|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بِصَليبِكَ الْمُقَدَّس، يا مُخلِّص خَلِّصنَا عيدُ اِرتفاعِ الصّليب "كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ" (1 كورنثوس 1: 18) في كُلِّ كَنيسةٍ وَفَوقَ كُلِّ قُبّةٍ وَجَرَسيّة صَليبٌ يَعلوها. وَفي كُلِّ بَيتٍ مَسيحيّ وَمُؤسَّسَةٍ مَسيحيّة صَليبٌ يُشَرِّفُها، وكُلُّ مُؤمِنٍ يَرتَدي أَو يحمِلُ صَليبًا يُبْرِزُ هُويّتَهُ، وَبِه يَحتَمي ويَفتَخِر. فَالصّليبُ بالرّغمِ مِن كُلِّ مَا يُوحيهِ مِن ألمٍ وقَسوَة وَعَذَاب، أَضْحَى مع الْمَسيحِ عِلَّةَ الخلاصِ والفِداءِ والنَّصرِ وَالنَّجَاة، فَصارَ أَعظَمَ رَمزٍ لِكُلِّ مَسيحي، وَمصدرَ اعتِزازٍ وفَخَار. وَفي نَفسِ الوَقت، يَرى فيهِ غَيرُ الْمَسيحيين، ضَلالَةً وجَهَالَةً وكُفرًا وإفكًا. أَمّا لَنا نحنُ الْمؤمنين، فَهوَ محبَّةُ الله، إذ هَكذا: ﴿أَحبَّ اللهُ العَالم، حتّى أنَّهُ جادَ بابنِه الوحيد، لِكَي لا يهلِكَ كلُّ مَن يؤمِن بِه، بَل تكونَ لهُ الحياةُ الأبديّة﴾ (يوحنا 16:3). وَبَالرّغمِ مِن كُلِّ ما يُذاعُ ضِدَّ الصّليب، فَإنَّنا نُردِّدُ ما يقولُه بولسُ الرّسول، في رِسَالتِه الأولى إلى أَهل قورنتوس: ﴿إنّنا نُبشِّرُ بِمسيحٍ مَصلوب، عِثارٍ لليهودِ وَحماقَةٍ للوثَنيّين، وأمّا لِلمدعوِّين، فَهوُ مسيح، قُدرةُ الله وِحكمَةُ الله﴾ (1قورنتوس 23:1-24). ولأجلِ كُلِّ هذا، نُجدِّدُ إيمانَنا مع بولُس، بافتخارٍ وَشموخٍ قائِلين: ﴿أمّا أَنا فَمَعاذَ اللهِ أنْ افتخِرَ إلّا بِصليبِ ربِّنا يَسوعَ الْمسيح! وفيه أَصبحَ العالَمُ مَصلوبًا عِندي، وَأصبَحتُ أنا مَصلوبًا عِندَ العالَم﴾ (غلاطية 14:6). مَاذا يَعني أَن يَكونَ العالَمُ مَصلوبًا عِندَكَ، وأن تَكونَ أَنتَ مَصلوبًا عِند العالم؟ يَعني أَن تكونَ جاهِزًا وحاضِرًا دَومًا للتخّلي والتّضحيةِ في سبيلِ الْمسيح، إذ: ﴿مَاذا يَنفَعُ الإنسانَ لو رَبِحَ العالمَ كُلَّهُ وخسِر نَفسَه؟﴾ (مرقس 36:8). يَعني أَن تَكونَ حُرًّا مِن كلِّ قَيد زَمَني وَتَعلُّقٍ دُنيوي، مِن شَأنِه أَن يفصِلَك أو يُبعِدَكَ عن الله! يقول القدّيسُ يَعقوب في رسالتِه: ﴿ألا تَعلمونَ أنَّ صَداقَةَ العالمِ عداوةُ الله؟ فَمَن أرادَ أن يكونَ صديقَ العالمِ، أقامَ نَفسَهُ عَدوَّ الله﴾ (يعقوب 4:4). صَدَاقةُ العالمِ مُتَفَشّية بَينَ الْمَسيحيين بِشكلٍ عام، مِن خلالِ سَعيهم الْمَحمومِ وراءَ الْمَادّة، وَطَمَعِهم الجامِح الّذي لا يَنتَهي إلا لَحظةَ الْمَوت، غافلينَ عَن الآيةِ الّتي تَقول: ﴿أُطلُبوا مَلكوتَ الله وَبِرَّهُ، تُزادوا هذا كُلَّه﴾ (متى 33:6). وَهذا يَدُلُّ عَلى انْعدَامِ الثّقَةِ وَقَلّة الاتّكالِ والإيمانِ بالله. فَالعَقليّةُ الْمَادّيةُ الاستهلاكيّة هي السّائِدة. الكُلُّ يَبحَثُ عَن الرّخاءِ الْمَادي والجَسَدي والنّفسي، وما يَعنيه ذلِكَ مِن الرّاحةِ والانبِساط. أمّا الصّليبُ فَيَعني شَقاءً وألَمًا وَعناء، لِذلكَ نادِرًا ما تَجِدُ أَحَدًا يَقبَلُ بِذلك! أَتَينَا إلى الكنيسةِ اليوم لِنحتفِلَ بالصّليب، ونُعلِنُ افتخارَنا بِه. وَلكِن إنْ أَتَت السّاعة، لِتَحمِلَ الصَّليب، فَكَيفَ يا تُرَى يَكونُ حالُك؟! في أَمَاكِنَ كَثيرة، يأخُذُ عيدُ اليَومِ طَابِعًا مَهرجانيًّا واحتفالِيًّا، ولكنَّ يَسوع ساعةَ حَملِهِ الصّليب، لَم يَكُن الأمرُ مَهرَجَانًا ولا احتِفالًا، بَل كَانَ دَربًا مُثقَلًا بالآلامِ وَمُحمَّلًا بالعَذابَات! الْمَؤمِن الحَقيقي يُهيّأُ نَفسَهُ للتّعامُلِ مع كَافّةِ الظّروف، خُصوصًا تِلكَ الصَّعبَة حين تَحُلُّ الضّيقةُ وَالشِّدَة. أمّا الْمؤمِن "الاستهلاكي"، فهو يَريدُ إلهً يُوفِّرُ لَهُ الرّخاءَ والارتياحَ والحصانَة، مِن أَيّةِ ضِيقَةٍ جَسَديّة أَو نَفسيّةٍ كانَت! وَهَذا هو الكُفرُ بالصّليبِ عَينِه! إنَّ الْمَسيحَ بِتَواضُعِه وَتَجسُّدِهِ، وَعَيشِهِ لحياةٍ بَشريّة، اِختبرَ فيها صُنوفَ الألمِ والعَذاب، قَدْ جَعلَ لَنا مِن ذاتِه قُدوَةً، وِمن نَفسِه مِثالًا! الْمسيحُ الرّاعي والقائِد، جَعلَ نَفسَهُ الأوّلَ في كُلِّ شَيء، لِكي يُعَلِّمَنا كيفَ نكونُ تَلاميذَ على مِثالِه هو الْمعلّم، في كُلِّ الظروفِ والأوقات، لَحظةَ الرّخاءِ وَسَاعةَ الشّقاء، عندَ الفرحِ وعِندَ البُكاء! هَذا هو الجوهرُ الحَقيقي للتّلميذِ الصّادق. أَمَّا التَّلامِذَةُ الْمُزيّفون وَهُم كُثر، فَهم كالحَبِّ الّذي سَقَطَ في الأرضِ الحَجِرَة، (راجع مثل الزّارع متّى 3:13-9، 18-23)، لا أَصلَ لإيمانِهم الْمُزَيّف الشَّكلي، يَظهرُ رَداءَةُ مَعدنِهم وَزيفُ تَعبُّدِهم، عِندَ أَوّلِ صُعوبَةٍ وَمِحنّة، فَيَجنَحونَ وَيَكفُرونَ وَيَلعَنونَ ويجحَدون! لَم يأتي الْمسيحُ حتّى نَنعَمَ نحنُ بحياةٍ مُتْرَفَةٍ خَاليةٍ مِن كُلِّ مَرضٍ وَتَعَب. لَم يأتي الْمسيحُ حتّى نَنعمَ نحنُ بحياةٍ خاليةٍ مِن كُلِّ ألم. لَم يحمِل الْمَسيحُ صليبَهُ حتّى لا نَحمِلَ نحنُ صليبًا أبدًا. مَن يَعتَقِد ذَلِك، أَدعوه لأن يُراجِعَ إيمانَهُ، لأنَّ الافتخارَ بالصّليب شَيء، أَمَّا حَملُ الصّليبِ فَشَيءٌ آخر تمامًا، ذَاكرينَ قَولَ الْمعلِّم: ﴿مَن أَرادَ أَن يَتبَعني، فَلْيَزهَد في نَفسِه، ويحمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يَومٍ وَيَتبَعني﴾ (لوقا 23:9). أَيُّها الأحبّة، حَتّى لا أُنهي حَديثي بهذا الشّكل، فَيرميني البَعضُ بالتّشاؤمِ الْمُفرِط، مَع أَنّي إنسانٌ واقعيٌّ، لا أعيشُ في دُنيا الأوهام، دَعوني أقولُ بِأنَّ الصَّليبَ لا يَكتمِلُ معناه إلّا ساعةَ الْمَجدِ والقيامة. فالإيمانُ بالصّليبِ يَكونُ أَمرًا عَبثيًّا للغاية، لَو لم يَكُنْ الْمَسيحُ قَد قام! وَعِندها تُصبِحُ الْمسيحيةُ عبارَةً عن "اضطرابٍ نَفسيٍّ" يُمجِّدُ الألم! فَنَحنُ نُبشِّرُ مِن نَاحيةٍ بِمسيحٍ مصلوب، وَبِصَليبِه الْمُقَدّس خَلَّصَ العَالم، ومِن ناحيةٍ أُخرى نُبشِّرُ بمَسيحٍ قائِمٍ وحَيّ، وَطِئَ الْموتَ وَبشَّرِنا بالحياة! إنّ الصّليبَ يا أحبّة لَيسَ مُجرّدَ رَمز، ولكنَّهُ جوهرُ الْمَسيحيّة بالارتِباطِ مع القيامة! فَسِرُّ صَليبِ الْمَسيحِ وَقِيامتِه، هو مَا تَرتَكِزُ عَليهِ الْمَسيحيةُ، وَمَا يَقومُ عَليه الإيمانُ الْمَسيحي! وفي نَفس الوَقت، يَبقى الصّليبُ مَدرسةَ التّلميذِ الحَقيقي، مِن خلالِه يُثبِتُ صِحَّةَ إيمانِه وَصِدقَ اتِّباعِه لِلْمَسيح! أخيرًا، إنّ الصّليبَ الجميلَ الْمُزيَّنَ في كنائِسِنا اليوم، هو لَيسَ فَقط صليبَ يَسوع الْمسيح، بَل هو صليبُ كُلِّ واحِدٍ مِنّا، وهو أَمرٌ حَتمي! فَمَا أَجملَهُ وما أعذَبَهُ مِن صليبٍ، عِندَمَا نحمِلُه على مِثالِ الْمسيح، وَبِرفقةِ الْمسيح، وبالاتّحادِ مع صليبِ الْمسيح. وَمَا أَثقَلَهُ وَمَا أقساهُ وَما أَغلَظَهُ، عِندَما نحمِلُه مُنفردينَ دونَ الْمسيح! فَيَا أَيّها الّذي أَعانَكَ سِمعانُ القيرواني في حَملِ صليبِك، أَعِنّا وَساعِدنا على حَمِل صَليبِنا، فلا نهلِك، بَل مَعَكَ نحيا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أيُّها المَسيحُ إلهُنا، يا مَنْ بِصَليبِكَ الثَّمين |
فرح بواسطة مُخلِّص قدير |
ما أعظمه مُخلِّص |
أن ترتمي فورًا في حضن المسيح مُخلِّص الخطاة |
استقبال الملك والعريس - ولد لكم اليوم مُخلِّص فاحسنوا استقباله |