|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بـــولـــــس والدينونة عند مجيء المسيح في الرسالة الأولى إلى تسالونيكي، كانت الفصول الثلاثة الأولى كلامًا عن الحاضر مع عودة إلى الماضي. يتذكَّر المؤمنون كيف بدأت البشارة، وكيف تنظَّمت الجماعة. ويفرحون الآن بما وصلوا إليه بعد أن بلغت إليهم كلمة الله فيقول لهم الرسول: »أنتم رجاؤنا وفرحُنا وإكليل افتخارنا أمام ربِّنا يسوع المسيح في مجيئه« (1 تس 2: 19). أمّا أحداث نهاية الزمن فلا تتوقَّف عند 1 تس 4: 13-5: 11 كما يبدو في النصّ. فرجاء عودة المسيح هو يقين يتوزَّع الرسالة كلَّها (1: 10؛ 2: 19؛ 3: 13) ويؤسِّس السلوك المسيحيّ: فالمسيحيّ هو إنسان ينتظر، ويا ما أحلاه انتظارًا على مثال ما في المزمور: »فرحتُ بما قيل لي إلى بيت الربِّ ننطلق«. تحدَّث العهد القديم عن يوم الربّ، ذلك اليوم الذي فيه يتجلّى الله على أنَّه ديّان الأبرار والأشرار، كلِّ واحد بحسب أعماله. أمّا بولس فرأى فيه يوم المسيح: هو يأتي في مجده كابن الله من أجل خلاص المؤمنين وهلاك الأشرار. عندئذٍ يجب على المؤمنين أن يكونوا بلا لوم، أن لا يهتمُّوا ولا يقلقوا، بل أن يسهروا وينتظروا أطيب ضيفٍ كما انتظرت العذارى عريسهنَّ بمصابيح نيِّرة (مت 25: 1-13). ذاك ما قرأنا في 1 تس. أمّا في 2 تس فيتبدَّل الموضوع، واهتمامات الكاتب. هنا تختلف عن اهتمامات الرسول حين كتب 1 تس. كانوا يقولون: »دُوَّن بولس 1 تس وبعد أشهر قليلة دوَّن 2 تس. غير أنَّ الدراسات أظهرت أنَّ المناخ مختلف جدٌّا بين رسالة ورسالة. في 1 تس، مجيء الربِّ قريب جدٌّا، ولا شيء يقف في وجهه. أمّا في 2 تس فيبدو أنَّ الربَّ أتى، ولا حاجة بعدُ إلى الانتظار. وكيف يكون ذاك المجيء؟ علَّمت 1 تس أنَّه عبور من سلام ظاهر إلى الهلاك والدمار (1 تس 5: 3). أمّا 2 تس، فصوَّرت تسلسل مراحل تاريخ البشر قبل تجلّي المسيح المجيد. كل هذا يقودنا إلى خمسين أو ستين سنة بعد الرسالة الأولى إلى تسالونيكي. تحدَّث الإنجيل عن جوٍّ جليانيّ يذكِّرنا بما في سفر الرؤيا مع موضوعين اثنين: فجاءة الموت والعلامات التي تعلن النهاية: »سيجيء كثير من الناس منتحلين اسمي فيقولون: أنا هو المسيح! ويخدعون أناسًا كثيرين« (مر 13: 6). فانتبهوا أيُّها المؤمنون ولا تضلُّوا (آ5). ولا ترتعبوا ولو سمعتم بالحرب وبأخبار الحروب (آ7)، ولو قامت 'أمَّة على أمَّة ومملكة على مملكة، ووقعت زلازل وحصلت مجاعات« (آ8). كلُّ هذا لا يكون الآخرة. فلماذا أنتم معجِّلون؟ كلُّ هذا هو البداية من أجل ولادة عالم جديد. فكأنَّ الآخرة حاضرة كلَّ يوم ويُشرف عليها كلَّ يوم موتُ المسيح وقيامته. أمّا الرسالة الثانية إلى تسالونيكي فانطلقت من هذا المناخ وتحدَّثت عن حقبة من الجحود وعن مجيء الأنتيكرست أو المسيح الدجّال كما قالت رسالة يوحنّا الأولى وكرَّرت: »يا أبنائي الصغار، جاءت الساعة الأخيرة، سمعتم أنَّ مسيحًا دجّالاً (أنتيكرست، ضدَّ المسيح) سيجيء. وهنا الآن كثير من المسحاء الدجّالين. ومن هذا نعرف أنَّ الساعة الأخيرة جاءت« (1 يو 2: 18). ويقول يوحنّا الرسول عمَّن يحمل الكذب لكي يُضلَّ المؤمنين: »فمَن هو الكذَّاب إلاَّ الذي يُنكر أنَّ يسوع هو المسيح. هذا هو المسيح الدجّال (ضدّ المسيح) الذي ينكر الآب والابن معًا« (آ22). وفي إطار الكلام عن المسيح، يعود الكلام عن »الأنتيكرست«، المسيح الدجّال: »كلُّ روح لا يعترف بيسوع لا يكون من الله، وهذا هو المسيح الدجّال الذي سمعتم أنَّه يجيء وهو منذ الآن في العالم« (1 يو 4: 3). متى كُتبت رسائل يوحنّا الثلاث؟ في نهاية القرن الأوَّل. هذا يعني أنَّ الرسالة الثانية إلى تسالونيكي كانت في هذا المناخ عينه. انطلق واحد من تلاميذ بولس ممّا قرأه في 1 تس، فقدَّم جوابًا »بولسيٌّا« على وضع جديد طرأ على الجماعة المسيحيَّة التي رأت أنَّ مجيء المسيح تأخَّر. فطلبت السبب فوجدته في حقبة الجحود وفي مجيء الأنتيكرست أو المسيح الدجّال. ماذا تعني هاتان العبارتان؟ هنا نقرأ نصَّ الرسالة: 3 لا يخدعكم أحد بشكل من الأشكال: يأتي الارتداد أوَّلاً ويُعتلَن إنسانُ المعصية، ابنُ الهلاك. 4 ذاك المقاوم والمرتفع على كلِّ ما يُدعى إلهًا أو معبودًا إلى أن يجلس هو نفسه في معبد الله مظهرًا نفسه أنَّه هو الله. نفهم أوَّلاً أنَّ المؤمنين خُدعوا، بعد أن غاب عنهم رسولهم. ونحن لسنا أفضل منهم حين نسمع 'المسحاء الدجّالينب العديدين، الذين يقتلعوننا من جذورنا، ويرموننا على أمواج البحر فلا يستقرَّ لنا قرار. غاب الرسول فجاء من يعلِّم تعليمًا ضالاٌّ. وما هو هذا التعليم؟ جاء يوم الربّ، فلا حاجة بعد إلى الانتظار، وبالتالي نعيش كما نشاء. نعيش في البطالة! (2 تس 3: 6). نترك التقليد الذي تسلَّمناه والتعليم الذي تعلَّمناه. وما أكثر التعاليم في أيّامنا؟! ما الذي سلَّمنا آباؤنا؟ الجواب: هي أمور قديمة ونحن نبحث عن كلِّ جديد. ويكون الضياع إن لم يكن الهلاك. الرسول مات من زمان، فلماذا نتعلَّق بالموتى وننسى الأحياء؟ ولكن متى يكون المؤمن في عالم الموت لكي يبقى فيه؟ الرسول حيٌّ في الكنائس التي أسَّسها والتلاميذ الذين يواصلون تعليمه. »البطالة«. حرفيٌّا: حياة لا نظام فيها ولا ترتيب. الأخ البطّال هو من لا يريد أن يعمل (آ10). الأخ البطّال هو »الذي يتشاغل بما لا نفع فيه« (آ11). الأخ البطّال هو الذي يعيش في القلق وينقل هذا القلق إلى الآخرين. نحن نحذَرُه، ونحذر تعليمه الذي ينقله من بيت إلى بيت وكأنَّ لا شغل له. إنَّه يشبه هؤلاء الأرامل اللواتي »يتعلَّمن البطالة والتنقُّل من بيت إلى بيت، كما يتعلَّمن الثرثرة أيضًا والتشاغل بما لا يعنيهنَّ والكلام بما لا يليق« (1 تم 5: 13). ظنَّ المؤمنون أنَّ رسالة جاءتهم من الرسول؟ كلاّ. ظنُّوا أنَّ قولاً قاله الرسول وما كتب هو ينيرهم؟ كلاّ. ظنُّوا أنَّ نبوءة وصلت إليهم؟ كلاّ. لا حاجة إلى الرؤى ولا إلى التنبُّؤات وإلى معلِّمين جدد يحسبون أنَّ التعليم توقَّف عندهم. كلام الله يكفي، وهو مصباح لخطانا ومنارة سبيلنا كما قال المزمور. أمّا الجحود فهو موقف فيه يترك الناس الله، كما يقول العالم الجليانيّ اليهوديّ، وإنسان المعصية هو ذاك الذي يعصي وصايا الله. وهو يدلُّ على عدد كبير من الناس على ما يقول متّى: »تجفُّ المحبَّة في القلوب، يعمُّ الفساد« (مت 24: 12). وابن الهلاك هو ذلك الهالك الذي يمكن أن يسمع كلامَ الربِّ مع الخاطئين: »ابتعدوا عنّي، يا ملاعين، إلى النار الأبديَّة المهيَّأة لإبليس وأعوانه« (مت 25: 41). هناك يقيم الكذّاب وأبو الكذب (يو 8: 44). وتتذكَّر الرسالة سفرَ دانيال وما قاله عن أنطيوخس الرابع إبيفانيوس ومعنى اسمه »تجلّي الله«. و»يفعل الملك كيف يشاء، ويترفَّع ويتعاظم على كلِّ إله، ويتكلَّم الأباطيل (الأقوال المذهلة) على إله الآلهة (الربّ الإله) وينجح...