كان إنسان غني وكان يلبس الأُرجوان والبز، وهوَ يتنعَّم كل يوم مُترفِّهًا، وكان مسكين ﭐسمه لعازر الذي طُرِحَ عند بابه مضروبًا بالقروح... فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم، ومات الغني أيضًا ودُفِن، فرفع عينيه في الهاوية وهوَ في العذاب، ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه، فنادى وقال: يا أبي إبراهيم ﭐرحمني، وﭐرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويُبرّد لساني، لأنِّي مُعذَّب في هذا اللهيب، فقال إبراهيم: يا ﭐبني ﭐذكر أنَّكَ ﭐستوفيتَ خيراتك في حياتك، وكذلك لعازر البلايا، والآن هو يتعزَّى وأنتَ تتعذب، وفوق هذا كُلَّهُ بيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثبتت، حتى أنَّ الذين يُريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون، ولا الذين من هناك يجتازون إلينا " (لوقا 16 : 19 – 26).
أُريد في هذا اليوم، أن نتأمَّل معًا في مغزى روحي هام للغاية، كما قادني الروح القدس من خلال هذا المقطع..
لعازر الذي يرمز إلى المؤمنين الحقيقيين الذين عرفوا الرب يسوع المسيح، وأصبحوا أبناء لله، حملتهُ الملائكة إلى حضن إبراهيم.. وهوَ يتعزَّى من بركات هذا الموقع..
وإبراهيم يُعلن للغني الذي ذهب بعد موته إلى مكان العذاب واللهيب.. يُعلن لهُ هذا الكلام الهام:
يوجد هوَّة عظيمة قد أُثبتت بين من يجلس في حضن إبراهيم.. وبين من يجلس في العذاب واللهيب.. ولا يُمكن لمن يجلس في حضن إبراهيم العبور إلى ذلكَ المكان.. مكان العذاب واللهيب !!!
والعبرة الروحيَّة التي أُريد أن أتأمَّل فيها من هذا الكلام هيَ التالية:
من يُريد من المؤمنين أولاد الله.. أن تُثبَّت بينهُ وبين العذاب واللهيب هوَّة عميقة لا يُمكن ﭐجتيازها أبدًا.. ينبغي عليه أن يجلس دومًا في أحضان الآب !!!
وما أقصدهُ بالعذاب واللهيب في تأمُّلي هذا.. هوَ العذاب واللهيب الذي قد يمر بهما المؤمن خلال حياته على هذه الأرض، وليسَ العذاب واللهيب الأبدي، لأنَّ المؤمن لا يذهب إليهما..
تأمُّل رمزي من خلال هذا الكلام، يُريد الروح القدس أن يوصل لنا درسًا جديدًا من خلاله..
يقول كاتب المزمور 84 هذا الكلام المُعبِّر:
" ما أحلى مساكنك يا رب الجنود، تشتاق بل تتوق، نفسي إلى ديار الرب، قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي، العصفور أيضًا وجد بيتًا، والسنونة عشًّا لنفسها، حيث تضع أفراخها، مذابحك يا رب الجنود ملكي وإلهي، طوبى للساكنين في بيتك أبدًا يُسبحونك، طوبى لأُناس عزهم بكَ، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء، يُصيِّرونه ينبوعًا...يذهبون من قوَّة إلى قوّة... " (مزمور 84 1 – 7).
مكان للراحة.. مكان للشبع.. مكان للاستقرار.. مكان للتمتُّع بجمال الرب..
لم تكن نفسهُ مُشتاقة فحسب.. بل كانت تتوق للجلوس في أحضان الله..
وعندما أصبحت طرق بيت الله مغروسة في قلبه.. عندما تُصبح الخلوة اليومية والجلوس عند أقدام الرب مغروسة في قلبك.. النتيجة ستكون:
عابرين في وادي البكاء، يُصيِّرونه ينبوعًا...يذهبون من قوَّة إلى قوَّة..
مهما سيُصادفك من مصاعب ومشاكل وحروب وضيقات...
