|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مشاركة في الآلام ولماذا نال تيموتاوس هذه الهبة؟ لكي يفعل ما سبقه بولس إليه. بولس أدَّى الشهادة التامَّة للربّ، ومثله يفعل تيموتاوس. منذ بداية الرسالة، نبَّه يسوع التلاميذ: »تكونون لي شهودًا« (أع 1: 8). والشهود ليسوا الرسل فقط، بل أولئك الذين حلُّوا بعدهم. حدَّثتنا الرسالة إلى العبرانيّين عن »المدبِّرين« الأوَّلين الذين خاطبوا الجماعة »بكلام الله«. أمّا اليوم فأنهوا حياتهم بموتهم (عب 13: 7). هو كلام عن بطرس وبولس في رسالة تتوجَّه إلى جماعات رومة، وتدعوهم لا إلى الاقتداء »بإيمان« بطرس وبولس فقط، بل أيضًا بإيمان الذين جاؤوا بعدهم: »أطيعوا مدبِّريكم واخضعوا لهم« (آ17). والشهود ليسوا التلاميذ فقط. فإذا قرأنا النصوص قراءة حرفيَّة، نعتبر مثلاً أنَّ إسطفانس لم يكن من السبعين الذين أرسلهم يسوع أمامه »اثنين اثنين إلى كلِّ مدينة أو موضع عزم أن يذهب إليه« (لو 10: 1). ومع ذلك كان أوَّل شاهد في العالم اليونانيّ وأوَّل شهيد حيث قال: »أرى السماوات مفتوحة وابن الإنسان واقفًا عن يمين الله« (أع 7: 56). فالشاهد هو الذي شهد، رأى. كان حاضرًا حين حصل أمرٌ من الأمور أو حين وُقِّع عهد من العهود. وبالتالي يستطيع أن يشهد، أي أن يؤكِّد على ما رأى وما سمع. الإنسان يكون »شاهدًا«، وفي شهادته يمكن أن يَتَّهم. ذاك ما فعله الشيخان بسوسنة: »نشهد عليك...« (دا 13: 31). وفي الواقع كانت شهادتهما كاذبة. والله نفسه يكون الشاهد ولاسيَّما على شعبه: »فأنا من اليوم أُشهد عليكم السماء والأرض بأنَّكم تبيدون سريعًا...« (تث 4: 26). شهد الربُّ واتَّهم. والإنسان يستطيع أن يأخذ الربَّ شاهدًا. قال صموئيل: »يشهد الربُّ وملكه« (1 صم 12: 5). وهدَّد إرميا باسم الربّ: »يا ساكنة لبنان، يا من صنعتْ أرزه عشٌّا لها، كم تئنّين حين يأتيك الوجع في مخاض كالتي تلد« (إر 22: 23). والمؤمنون سوف يقولون لإرميا التي تعب فما استطاع أن ينال من الشعب ثمر التوبة. قالوا: »ليكن الربُّ إلهك شاهدًا علينا أنَّنا نعمل بكلِّ الكلام الذي يرسلُه إلينا« (إر 42: 5). والشهادة لا تكون فقط للاتِّهام، بل للدفاع، ولاسيَّما عن عمل الربّ (إش 43). 9 اجتمعوا يا كلَّ الأمم، واحتشدوا يا جميع الشعوب، أين شهودهم يبرِّرون دعواهم فنسمع ونقول: هذا حقّ. ظنَّت الأممُ أنَّ آلهتها أقوى من الربِّ الإله. 10 أنتم شهودي يقول الربُّ ذرِّيَّة عبدي الذي اخترتُه لأنَّكم علمتهم وآمنتم بي وفهمتم أنّي أنا هو ما كان من قبلي إله ولن يكونَ من بعدي. 11 أنا، أنا الربُّ ولا مخلِّص غيري. هل يستعدُّ المؤمن أن يؤدّي الشهادة، ويقف في وجه الجمع مهما كلَّفته هذه الشهادة من آلام؟ ذاك كان وضع إيليّا على جبل الكرمل. أمامه الملك آخاب وأنبياء البعل »الأربعمئة والخمسون« (1 مل 18: 22). هل يجسر أن يقف ويشهد أنَّ الربَّ وحده هو الإله؟ فشهد ونادى الربّ. فردَّ الربُّ عليه في رمز النار (آ38)، بانتظار أن ينزل المطر (آ45). ولكن هذه الشهادة كلَّفته غاليًا بعد أن انتقم الشعب من أنبياء البعل. قالت الملكة إيزابيل مهدِّدة إيليّا بالموت: »ويل لي من الآلهة إن لم أجعلك في مثل هذه الساعة غدًا كواحدٍ منهم« (1 مل 19: 2). وكانت ردَّة فعل إيليّا الأولى الخوف ثمَّ الهرب. ولكنَّ الربَّ أعاده: »ارجع في طريقك« (آ15). فرجع وسلَّم المشعل إلى إليشع. وميخا بن يملة وجب عليه أن يشهد لكلام الربِّ في وجه الأنبياء الكذبة. جميعهم تنبَّأوا بصوت واحد: يكون النصر لك (1 مل 22: 12). ولكنَّ ملك يهوذا سأل: »أما من نبيٍّ للربّ؟« (آ7). فنبيُّ الربِّ يتكلَّم باسمِ الربِّ، ونبيُّ الملك يتكلَّم باسم الملك. أجل، قيل له: ميخا بن يملة (آ9). ولكنَّ الملك يخاف منه ولا يريد أن يسمع له. قال: »أُبغضُه« (آ8). فالشاهد الحقيقيُّ هو »مزعج«، ولهذا لا تكون له راحة. ذاك ما حصل لميخا الذي رفض أن يكون كلامه مثل كلام هؤلاء الأنبياء الكذبة (آ13). قال الحقيقة، فتقدَّم صدقيّا بن كنعنة (أحد الأنبياء) ولطمه على فكِّه (آ24). وأمر الملك فوُضع النبيُّ الحقيقيّ في السجن مع قليل من الخبز والماء (آ27). لا، لا يكون النبيّ مثل »أنبياء« هذا العالم. ولا يكون المؤمن خروفًا في قطيع من الغنم، يسير حيث يسير الآخرون ويخضع للملك ولمن وراءه. تعذَّب ميخا، وهُدِّد إيليّا، وإرميا عرف من الآلام أقصاها: السجن أوَّلاً مع رغيف من الخبز كلَّ يوم (إر 37: 21). ثمَّ جعلوه في جبٍّ موحل لا ماء فيه »فغاص إرميا في الوحل« (إر 38: 6). لهذا نسمعه يتذمَّر. فأهله أنفسهم هم ضدَّه. ولكن هل خفَّف الله الحمل عنه؟ بل أراد أن يعدَّه لآلام قاسية. »تجري مع المشاة فتتعب، فكيف تسابق الفرسان؟« (إر 12: 5أ). يعني: أمور سهلة وتعبتَ فيها، فماذا تفعل حين تُجبَر على جهاد أكبر؟ لهذا تواصل كلام الربّ: »إن كنت تتعب في أرض آمنة (لا أشجار فيها ولا أشواك)، فكيف تفعل في غور الأردنّ؟« (آ5ب) وفيه الأسود (الصغيرة) وسائر الحيوانات المفترسة. * * * من أين قوَّة »النبيّ«؟ وقوَّة الرسول؟ وقوَّة تيموتاوس الذي »وعده« بولس بالآلام؟ قال له مرَّة أولى: »اشترك في الآلام« (2 تم 1: 8). ومرَّة ثانية، »شاركْ في الآلام كجنديٍّ صالح للمسيح يسوع« (2 تم 2: 3). أجل، ذاك ما ينتظر الرسول إذا هو أراد أن يكون أمينًا للرسالة. أمّا إذا مالق وداهن وأراد أن يرضي الناس (غل 1: 10)، فحياته تكون مرتاحة بحيث يسمع كلام الربّ: »الويل لكم إذا مدحكم جميعُ الناس، فهكذا فعل آباؤهم بالأنبياء الكذّابين« (لو 6: 26). »كلمة الله سيف ذو حدَّين« (عب 4: 12). فمن يحتملها وبالتالي من يحتمل الشاهد الذي يعلنها؟ ولكن إذا صار هذا السيف ناعمًا! وإذا سار المؤمن بحسب حكمة هذا العالم! أمّا الرسول فينادي »بالمسيح مصلوبًا« (1 كو 1: 23) ومثله يفعل تيموتاوس. من خلال الآلام ومن خلال الصعوبات يؤدّي تيموتاوس الشهادة. أوَّلاً لربِّنا. فهو الشاهد الأوَّل. وهو الشاهد الأمين الثابت. قيل لتيموتاوس عنه: »المسيح يسوع الذي شهد أحسن شهادة لدى بيلاطس البنطيّ« (1 تم 6: 13). ونحن نعرف إلى أين أدَّت الشهادة بيسوع: »أسلمه إليهم ليصلبوه« (يو 19: 16). قالت لنا الرسالة إلى العبرانيّين إنَّ المسيح تألَّم (مات) »في خارج باب المدينة ليقدِّس الشعب بدمه« (عب 13: 12). فما يكون موقف »الشاهد«؟ هل يبقى في أورشليم مع عظماء الكهنة والكتبة؟ بل »نخرج خارج المحلَّة حاملين عاره« (آ13) كان له عار الصليب، فهل نبحث عن شيء آخر مثل يعقوب ويوحنّا: »واحدٌ عن يمينك وواحد عن شمالك في مجدك« (مر 10: 37). غير أنَّ مجد الربِّ مرَّ عبر الآلام على ما قال الربُّ لتلميذَيْ عمّاوس: »أما كان يجب على المسيح أن يعاني هذه الآلام فيدخل في مجده؟« (لو 24: 24). في هذا الإطار قال يسوع: »ما من تلميذ أفضل من معلِّمه، ولا عبد أفضل من سيِّده« (يو 15: 20). إذًا، ما حصل للمعلِّم يحصل للتلميذ، إلاَّ إذا بحثنا عن معلِّم آخر. ويواصل يسوع كلامه: »إذا اضطهدوني يضطهدونكم«. فإن كان العالم لا يُبغض المؤمن، فلأنَّ هذا المؤمن هو من العالم، والعالم يحبُّ ما يشبهه. لهذا قال الربُّ: »إن أبغضكم العالم، فتذكَّروا أنَّه أبغضني قبل أن يبغضكم. لو كنتم من العالم، لأحبَّكم العالم كأهله. ولأنّي اخترتكم من هذا العالم وما أنتم منه، لذلك أبغضكم العالم« (آ18-19). وهناك شهادة أخرى، بالإضافة إلى الشهادة لربِّنا. يقول بولس: »فلا تخجل بالشهادة لربِّنا وبي أنا أسيره« (2 تم 1: 8). قال الربُّ: »من ينكرني قدَّام الناس أنكره قدَّام أبي الذي في السماوات. ومن يعترف بي قدَّام الناس أعترف به قدَّام أبي الذي في السماوات« (مت 10: 32). أترى الأمر سهلاً؟ كلاّ. فالربُّ أرسل تلاميذه »كالخراف بين الذئاب« (آ16). ونبَّههم: »الناسُ يسلمونكم إلى المحاكم وفي مجامعهم يجلدونكم« (آ17). ذاك ما حصل لبولس. فهل يتبرَّأ منه تلميذه تيموتاوس؟ هل يستحي بمعلِّمه الذي هو في القيود؟ ديماس تركه (2 تم 4: 9). ويواصل الرسول: »ما وقف أحد معي عندما دافعتُ عن نفسي لأوَّل مرَّة، بل تركوني كلُّهم. صفح الله عنهم!