« (دا 11: 36). بدا هذا الملك وكأنَّه خصم الله بالذات. ذاك ما يحدث بالنسبة إلى الملكوت وانتشار الإنجيل. أمّا الصورة الأساسيَّة في العهد الجديد فهي نيرون الذي قيل عنه إنَّه مات وقام (رؤ 13: 3)، وكأنَّه يسوع المسيح. خطر من الداخل وخطر من الخارج يهدِّد الكنيسة. أمّا الجحود فيدلُّ على المؤمنين الذين يتراجعون عن إيمانهم بسبب الصعوبات والتجارب والمغريات والاضطهادات. وأمّا رجل المعصية الذي يجعل نفسه إلهًا فهو السلطات الرومانيَّة التي تضطهد المؤمنين ومعها النبيّ الكذّاب الذي دعاه سفر الرؤيا: وحش البرّ برؤوسه السبعة، مع أسماء التجديف على رؤوسه (رؤ 13: 1). وهذا يعني مرَّة أخرى أنَّ الرسالة الثانية إلى تسالونيكي عرفت مناخ سفر الرؤيا، الذي دُوِّن في نهاية القرن الأوَّل مع اضطهاد دوميسيان على الكنيسة. وبدلاً من أن يشدِّد المؤمنون عزائمهم، تراخوا وكان ذلك خطرًا كبيرًا لا بدَّ من التنبيه إليه. لهذا كُتبت 2 تس. قالت لنا: إبليس ما زال يعمل في هذا العالم. والاضطهادات تقسم العالم قسمين: المؤمنين الثابتين والأشرار العاصين. كما تجعل الناس يضيعون بين الحقِّ والباطل، بين البرِّ والجور. فهلاَّ يتذكَّر المؤمنون في تسالونيكي تعاليم الرسل حول السهر وتمييز التعليم الصحيح من التعليم الكاذب؟ لا شكَّ في أنَّ المسيحيّين مدعوّون إلى مشاركة المسيح في مجده، ولكن قبل المجد هناك الألم والاضطهاد. لهذا هم يحتاجون أن ينموا في المحبَّة والإيمان والصبر. وتبقى الكلمة الأخيرة: »لكنَّ الربَّ أمين، وهو يقوِّيكم ويحفظكم من الشرّير، ولنا كلُّ الثقة في الربِّ أنَّكم تعملون ما أوصيناكم به وتتابعون عمله. هدى الربُّ قلوبكم إلى ما في الله من محبَّة وما في المسيح من ثبات« (2 تس 3: 3-5). الخاتمة هكذا قرأنا رسالتين بولسيتين، حُسبتا في التقليد الكنسي قريبتين، الواحدة من الأخرى، بل لا يفصل بينهما سوى بضعة أسابيع أو أشهر. ولكن المناخ المتبدّل غيّر النظرة كلها. في الأولى، المجيء قريب. في الثاني، المجيء بعيد، وربّما لا يأتي الرب، فيكون المؤمن مثل العبد الشرير الذي يعتبر أن سيّدة يتأخر »فيأخذ يضرب رفاقه ويأكل ويشرب مع السكيرين...« (مت 24: 48-49). ويلعب الكسل ويضيع الانتظار الذي نعيشه اليوم في كل احتفال نقوم به. ونسأل: إذا كان بولس وسلوانس وتيموتاوس كتبوا الرسالة الأولى، فمن كتب الثانية؟ والجواب هو المدرسة البولسية، التي ورثت فكر هذا الرسول، وتأمّلت فيه وقدّمت جوابًا جديدًا لوضع جديد. وتسلّمت الكنيسةُ الرسالتين كما تسلّمت الأسفار المقدسة، لأن كاتبها الأساسيّ هو الروح القدس الذي أرسله الابن ليذكرنا بما قاله لنا، وليعلّمنا ما لم نقدر أن نحتمله. أما الكاتب البشري فهو يد الله، ويا ما أحلاها يدًا أوصلت إلينا تعليمًا نحتاج إليه كثيرًا في أيامنا! |
|