|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما الذي تعنيه كلمة ”مسيحي“؟ للقديس غريغوريوس النيسي ما الذي تعنيه كلمة ”مسيحي“(1)؟ المقصود بهذه الكلمة بدقة هو الحياة وفقاً للفضيلة، طالما أننا نشتاق أن نكون بالتهذيب على مستوى عالٍ. كما تعني هذه الكلمة السلوك والممارسة الفعلية لمتطلباتها. لأنه كما أن الذي يتطلَّع إلى أن يُدعَى طبيباً أو خطيباً أو مهندساً، لا يستحق هذا اللقب حتى يحصل على بعض التعليم، أي حتى يكتشف من الخبرة والممارسة ما يتفق مع لقبه، وإلاَّ فهو يُدعَى بلقبٍ زائف؛ هكذا إذا بحثنا في المعنى الحقيقي لكلمة ”مسيحي“ ووجدناه، فإننا سوف نختار أن تتفق حياتنا مع ما يدل عليه هذا الاسم. قصة القرد المُتنكِّر: يُحكَى أن شخصاً يعمل كاستعراضي مسرحي في الإسكندرية، كان قد درَّب قرداً أن يرقص برشاقةٍ، وكان يُلبِسه قناع وجهٍ وزيّاً يتناسب مع الراقصين، كما أنه أحاطه بفرقة عازفين، وبذلك فقد اكتسب شهرةً، لأن القرد كان يتمايل بجسمه مع صوت الموسيقى، ويُخفي طبيعته الحيوانية بحركاته بكل الطرق. ومرةً بينما كان المتفرِّجون مفتتـنين بهذا المشهد المبتكر، حدث أنَّ واحداً منهم كان ذكياً، فكشف للمتفرِّجين بنوع من الحيلة أن الراقص كان قرداً؛ إذ بينما كان الكل يصيحون ويهلِّلون لحركات القرد، التي كانت وفقاً للإيقاع الموسيقي، ألقى هذا المتفرِّج في مكان العرض بعضاً من الحلوى الشهية لمثل تلك الحيوانات، مما جعل القرد ينسى الرقص وملابسه المُتقنة ويُسرع بالتقاط كل ما وجده بكفَّي يديه. ولكيلا يَحُول قناع وجهه التنكُّري بينه وبين فمه أزاحه جانباً، فانفجر المشاهدون بالضحك بدلاً من الإعجاب إذ برز وجهه القبيح الداعي إلى السخرية. فكما أنَّ الشكل الظاهري الذي انتحله لم يكن كافياً لهذا المخلوق لكي يُعتَبَر إنساناً بمجرد أن كُشِفت طبيعته الحقيقية بسبب اشتهائه للحلوى؛ هكذا أيضاً الذين يُشكِّلون ذواتهم بغير طبيعتهم الأصلية فيما يتعلَّق بالإيمان، ينكشفون بسهولةٍ بسلوكهم الشيطاني أنهم ليسوا كما يعرف الناس عنهم... فمن الضروري، إذن، أن نفهم معنى كلمة ”مسيحي“ حتى نصير حسبما تتضمَّنه هذه الصفة، ولا نُفضَح أمام مَن يُدرك ما هو مخفي فينا، أي أننا تنكَّرنا بالتظاهُر بأننا مسيحيون في حين أنَّ ما يبدو علينا هو عكس ذلك. يمكننا - بواسطة الذين هم أحكم منَّا - أن نكتشف المعنى الأعمق لكلمة ”مسيحي“. ولنبدأ بالاسم الذي انتسبت إليه هذه الكلمة، وهو اسم ”المسيح“ الذي يعني في الواقع ”الملك“ (أي الممسوح ملكاً). هكذا يُشير الكتاب إلى هذا اللقب الملكي: «ربنا يسوع المسيح... المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب» (1تي 6: 15،14). ولكن حيث إن اللاهوت، كما يقول الكتاب، لا يمكن وصفه أو إدراكه لأنه يفوق على كل فكر وإدراك؛ فإنَّ الأنبياء المُلهمين بالروح القدس والرسل، كان لابد أن يُساهموا بكلمات وأفكار عديدة تُناسب مداركنا عن طبيعة المسيح الطاهرة، إذ وضع كل منهم لنا فكرة لاهوتية معينة. إن سيادة المسيح على الجميع قد أُعلنت بالإشارة إلى مُلْكه، كما أنَّ طهارته وانعدام أي هوى أو شر فيه يُشار إليها بأسماء الفضائل المنسوبة إلى الله القدير. وقد استُعمِلَت في ذلك تعبيرات مثل: العدل، الحكمة، القدرة، الحق، الصلاح، الحياة، الخلاص، الطهارة، الدوام، عدم التغيير، وأية صفة سامية أخرى تُقال عن شخص المسيح ذاته. ولعلنا بذلك يمكننا أن نُفسِّر معنى كلمة ”مسيحي“. فإن كنَّا نحن الذين اتحدنا به بالإيمان تصير صفاتنا مشابهةً لصفات ذاك الذي تفوق طبيعته الطاهرة على كل تفسير لفظي، فيتحتَّم علينا أن نصير (في حياتنا الروحية) على مثال هذه الطبيعة الطاهرة. فكما أنه بمشاركتنا في شخص المسيح قد وُهِبَ لنا لقب ”مسيحيين“؛ هكذا أيضاً فإننا نربح نصيباً فيما ينطوي عليه هذا اللقب من معانٍ سامية. التشبُّه بالطبيعة الإلهية: فإذا حمل المرء اسم المسيح ولا يُبدي في حياته ما يُشير إليه هذا الاسم، فهو يُعطي فكرةً خاطئةً عن هذا الاسم ويرتدي قناعاً بلا حياة. لأنه يستحيل على المسيح ألاَّ يكون هو البر والطهارة والحق، وغريباً عن كلِّ شرٍّ؛ هكذا يستحيل على المرء أن يكون مسيحياً حقيقياً دون أن يُبدي مشاركةً في تلك الفضائل. إذن، فيمكننا أن نُعرِّف المسيحية بأنها هي التشبُّه بالطبيعة الإلهية: «شركاء الطبيعة الإلهية» (2يط 1: 4). وليته لا يُعارِض أحدٌ هذا التعريف باعتباره غير معتدل ويفوق على طبيعتنا الضعيفة. فالإنسان الأول قد تشكَّل «على صورة الله» (تك 1: 27)، وكلمة ”مسيحي“ تُعيد الإنسان إلى نصيبه الصالح الأصلي. وكما أن ما يجذب الحلقة في السلسلة إلى قمتها يجذب أيضاً الحلقات الأخرى؛ هكذا أيضاً فطالما أن بقية الكلمات التي تشرح بركة الرب التي لا تُوصَف والمتعدِّدة الأشكال تُرافق كلمة ”المسيح“، فمن الضروري للإنسان المنجذب إلى رفقته أن يُشاركه في هذه المواصفات. ولكن إذا كان الإنسان أصلاً مخلوقاً على شِبه الله، فلعلنا لم نذهب بعيداً عن الحدود بإقرارنا أن المسيحية هي تشبُّه بالطبيعة الإلهية. عظيمٌ حقّاً هو الوعد الذي يتضمَّنه هذا اللقب. ولعلَّه من الملائم أن نفحص أيضاً ما إذا كان عدم اتفاق ذلك التعريف مع حياة المرء يكون بدون خطر لمَن يستعمل تلك الكلمة. ومثالاً لذلك، لنفرض أن رسَّاماً أُعطِيَ تفويضاً أن يرسم صورةً للملك للذين يعيشون بعيداً عنه. فإذا رسم شكلاً مُضحكاً وقبيحاً، فإنَّ هذا الشكل الكريه لصورة الملك لا شكَّ سيُضايق السلطات، على أساس أن شكل الملك الأصلي الوسيم قد أُهين بهذا الرسم الرديء بين الذين لم يروه قط! فإذا عُرِّفت المسيحية بأنها تشبُّه بالله، فإنَّ الذي لم يُعطَ شرحاً لهذا السرِّ سيظن أن اللاهوت يمكن أن يُرى مثلما تُرَى الأشياء المنظورة. ولكن إذا عرف المرء أن ما يراه من نماذج صالحة هو تشبُّه حقيقي بصلاح الله، فسيؤمن أن اللاهوت الذي نوقِّره صالحٌ. أما إذا كان المرء عاطفياً وغير متزن ويتقلَّب من هوى إلى آخر، ثم سمَّى نفسه مسيحياً؛ فإنه يجعل اللاهوت موضوعاً للملامة (حتى) بين المؤمنين. والكتاب المقدس ينطق بتهديد مخيف لمثل هؤلاء قائلاً: «ويلٌ للذين بسببهم يُجدَّف على اسمي بين الأُمم» (إش 52: 5). ويبدو لي أن الرب يقود أفكارنا في هذا الاتجاه عندما يقول: «كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل» (مت 5: 48). لأنه إذ اعتبر أن الله هو الأب الحقيقي للمؤمنين، فهو يرغب أن يكونوا مثل الآب في الكمال. وقد تسألني: ”كيف يمكن لضعف البشرية أن تمتدَّ إلى البركة التي تُرَى في الله، طالما أن عدم القابلية للتصديق في الوصية واضحة بكيفية مباشرة؟ كيف يمكن للأرضي أن يكون مثل ذاك الذي في السماء، حيث إنَّ اختلاف الطبيعتين يُثبت عدم إمكان البلوغ إلى هذا التشبُّه؟“. ولكن شرح ذلك واضحٌ. فالإنجيل لا يأمر طبيعةً ما أن تُركَّب مع طبيعة أخرى، أقصد الطبيعة البشرية مع الطبيعة الإلهية، ولكنه يأمر بالتشبُّه بالأعمال الصالحة في حياتنا بقدر الإمكان. ولكن أية أعمال لنا يمكن أن تُشبِه أعمال الله؟ إنها تلك الخالية من كل شرٍّ. هذا هو حقّاً التشبُّه باللاهوت والكمال المتصل بإله السماء. ولا يبدو لي أنَّ الإنجيل يتكلَّم عن جَلَد السماء كأنه مسكنٌ بعيد لله عندما ينصحنا أن نكون كاملين مثل أبينا السماوي، لأن اللاهوت حاضرٌ وكائن في كل مكان، ومهيمن على كل الخليقة، وهو ليس بعيداً عن الكون، ولكنه يتلامس مع كل عنصر من عناصر الكون. وهكذا يقول النبي: «إن صعدتُ إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشتُ في الهاوية فها أنت. إن أخذتُ جناحَي الصبح وسكنتُ في أقاصي البحر، فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك» (مز 139: 8-10). فيمكن أن نتعلَّم من ذلك أنه إذ لا يوجد كائن منفصل باختياره عن الله، فهذا يكون تماماً مثل الحياة في السماء. والمسيح الذي يأمرنا أن نتشبَّه بأبينا (السماوي)، يوصينا أن نفصل أنفسنا عن الأهواء الأرضية، وهذا الانفصال لا يتم بتغيير المكان، بل إنه يتحقَّق فقط بالاختيار. إذن، فالتغرُّب عن الشر يتم فقط في الفكر، وهكذا فإن الإنجيل لا يأمرنا بشيء صعب، فهو يقول: «لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض... بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء...» (مت 6: 20،19). وبذلك فإن الإنجيل يُشير إلى القوة الإلهية التي تُدبِّر لنا بركات السماء. وبذلك أيضاً نستبدل الأرضيات بالسماويات، الزمنيات بالأبديات، وهو ما لا يمكن أن يُعبَّر عنه بالكلام كما يقول الرسول: «ما لم تَرَ عين، ولم تسمع أُذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعدَّه الله للذين يحبُّونه» (1كو 2: 9). لعل، يا عزيزي، ما يُرضي الله يكون دائماً في ذهنك وفي قلبك وفي قلبي أنا أيضاً. |
24 - 11 - 2013, 06:00 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: ما الذي تعنيه كلمة ”مسيحي“ ؟؟
شكرا ربنا يبارك خدمتك
|
||||
28 - 11 - 2013, 08:32 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: ما الذي تعنيه كلمة ”مسيحي“ ؟؟
ميرسى يامارى على مرورك ومشاركتك
|
||||
29 - 11 - 2013, 09:34 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: ما الذي تعنيه كلمة ”مسيحي“ ؟؟
شكرا على المشاركة
ربنا يبارك حياتك وخدمتك |
||||
01 - 12 - 2013, 09:30 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: ما الذي تعنيه كلمة ”مسيحي“ ؟؟
ميرسي ياماري علي مشاركتك الجميلة
|
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كما نمت كلمة الله يسوع المسيح كذلك ينمو كل مسيحي |
في مثل الزارع كما نمت كلمة الله كذلك على كل مسيحي ان ينمو |
بأسى وبحزن كلمة عذا ء للشعب المصري ولكل مسيحي مضطهد |
ماذا تعنى كلمة مسيحى ؟ |
تعريف كلمة مسيحي |