رأيتك معلمي الصالح تهبني الفهم مع الأرادة المقدسة، الأن أراك الرحيم مخلص الخطاة، ارحمني وخلصني حسب وعودك الصادقة لي. * يقاومني الأشرار الذين لا يطيقون خلاصك. لكنني بوصيتك العاملة فيّ أفحمهم. لا تنزع عن فمي قول الحق، ولا عن حياتي خبرة خلاصك، * فأحطم افتراءات العدو بالقول والعمل معًا. وصيتك التي أخفيها في قلبي، تُعلن الآن بفمي كما بحياتي. فما أنطق به يشهد عما أحياه وأسلكه. * أشهد بحفظي لوصيتك على الدوام وإلي الأبد، إنها دستوري الدائم، في الحياة الحاضرة وفي العالم العتيد. لا أتمسك بها حينًا وأتجاهلها حينًا آخر، لأن كلامك ثابت غير متغير إلي الأبد. * شهادتي لوصيتك لا بالحوار العقلأني،بل باتساع القلب بالحب للجميع. إني أسلك في السعة لأحمل الجميع في قلبي، لأني ابتغيت وصاياك! * هب لي أن أشهد بوصاياك بشجاعة أمام العظماء.ولتمزج شجاعتي بالحب فلا أكون متهورًا. * هب لي أن أحب وصاياك،وأدخل في ودٍ معها. أرافقها وترافقني. لا يستطيع أحد أو شيء ما أن يحطم صداقتي معها! بهذا أشهد لها، شهادة صديقٍ لصديقه الحميم! |
|