|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أيدي الانسان الداخلي ـ القديس يوحنا كاسيان أولئك هم الذين تكلم عنهم بشكل رمزي الكتاب المقدس بكلمة الأشول، مثل أهود الذي وصف في سفر القضاة بأنه يستخدم يده اليسرى كما لو كانت اليمنى (قض 2). هذه القدرة نستطيع أن ننالها (أي تكون يدنا اليسرى قوية كاليمنى) بشكل روحي، بإستخدامنا الأشياء السارة إستخداماً سليماً ومفيداً – هذه التي هي لليمين – علاوة على إستخدامنا الأشياء المؤلمة – التي ندعوها على اليسار – أيضاً إستخداماً حسناً، ونجعل كلاهما ينتميان للجانب الأيمن، بحيث مهما يحدث يكون بالنسبة لنا “سلاحاً للبر” كما يقول الرسول (2كو 6: 7). لأن الإنسان الداخلي له جانبان، أو بأسلوب آخر “يدان”، ولا يستطيع أي قديس أن يعمل من غير أن يستعمل ما ندعوه اليد اليسرى، بل بواسطتها يظهر كمال الفضيلة، فالإنسان الماهر يقدر أن يحول كلا يديه إلى “يد يمينية”. ولكي نوضح ذلك نقول بأن القديس له فيما يخص يده اليمينية إنجازاته الروحية، وذلك عندما يحصل على أفضل رغباته وعواطفه بغيرة روحية، متحرراً من هجمات الشيطان، وبدون أي مجهود أو صعوبة يرفض ويقطع الخطايا الجسدية. وذلك عندما يكون مترفعاً فوق الأرض، ناظراً للأمور الزمينة والأرضية كبخار وظل باطل، مزدرياً بها كأمور زائلة، وبقلبه الفياض لا يشتاق بغيرة زائدة نحو الأمور العتيدة فحسب بل يراها حقاً بوضوح، مقتاتاً كثيراً بالتأمل الروحي، مدركاً الأسرار السمائية بأكثر صفاء، مقدما صلواته أمام الله بنقاوة وإستعداد، عندما يكون ملتهباً بروح متقد وبإستعداد شديد نحو العبور إلى الأمور غير المنظورة والأبدية، حتى يصعب الإعتقاد بأنه لا يزال باقياً في الجسد. ويكون له أيضاً يد يسارية، وذلك عندما يسقط في أشراك التجربة ويحترق بنيران الشهوة، ويكون كما لو كان جالساً على النيران بسبب التهيج والغضب، مغلوباً من الكبرياء والافتخار، متضايقاً من الحزن العامل للموت، عندما يكون متزعزعاً نحو قطع الرجاء، مهاجماً بالفتور فاقداً كل دفء روحي، نامياً في نوع من الفتور والغم الذي بلا سبب حتى أنه ليس فقط تتركه الأفكار الصالحة بل والترنم بالمزامير والصلاة والقراءة، وينهزم من النوم، وتبدو كأن جميع التداريب الروحية قد فقدت طعمها بقرف مريع لا يطاق، فإذا ما إضطرب الشخص في هذا الجانب، فليعلم أنه مهاجم من الجانب اليساري. الشخص الذي لا ينتفخ بالكبرياء بسبب ما بلغه من الجانب الأيمن (مما سبق ذكره)، ويقاوم ببسالة الهجمات التي تأتيه من الجانب الأيسر، ولا يستسلم لليأس، بل يمسك بأسلحة الصبر متدرباً على الفضيلة، فإن هذا الرجل يستطيع إستخدام كلا يديه كيد محاربة (يمينية). فينال نصرة في كل عمل، ويحصل على مكافأة النصر بسبب هذا الجانب الأيسر علاوة على الجانب الأيمن. فإننا نقرأ عن المكافأة التي نالها الطوباوي أيوب والذي توج بالنصرة من الناحية اليمينية، لأنه إذ كان أباً لسبعة بنين وكان غنياً وصاحب ثروة طائلة كان يقدم كل يوم ذبائح لله لأجل تطهيرهم وذلك لشغفه أن يكونوا مقبولين وأعزاء لدى الله أكثر منه. وكان يفتح بابه لكل غريب إذ كان “عُيُونًا لِلْعُمْيِ، وَأَرْجُلاً لِلْعُرْج” (أي 29: 15) وكسى أكتاف التعابى بصوف غنمه. وكان أباً للأيتام وزوجاً للأرامل، ولم يكن يفرح قط لسقوط عدو له. وقد بقى نفس الرجل في حياة الفضيلة بصورة أعظم عندما انتصر على المصائب من الناحية اليسارية. عندما أخذ منه أولاده السبعة في لحظة، فإنه كأب لم يتغلب عليه الحزن المر، بل كخادم حقيقي لله إبتهج بإرادة خالقه. وإذ صار فقيراً بعدما كان صاحب ثروة ومعدماً بعدما كان غنياً، وهزيلاً بعدما كان قوياً ومؤدباً ومرذولاً بعدما كان مشهوراً وصاحب شرف، في كل هذا إحتفظ بثبات عقله من غير أي إضطراب، وأخيراً إذ تجرد من كل شيء جلس وسط الرماد، ومثل الجلاد القاسي لجسده الخاص كان يحك بشقفة خزفية المادة المترهلة، وبغمس أصابعه في جراحاته كان يخرج من كل موضع ديدان من أعضائه. ومع هذا لم يسقط أيوب في اليأس ولا جدف أو تذمر على خالقه … بل قال: “الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا” (أي 1: 21). أستطيع أيضاً أن أقول أن يوسف كان أشولاً، ففي أفراحه كان عزيزاً جداً عند والديه، محباً لأخوته، مقبولاً لدى الله. وفي ضيقاته كان عفيفاً، مؤمناً بالله وفي سجنه كان أكثر شفقة على المسجونين، متسامحاً مع المخطئين، صافحاً عن أعدائه. وبالنسبة لأخوته الحاسدين له فانه بمقدار ما سقطوا تحت سلطانه – هؤلاء القاتلين له – أثبت ليس فقط محبته لهم بل أيضاً سخائه الحقيقي تجاههم. إن هؤلاء الرجال وأمثالهم بحق يدعى كل منهم “أشولاً”، إذ يقدرون أن يستخدموا كلا يديهم كأيد يمينية، فيستطيعون بعد أن إجتازوا تلك الأمور التي يعددها الرسول أن يقولوا بحق: “بِسِلاَحِ الْبِرِّ لِلْيَمِينِ وَلِلْيَسَارِ. بِمَجْدٍ وَهَوَانٍ، بِصِيتٍ رَدِيءٍ وَصِيتٍ حَسَنٍ” (2 كو 6: 7-8) …. وهكذا يُحسب كل منا أشولاً عندما لا يؤثر فينا الرخاء ولا العوز، فلا يغوينا الرخاء ولا يدفع بنا نحو الاهمال الخطير، كذلك لا يطرحنا العوز في اليأس والشكوى، بل عندما نقدم الشكر لله على الأمور اليمينية واليسارية بشكل متساوي، نحصل على نفس الفائدة من كلا الأمور السارة والأمور المؤلمة. وقد ظهر الرجل الأشول معلم الأمم، أنه هو نفسه كان هكذا بقوله: “فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ. أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ. أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي” (في 4: 11-13). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
التمييز و الافراز – القديس يوحنا كاسيان |
يوحنا كاسيان |
الترفق بالضعفاء _ يوحنا كاسيان |
القديس يوحنا كاسيان |
القديس يوحنا كاسيان |