المسيح من هو ؟
المسيح مَنْ هو
بقلم : دكتور عادل وهبه
مقدمة
سأل الرب يسوع المسيح تلاميذه قائلاً: «مَنْ يقول الناس إنى أنا؟»، «فقالوا قوم يوحنا المعمــدان، وآخرون إيليا، وآخـرون إرميا أو واحد من الأنبياء».. فقال الرب لهم «وأنتم مَنْ تقولون إنى أنا؟».. أجــاب واحد من التلاميذ ـ وهو الرسول بطرس ـ وقال: «أنت هو المسيح ابن اللَّه الحى» (مت 61:31 ـ 61).
ونحن كثيراً ما رددنا هذا السؤال، بل وعلى مر العصور والأجيال نردد نفس السؤال: مَنْ يكون يسوع المسيح؟؟ هل هو بالحق اللَّه، أو هو ابن اللَّه؟؟.. من أجل ذلك نرجو بنعمة اللَّه أن نجيب على هذا السؤال في هذا الكُتيب، عالمين أن الحديث عن لاهوت المسيح ـ له كل المجد ـ يختلف عن الحديث في أمر التثليث والتوحيد، وأننا نعتقد أن الأمر يحتاج لمعونة من الروح القدس ونحن ندرس هذا الحق، لذلك صلاتى للرب أن يساعد كل قارىء أن يقتنع بهذا الحق المبين، وبه أيضاً ننفى كل شك مهين لمجد الرب إلهنا.
ونبدأ الحديث راجين أن يقودنا الروح القدس في اتجاهات ثلاثة:
1 ـ ماذا إن أراد اللَّه أن يكون إنساناً؟
يا ترى هل ذلك ممكن؟... وما هى صفات ذلك الإنسان؟
2 ـ ماذا إن كان هناك شخص له صفات اللَّه مجتمعة؟
هل نقول عنه، وبغير شك، إنه هو اللَّه؟
3 ـ إذا لم يكن يسوع المسيح هو اللَّه فيا ترى مَنْ يكون؟
ونصلى أن يوفق الرب قلوبنا في فهم هذه الحقائق العظيمة، له المجد في كنيسته إلى أبد الآبدين. آمين.
لاهوت المسيح فكرياً
أولاً : ماذا إن أراد اللَّه أن يصير إنساناً ؟؟ يا ترى هل ذلك ممكن ؟؟ وما هى صفات ذلك الإنسان إذا كان هو اللَّه ؟؟
كان فلاح يحرث الأرض.. ورأى في الطريق جحراً للنمل، فأراد أن يُحذر النمل من المحراث، فأخذ ينادى فلم يسمعوا، وطلب إليهم فلم يستجيبوا، وقال لهم فلم يفهموا.. فقال في نفسه: إنهم بالحق نمل، وأنا إنسان، والاختلاف واضح.. لكنـه سرعان ما تحول إلى نملة صغيرة، وتفاهم معهم بنفس لغتهم، وحذرهم، وفـداهم من الضـياع، وبعدها عــاد مرة أخـرى للحراثة ورحـم النمـل من تلك الكارثـة، فأحب النمـل الفـلاح وصـار النمل للفلاح صديقاً. وهكذا سارت الحياة..
إننى أقدم هذه القصة حتى أسأل بعدها هذا السؤال: هل هذا ممكن؟ الإجابة بالطبع: لا.. لأن الإنسان لا يستطيع أن يحول نفسه إلى نملة، فهو غير قادر.. ومن هذا المنطلق نقول: ألا يستطيع اللَّه القادر على كل شىء أن يصير إنساناً ويفديه من الغضب الآتى؟.. نعم يستطيع، لأنه قادر على كل شىء، إذاً فما هو مقدار الحب المتوقع من الإنسان لهذا الإله المحب؟!.
لذلك ما هى الصفات المتوقعة في اللَّه عندما يصير إنساناً؟
1 ـ إن صار اللَّه إنساناً فلابد أن يكون دخوله إلى العالم البشرى بطريقة غير طبيعية.
وميلاد يسوع المسيح من القديسة العذراء هو البرهان على أن هذا الشخص المولود هو شخص فوق الجميع، فكل بشر يولد بزرع بشرى، أما هو ـ تبارك اسمه ـ فجاء إلى الأرض بطريقة أخرى.
(إش 7:41) «ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل».
(لو 1:53) «فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليكِ، وقوة العلى تُظللكِ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يُدعى ابن اللَّه».
(مت 1:32) «هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره اللَّه معنا».
فمَنْ وُلد من قبل ـ أو بعد ذلك ـ بهذه الطريقة: عذراء تحبل وتلد وهى لم تعرف رجلاً؟! إنها طريقة فريدة يُولد بها مولود، بل ويُسمى قبل ميلاده.. ويظهر له نجم في السماء (مت 2:7).
