![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() مقارنة حال أيوب بالعالم القديم هَلْ تَحْفَظُ طَرِيقَ الْقِدَمِ الَّذِي دَاسَهُ رِجَالُ الإِثْمِ [15]. بعد أن ظن أليفاز أنه بحكمته وخبرته كشف عن عيني أيوب ليرى خطاياه وآثامه، الآن يقدم له تحذيرات لئلا يكون مصيره مصير رجال الإثم القدامى مثل أولئك الذين غمرهم الطوفان في أيام نوح. إنه يتهم أيوب بأنه يسلك ذات طريقهم، وستنتهي حياته كما انتهت حياتهم. الطريق الذي يسلكه أيوب -في رأي أليفاز- ليس طريقًا حديثًا، إنما هو طريق قديم متسع ومطروق، نهايته الهلاك. إن كان أليفاز يدعو أيوب أن يخرج من الطريق الذي يسلكه، هذا الذي سبق فسلكه كثيرون منذ القدم وهلكوا، فإن رب المجد على خلاف أليفاز لم ينهج الطريق السلبي، إنما قدم نفسه الطريق الإلهي الذي يهب الخطاة المغفرة بالتوبة، ويحملهم إلى أبواب السماء المفتوحة لهم، والتي تترقبهم. هنا يليق بنا أن نضع مقابلة بين أليفاز المُدمر للآخرين وبين السيد المسيح واهب الرجاء لكل العالم. ففي كبرياءٍ وتشامخٍ ادَّعى أليفاز أنه رجل حكيم وصاحب فهم يقود أيوب للتعرف على خطاياه التي أخفاها عن الناس وعن الله، والتي حاول أن يتجاهلها فحلّ به سيل من النكبات، وطوفان من الضيقات لن تتوقف حتى يهلك تمامًا. أما السيد المسيح فهو حكمة الله الأزلي، جاء في تواضعٍ ليمسك بأيدي الأشرار دون أن يجرح مشاعرهم، يحملهم فيه ويدخل بهم إلى الأحضان الإلهية، يسند الضعفاء ويهبهم روحه القدوس واهب الحب والفرح والسلام والصلاح والتعفف. حاول أليفاز أن يدمر نفسية أيوب باتهاماتٍ باطلةٍ. أما رب المجد يسوع فحمل الاتهامات الموجهة ضد البشر، واهبًا إياهم الشركة معه في الطبيعة الإلهية ليرفع من نفسيتهم، ويهبهم صحة الجسد والنفس والروح على مستوى أبدي، حيث يتمجد الإنسان بكليته في يوم الرب العظيم. * هل تعطي علامة للطريق القديم الذي يطأه الأشرار؟" [15] لما كان طريق فادينا هو التواضع، فإن طريق العالم هو الكبرياء. وهكذا فإن الأشرار يطأون طريق العالم، حيث بواسطة شهوات العالم يسيرون في الاعتداد بالذات. البابا غريغوريوس (الكبير) الشهيد كبريانوس القديس أغسطينوس القديس يوحنا الذهبي الفم الَّذِينَ قُبِضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْوَقْتِ؟ الْغَمْرُ انْصَبَّ عَلَى أَسَاسِهِمِ [16]. لقد باغت الطوفان الأشرار فجأة وهم غير مستعدين، ظانين أنهم يعيشون سنوات طويلة، فغرقوا وهلكوا كما لما كان قبل الأوان. لقد عجًّل الطوفان بحياتهم فجأة. لقد وضعوا الأرض أساسًا لهم، وبنوا عليها آمالهم، وظنوا أنهم في أمان كما على أساس صخري، لكن الغمر أنصب على أساسهم هذا. "الطوفان الذي جلبه الله على عالم الفجار" (2 بط 2: 5). ربما يتساءل البعض: أليس عمر الإنسان معروفًا مسبقًا عند الله، فكيف يُقال إن الأشرار يُقبض عليهم قبل الأوان؟ هل يموتون قبل الموعد المعيَّن لهم؟ وهل تطول أيام حياة الأبرار عما عيَّنه الله لهم؟ أولًا: يرى البابا غريغوريوس (الكبير)، أن كل إنسان له عمر لائق به يناسبه أو يستحقه. لكن الله أيضًا يعلم مسبقًا أن هذا الشرير من الأفضل أن يموت مبكرًا لكي لا يعثر الصديقين، أو يتركه لعمرٍ أطول لأجل إعطائه فرصة لعله يتوب. فما يُقال عن أن عمر الإنسان يقصر أو يطول لا يعني أن الله يغيِّر رأيه فيما سبق أن عرف، لكن الإنسان ينال عمرًا أطول أو يُقصر عمره لحكمة إلهية، سواء بالنسبة للشخص نفسه أو من هو حوله، وهو يعلم مسبقًا أيضًا ما يليق، هل يضيف أو يُنقص من عمر شخص ما حسبما يلزم أن يكون عليه حسب الطبيعة أو حسب استحقاقه. ثانيًا: يرى العلامة أوريجينوس أن مقاييس العمر تختلف عند البشر عنها عند الله. فكما يقول المرتل يوم واحد عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيومٍ واحدٍ. ففي يوم الرب العظيم نُفاجأ بأطفالٍ صغار يُحسبون كأشخاصٍ عاشوا سنوات كثيرة، وشيوخ نراهم كأطفالٍ صغار. لتوضيح ذلك إن قارنَّا الجنين يوحنا المعمدان حين ارتكض مبتهجًا في بطن أمه القديسة أليصابات، نجده حسب المقياس البشري لم يكن قد وُلد بعد، ولا تُحسب مدة بقائه في الرحم من عمره، بينما في نظر الله وحسب مقاييسه يحسب كإنسانٍ ناضجٍ، سنه أكثر مما لرئيس الكهنة، والكهنة، والكتبة، والفريسيين إلخ. في ذلك الحين، لأنهم يُحسبون كموتى لم يشهدوا للسيد المسيح بالرغم من معرفتهم للنبوات عقليًا. قد يموت أبرار وهم أطفال ويحسبون كمن عاشوا آلاف السنين في عينيّ الرب، وقد تطول أيام طغاة أشرار وتحسب أيامهم كلا شيء. "تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم". عندما نسمع عن وصية الرب: "أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض"، لا نندهش إن مات ابن أو ابنة في سن مبكرة بالرغم من إكرامهما للوالدين، فإن هذا الابن (أو الابنة) يُحسب كمن طال عمره على الأرض، لأن يومًا واحدًا من عمره يُحسب عند الرب كألف سنةٍ. هذا هو التفسير الروحي الرمزي الذي تبنَّاه العلامة أوريجينوس في مواضعٍ كثيرة حين تحدث عن عمر الإنسان على الأرض. بحسب هذا التفسير يُقبض على الأشرار قبل الأوان، لأن حياتهم بلا ثمر، لم ينتفعوا بفرص التوبة للتمتع بالشركة مع الله واهب الحياة. فبموتهم يحسبون كموتى فقدوا الحياة، ولم يحرصوا عى التمتع بها. *"الذين يؤخذون قبل الوقت، حيث يفيض الطوفان على أساسهم"... كل إنسان يؤخذ من هذه الحياة في وقت سبق معرفته قبل الزمن بسلطان إلهي. لكن يلزم معرفة أن الله القدير، في خلقته لنا وتدبير أمورنا، يعين حدود (حياتنا) حسب استحقاق كل أحدٍ. فقد يلزم الشرير أن يعيش وقتًا قصيرًا، لئلا يسيء إلى كثيرين يسلكون باستقامة، وقد يلزم أن يبقى الإنسان الصالح مدة أطول في الحياة، حتى يكون معينًا في أعمال صالحة لكثيرين. مرة أخرى فإن الشرير يلزم أن يبقى مدة أطول في الحياة حتى يضيف أعمالًا شريرة إلى أعماله. وهكذا البار قد يمارس حياة صادقة تتطهر بامتحانه، أو يلزم سحب الإنسان الصالح بأكثر سرعة، لئلا إن عاش أكثر، قد يُفسد براءته. لكن ليوضع في الاعتبار إن رأفات الله هي التي تهب الخطاة فرصة للتوبة. على أي الأحوال قد تُوهب لهم أزمنة ولا يرجعون ليحملوا ثمار الندامة بل يخدمون الشر، وبرحمة الله ينالون الأزمنة لعلهم يتخلون عن تصرفاتهم. بالرغم من أن الله القدير يعرف مسبقًا وقت موت كل أحدٍ، متى تنتهي حياته، لا يقدر أحد أن يموت قبل أوانه، بل في الوقت المعين لموته، فإنه إن كان قد أُضيف إلى حياة حزقيا خمسة عشر عامًا (2 مل 20، إش 38)، فإن زمن حياته بالحقيقة زاد عن النهاية التي كان يستحقها، وقد سبق فعرف الله وقته في هذه اللحظة والتي فيما بعد يسحبه من الحياة الحاضرة. هذا الأمر هكذا: ماذا يعني "يُقطع الأشرار قبل أوانهم" سوى أن كل أولئك الذين يحبون الحياة الحاضرة يعدون أنفسهم لفترات أطول من تلك الحياة؟ وعندما يسحبهم الموت من الحياة الحاضرة، فإن الفترات الطويلة لحياتهم التي اعتادوا أن يتخيلوها تكون قد سُحبت منهم، إنها تُقطع إربًا. بحق قيل عن هؤلاء: "أساسهم قد أفاض بطوفان"... وُصف قايين إنه أول من أسس مدينة على الأرض (تك 4: 17)، وهو بهذا أكد بوضوح أنه غريب، حيث كان غريبًا عن الثبات في العالم الأبدي، فأنشأ أساسًا على الأرض. بكونه غريبًا عن الأمور العلوية وضع استقراره في أساسٍ لأمور سفلية، ووضع استقرار قلبه في اللذة الأرضية. كما بانهيار الزمن اليومي حالة الموت في الحياة الحاضرة ذاتها تجري نحو النهاية، وتحطم تكريس أبناء الهلاك بإزالة هؤلاء الأشخاص عينهم، بحق قيل عن الأشرار: "أساسهم قد أفاض بطوفانٍ"، بمعنى ذات التغير يلقي فيهم استقرار إنشاءات الأشرار. البابا غريغوريوس (الكبير) الْقَائِلِينَ لله: ابْعُدْ عَنَّا. وَمَاذَا يَفْعَلُ الْقَدِيرُ لَهُمْ [17]. خطية هؤلاء الأشرار أنهم يطلبون من الله: "أبعد عنا"، إذ يريدون أن يعيشوا بلا إله، حتى لا تثور ضمائرهم، ولا يفقدون بلادتهم. لقد تجاهلوه قائلين: "الرب لا يُحسن ولا يُسئ" (صف 1: 12). لقد سمعوا عنه أنه القدير، ولكن في نظرهم أي سلطان له عليهم؟ كما سبق فقلنا إن الإلحاد نوعان: إما إنكار وجود الله، أو مع معرفتهم بوجوده يظنون أنه لا يشعر بهم، بعيد عنهم في سماواته، أو يطلبون منه أن يبعد عنهم، إذ يحسبونه عاجزًا عن أن يهبهم السعادة التي يطلبونها، أو يحقق لهم ما يشتهونه. وَهُوَ قَدْ مَلأ بُيُوتَهُمْ خَيْرًا. لِتَبْعُدْ عَنِّي مَشُورَةُ الأَشْرَارِ [18]. مما يزيد من دينونة الأشرار أنهم كانوا يتمتعون بخيراتٍ هي من عند القدير، وقد أساءوا استخدامها. فالذين غرقوا في الطوفان "كانوا يأكلون ويشربون ويزوجون ويتزوجون ويبيعون ويشترون" (لو 17: 27). لم يكن لهم مبرر ليسألوا "ماذا يفعل القدير لهم"، لأنهم كانوا يعيشون في خيراته الجزيلة، فلم يكن لهم ما يدعوهم أن يطلبوا صانع الخيرات أن يبتعد عنهم. كانت بيوتهم مملوءة بالخيرات، لكن قلوبهم كانت فارغة من النعمة الإلهية، لهذا هلكوا. هنا يتفق أليفاز مع أيوب في الرغبة: "لتبعد عني مشورة الأشرار" (أي 21: 16). * "لكنه يملأ بيوت الأشرار بالخيرات" [18]. يملأ الرب بيوت الأشرار بالخيرات حتى بالنسبة للجاحدين، فإنه لا يمنع عطاياه، حتى يستحوا من رأفة خالقهم ويرجعوا إلى الصلاح، أو يحتقروا العودة، فيكون ذلك علة لعقابهم بأكثر شدة، إذ يردون صلاح الله الفائق بالشر، فتحل بهم ويلات قاسية فيما بعد... "ليت حكمهم يكون بعيدًا عني". هذا أيضًا عبَّر عنه الطوباوي أيوب، إذ يقول: "لتبتعد مشورتهم عني" (أي 21: 6). البابا