وحتىَّ لو سرت في وادي ظل الموت أو وادي البكاء.. ستجعلهُ يتحوَّل إلى ينبوع.. وستذهب من قوَّة إلى قوَّة.. لأنَّكَ جالس في حضن الآب.. ولأنَّهُ سيجعل هوَّة عظيمة بينكَ وبين أماكن العذاب واللهيب.. وهذه الهوَّة أُثبتت من قِبَلِهِ، ولن يستطيع أي أمر وأي عدو أن يجعلانك تعبر إليها.. ثق بكلمة الرب لكَ في هذا اليوم لتختبر نتائجها وثمارها..
أحبائي: إبليس يُركِّز هجومه إجمالاً على الخدَّام الأمناء للرب، والخدام الممسوحين والمشغولين بالخدمة، لأنَّ هؤلاء هُم من يشكلون الخطر الحقيقي عليه وعلى مملكته..
وهؤلاء الخدَّام ليسَ من السهل على الشيطان أن يجرَّهم إلى الابتعاد عن الرب بطريقة فاضحة.. بل سيتبع معهم طرق مخادعة وذكية.. سيتعامل معهم بدهاء ومكر..
ولا تتفاجأ عندما أقول لكَ الآن.. أنَّ أحد الطرق الشائعة التي يتبعها الشيطان معنا، هوَ أن يشغلنا بالخدمة الكثيرة.. لكي يسلب منَّا التواجد في حضن الآب.. مكان الحماية.. المكان الذي يُثبِّت هوَّة عظيمة بينك وبين أماكن العذاب واللهيب..
يجعلنا نُكثر من الخدمة وننسى الجلوس اليومي عند أقدام الرب.. في حضن الآب.. يجعلنا نُهمل خلوتنا اليومية مع الرب.. الخلوة التي نتمتَّع فيها بالشركة الحميمة مع من أحبَّنا وخلقنا من أجل لذته في الشركة معنا.. يجعلنا نبتعد عن التمتُّع في التأمُّل بكلمته خلال تواجدنا في محضره.. ويجعلنا نبتعد عن مكان سماعنا لتوجيهات الآب لنا وتحذيراته لنا من خطط العدو.. من كلام علم.. من كلام حكمة.. من إعلانات الروح القدس لنا.. فسيهل على العدو أن يجرّنا إلى أماكن العذاب واللهيب..
الرب يسوع، وكممثل لنا، وكمثال لنا عندما كانَ على أرضنا، كانَ يقضي الليل كلّه في الصلاة.. في حضن الآب.. وفي الصباح كان يجول يصنع خيرًا وينقض أعمال الشيطان، كانَ يشفي ويُحرِّر ويكرز بالبشارة... كان يحصد نتائج الجلوس في أحضان الآب:
" وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليُصلَّي، وقضى الليل كلَّه في الصلاة لله " (لوقا 6 : 12).
لم يكن يفعل أمر ما.. على حساب أمر آخر قطعًا..
عندما تكون في أحضان الآب.. ستعرف كل شيء.. ستتلقَّى توجيهات وتحذيرات الله لكَ.. ستتلقَّى إجابات الله لكَ على كل ما يعترضك.. تقول الكلمة:
" الله لم يرهُ أحد قط، الابن الوحيد الذي هوَ في حضن الآب هو خبَّرَ " (يوحنا 1 : 18).
الذي يكون في حضن الآب.. يعرف كل شيء.. ويكون المرجع الحقيقي لكي يُخبرنا كل شيء..
عندما ﭐتكأَ الرب مع تلاميذه ليتناول عشاء الفصح، تُخبرنا الكلمة كلامًا مُعبِّرًا في موضوع تأملنا هذا:
" وكانَ مُتكئًا في حضن يسوع واحد من تلاميذه، كان يسوع يُحبه، فاومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه، فٱتكأ ذاك على صدر يسوع وقال لهُ: يا سيد من هوَ؟ أجاب يسوع: هوَ ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه... " (يوحنا 13 : 23 – 26).
أخبرهم الرب أنَّ واحدًا منهُم سيُسلِّمهُ.. لم يسأل بطرس الرب مَنْ هوَ ذلكَ الشخص، بل طلب من الذي كانَ يجلس في حضن الرب، القريب جدًّا من الرب.. أن يقوم بهذه المهمة.. والرب أجابهُ.. كانَ يوحنا يقول دائمًا عن نفسه أنَّهُ التلميذ الذي يُحبُّه الرب.. لأنَّهُ كانَ يجلس دومًا في حضن الرب، ويتكأ على صدره..