« (آ16). نحسُّ هنا بالألم يحزُّ في قلب بولس. فهو يحتاج إلى ابنه تيموتاوس: »تعالَ إليَّ عاجلاً« (آ9). الحمد لله أنَّه بقي أونيسيفورس. قال عنه بولس: »شجَّعني كثيرًا وما استحى من قيودي« (آ16). فكان مختلفًا عن »فيجلُّس وهرموجينيس وجميع الذين في آسية« (آ15). »كلُّهم تخلُّوا عنّي«. أمّا أونيسيفورس فكان بإمكانه أن يتجاهل بولس، ولكنَّه لم يفعل. فقال عنه الرسول: »أخذ يبحث عنّي عند وصوله إلى رومة حتّى وجدني« (آ17). نكتشف هنا قلب الرسول في وجهه البشريّ، وننسى أنَّه ذلك القويّ الذي همُّه أن يكون للمسيح. هو»سجين« ولكنَّه »حرّ« في منطق الإنجيل. قال في 1 كو 7: 22: »فمن دعاه الربُّ وهو عبد كان للربِّ حرٌّا. وكذلك من دعاه المسيح وهو حرّ كان للمسيح عبدًا«. وفي أيِّ حال، حين كان بولس في السجن، يقول عنه سفر الأعمال، كان الإنجيل حرٌّا، وكان الرسول يكرز به بكلِّ جرأة (أع 28: 30-31). أمّا الآلام فهي نعمة من عند الربّ. فالرسول قال إلى كنيسة فيلبّي، ساعة كان في سجن أفسس مهدَّدًا بالموت: أُعطيَتْ لنا نعمة، لا أن نؤمن به فقط بل أن نتألَّم لأجله (فل 1: 29). والكلمة الأخيرة لا تكون الآلام، بل المجد. والموت ليس الهدف. فالمسيح »قضى على الموت« (2 تم 1: 10) وأعدَّ لنا القيامة. وهو كلام ورد مرارًا في الرسائل البولسيَّة. فالرسول كتب إلى تلميذه تيطس عن »رجاء الحياة الأبديَّة التي وعد الله الصادقُ بها منذ الأزل، فأظهر كلمته في حينها بالبشارة التي أؤتمنتُ عليها بأمر الله مخلِّصنا« (تي 1: 2-3). هو السرُّ دخل فيه الرسول وإن كان »سجين المسيح« (أف 3: 1). ويطلب من تيموتاوس أن يتبعه فيه من أجل الإنجيل الذي هو أمانة في عنق بولس وتيموتاوس. فهل يتخلّى التلميذ عن الأمانة؟ الخاتمة كلام الرسول إلى تلميذه، فيه القوَّة وإن كان الخوف يتربَّص به. فيه المحبَّة وإن هو أحسَّ أنَّ لا أحد بقربه وشعر بعاطفة بشريَّة تدفعه إلى تيموتاوس ابنه الحبيب. فكأنّي به يستنجد. وكلام فيه الفطنة، والوضعُ حرجٌ بحيث يجب أن يتعلَّم بولس الصبر في خطِّ العالم الرواقيّ حيث يسود الإنسان على نفسه وعلى مخاوفه وعلى أموره اليوميَّة مهما كانت صعبة. وبالرغم من ذلك، نسمع كلامًا ينظر فيه الرسول إلى تلميذه ويجعل أمامه كلمة الخلاص، كلمة الحياة، ويذكِّره، وينبِّهه. هو الأب مع ابنه: أين هي الحرارة الأولى؟ والموهبة التي نالها، ما زال مؤتمنًا عليها. أمّا الطريق التي تنتظره فلن تكون مفروشة بالورود: فالآلام تنتظره، وكذلك المشقّات. فهو شابّ بعد، وعليه أن »يفرض« نفسه في كنيسة تكمن فيها الصعوبات الكثيرة. فما يبقى عليه أن يقول سوى ما قاله معلِّمه: »أنا أعرف بمن آمنت، وأنا عارفٌ أنَّه قادر أن يحفظ وديعتي إلى يومِ ربِّنا.« |
|