وينبىء الكتاب حتى عن مكان ميلاده في بيت لحم!. إن كل هذه الأمور تجعلنا نقول إن الطريقة والظروف التى وُلد بها يسوع المسيح تؤكد وتشهد أن دخوله إلى العالم كان بطريقة غير طبيعية، فلماذا لا يكون هو اللَّه؟
2 ـ وإن صار اللَّه إنساناً فلابد أن يكون خالياً من الأخطاء والعيوب:
فإذا جاء اللَّه في صورة إنسان فلا يمكن أن يكون فيه عيب أو خطأ، لأنه اللَّه. وهذا ما كان واضحاً في حياته، وكلامه، وحتى موته.
(أ) شهادة يسوع عن نفسه أنه كان خالياً من الخطأ والعيب :
قال لليهود: «مَنْ منكم يبكتنى على خطية؟» (يو 8:64).
وقال عن نفسه إنه يفعل كل حين ما يرضى اللَّه (يو 8:92).
وقال لخادم رئس الكهنة، عند لطمه وهو في طريقه للصليب، «أجابه يسوع: إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردىء، وإن حسناً فلماذا تضربنى» (يو 81:32).
(ب) شهادة أصدقائه عنه :
بطرس الرسول يشهد ويقول: «بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح» (1بط 1:91).
ويوحنا الرسول يشهد ويقول: «وتعلمون أن ذاك أُظهر لكى يرفع خطايانا وليس فيه خطية» (1يو 3:5).
وبولس الرسول يشهد ويقول: «لأنه جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا» (2كو 5:12).
ويهوذا الخائن يشهد ويقول: «قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً» (مت 72:4).
(ج) شهادة أعدائه عنه :
اللص التـائب على الصليب يقـول: «وأما هـذا فلم يفعــل شيئـاً ليس في محله» (لو 32:14).
وبيلاطس الذى أمر بصلبه قال: «فأى شر عمل هذا؟. إنى لم أجد فيه علة للموت» (لو 32:22).
وقائد المئة قال عند موت المسيح: «كان هذا الإنسان باراً» (لو32:74).
وهكذا نرى أن لا أحد يقول إن فيه عيباً واحداً أو إنه فعل خطأ واحداً، ولكن الكل يجمع على عصمته، والعصمة للَّه وحده فهو بالتأكيد اللَّه الذى ظهر في الجسد.
3 ـ إن صار اللَّه إنساناً فلابد أن يُجرى الآيات والمعجزات فوق الطبيعية:
إن الكثيرين من الأنبياء والمرسلين قاموا بعمل آيات وعجائب، ولكنهم كما قال بطرس الرسول: «لماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشى؟!» (أع 3:21).
ولكن الرب يسوع أجرى هذه الآيات والعجائب بقوته الذاتية على صنع المستحيلات، ولقـد أوجـز ذلك في قولـه لتلاميذ يوحنـا المعمـدان عندما سألوه أنت هو الآتى أم ننتظر آخر؟.. قال لهم: «العمى يبصرون، والعرج يمشون.. والبُرَص يطهرون.. والصم يسمعون.. والموتى يقومون.. والمساكين يُبَشرون..» (لو 7:22). فما أكثر الآيات والمعجزات التى صنعهـا يسـوع والتى «لو كُتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة». لأجل ذلك فإن مَنْ يكون بهذا المستوى الرفيع في الأرض، لابد أن يكون هو اللَّه المتجسد. وسيكون لنا حول الآيات والعجائب حديث هام نعرض له في حينه إن شاء الرب.
4 ـ إن صار اللَّه إنساناً فلابد أن تكون كلماته أعظم ما قيلت في الأرض :
فكل الأقوال العظيمة للبشر لا تساوى شيئاً، ولا وجه للمقارنة على الإطلاق بينها وبين ما قاله السيد له كل المجد، فيقول الكتاب عن كلامه:
«فبهتوا من تعليمه لأن كلامه كان بسلطان» (لو 4:23).
«لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان» (يو 7:64).
بل قال هو عن كلامه العظيم الذى قاله بسلطان:
«السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول» (لو 12:33).
فهو الوحيد الذى قال: «قال الناموس».. وأما «أنا فأقول».. إنه لسلطان عجيب، فما قاله في الموعظة على الجبل وفي كل أحاديثه هو بالحق أحسن وأعظم ما قيل على الأرض، لذلك قال الرسول بولس: «متذكرين كلمات الرب يسوع» (أع 02:53).
وبما أن هذا الكلام العظيم ليس له نظير فإننا نقول إن مَنْ قاله هو اللَّه.
5 ـ وإن صار اللَّه إنساناً فلابد أن يكون مختلفاً عن بقية البشر في تأثيره الشامل والدائم :
لقد كان المسيح مختلفاً عن بقية البشر في ميلاده وفي كلامه وفي حياته، وحتى في موته وقيامته وصعوده إلى السماء. فميلاده قسم التاريخ إلى ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد. كلامه هو أعظم كلام. وحياته ما أعجبها! كذلك تأثيره على البشر، فلا تزال شخصية السيد له كل المجد تترك تأثيرها على بنى البشر بعد ألفى سنة من ميلاده. بدون مال أو سلاح هزم المسيح الملايين، وفتح أعظم الدول بكلامه الإلهى. بل وصار تأثيره الدائم يشمل المتعلمين والأميين، المثقفين والجهال، الأغنياء والفقراء، السود والبيض، كل الأمم والقبائل والشعوب سباهم حب المسيح، وكان تأثيره عميقاً شاملاً ودائماً. أليس هذا هو اللَّه؟!
