|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إدانة الشكليين في العبادة: يُستهل هذا القسم [7-25] بمقدمة فب الآية [7] يؤكد فيها المتكلم: "إني أنا هو الله إلهك"... فإن كان هو الله خالق الكل: السماء والأرض، لكنه مُنتسب إلى سامعيه بكونه إله شعبه المحبوب لديه؛ يجمع المؤمنين ليكشف لهم الفكر الروحي الحيّ للعبادة. فهو لا يطلب استصدار حكم، بل إلقاء ضوء على الحق، والكشف عن مفاهيم العبادة، والدخول بشعبه إلى حياة التوبة. ففي تقديم الذبائح يطلب ذبيحة القلب الكاملة، أي ذبيحة المحرقة الروحية، كما يطلب تهليل النفس بإلهها، أي ذبيحة الحمد والتسبيح. إنه لا يحتاج إلى طعام (ذبائح حيوانية) ليأكل بل إلى إقامة عهد مع شعبه. "اسمع يا شعبي فأكلمك، ويا إسرائيل فأشهد عليك. إني أنا هو الله إلهك، لست أوبخك على ذبائحك، محرقاتك هي قدامي في كل حين" [7-8]. عجيب الله في معاملاته مع الإنسان، فإنه حتى حينما ينتقد أو يُعاتب أو يوبخ لا يستخدم كلمات جارحة بل في لطف يبدأ بكلمات رقيقة للغاية تجتذب النفس إليه لتتقبل كلماته. نُلاحظ هنا في توبيخه الآتي: 1. يدعوهم "شعبي"... وكأنهم يقول لهم أنتم لي، إن إنتقدتكم فليس للتشهير بكم ولا لمحاكمتكم، وإنما لتقديسكم... ما يمسكم يمسني: "أنا هو الله إلهك"! أنتم تنتسبون لي وأنا لكم، لذا فالأمر يحتاج إلى صراحة كاملة خلال دائرة الحب! * إنه يأتي ولا يصمت؛ أنظر كيف أنه حتى الآن، إن سمعت لا يصمت. إسمع يا شعبي فأكلمك، فإنك إن لم تسمع لا أتكلم معك... متى تسمع؟ عندما تكون شعبي! "اسمع يا شعبي"، فإنك لا تسمع لي حين تكون شعبًا غريبًا (عني)! القديس أغسطينوس 2. يبدأ حديثه لا بالعمل السلبي، أي بالكشف عن ضعفاتهم وأخطائهم ومفاهيمهم غير الصحيحة، وإنما بالعمل الإيجابي، وهو "الاستماع" أو "الطاعة"، فإن الاستماع أفضل من ذبائح الجهال. يطالب الله شعبه بالاستماع قبل أن يحدثهم عن اتجاهاتهم الخاطئة في العبادة والسلوك! 3. إذ ينتقدهم الله في عبادتهم وسلوكهم يقدم لهم ذاته هبة وعطية حتى لا يحسبوه رافضًا إياهم، فيقول: "أنا هو الله إلهك". وكما يقول القديس أغسطينوس: [انظروا الله نفسه يُعطي ذاته. أي غني أعظم منه؟ تطلبون عطايا، ها هو لكم واهب العطايا نفسه: "أنا هو الله إلهك"]. 4. إن كانت الشريعة الإلهية قد ركزت على الحياة المقدسة في الرب، فإن الذبائح الحيوانية لم تكن إلا ظلًا لذبيحة حمل الله أو ذبيحة كلمة الله المتجسد، فإنه هو وحده القادر على المصالحة بين الآب والبشرية، وعلى تجديد طبيعتنا بروحه القدوس في استحقاقات دمه الثمين. الله ليس بمحتاج إلى ذبائح، وهو لا يجوع! لقد أخطأوا حين ظنوا أنهم يجلبون رضا الله وسروره بكثرة ذبائحهم كتغطية على شرورهم التي لا يودون التوبة عنها. فإن الله لن يُحاسبنا عن تقديم ذبائحنا وإنما عن تقديس حياتنا به وفيه. "لست أوبخك على ذبائحك، محرقاتك هي قدامي في كل حين" [7-8]. * أي