|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"أحسن أصلها بهجة لكل الأرض، جبال صهيون، جوانب الشمال، مدينة الملك العظيم" [2]. إذ رأى في كنيسة العهد الجديد المدينة التي يجتمع فيها الله بشعبه والجبل الذي ملأ الأرض وقد حمل قداسته وبره يعلن عن بهائها وجماله، وعن دورها كبهجة كل الأرض. يرفضها العالم ويرذلها ويهينها ويضطهدها طالبًا الخلاص منها، أما هي فكعريسها بجماله الروحي تعلن حبها للعالم، تعمل كخامة باذلة، لكي تجتذب حتى المضايقين إلى فرح الرب وبهجته. إنها تكرز بالحياة الإنجيلية، بالأخبار السارة التي تحقق خلاصنا في استحقاقات الصليب، وتكشف عن الحب الإلهي المُسجل بالدم الثمين المبذول، لتدخل بالكل كأبناء لله الآب، وتهبهم عطية الروح القدس واهب الحياة والقداسة. إنها تدخل بالأمم إلى العرش السماوي، إلى الفرح الأبدي كعذارى حكيمات، لكنهن لسن مدللات ولا متراخيات، وإنما كجبال شامخة، لذا يدعوهن "جبال صهيون" * صهيون هي جبل واحد، فلماذا يقول: "جبالًا"؟ ذلك لأن صهيون تنتمي أيضًا إلى القادمين من كل جانب، ليلقوا معًا على حجر الزاوية، ويصيروا حائطين، كما لم كانا جبلين، واحد من الختان والآخر من الغرلة؛ واحد من اليهود والآخر من الأمم، ومع التنوع لا يوجد اختلاف، أنهم جاءوا من جهات متنوعة والآن هم في الزاوية (معًا)... القديس أغسطينوس تجتمع الكنيسة كلها معًا، مع ما فيها من تنوع في المواهب والقدرات والإمكانيات، باتحادها معًا في حجر الزاوية ربنا يسوع، ليبعث إليها روحه القدوس كسحاب ذهبي يفيض عليها بمياه الحياة لتحولها إلى جنات تحمل ثمر الروح. * تأتي سحب ذهبية اللون من الشمال؛ عظيم هو مجد القدير وكرامته! عظيم هو مجد الطبيب، الذي يشفي المريض اليائس. "من الشمال تأتي السحب"، ليست سحبًا داكنة ولا مظلمة ولا سفلية بل ذهبية اللون. أليس إلا أنها تستنير بالمسيح؟ أنظر فإنه من جوانب الشمال مدينة الملك العظيم. القديس أغسطينوس مادامت الكنيسة على الأرض تبقى مُحاربة كما من الشمال، كما فعل الآشوريون الذين جاءوا إلى أورشليم لمحاصرتها وسبيها... لكنها تبقى الكنيسة "مدينة الملك العظيم" التي لا تُحطمها هجمات العدو المتتالية. وللشمال أيضًا معانٍ أخرى كما سنرى: * يدعوها النبي "جوانب الشمال"، وذلك لأجل استتارها لصغرها كاختفاء جوانب الشمال، إذ تخفيها شوامخ الجبال... وأيضًا لأن الآشوريين الذين كانوا يمارسون السطوة بالقتال ضد اليهود، وكانت بلادهم من ناحية الشمال... فمع كونها محاربة من أهل الشمال لم تكف عن أن تكون مدينة الملك العظيم. وأيضًا يدعو الأنبياء الأمم "أهل الشمال"... بمعنى أن الأمم المدعوين أهل الشمال مزمعون أن يصيروا مدينة الملك العظيم ومسكنه لقبولهم الإيمان بالمسيح. وأيضًا لأن الشريعة القديمة قد أمرت بأن يُذبح حمل الذبيح في جانب المذبح من ناحية الشمال. فكان ذلك رمزًا لحمل الله ربنا يسوع المسيح الذي ذُبح لأجل مغفرة خطايا العالم، هذا الذي يشمل بنظره الأمم ويجعلهم خاصته، ومدينته الحصينة يحوطها بجبال ثابتة، أي بالرسل القديسين والملائكة الحارسين. الأب أنثيموس الأورشليمي تظهر الكنيسة كمدينة الله الملك العظيم وقصره، أما المؤمنون فيظهرون بكونه شرفاته التي من خلالها يظهر الملك بكل أعماله العجيبة، خاصة عهده مع كنيسته، بل ومع كل عضو فيها، يتهم بها كجماعة مقدسة وكأعضاء، كمدينة واحدة وكشرفات عديدة، يقصد الكل بكلمته ووعوده، وبعمله الخلاصي على الصليب، ويهتم بمن لا معين لهم... فهو أب الأيتام وقاضي الأرامل ومنصف المظلومين. |
|