6 ـ إن صار اللَّه إنساناً فلابد أن يشبع جوع الناس الروحى والجسدى :
قال السيد له كل المجد عن نفسه: «أنا هو خبز الحياة، مَنْ يُقبل إلىَّ فلا يجوع، ومَنْ يؤمن بى فلا يعطش أبداً» (يو 6:53). أى أنه شبع للجائع ورى للعطشان (يو 7:73) «إن عطش أحد فليقبل إلىّ ويشرب»، كذلك «مَنْ يشرب من الماء الذى أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد» (يو 4:41). مجداً للرب، فإنه الوحيد الذى أشبع الجياع والعطاش إلى البر، وأراح المتعبين وثقيلى الأحمال، فقد وجد الكثيرون السعادة المنشودة في يسوع المسيح. وهو أيضاً يشبع الجوع الجسدى، فمَنْ يكون ذلك الشخص القادر على ذلك إلا اللَّه.
7 ـ إن صار اللَّه إنساناً فلابد أن يكون له سلطان على الموت :
البشر يموتون.. «وُضع للناس أن يموتوا مرة».. والموت هو مصير كل إنسان، ولكن.. اللَّه عندما يصير إنساناً عليه أن يُظهر سلطانه على الموت، فهو وحده الذى ليس للموت سلطان عليه، «وحده له عدم الموت». من أجل ذلك قال المسيح لمرثا أخت لعازر: «أنا هو القيامة والحياة، مَنْ آمن بى ولو مات فسيحيا» (يو 11:52). إنه هو الحياة، ففيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس. من هنا نرى أن الرب يسوع المسيح أيضاً له عدم الموت، فهو بذلك يبرهن لنا أنه اللَّه. لقد أظهر يسوع المسيح سلطانه على الموت في إقامة مَنْ مات في الحال (ابنة يايرس ـ مر 5:14، 24)، ثم آخر مات منذ ساعات (ابن أرملة نايين ـ لو 7:21)، وثالث قام بعد أربعة أيام (لعازر ـ يو 11:34). وبذلك قهر الموت في الآخرين.
لكنــه لــم يُقهـر من المــوت، فهـو ليس بشراً، بل قــال للمـوت عندما أراد أن يمـوت: مسمـوح لـك أن تأتى إلىّ و «أسلم الـروح» (يو 91:03)، لأنه قال: «لـى سلطــان أن أضعهـا ولـى سلطــان أن آخــذها أيضـــاً». وفي نهايــة المطــاف قام هـو بنفسـه من الأمـوات، وقـال: «أين شوكتك يا موت! أين غلبتك يا هاوية!» (1كو 51:55).
فالمسيح هو قاهر الموت الذى أبطل مفعول العدو الذى جعل البشرية كلها في رعب مستمر من سطوته، ولكنه ـ تبارك اسمه ـ أعطى للمؤمنين به أن يقولوا: «الموت لى هو ربح».
8 ـ إن صار اللَّه إنساناً فلابد أن يكون له السلطان أن يعود من حيث جـاء :
وهذا ما فعله يسوع المسيح، فهو قد جاء من فوق، لذلك فهو فوق الجميع. وهو نزل من السماء، وكان لابد أن يكون له، في قدرته السرمدية، سلطان فوق سلطان الجاذبية الأرضية حتى يمكنه العودة مرة أخرى إلى حيث جاء، لذلك قال: «خرجت من عند الآب، وقد أتيت إلى العالم، وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب» (يو 61:82). وهذا كان واضحاً عندما أخذته سحابة عن عيون التلاميذ وصعد إلى السماء. «ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم» (أع 1:9).
هذا هو اللَّه، عندما يريد أن يكون إنساناً، فلابد أن تكون هذه هى بعض صفاته الظاهرة في الجسد، فنحن نؤمن أن يسوع هو اللَّه، واللَّه ظهر في الجسد، وكان هو يسوع. «في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند اللَّه، وكان الكلمة اللَّه» (يو 1:1). في البــدء كـان يسوع، وكان يسوع عنـد اللَّه، وكان يسوع اللَّه.. هللويا.
وقبل أن أترك هذا السؤال أرجو أن تردد معى: يا ترى إن أراد اللَّه أن يكون إنساناً (أليس هذا من الممكن) فهل سيكون شخصاً آخر غير يسوع المسيح؟
ثانياً : ماذا إن كان هناك شخص له صفات اللَّه مجتمعة؟ هل نقول عنه وبغير شك، إنه هو اللَّه؟؟