|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاتجاه التطبيقي العملي للتوبة لكل حياة لها طابعها الخاص وأسلوبها المتميز عن غيرها، فابن الفلاح تختلف طريقة حياته وسلوكه عن ابن التاجر، وابن التاجر يختلف عن ابن السفير، وهكذا حينما ننظر لوضع كل واحد وطريقة حياته سنجدها تختلف بشكل جوهري وجذري عن الآخر حتى لو بدى أن هناك بعض الأشياء المشتركة، ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يأخذ دور الآخر أن لم يتغير جذرياً في كل شيء، أي تتغير طباعه وسلوكه وطريقة نطقه وتفكيره ونهجه .. الخ ...
لذلك يا إخوتي علينا أن نعي أن ما يقوله الناس ويكتبونه من جهة التداريب الروحية والتي هي أساسها يعتمد على قدرات الإنسان وقوة إرادته، لكي يتخلص الإنسان من خطيئته، لأنها كلها تندرج تحت اسم: [ الأعمال البالية ]، التي تُسمى حسب الإنجيل: [ أعمال الجسد ]، وأن حدث ونجح فيها أحد، فهي تُربي ذاته وتجعله متكبراً منتفخاً، وأن فشل يظن أنه ميتاً عن الله وغير قادر أن يحيا معه ويستسلم في اليأس ويدخل في هستيريا البكاء المُرّ، لا من أجل التوبة بل من أجل الذات، إذ يقول في نفسه: [ كيف لواحد مثلي أن يسقط بهذه الطريقة ]، وهذا يُسمى عن الآباء [ بُكاء كبرياء النفس ]، لذلك علينا أن نعي أن التوبة المسيحية الخالصة لها بنود تختلف تماماً عن التداريب والأفكار الإنسانية التي تنتشر بلا وعي روحي سليم، لأن أساسها التي تقوم عليه هو ما قاله الرسول: [ المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة ] (غلاطية 3: 13) فانظروا وقارنوا بين الآيتين السابقتين لتعرفوا الفرق العظيم ما بين التوبة حسب أعمال الجسد التي بإرادة الإنسان، وبين أعمال الروح التي بقوة الله بعمل صليب ربنا يسوع في أعماق القلب من الداخل، ولنصغي بكل قلبنا ونركز جداً في هذه الآيات التي أضعها أمامكم لتُعاينوا موضعكم في المسيح:
لذلك يا إخوتي كل من يدخل في سرّ الخلاص العظيم، في تجديد الروح يصير ليس في الجسد ولا يحيا حسب قدراته، لذلك يقول الرسول: [ أما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح أن كان روح الله ساكناً فيكم، ولكن أن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له.. لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت ] (رومية 8: 9و 2) عموماً سنركز على خمسة نِقاط هامة لكي ندخل في سرّ حياة التوبة لنعرف كيف نتوب على وجه الدقة من جهة التطبيق، لذلك سنتكلم في الآتي: [1] التوبة عطية الله – [2] الإيمان والثقة في الله – [3] دور الإرادة الحقيقي – [4] الاتجاه العملي لصدق الإرادة – [5] قرار التوبة وسرعة الذهاب للمخلِّص
كما اتضح لنا من كل ما سبق وشرحناه سابقاً بروح بشارة الإنجيل، أن التوبة لا تعني مجرد أن يكف الإنسان عن فعل الشر في حد ذاته رغم أهميته، بل في الواقع المسيحي تعني: التغيير والتجديد المستمر، أي يُصبح الإنسان إنساناً جديداً يتبع شخص المسيح الحي في حياة التجديد المستمر، لأن لو كف الإنسان عن الشر لا يعني أنه قادر على أن يتبع طريق الحياة، لأن الموت لا يُخرج حياة، ولا الفاسد يقدر من ذاته أن يُصبح صالحاً لشيء، مثلما نأتي بقطعة من الخشب ونضع فيها آلاف من المسامير، ولو أحببنا أن نستخدمها في شيءٌ آخر وبدئنا ننتزع كل ما فيها لنُعيدها كما كانت، فأن لو نزعنا منها كل المسامير ونظفناها