![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() حزن بلا عزاء مع غدر الأصحاب بها تَبْكِي في اللَّيْلِ بُكَاءً، وَدُمُوعُهَا علَى خَدَّيْهَا. لَيْسَ لَهَا مُعَزٍّ مِن كُلِّ مُحِبِّيهَا. كُلُّ أَصْحَابِهَا غَدَرُوا بِهَا. صَارُوا لهَا أَعْدَاءً [2]. دخلت مملكة يهوذا في صداقة مع بعض الأمم المحيطة بها، وأحبت أوثانهم (إر 2: 20-25)، لكنهم صاروا أعداءً لها في وقت الضيق (2 مل 24: 2؛ مز 137: 7). بعد أن صوَّرها كملكة صارت أرملة يحيط بها المقاومون من كل جانب، يكشف عما حلّ بها من مذلة. هذه التي كانت حرة صاحبة سلطان، صارت مسبية، عبدة لا موضع لها سوى كالجارية في بيت سيدتها، هكذا صارت بين الأمم لا وطن لها، ولا تملك شيئًا حتى المسكن لتعيش فيه تمارس حريتها. يقصد بالمحبين الأمم التي كانت أورشليم تتحالف معهم لتتمتع بنوعٍ من القوة والحماية، مثل مصر في ذلك الحين. لكن تتحول أيامها إلى ليلٍ مملوء ظلمة وبلا نورٍ، يحل بها الدمار المفاجئ وليس لها من معزٍ. إنه ليس من علاج سوى التوبة! إذ لا يبكي الإنسان على خطيته وفقدان قداسته يسمح له بأن ينصرف أقرب من له عنه، فيعاني من الشعور بالعزلة، فيرجع إلى الرب ويدخل معه في شركة، حينئذ يصير في شركة حتى مع السمائيين. *أدرك إرمياأن الندامة علاج عظيم، فاستخدمها لأجل أورشليم في مراثيه، وتقدم بأورشليم كتائبةٍ: عندما قال: "تبكي في الليل بكاءً، ودموعها على خديها. ليس لها معزٍ من كل محبيها... طرق صهيون نائحة" (مرا 1: 2، 4). بل وأكثر من هذا قال: "على هذه أنا باكية، ليت عيني تسكب مياهًا، لأنه قد ابتعد عني المُعزي، رادُّ نفسي" (مرا 1: 16). فكر إرميا أن يضيف هذه العبارة المُرة، لأنه وجد أن من يعزي الحزانى قد أبعد عنه. فكيف تستطيع أن تنال راحة برفضك للتوبة رجاء الغفران؟ لكن ليت هؤلاء الذين يتوبون، يعرفون كيف يقدمون التوبة، بأية غيرة، وبأية مشاعر، وكيف تبتلع كل تفكيره، وتهز أحشاءه الداخلية، وتخترق أعماق قلبه، إذ يقول إرميا النبي: "انظر يا رب فإني في ضيق. أحشائي غلت، ارتد قلبي في باطني" (مرا 1: 20)... ويقول: "شيوخ بنت صهيون يجلسون على الأرض ساكتين، يرفعون التراب على رؤوسهم، يتمنطقون بالمسوح. تحني عذارى أورشليم رؤوسهن إلى الأرض. كلت من الدموع عيناي، غلت أحشائي، انسكب على الأرض كبدي" (مرا 2: 10، 11). هكذا أيضًا أهل نينوى حزنوا فهربوا من هلاك مدينتهم (يونان 3: 5). يا لقوة مفعول هذا الدواء الذي للتوبة، حتى ليبدو وكأنه يغير نية الله. فالهروب إذن بين يديك، والرب يريد أن يلاطفك. إنه يود أن يترجاه البشر، ويريد أن يطلبوا منه العون. إن كنت وأنت إنسان تريد أن يطلب منك الآخرون العفو، فهل تظن أن الله يغفر لك دون أن تسأله المغفرة؟! والرب نفسه بكى على أورشليم، إذ لم ترد أن تبكي على نفسها... إنه يريدنا أن نبكي لنهرب، كما جاء في الإنجيل: "يا بنات أورشليم لا تبكين عليّ، بل ابكين على أنفسكن، وعلى أولادكن" (لو 23: 28). وداود بكى فنال من الرحمة الإلهية أن ينزع الموت عن الشعب الذي كاد أن يهلك. وعندما عرض عليه أن يختار أحد أمور ثلاثة (كتأديب له) اختار الأمر الذي فيه ينال خبرة عظمى بين يدي المراحم الإلهية. فلماذا تكف عن البكاء على خطاياك، إن كان الله قد أمر حتى الأنبياء أن يبكوا من أجل الشعب؟! وأخيرًا حزقيال أمر بالبكاء على أورشليم، وقد أخذ الكتاب الذي جاء في بدايته "مراث ونحيب وويل" (حز 2: 10). إن من يبكي كثيرًا في العالم يُنقذ في المستقبل، لأن "قلب الحكماء في بيت النوح، وقلب الجهال في بيت الفرح" (جا 7: 4). وقال الرب نفسه: "طوباكم أيها الباكون الآن، لأنكم ستضحكون" (لو 21:6). فلنبكِ إذًا إلى زمانٍ، فنفرح إلى الأبد. لنخفْ الرب وننتظره، معترفين بخطايانا، راجعين عن شرنا، حتى لا يُقال لنا: "ويل لي... قد باد التقي من الأرض، وليس مستقيم بين الناس" (مي 7: 1، 2) . القديس أمبروسيوس |
![]() |
|