من يجلس دومًا في حضن الرب، سيغدو مرجعًا للآخرين.. في نقل طلبات الآخرين للرب، وفي نقل أجوبة الرب للآخرين.. هوَ من يستقبل من الرب الإعلانات والتوجيهات في كافة الأمور والمسائل..
مرتا.. مرتا.. تهتمين بأمور كثيرة..
" وفيما هم سائرون دخل قرية فقبلته ﭐمرأة ﭐسمها مرثا في بيتها، وكانت لهذه أخت تُدعى مريم التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه، وأمَّا مرثا فكانت مُرتبكة في خدمة كثيرة، فوقفت وقالت: يا رب أما تُبالي بأن أُختي قد تركتني أخدم وحدي، فقل لها أن تُعينني، فأجابَ يسوع وقال لها: مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد، فٱختارت مريم النصيب الصالح، الذي لن يُنزع منها " (لوقا 10 : 38 – 42).
الخدمة الظاهرة في هذا المقطع.. كانت خدمة مرتا وليسَ ما قامت بهِ مريم.. وهنا تكمن الخطورة..
ظهرت مرتا للعيان كونها هيَ من كانت تخدم وتقوم بكل شيء.. والكلمة تقول أنَّ مرتا هيَ التي ﭐستقبلت يسوع في بيتها وليسَت مريم..
والكلمة تقول أيضًا أن خدمة مريم كانت كثيرة..
أليسَ هذا ما يحصل معنا؟
أليسَ هذا ما يُفتِّش عنهُ الجميع؟ خدمة كثيرة وظاهرة يراها الجميع؟
أليسَ هذا ما يهرب منهُ الجميع.. خدمة مخفيَّة كخدمة مريم؟
لكن الرب هنا يُفاجأ الجميع عندما يقول لمرتا:
أنتِ تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة.. لكـــن.. الحاجة إلى واحد فقط يا مرتا:
الجلوس في أحضان الآب.. الجلوس عند قدمي الرب.. قبل الخدمة وقبل أي شيء آخر..
ولماذا حسب رأيك قالَ الرب هذا الكلام؟
للأسباب التي تأملنا فيها حتى الآن.. ولسبب إضافي تذكره لنا كلمة الله، خلال زيارة ثانية قامَ بها الرب إلى بيت عنيا:
" ثمَّ قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات، فصنعوا لهُ هناك عشاء، وكانت مرثا تخدم، وأمَّا لعازر فكـان أحـد المتكئيـن معـه، فأخـذت مريـم منّا مـن طيـب نارديـن خالص كثير الثمن، ودهنـت قدمـي يسـوع ومسحت قدميـه بشعرها، فامتلأَ البيت من رائحة الطيب " (يوحنا 12 : 1 – 3).
المشهد السابق بالنسبة لمرتا يتكرَّر.. ما زالت كما كانت تخدم..
لم تتعلَّم الدرس من الرب في المرَّة السابقة بالجلوس عندَ أقدامه كما كانت تفعل مريم.. فبقيت على حالها.. تخدم فقط..
أمَّا مريم وبسبب ﭐختيارها النصيب الصالح.. الجلوس عند أقدام الرب.. فقد نمت ونضجت، فتمكنَّت أن تكسر عند قدمي الرب أغلى ما كانَ عندها.. طيب نادرين خالص كثير الثمن..
الجلوس في أحضان الرب وعند قدميه.. سيُعطيك القوة لكي تُقدِّم للرب أغلى ما عندك.. تُضحِّي حتَّى بأسحاق الذي تُحبه.. تغدو بالكامل للرب.. وهذا سيُثبِّت هوَّة عظيمة بينك وبين كل أمور ومباهج العالم.. كل جاذبية الخطيئة.. كل أمور ولو كانت ظاهريًا ليست سيئة.. بل تحتل مكانًا ولو صغيرًا في قلبك إلى جانب الرب.. ستتمكَّن أن تكسرها عند أقدام الرب، عندما تتعوَّد أن تكون دومًا في أحضان الآب.. عندما تُصبح طرق بيته في قلبك.. كما يقول المزمور الذي تأملنا فيه..
