ولدت سهام في عائلة غنية ومتدينة جدا، كان والدها تاجرا كبيرا ومحترما، يملك العديد من العقارات التجارية، عدا المصانع، ومكتب للهندسة، وكثيرا ما كان يسافر إلى بلاد الغرب لعمل صفقات تجارية كبيرة، وإستيراد المنتوجات، على شتى أنواعها.
عاشت سهام وسط بحبوحة لا توصف، فلم تتمنى شيء، إلا وحصلت عليه، بحيث أنه كان عدد الخدام في المنزل ثمانية عشر مستعدين لتلبية أي طلب.
اراد والدها أن تتلقن الإبنه علومها في أفضل المدارس، فإضطر أن يدخلها مدرسة مسيحية، ومع أنه لم يكن يرتاح للأمر تماما، لكنه وجد نفسه مرغما، إذ كانت هذه المدرسة، تعتبر من أفضل المدارس في تلك البلد .
حرص والد سهام على أن لا تتلقن إبنته أية دروس دينية في تلك المدرسة، بل كان كثيرا ما يتأكد من ذلك بنفسه، حين تسمح له الفرصة، للتكلم مع المسؤول عن المدرسة.
لم ينقص سهام أي شيء إطلاقا، ولكن بالرغم من ذلك كنت تراها غالبا وحيدة، وتبدو على وجهها علامات الكآبة.
ما أن بلغت تلك الفتاة السابعة عشر من عمرها، حتى إبتدأت تشعر بثقل في رجليها، لم يتوانى والدها، عن إستشارة نخبة من الأطباء، بغية إيجاد السبب لهذه العلة. أجرى الأطباء التحاليل اللازمة، لكن النتيجة كانت مفجعة للغاية، إذ أدرك الأطباء بأن هذه الفتاة مصابة بمرض Multiple Sclerosis "تصلب الاعصاب والعضل" بشكل قوي جدا، وليس أمامها سوى بضعة شهور قبل أن تصبح كسيحة الفراش، وغير قابلة على التحرك بتاتا.
سافرة سهام مع والديها إلى بلاد فرنسا، طلبا للعلاج في أفضل المستشفيات واشهرها، وكانا يذهبان من غير هدى من طبيب إلى طبيب ومن بلد إلى بلد، لكن لم يجدي الأمر أية نتيجة، فعادوا خائبين من سفرهم.
ملأ الحزن أجواء المنزل، لقد كانت سهام الإبنة الوحيدة، في برهة وجيزة تبخرت كل آمالهم ...
كان لسهام رفيقة في المدرسة إسمها إيمان. سمعت إيمان بأمر رفيقتها التي لم تراها منذ فترة طويلة، إذ لم تعد قادرة على الذهاب الى المدرسة، فأرسلت لها خطابا، سألتها فيه، إن كانت تسمح لها بزيارتها للإطمئنان عنها. مرت الأسابيع ولم تستلم إيمان أي رد على طلبها. فعادت من جديد وأرسلت خطابا آخر، طالبة فيه من رفيقتها، السماح لها بزيارة، ولو لفترة قصيرة.
ما أن تلقت إيمان ردا على خطابها حتى ذهبت في نفس اليوم لزيارة سهام.
دخلت إيمان منزل رفيقتها والخدم جميعا واقفين من هنا ومن هناك تأهبا واستعدادا لتلبية أي طلب، فوجدتها جالسة على كرسي في غرفة النوم. جلست إيمان بجانب رفيقتها، ثم سألتها عما قاله لها الأطباء... أجابة سهام بقلب كئيب، يبدو بأنه ليس هناك أي أمل، وقد وصل بها الأمر، حتى أنها لم تعد قادرة على السير لوحدها، حتى أن والدها كان مستعدا أن يعطي نصف ما يملك لمن يستطيع شفاءها ! فلم يوجد أحد.
أحنت إيمان رأسها متأثرة لما قالته رفيقتها، وأخذت تصلّي... ثم رفعت رأسها وقالت: كنت أود أن أخبرك عن صديق لي... إن هذا الصديق يقدر أن يمنحك الشفاء لو طلبت منه من كل قلبك...