|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أنسمع بآذاننا ولا نحيا، أننطق بأفواهنا ولا نفعل،
أنزرع ولا نُثمر ، أين إيماننا في هذه الأيام الصعبة والشدة تحاصرنا من كل مكان، فنحن نحزن ونتضايق للغاية ونشعر بالضيق غصة شديدة المرارة في الحلق، ونصرخ من الأعماق أين أنت يا رب، ونتذكر قوة الله وعمله وصنيعه مع الآباء والقديسين، ونتذكر الآيات والمعجزات التي صُنعت باسم القديسين ونشرناها وتكلمنا عنها كثيراً، لكننا الآن لا نراها، مع أننا رسخناها كتعليم في وجدان أبناءنا وكل من نخدمهم، فباتت وكأنها هي الأساس والمقياس الذي لنا لنحكم هل الله معنا أم ليس معنا، لذلك حينما لا نرى هذه المعجزات ولا نرى أن الله يدافع عن الكنيسة كمبني ونقول بلسان القلب يا رب انتقم من الأعداء وابطل سائر أعمالهم، وانقذ الكنائس من الدمار والحريق لأننا تعبنا حتى انشئنا كنيسة نصلي فيها، ولكننا لا نرى اي استجابة لصلواتنا هذه، لذلك نجد أن البعض يأن في داخله، والآخر يتذمر على الله، والبعض يفقد إيمانه بتدخل الله وعمل قوته، والبعض ينكر وجود الله من الأساس، والآخر يظن أن الإيمان كذبه لأنه كان عِبارة عن قفزة في الظلام ليس فيه رؤية، ومجرد تصديق خيالات وافكار ليس لها واقع في حياتنا اليومية، وهكذا يظهر مشكلة نشر المعجزات وتأثيرها على الإيمان حتى – عن دون قصد – انشأنا جيلاً لا يحيا بالإيمان إنما بالعيان ويرتكز على المعجزات وقوة الله الخارقة بدون أن يكون له شركة حقيقية مع الله التي تظهر في وقت المحن والمشقات... فالآن يا إخوتي علينا أن نُدرك أن الكلام الكثير عن المعجزات كان خللاً في التعليم الذي نُقدمه، لأن هذه ليست حياة من آمن بمسيح الحياة، مسيح القيامة، بل لازال إيمانه على مستوى العهد القديم وقانون العيان والحياة حسب العالم وأرض المزلة والالتصاق بالتراب، لأننا نحزن على مبنى ولا نحزن على نفس تهلك.. فبما أن أكثركم معلمين وناقلي التراث الآبائي وتكتبون وتبشرون وتناقشون الناس لتوصلوا لهم التعليم الصحيح والفهم الصالح للكتاب المقدس، انهضوا قلوبكم بإيمانكم الحي، وانظروا وتفرسوا في وجه النور الساطع من وجه يسوع، فأن كنتم ناظري الله حقاً فذكروا الجميع أن كل آباءنا أتت عليهم كل بلوى محرقة ليُمتحنوا هل يعبدون الله الحي وإيمانهم ثابت لا تزحزحه أو تأثر فيه اي محنة أو مشقة، فلنذكر جميعاً كيف امتحن الله ابونا إبراهيم وبعد ان امتحن بالنار فصار قلبه ذهباً مصفى فَدُعيَّ خليل الله، وهكذا كل أنبياء وقديسي العهد القديم بل والجديد أيضاً قد جازوا في شدائد كثيرة جداً وظلوا على أمانتهم في إيمان حي عامل بالمحبة، وثقتهم لم تتزعزع في ملك الدهور الله الحي، فتذكروا كيف اختبر كل القديسين شركة الألم مع المسيح الحي، ولم يتذمر منهم أحد بل وضعوا كلمة الرب للتلاميذ امام أعينهم حينما صرخوا الا يهمك اننا نهلك فقال لهم: [ أين إيمانكم ] (لوقا 8: 25) يا إخوتي الإيمان ليس حياة فكر، ولا محبة الله محبة رومانسية تدغدغ المشاعر فنألف قصص ونكتب الأشعار ونقول كلمات ونحتفل ونغني، لكن الإيمان يُترجم لحياة على أرض الواقع تظهر ثقة في الأزمات حتى لو استشهدنا أو مات أولادنا وأصدقاءنا وحُرقت كل كنائسنا وغُلقت كل أديرتنا، والمحبة تُترجم بذل وتسليم دائم لمن يقضي بعدل، لا لكي يحكم على أعدائنا ولا يسكب ويلاته عليهم، بل ليرحمهم ويعين ضعفنا ويقوي إيماننا...
عموماً وبدون تطويل فكما سبق وقلت لكم – وقليل من يسمعني بقلبه – أن المشكلة تنحصر كلها في الإيمان الحي، وليس الإيمان النظري، فالإيمان الحي هو علاج القلب وشفاؤه، ويقول الأب يوحنا الدرجي: [ الإيمان هو وقفة النفس ثابتة لا تزحزحها أية بلية أو محنة. ذو الإيمان الحق ليس هو الذي يفتكر أن كل شيء ممكن لدى الله، بل الذي يرى وجوب قبول كل شيء من يد الله ]، لأن الإيمان الحي ليس قفزة في الظلام، بل هو الدخول في النور، وانفتاح بصيرة ليرى الإنسان مجده الخاص في شخص المسيح القيامة والحياة...
يا إخوتي تيقنوا أن الإيمان الحي على مستوى الواقع العملي المُعاش هو مفتاح كنوز الله. وهو يسكن القلوب البسيطة الرحومة التي تُصدق وتؤمن " كل شيء مستطاع لدى المؤمن "، فالإيمان الحقيقي الفم المفتوح أمام الله الحي تنسكب فيه الينابيع الإلهية الفائقة، فيخرج من القلب حياة مُعاشه وشهادة حية تجذب الناس بشوق عظيم لمسيح القيامة والحياة.
|
|