النصح والإرشاد
لم يستخدم المُتوحدون الأوائِل هذا المنهج بنفس الدرجة التي استخدمه بها رُهبان الشَرِكَة، لأنَّ الإرشاد الشخصي يتطلَّب مُسبقًا علاقة حميمة بين المُرشِد والتلميذ، وهذه لم تكُن موجودة بدرجة كبيرة بين النُّسَاك الأوائِل، وكانت الرابطة بين الأب والمُبتدئ أغلب الأمر اختيارية (17)، وما كان موجودًا فعلًا كان لومًا وتوبيخًا أكثر منه إرشادًا ونُصحًا شخصيًا.
فالإرشاد الشخصي كما فهمه الرُّهبان كان شيئًا أعمق جدًا من التوبيخ، فهو الإجبار المسئول الذي يتخذه المُرشِد في مسيرته مع تلميذه نحو الكمال، وكان هذا الإرشاد يتم في الغالب أثناء الاعتراف الذي بجانب أنه ”طب روحي“ كان أيضًا جلسة إرشاد...
وللقديس باسيليوس الكبير يرجع الفضل في رفع عملية الإرشاد الشخصي إلى مُستوى العِلْم، ففي قانونه يُوضِح أنَّ مُهمة وعمل التربية والإرشاد تحتاج إلى معرفة وخبرة أكثر مِمّا تحتاج إلى أي شيء آخر، وفي أعماله النُّسكية، يمتدِح مبدأ الإرشاد الفردي، ويشرح أنه بسبب الخصوصية والفرادة التي يتمتَّع بها كلّ إنسان، وبسبب العدد غير المحدود من الأنماط البشرية، لذلك من المُستحيل أن نستخدم طريقة واحدة لتعليم جميع الناس (18)، كما يُشير باسيليوس إلى أنَّ المُعلِّمين لا يُمكن أن يتعاملوا مع جميع تلاميذهم بنفس الطريقة، وينصح باستخدام الطُرُق العلاجية بحسب القُوَّة الجسدية والنفسية لكلّ تلميذ. (19)