أحبائي.. عندما ننشغل بالخدمة على حساب الجلوس في أحضان الآب.. عند أقدام الرب.. قد نُصبح عرضة.. للانزلاق إلى أماكن العذاب واللهيب..
تقول العروس في سفر نشيد الأنشاد:
" أنا نائمة وقلبي مستيقظ، صوت حبيبي قارعًا، ﭐفتحي لي يا أُختي، يا حبيبتي، يا حمامتي، يا كاملتي، لأنَّ رأسي ﭐمتلأَ من الطل، وقصصي من ندى الليل، قد خلعت ثوبي فكيف ألبسهُ، قد غسلت رجليَّ فكيف أوسخهما، حبيبي مدَّ يده من الكوَّة فأنَّت عليه أحشائي، قمت لأفتح لحبيبي ويداي تقطران مرًّا وأصابعي مر قاطر على مقبض القفل، فتحتُ لحبيبي، لكنَّ حبيبي تحوَّلَ وعبر، نفسي خرجت عندما أدبرَ، طلبتهُ فما وجدته، دعوته فما أجابني، وجدني الحرس الطائف في المدينة، ضربوني، جرَّحوني، حفظة الأسوار رفعوا إزاري عنِّي " (نشيد الأنشاد 5 : 2 – 7).
يشتاق الرب للجلوس معنا جلسات حميمة، وهوَ يعرف خطورة بعدنا عن هذه الجلسات، خطورة بُعدنا عن الجلوس في أحضانه بصورة يومية ومُنتظمة.. ولهذا وعندما ﭐعتذرت الحبيبة عن فتح الباب، حاولَ مد يدهُ ليفتح، لكنَّ الباب كانَ مُقفلاً بإحكام، وهوَ الذي لا يتجاوز حرَّية ﭐختيارنا، لن يُرغمنا بالقوة للجلوس معهُ.. مضى عندها وعبر..
وعندما حاولت تصحيح الوضع في الوقت غير المناسب.. ﭐعترضها الحراس.. ضربوها.. جرَّحوها.. عرُّوها..
تأمُّل رمزي لما قد تفعلهُ خياراتنا الخاطئة والأرواح الشريرة فينا، عندما نبتعد عن الجلوس في أحضان الرب، مُقدمِّين لهُ أعذارًا كثيرة كما فعلت العروس..
سنُضرَب وسنُجرَّح وسنُعرَّى.. فلنكن حذرين..
هل ﭐنشغلتَ في الخدمة كثيرًا على حساب الجلوس اليومي في أحضان الآب؟
هل أصبحت الخدمة روتين.. دوافعك حب الظهور.. تريد أن يراك الناس تخدم كما كانت مرتا.. لكن القلب فاتر وبعيد عن الرب؟
هل فترت محبتك للرب؟
هل ﭐنجرفتَ بعيدًا عن الرب.. وتربَّعَتْ على عرش قلبك أمور كثيرة إلى جانب الرب؟
هلى أصبحتَ تُساوم على بعض الأمور غير النقيَّة أو غير المتوافقة مع دعوة الرب لكَ ومشيئته لحياتك؟
هل تُعاني من ضيقات ومشاكل.. إبليس يضربك ويُجرِّحك ويُحاول تعريتك؟
هل وبعدَ أن كنتَ مُشتعلاً في الرب.. مُدقِّقًا في سلوكك.. ترفض كل ما لا يتناسب مع كلمة الله.. أصبحتَ الآن تقبل أمورًا كثيرة لا تتطابق مئة بالمئة مـع كلمـة الرب.. محاولاً إيجاد التبريرات المناسبة لها؟
هل تُحاول تعويض نقص ما في حياتك من مصادر أُخرى غير الرب؟
وهل.. وهل.. وهل؟
السبب واحد.. لم تعد تجلس في حضن الآب يوميًا.. والهوَّة العظيمة بينك وبين مكان العذاب واللهيب لم تعد مُثبَّتة كما كانت.. لم يعد العبور إلى ذلكَ المكان مستحيلاً !!!
ويبقى الحل..
