|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فهل لا تزال مصرًا أن تتركه واقفًا وحده؟ كان وحيدا في فهمه للخدمة من كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث بينما كان الجمع يفكر أن السيد قد جاء ليكون ملكا علي إسرائيل، يحكم بأبهة الملوك ويخلص اليهود من اضطهاد الرومان، كان السيد يفكر في مملكة روحية يملك بها علي قلوب الناس قائلًا لهم في أكثر من مناسبة: {مملكتي ليست من هذا العالم} {يو36:18}. وعلي هذا الأساس كان يفهم الخدمة أنها صليب يحمله الخادم في أرض مبللة بالعرق والدموع.. ولكن هذه الأفكار لم يكن يفهمها حتى تلاميذه أيضًا. وهكذا إذ حدث التلاميذ أنه ينبغي أن يسلم للناس ويقتل ويموت ويقبر، أخذه بطرس الرسول ناحية وبدأ يوبخه قائلًا {حاشاك يا رب. لا يكون لك هذا} {مت22:26}. فأجابه السيد له المجد: {أسكت يا شيطان}، تري كيف كان يمكن أن يخلص العالم لو نفذت نصيحة بطرس المسكين! وهكذا أيضًا فيما كان السيد يضع صليبه أمام عينيه باستمرار، نري التلاميذ يتركون معلمهم وحده في تفكيره، متناقشين فيما بينهم وبين أنفسهم {من يكون فيهم رئيسا}! ونري ابني زبدي يأتيان إليه مع أمهما ساجدين طالبين أن يجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ملكوته! ولكن السيد يرد هذين التلميذين إلي المعرفة الحقيقية للخدمة وطريقها ويجيبهما: {لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشريها أنا، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟} {مز38:10}. وحتى في كنه الخدمة نجد السيد المسيح واقفا وحده في تفكيره. يجمع الناس إليه فيتحدث إليهم بكلام النعمة ساعات طويلة حتى إذا ما أقبل المساء يأتي إليه التلاميذ قائلين (أصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما) {لو12:9}. يا للتلاميذ. أنهم لم ينضجوا بعد، هل كانوا يفكرون أن الخدمة مجرد كلام يلقي علي الناس! أم أنها محبة عاملة! وهكذا يرد عليهم السيد: {لا حاجة لهم أن يمضوا. أعطوهم أنتم ليأكلوا}. وحيدًا في الخدمة: العالم مزدحم بخدامه، بل أن الخدام فيه لينافس بعضهم بعضًا، وكل صاحب مشروع يجد كثيرين ينضمون إليه ويعاونونه. أما السيد له المجد فإنه واقف وحده.. لقد قال منذ عشرين قرنا تقريبا وما يزال حتى الآن: {الحصاد كثير والفعلة قليلون. أطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعله لحصاده} {مت38:9}. ليس من ينضم إلي السيد في عمله. كل شخص يقول: {أحارس أنا لأخي؟} {تك9:4}. سأصف لك يا أخي العزيز بعض حالات رأيتها بعيني... · امرأة فقيرة وزوجها وثمانية أولاد أكبرهم شاب طائش والذي يليه في السن صبي صغير. كل أيراد هذه الأسرة حوالي الأربعة قروش يكسبها الرجل يوميا مع بيع الليمون مثلا، يشتري بها خبزا يتخاطفه الأولاد في جوع، ثم تمر عليهم أوقات لا يجدون فيها ما يأكلونه، فتحمل الأم المسكينة البعض منهم إلي ملجأ أو جمعية لتتسول لهم طعاما، وماذا إذن عن ملابسهم التي لا تستر من جسمهم شيئًا، وكيف يحتملون بهده الملابس برودة الشتاء وحرارة الصيف، ثم ماذا عن أجرة حجرتهم وصاحبة البيت التي تهددهم بالطرد وتشبعهم سبا وإهانة كلما قصروا في دفع الإيجار. · امرأة أخري أرملة وأولادها، كانت تعمل في جمعية دينية كحائكة للملابس مرضت شهرين، وربما لضعفها بسبب قلة الغذاء، فكانت النتيجة أن استغنت الجمعية عنها بسبب مرضها. ولما قامت الأرملة الفقيرة من المرض ولست أدري تماما كيف عولجت.. *) كلها حالات في بداية الخمسينيات وأواخر الأربعينات. وكيف دفعت ثمن الدواء!! أقول أنها لما قامت وجدت نفسها وحيدة والدنيا مظلمة حولها. * أرملة أخر شابة ولها ولدان، تسكن في حمام في بدروم في حجرة حقيرة في منتهي الرطوبة، تدفع إيجارًا لها ثلاثين قرشًا، وهي وأولادها مهددة بالسل وأمراض أخري، ومهددة قبل كل ذلك بالارتداد عن الدين وبالفساد والتشرد. وكيف تقتات؟ تعمل كغسالة، ولكنها لجوعها ضعيفة الصحة، لا تقوي علي الغسيل فلا تجد من يستخدمها. * وهناك حالات أخري كثيرة، والسيد المسيح واقف وحده يعتني بكل هؤلاء. يقيتهم ويجفف آلامهم، ويعزيهم ويعلمهم الصبر والاحتمال. وفي كل ذلك يريد أن يشرك معه البعض منا نحن الخطاة في شرف الخدمة، ولكنه مع كل هذا ينظر فيجد الحصاد كثيرا والفعلة قليلين، ويجد الجميع قد انصرفوا كل واحد إلي خاصته وتركوه وحده. من الخاسر في هذه الوحدة؟ ليس هو السيد المسيح طبعا فهو ليس وحده، لأن الآب معه وهو ليس محتاجا إلي عبوديتنا بل نحن المحتاجون إلي ربوبيته. وهو عندما يدعونا أن نقف معه في وحدته، إنما يقصد خيرنا نحن بالذات. لأنه {أن كان الرب معنا فمن علينا} والذي يسير مع المسيح سيجد لذة روحية خاصة {تحت ظله اشتهيت أن أبيت}. كما أنه في صحبة السيد لا يخاف شرا {أن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي} {وأن قام علي جيش ففي ذلك أنا مطمئن {عصاك وعكازك هما يعزياني} {مز23:،مز27} هوذا المسيح ما يزال واقفا وحده يقرع علي الباب حتى إذا فتحت له يدخل ويتعشى معك وأنت معه. فهل لا تزال مصرًا أن تتركه واقفًا وحده؟ |
|