|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سمعان وعواطفه تجاة السخرة من الواضح أن سمعان لم تكن له علاقة سابقة بالمسيح قبل أن يسخر لحمل صليبه، ولا شك أن عاطفتين تملكتاه في ذلك اليوم، وهما الغضب، والشفقة، أما الغضب في باديء الأمر، فواضح من كلمة «سخروا» وأي إنسان يسمع هذه الكلمة، لابد يمتليء غضبًا، فالسخرة أساسًا هي إهدار لآدمية الإنسان، واكراهه على ما لا يرغب أو يريد، مع ما فيها من إذلال وامتهان وإعدام لحريته، وهي في العادة عنوان لأشد أنواع العسف والطغيان، والتاريخ مليء بالصفحات السوداء في حياة الأفراد والعشائر والشعوب التي عانت ومازالت إلى اليوم تعاني من السخرة بشتي أنواعها الأدبية والاجتماعية، ويكفي أن نرى ما عانى شعب الله في أيام الفراعنة وكيف صعد صراخهم إلى السماء من السخرة والمسخرين، وكيف كان الظلم يقع رهيبًا بشعًا في أيام القضاة، وويل للضعيف من استبداد الأقوياء، وكان من حق سمعان القيرواني أن يغضب ويسخط، وعلى وجه الخصوص، لأن حمل الصليب كان عارًا دونه أي عار، لكن عاطفة الغضب تزحزحت إلى الوراء، عندما حلت محلها عاطفة الشفقة على المتألم الذي يحمل صليبه إلى هضبة الجلجثة، ... عندما اعتلى نيقولا الأول قيصر الروس عرش بلاده، زج بعدد كبير من أشراف الروس في السجون للثورة الهائلة التي قاموا بها ضده، ومن بين هؤلاء، قبض على نبيل روسي كان بريئًا، ولم يكن له ضلع في المؤامرة ولكنه كان حاد الطبع سريع الانفعال، فزداد السجن والظلم انفعاله وشراسته، فكان يتحرك في زنزانته كما يتحرك الوحش الجريح يلعن الإمبراطور ويجدف على الله، إذ كيف لا يستطيع أن يمنع الظلم، وقد زاره في السجن أحد خدام الله، وأعطاه الكتاب المقدس، ورجاه أن يقرأه، ولكن النبيل قذف بالكتاب بعد أن خرج الخادم، كيف يقرأ كتاب إله يترك الطغيان يستشري في الأرض!! ولكنه بعد قليل اضطر لوحدته وعزلته أن يمسك بالكتاب ليقرأه، لأنه لم يجد شيئًا آخر خلاف الكتاب أمامه، وقرأ وقرأ، وازدادرغبة في القراءة حتى وقف أمام صليب الفادي، ورأى أعظم قصة - في التاريخ - في الظلم والإهانة، وهنا رقت نفسه وهدأت روحه إذ أدرك أنه وراء المسيح المتألم يسير، وانجابت عن نفسه ثورة الغضب، وحلت محلها روح الشهيد، قدم للمحاكمة وعجز عن أن يثبت براءته، فحكم عليه بالاعدام، وعندما فتح السجان باب زنزانته ذات يوم، توقع أن يبصر رسول الموت أمامه، ولكن لدهشته العظيمة أبصر القيصر نفسه، وقد جاء بعد أن اكتشف وثيقة تؤكد براءته، وقد جاءه يعتذر ويعفو، وخرج النبيل من ظلمات سجنه إنسانًا آخر ليعيش بقية حياته صديق المحزونين والتعساء والخطاة، وعندما مات ترك وراءه شيئين عزيزين مستشفى كبيرًا والكتاب العزيز الذي قذف به يومًا ما في ركن الآنزانج، فقد احتفظ به إلى آخر أيام حياته، كأثمن كتاب جاء به إلى المخلص الوحيد! ... ولقد ضاعت آلام سمعان القيرواني، وهو ينظر إلى المتألم الأعظم الذي اشترك معه في حمل الصليب!! ... عندما أصبح دكتور فرانك جانسليوس راعيًا لإحدى الكنائس الكبرى في شيكاغو، جاءه إلى المكتب في يوم ما، أحد الشمامسة، وكانت الخدمة قد بدأت ولم يحضر الراعي، فذهب إليه الشماس لينبهه إلى موعد الخدمة، فرآه غارقًا في دموعه، وهو يطل من النافذة، فقال الشماس : ياسيد إن الميعاد قد جاء لبدء الخدمة، وقال الراعي : «أشكرك لأنك نبهتني إلى ذلك، فقد نسيت كل شيء!! فقال له الشماس : ولكن لماذا تبكي!!؟ فقال الراعي : لقد كنت أنظر إلى هذه الأكواخ العديدة، لاشك إنه شيء مفزع ومرعب أن يعيش من فيها هذه الحياة التعسة الفقيرة، فقال الشماس : هذا مؤلم حقًا! لكن لا تقلق نفسك هكذا يا سيدي، فبعد قليل ستتعود على هذه المناظر! فقال الراعي : أنا أعلم ذلك، وهذا هو الذي يبكيني! ما أقسى أن ننظر إلى آلام الآخرين باستهانة وعدم تقدير ودون مبالاة، إنها المأساة التي تبرأ منها سمعان القيرواني في يومه العظيم مع المسيح!! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
فلنخلع عنَّا ثياب الحـزن ونلبس ثياب البهجة |
سمعان ومجد السخرة |
سمعان وآلام السخرة |
سمعان وسر السخرة |
سمعان ووقت السخرة |