لا تُحاول وأنتَ في مكان العذاب واللهيب هذا، أن تطلب من الله أن يُرسل لكَ من يبل طرف إصبعه بماء ليُبرِّد لسانك.. فليست هذه حلول الرب..
بل حل الرب واحد فقط.. كما قالَ لمريم التي ﭐختارت النصيب الصالح..
العودة إلى أحضان الآب.. والعودة إلى الشركة الحميمة معهُ.. إلى التمتُّع بجماله.. إلى فتح الباب للحبيب عندما يقرع..
لا تُحاول إصلاح نفسك.. ومن ثُمَّ العودة إلى أحضان الآب.. بل تعالَ إلى أحضانه كما أنت لكي يُصلحك هوَ، لكي يُشبعك من محبَّته.. ويُثبِّت الهوَّة بينك وبين مكان العذاب واللهيب من جديد..
فالنفس الشبعانة من محبَّة الآب، وحدها تدوس عسل العالم ومباهجه.. فالكلمة تقول:
" أمينة هيَ جـروح المُحب، وغاشة هيَ قُبلات العـدو، النفـس الشبعانة تـدوس العسل، وللنفس الجائعة كل مر حلو، مثل العصفور التائه من عشه، هكذا الرجل التائه من مكانه " (أمثال 27 : 6 – 8).
ما أثمن هذه الكلمات يا أحبائي..
كم من راحة مُتعبة.. وكم من تعب مُريح..
أمينة هيَ جروح المحب.. فهيَ لخيرك في النهاية.. لمنفعتك.. وكم هيَ غاشَّة قبلات العالم وقبلات العدو.. كم هيَ غاشة الأمور التي قد تأتي براحة وقتية للنفس، كم هيَ غاشة العواطف الطبيعية التي نُحاول من خلالها إسكات وإشباع حاجات النفس الكثيرة.. المرأة السامرية حاولـت خمـس مرَّات ومن خلال خمس علاقات عاطفية ليست في مشيئة الرب، أن تُعوِّض ما كانَ ينقصها من عطف وحنان وحب.. لكنها لم تنجح، والرب قالَ لها:
تشربين وتشربين لكنك ستعطشين ثانيةً.. فقط عندما تشربين من مائي أنا سترتوين إلى الأبد ولن تعودي تعطشي..
فالنفس التي تشبع من الرب.. من محبة الآب عندما تجلس دومًا في أحضانه، ستدوس على العسل الآتي من أماكن أخرى..
والنفس الجائعة .. النفس التي لم تشبع من محبة الرب، ستجد كل مر حلو..
وهنا تكمن الخطورة..
مثل العصفور التائه من عشه، هكذا الرجل التائه من مكانه..
هل تتخايل معي وضع العصفور الذي أضاع عشَّهُ، وتاهَ عنه؟
طيران دائم ربما.. تعب.. أماكن بديلة لا تجلب لهُ الراحة.. عرضة لفخ الصيادين...
هكذا الرجل التائه والبعيد عن أحضان الآب..
والآن.. إعلن إيمانك وقل للرب:
أمَّا أنا فلن أكون بعد اليوم تائهًا كهذا العصفور.. بل كما تقول كلمتك العصفور أيضًا وجدَ عشًّا.. ولن أكون كالمرأة السامرية، مُحاولاً إرواء عطشي من مياه العالم.. لن أترك نفسي جائعة لكي تجد كل مر حلو.. ولن أسمح لشيء بأن يُبعدني عن الجلوس في أحضانك.. سأفتح الباب عندما تقرع عليه.. ولن أتأخَّر للحظة واحدة.. بل أتوق للجلوس معك لكي أتفرَّس بجمالك أيها الحبيب..
ضمَّني إلى صدرك.. ٱحفظني في أحضانك.. وٱجعل بيني وبين العالم ومشاغل الحياة، هوَّة عميقة وثابتة، بحيث لا يُمكنني بعدَ اليوم العبور إلى العالم وإغراءَته، ولا يُمكن للعالم وإغراءَته أن يعبروا إليَّ..
أنا لحبيبي وحبيبي لي..
أنا لحبيبي.. وإليَّ ٱشتياقه.. شماله تحت رأسي ويمينه تُعانقني..
في أحضانك سأبقى مدى العمر.. ولن يفصلني شيء عن محبتك بعدَ اليوم.