غريغوريوس (الكبير) الأَبْرَارُ يَنْظُرُونَ وَيَفْرَحُونَ، وَالْبَرِيءُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ قَائِلِينَ: [19] الأبرار لا يحسبون هكذا إن كانوا يُسرُّون بموت الأشرار ويسخرون بهم، إنما يئنُّون ويصلون من أجلهم. لكنهم في يوم الدينونة حيث أُعطيت الفرص للأشرار وقد أصرُّوا على شرهم مع إعطائهم ظهورهم لواهب الحياة، وتفضيلهم البنوة لإبليس عوض البنوة لله، فإذ يحل بهم الدمار الذي من عمل إرادتهم الشريرة الحرة وسلوكهم، يُسر الأبرار إذ لا يعود للشر موضع بعد فيهم، بل يعيشون في أورشليم العليا المقدسة مع الله القدوس. لا يشمت الأبرار في الأشرار عند هلاكهم، فإنهم يحملون إرادة أبيهم أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، لكنهم يفرحون بإبادة سلطان الشر والظلم حتى لا يتعثر الضعفاء، كما يُسرون بمجد الله الذي لا يقبل الفساد. يجد الأبرار الفرصة للكشف عن بطلان الشر وضعفه وعدم ديمومته، وسخافة حكمة الأشرار ومكرهم وخبثهم. يُسر الأبرار بانهيار إبليس ومملكته، وبدمار الخطية لا الخاطي. فإن البار لا يعرف إلا الحب حتى بالنسبة للخطاة. *"يرى الأبرار ذلك فيبتهجون، ويضحك الأبرياء عليهم ساخرين" [19]. إذ يرى الأبرار الأشرار يخطئون هنا، لا يسرون بخطأ أناس يهلكون أنفسهم. فإنهم إن كانوا يسرون بالخطأ لا يُحسبون بعد أبرارًا... لقد فقد الفريسي برَّه لأنه سُرّ، حاسبًا نفسه أسمى من العشار، قائلًا: "أشكرك إنني لست مثل باقي الناس الخاطفين، الظالمين، الزناة، مثل هذا العشار". مرة أخرى إن قلنا البار يمكن أن ينتصر بفرحٍ كامل على موت الأشرار أي نوع هو هذا الفرح من أجل الانتقام من الأشرار في هذا العالم، الذي فيه حياة البار غير أكيدة؟ لنميز بين الأزمنة التي للرعب والتي للمجد. فالأبرار يرون الأشرار الآن ويصيرون في هزالٍ من أجل شرورهم. وعندما يرونهم يُضربون، لا يثقون في حياتهم هم أيضًا... الآن يرى الأبرار أبناء الهلاك ويئنون، وفي الدينونة النهائية يرونهم ويضحكون ساخرين. البابا غريغوريوس (الكبير) أَلَمْ يُبَدْ مُقَاوِمُونَا، وَبَقِيَّتُهُمْ قَدْ أَكَلَتْهَا النَّارُ؟ [20] ربما يشير هنا إلى لوط الذي كان يعذب نفسه البارة بفجور الأشرار، فمع فقدانه كل ما يملكه، كان يشتهي خلاص أهل سدوم وعمورة كما يفرح لدمار الفساد والفجور (2 بط 2: 7-8). يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن المقاومين للأبرار والمعادين للحق الإلهي سيُلقون في نار جهنم التي لا تنطفئ، تحرق النفوس مع الأجساد. فكما اشترك الجسد مع النفس في مقاومة الله، وتعاونا معًا في ممارسة أعمال إبليس والخضوع له، لاق بهما أن يُشاركا إبليس مصيره، النار الأبدية. *وإن كان الأشرار يرحلون من هنا من جسدهم الميت، لكنهم يتقبلونه مرة أخرى في القيامة، حتى إنهم بذات الجسد يحترقون، ذات الجسد الذي فعلوا به الخطية. فإذ كانت خطيتهم في الفكر والجسد هكذا ستكون العقوبة في الروح والجسد على السواء. البابا غريغوريوس (الكبير) يتهلل المؤمن بعمل الروح القدس الناري فيه الذي يدمر ويبني! |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|