أنكم لو تهاونتم في تقديم الذبائح فلا أوبخكم، وإن لم تقدموا لي محرقات فكأنها هي تجاهي دائمًا، أن الله قد مدح هابيل وقبل تقدمته وترك قربان قايين. ليس هذا نظرًا إلى ما قدماه بل إلى ضميريهما ونيتهما. وهكذا تقدمة المسيحيين إن كانت بنيّة صالحة يقبلها. وهكذا يكون الأمر في سائر الفضائل إذا مارسها الإنسان بقلب مستقيم يقبلهما منه. الأب أنثيموس أسقف أورشليم إن كان الله لا يوبخ شعبه لعدم تقديم الذبائح الحيوانية لكنه يطلب المحرقات الروحية التي هي قدامه في كل حين، أي محرقة "بذل الذات"، حيث تُقدم على مذبح القلب الملتهب بنار الروح القدس بلا انقطاع. * يقول إن محرقات معينة يقبلها الله؛ ولكن، ما هي المحرقة holocaust؟ كلمة "Causis" تعني "يحترق"، "holon" تعني "بالكامل whole". فالمحرقة هي احتراق كامل بالنار. توجد نار معينة للحب الأكثر احتراقًا. ليلتهب العقل بالحب، ولينتقل سريعًا إلى الأعضاء، فلا يسمح لها أن تخدم الطمع؛ فنتوهج بالكامل بنار الحب الإلهي التي تقدمنا محرقة لله. مثل هذه المحرقة "هي قدامه في كل حين". القديس أغسطينوس "لست أقبل من بيتك عجولًا، ولا من قطعانك جداءً. لأن لي هي كل وحوش البر. البهائم التي في الجبال والبقر. قد عرفت سائر طيور السماء، وبهائم الحقل هي معي" [9-11]. * لقد سبق فأخبر عن العهد الجديد، الذي فيه بطلت كل هذه الذبائح. فقد كانت تُنبئ عن ذبيحة معينة تُقدم، الدم الذي به نتطهر: "لست أقبل من بيتك عجولًا، ولا من قطعانك جداءً"... القديس أغسطينوس * يظهر الطوباوي بولس أن خدمة الناموس (الذبائح حسب الشريعة) عاجزة عن التقديس . القديس كيرلس الإسكنري لم يطلب الله الذبائح الحيوانية إلا بكونها رمزًا لذبيحته الفريدة، التي قدمها الكلمة المتجسد. فالله ليس في عوز إلى ذبائح أو خدمات بشرية، إنما الإنسان في حاجة إلى مصالحته مع الله الذي لا يعوزه شيء، لأن كل الخليقة هي من صنع يديه وتخضع له، لكن الإنسان في حالة عوز واحتياج. * قول دود: "لست أقبل من بيتك عجولًا" هو نبوة تشير إلى إبطال الذبائح عندما يحل الوقت المعين... كان العبرانيون يقدمون لله إما من الحيوانات بقرًا وتيوسًا وخرافًا وما يماثلها، وإما من الطيور حمامًا ويمامًا، وإما من الأثمار فريكًا وخمرًا وزيتًا. فيقول الرب إن الوحوش والبهائم والطيور وكل ما في جملة الأض والحق أنا صنعتها وأنا أُعطيها، وهي لي، أعني صنعتي وعطيتي. الأب أنثيموس أسقف أورشليم * لم يأخذ منكم ذبائح ولا أمر بها أولًا أن تُقدم له عن احتياج وإنما من أجل خطاياكم... فبالحقيقية اعتبر الهيكل الذي في أورشليم بيته أو ساحته لا كمن هو محتاج إليه وإنما لكي تقدموا أنفسكم له، ولا تتعبدوا للأوثان. ولهذا يقول إشعياء: "أي بيتٍ تبنون لي، يقول الرب، السماء كرسيّ والأرض موطئ قدميَّ". القديس يوستين * إن لي ما تمتلكه وما لست تمتلكه. فإن كنت خادمي فكل ممتلكاتك هي لي... قد عرفت سائر طيور السماء