بالتمام ولمعناها جيداً جداً، لكن ستظل آثار المسامير واضحة فيها جداً، ولا يوجد حل آخر سوى استبدالها، لأنها لن تكون صالحه فيما بعد، هكذا حياة الإنسان كما تيقنا من خلال الموضوع كله أنه يحتاج أن يتجدد ويتغير، ولكن من منا قادر على أن يجدد نفسه ويغيرها ليُصبح إنساناً جديداً يحيا في براءة تامة ولا تعتليه شائبة شرّ أو تملك عليه، لأن الرب يقول: [ من منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحداً ] (متى 6: 27) عموماً التوبة هي عبارة عن: [ انسلاخ وخلع وموت الإنسان القديم، وولادة ولبس الإنسان الجديد الذي يتجدد كل يوم حسب صورة خالقه ]، لذلك فأن التوبة ليست سهلة من جهة أن في بدايتها موت للدخول في الحياة الجديدة، فمن جهة الخبرة:
فالخطية التي تملك على القلب مثل السرطان شديد الانتشار الذي يتملك من الجسم إلى أن تنهار كل قدراته وتسري فيه برودة الموت فيملك عليه الضعف التام، هكذا الخطية تستمر تنخر في كيان الإنسان، كما ينخر السوس في العِظام، فتطرد الحياة منه بالتمام ليصير بارداً غير متحرك بسبب انقطاع الرجاء في أي بادرة أمل – ولو ضعيفة – في الحياة. فالإنسان الخاطي الذي يحيا في معزل تام عن الله زماناً طويلاً، ليس له أي قدرة مثل المريض تماماً الذي يحتاج إلى جراح ماهر يستأصل الورم الخبيث، فالمريض تضعف فيه القدرة على الطعام أو بذل الجهد، لذلك كل من يقدم لأي خاطي أعمال البرّ أو تداريب حسب الجسد ليفعلها، فأنه – بدون وعي – يزيده ضرراً مثل ذلك المريض الغير قادر على الحركة، بل قد تكون الحركة نفسها خطراً على حياته، لأن الخاطي حينما يفعل بإرادته شكل أعمال البرّ فأنه مثل من أخذ مُسكن قوي جداً ليُخدر آلامه وأوجاعه الداخلية، فظن أنه في تمام الصحة والعافية وأنه شُفيَّ بالتمام، ففرح وبدأ يبذل كل جهده، وقد يقوم بعمل الطبيب أو المساعد له، وبذلك لن يستطيع ان يُدرك حاجته الضرورية للطبيب، وبذلك يُعجل بموته ويخسر تحرك قلبه نحو الله تماماً، لذلك يا إخوتي من الخطورة التامة أن نُقدم أعمال برّ لخاطي لم يدخل بعد في سر التجديد وحياة التوبة التي تبدأ بشفاء حقيقي في الداخل بقوة الله، لأن كثيرين يقدمون لمن لم يدخل في سرّ الحياة الجديدة وعرف كيف ينمو، أعمال البرّ أو المطالبة بالخدمة، وذلك بمثابة طفل رضيع أُعطيَّ لهُ شُورية لحم شديدة الدسم حتى أنه يُصاب بإسهال شديد حتى يُشارف على الموت. لذلك علينا أن نُدرك بيقين، أن التوبة هي عملية إحلال وبناء، خلع ولبس، موت لحياة، شفاء من مرض الموت، والمريض غير قادر على أن يُشفي نفسه، والميت غير قادر على أن يقوم من ذاته، لذلك مكتوب:
فالرب يا إخوتي هو المُخلِّص وليس إنسان، لذلك أن لم تأتي التوبة من فوق بالتجديد بعمل الروح القدس في القلب الذي يطلب الرب كمُخلِّص، فأنها تصير توبة شكلية ميتة لا روح فيها، لأن الروح القدس هو من يحثنا على التوبة ويقوم بمفاعيلها فينا سراً أن كنا حقاً نُريد أن توب، لأن لابد من أن توافق إرادتنا حركة الروح القدس فينا بالتوبة كما سوف نرى في شرحنا... _____________________________ |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
"الإيمان العملي"؟! ولعلك تسأل: وما هو الإيمان العملي |
البعد التطبيقى |
الثقة - الجانب التطبيقي للإيمان في حياتنا 2 |
الاتجاه للشرق |
الثقة - الجانب التطبيقي للإيمان في حياتنا |