التي لا تقدر أنت أن تُعطيها... "وجمال الحقل هو معي". أفضل ما في الحقل، كل ما هو وفير... هو معي... أنت محتاج إلى ما لديك، أما الله فليس محتاجًا إلى الحقل الذي معه. معه الحقل، ومعه جمال الأرض، ومعه جمال السماء، ومعه الطيور، لأنه هو موجود في كل مكان. القديس أغسطينوس لعل الله يود أن يوبخ الإنسان الذي يظن أنه يُقدم خدمة لله عندما يدخل بذبائح وتقدمات إلى هيكله المقدس، فإن الله ليس محتاجًا إلى شيء من كل الخليقة. يقول إن هذه الخليقة هي لي، لأني خالقها، وأنا أعرفها لأني عالم بكل شيء، وهي معي لأني حال في كل موضع. وكأنه يقول: إن كانت الحيوانات والطيور والمحاصيل الزراعية هي لله فبالأولى الإنسان على صورة الله ومثاله أن يكون له. الله لا يطلب ما بين يديْ الإنسان بل يطلب الإنسان نفسه. وإن كان الله عارف بهذه الخلائق فهو يعلم أعماق قلب الإنسان، يهتم حتى باحتياجاته الخليقة، وإن كان الله حاضرًا مع خليقته أينما وُجدت فهو يطلب أن يسكن في قلب محبوبه الإنسان ليهبه شركة الحياة معه! بمعنى آخر الله لا يطلب ذبائح وتقدمات وهبات إنما يطلب الإنسان نفسه أن يُبادله الحب: يقدم نفسه مِلكًا لمن قدم ذاته له يمتلكه، ويقبل رعايته وعنايته ونعمته، ويدخل معه في شركة واتحاد! خلال هذا المفهوم يقدم الإنسان كيانه كله محرقة حب يشتمها رائحة رضا وسرور. "إن جعت فلا أقول لك. لأن لي المسكونة وكل ما فيها. هل آكل لحم الثيران. أو أشرب دم التيوس؟!" [12-13]. كان الله يُرسل نارًا لتلتهم الذبيحة علامة قبوله إياها، ورضاه على مقدمها. هذه النار النازلة من السماء كانت تُحسب أشبه بفم الله... إنه لا يأكل لحوم حيوانات أو يشرب دمها، إنما يعلن عن جوعه إلى قلب الإنسان: "يا ابني اعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقي" (أم 23: 26). لقد جاع كلمة الله المتجسد وعطش، وكما قال لتلاميذه: "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم... طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو 4: 32، 34). طعامه أن يتمم مشيئة أبيه، ألا وهي خلاص بني البشر والدخول بهم إلى مجد ميراثه. لقد افتقر وهو الغني لكي بفقره يغنينا؛ وجاع لكي يشبعنا، وعطش لكي يروينا بينابيع روحه القدوس. * من أجلنا رسم إله الآلهة أن يجوع؛ جاء ليجوع ويشبعنا! جاء ليعطش ويروينا. جاء لكي يكتسي بالقابل للموت لكي يكسونا بالخلود! جاء فقيرًا ليغنينا! فإنه لم يفقد غناه باقتنائه فقرنا، إذ هو "المذّخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (كو 2: 3). "إن جعت فلا أقول لك، لأن لي المسكونة وكل ما فيها" إذن لا تتعب لتجد ما تعطيني إياه، فإنني بدونك لي كل ما أريده. القديس أغسطينوس إذن ماذا يطلب الله منا؟ "اذبح لله ذبيحة التسبيح. أوفِ العلّي نذورك، وادعني في يوم شدتك، فأنقذك وتمجدني" [14-15]. إن كان الله لا يُسر بالذبائح الحيوانية التي تقوم على عشور الإنسان أو الجماعة باحتياج الله إليها، إنما يقبلها كرمز لذبيحة الصليب التي تحقق المصالحة مع الله، والقادرة على تجديد الإنسان الداخلي، فما هي ذبيحة التسبيح التي يطلبها الله؟ وماذا يعني بايفاء النذور؟ قدم السيد المسيح حياته مبذولة لأجلنا، لكي يُصلح من طبيعتنا الفاسدة ويحوّله إلى طبيعة جديدة مقدسة في الرب، وبهذا نتحول من حالة الجحود إلى حالة شكر مع تسبيح لله وحمد، لهذا تُدعى ذبيحة الصليب "أفخارستيا" أي "الشكر". إذ نتناول جسد الرب المبذول ودمه الكريم يليق بنا أن نعيش شاكرين ومسبحين له في كل ظروف حياتنا. بهذا نذبح للرب "ذبيحة تسبيح" ونوفي له نذورنا. * ما هي المحرقة الروحية؟ "ذبيحة التسبيح"! أين نقدمها؟ في الروح القدس . القديس باسيليوس الكبير يرى القديس أغسطينوس أن ذبيحة التسبيح وإيفاء نذورها لا يتحقق بالكلمات وحدها بالممارسة العملية، فنُعَبَّر عن شكرنا لله وفرحنا به وتسبيحنا له بحبنا لإخوته الأصاغر الذين هم في احتياح مادي أو نفسي أو روحي، كما نقدمها بالقلب المستقيم في الرب. * كان لزكا ذبيحة التسبيح هذه في ميراثه، وكان للأرملة في حقيبتها... والبعض لهم هذه بالكامل في قلوبهم... "اذبح لله ذبيحة التسبيح". يا لها من ذبيحة مجانية، توهب لنا بالنعمة! حقًا إنني لست أحضرها لكي أقدمها، بل أنت تهبني إياها، فإنه حتى هذه ليست من عندي! هذا هو ذبح ذبيحة التسبيح، أن ترد الشكر لذالك الذي أعطاك الصالحات، وبرحمته غفر لك الشرور التي لك... بهذه الرائحة الذكية يُسر الله! القديس أغسطينوس يرى بعض الآباء. أن السيد المسيح هو ذبيحة التسبيح التي قدمها ممثلًا عن البشرية، فمن يقتني السيد في حياته، إنما يقتني حياة الشكر والتسبيح، مشتاقًا أن يموت كل النهار من أجل الله... بهذا يقدم ذبيحة التسبيح ويوفي نذوره. إن كنا نقدم ذبيحة التسبيح ونوفي هذا النذر باتحادنا بالمسيح الذبيح، فإننا نطلب الله في وقت الضيق فينقذنا ويتمجد فينا. كثيرون يتجاهلون "واو" العطف في كلمة "وأدعني"... فإن الوعد الإلهي بإنقاذنا يضع شرط التسبيح وإيفاء النذر الروحي عتذئذ ندعوه فيتمجد فينا! فإن الله يطلب القلب المتهلل به والمتكل عليه عندئذ يتحقق له كل طلباته ويسمع صلواته. بمعنى آخر الله يسمح لنا بالضيق لنتعلم أمرين: التسليم له بفرح والصراخ إليه... إنه يشتاق إلى راحتنا، ويود أن يهبنا أكثر مما نسأل وفوق ما نطلب، لكنه يسمح بالضيق حت نتكئ عليه بفرح ويزداد التصاقنا به. يرى البعض أن يوم الضيق هنا هو يوم الدينونة، فإنه ليس ما ينقذنا منه إلا التمتع بعربون الحياة السماوية هنا، أي حياة التسبيح، فنجد في يوم الرب يوم عُرس سماوي! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
التمييز بين الشكليين والجادين في العبادة |
مزمور 88 | الطلبة أو العبادة |
مزمور 50 - إدانة الأشرار المرائين |
مزمور 47 - العبادة العامة لله الملك |
مزمور 29 - دعوة إلى العبادة |