منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 04 - 04 - 2014, 04:27 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
مقدمة
كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

لعل النسك كفضيلة وكمصطلح قد أرتبط في أذهان الكثيرين بالراهب والحياة الرهبانية، كما ارتبط بالطعام والشراب والحرمان، ولكن المصطلح "نسك Ascitic" يعني الضبط وليس الحرمان، وبالتالي فالشخص الناسك هو الشخص القادر علي ضبط نفسه وأهواءه وشهواته.


وما يُقال عن"الريجيم Regime" يُقال أيضا عن النسك، فمدلول كلمة ريجيم لدي العامة هو "التخسيس" ولكن الواقع أنها تعني نظام ما يتبع، سواء بالنسبة للغذاء أو نظام الحكم أو الإدارة، ومن هنا فقد يكون الريجيم بالنسبة لشخص ما هو زيادة وزنه. فهو إذن نظام للضبط بشكل عام(1).
وكلمة الإسقيط والتي ُيشار بها إلي أهم وأعظم بقعة رهبانية في العالم وفي التاريخ، لها علاقة بالنسك الذي نتحدث عنه الآن، فقد كان يطلق على هذه المنطقة (Pimanniackithc بي ما إن ني أسكيتيس) أي موضع النساك،ومن الُملفت أن من بين التسميات التي أُطلقت علي المنطقة (}e\ht شهيت) والتي تعني ميزان القلوب، أي الموضع الذي ُتوزن فيه القلوب. وفي تاريخ "بلاديوس"(2) يرد أن بعض رهبان الإسقيط زاروا الأم سارة، فقدمت لهم طعامًا، فتركوا الجيد وأكلوا من الدون الرديء، عندئذ قالت لهم: "بالحقيقة أنكم إسقيطيون "والكلمة تحمل المعنيين: "نساك" أو ينتمون إلي موضع النساك (الإسقيط)..
فالفرق بين الفقير والناسك، هو أن الفقير يتمنّى ويرغب ولكنه لا يستطيع تحقيق أمنياته، بينما قد يقدر الناسك ولكن يتعفّف ويضبط نفسه، إنه الفرق بين الضبط والكبت، فالكبت هو شدة الاشتياق مع شدة الحرمان، في حين أن الضبط هو وجود الرغبة مع توافر الإمكانيات لتحقيقها، ولكن هناك إرادة مستنيرة تضبط العلاقة بين الاثنين".
والقصة التالية تكشف لنا عن الفكر المستنير لدى الآباء فيما يتعلق بالنسك، فقد كان الأب سلوانس وتلميذه زكريا في زيارة لأحد الأديرة، وهناك قدّم لهما الرهبان فأكلوا وفي طرق عودتهما وجد التلميذ ماءا في الطريق، فلما أراد أن يشرب منعه القديس لأن موعد الأكل لم يحن بعد!، ولما تعجب التلميذ بدعوى أنهما أكلا بالفعل منذ قليل، أجابه قائلًا: "لأجل المحبة أكلنا والآن لا نحلّ قانوننا".
_____
الحواشي والمراجع:
(1) كلمة Ascetic = إنكار الذات (self denial) أو ضبط النفس (Self discphin) والفعل exercise = askew - askw = (تدرب، جاهد = (تدرب، جاهد = strive= train). وجاءت الكلمة مرة واحدة في العهد الجديد: "لذلك أنا أيضًا أدرب (askew) نفسي ليكون لي دائمًا ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس" (أعمال 24: 16) وفي القبطية (ϯnaerackin). أمّا أصل الكلمة askew فهو asitoV (حيث a = without) وsitoV) = food = fasting أي الصوم). الكلمة الثانية المستخدمة في الإنجيل وتحمل نفس المعنى هي روّض (gumnazw) " روّض نفسك للتقوى" (1تيمو 4: 7) ومنها جاءت كلمة "جيمنزيوم" أمّا في القبطية فهي: arigumnazin (أي روّض).
(2) بلاديوس راهب من القسطنطينية جاء إلى مصر وعاش فيها ما يقرب من خمس سنوات، في مختلف أديرتها، ودوّن ملاحظاته وكتب سير وأقوال عدد كبير من الآباء، ثم أرسل مذكراته هذه إلى صديق له يدعى " لوسيوس" فصار هذا التاريخ والتراث الهام ُيعرف على نطاق واسع بـ"التاريخ اللوزياكي" وهو المعروف الآن بـ"بستان الرهبان".
رد مع اقتباس
قديم 04 - 04 - 2014, 04:28 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

الصوم والنسك


والحقيقة أن الصوم في حد ذاته لم يكن هدفًا في حياة الآباء، ولكنه واحدًا من الوسائط التي تعينهم في الطريق إلي الله، وذلك بالطبع بالنسبة للأصوام الخاصة وليس الأصوام الثابتة في السنة الليتورجية والتي يلتزم بها الكل، سواء في العالم أو الأديرة. فبينما كان شخص ما يُعاقب بأن يُخضع لصوم خاص بأمر الآباء فإن آخرًا كان يعاقب بالمنع من الصوم! والهدف في الحالتين واحد، وهو علاج المجد الباطل أو الكبرياء، فقد تكبّر أحدهم بسبب نسكه، بينما ثقلت على الآخر أفكار النجاسة، فاحتاج أن ُيخضع جسده وفكره (ويربط الآباء ما بين الكبرياء والشره والنجاسة).

كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
في هذا يقول الآباء" الصوم يجعل الجسم يتضع" وتقول الأم سارة: "إننا نفضل الطاعة على النسك، لأن هذا يجلب الكبرياء وأمّا تلك فتجلب الاتضاع". وقد يصنع الإنسان كل شيء حتى ما يعد ثقيلًا عليه مادام برغبته هو، إلا الطاعة! والتي فيها يقطع هواه وُيحمل علي مشيئة آخر.... ونقرأ عن القديس أثناسيوس الأجيوري (مؤسس رهبنة جبل أثوس في اليونان Όρος Άθως) أن أول أمر تلقّاه عند تقدمه للرهبنة، هو: اذبح هذا الخروف وُكله، فأطاع في الحال..!!!
وفي أطار الاتزان في التدبير الروحي يقول الآباء "الطريق الوسطي خلَّصت كثيرين" ولاسيما إذا كنا مبتدئين فنحن نعطي الجسد احتياجه، ولكن احتياجه فقط دون أكثر!! وقد نتجاوز هذا الحد قليلًا -في الأيام التي لا صوم فيها- ولكن ذلك أيضا يكون بقدر، ويمكن وضع علامتين لذلك، الأولي تمثل "الحد الأدنى" والذي يجب ألا نقلّ عنه في الصوم، مطيعين ذلك الصوت الإلهي " فانه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه كما الرب أيضًا للكنيسة" (أف 29:5) والحد الأعلى الذي يجب ألاّ يتجاوزه في أيام الفطر، يلتزم فيه بقول الكتاب أيضا "أقمع جسدك وأستعبده" (اكو 27:9) وقليلًا قليلًا ومع التدرب ومع الإرشاد يقل احتياج الجسد من الطعام.
لعل هذا يناسب أكبر شريحة من الرهبان والراهبات أو المكرسات، فمنهم من يلتزم النسك الشديد -بالتنسيق مع مدبره الروحي بالطبع- ومنهم المتساهلون مع أنفسهم، أو قد يري مدبروهم أن يخففوا عن أنفسهم في فترة ما في أطار التدبير الروحي العام لهم...
وفي سيرة القديس باخوميوس نقرأ أنه عندما كان مضطرًا للسفر لمدة طويلة طلب من الراهب المسئول عن المطبخ أن يهتم بالآباء حتى يعود، فلما عاد سأله عما فعله في غيابه، قال له أنه قرر أن يساعد الرهبان على حياة النسك وذلك من خلال إغلاق المطبخ ليتناولوا هم الخبز اليابس، بينما استغل هو وقته في عمل السلال حتى يوفر ثمنها للدير.
وهنا طلب إليه القديس أن يُحضر جميع ما صنعه من سلال ويجعلها كومة في ساحة الدير وكانت كبيرة جدًا،وعندئذ أمر القديس بضرب ناقوس الدير، فجاء على الفور جميع رهبان الدير فنظر القديس باخوميوس إلى السلال ثمّ إلى الراهب وقال له: لماذا أبطلت الثمرة الطبيعية للنسك؟ ثم أمر بإحراق جميع تلك السلال أمام الرهبان(1).
_____
الحواشي والمراجع:
(1) يقصد القديس أن الراهب عندما ُيقدم إليه الطعام ثم يتخلّى عنه بإرادته يكون بذلك قد أثمر ثمرة النسك، فهناك فرق بين الناسك والفقير.
  رد مع اقتباس
قديم 04 - 04 - 2014, 04:29 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

الرهبنة الفردية أقوى من الرهبنة الجماعية


ولكن دعوني أتكلم في شيء من الصراحة فأقول أن الرهبنة كانت أقوي ما يمكن عندما كانت قائمة علي التفرد لا التجمع، وبنظره سريعة علي التاريخ سوف نكتشف أن ضعف الرهبنة وثيق الصلة بحب المقتنيات (زيادة الموارد) فعندما كان الراهب يحيا في مغارته بمفرده كان ينعم بخبرة روحية شخصية مع الله، يهتم به ويهيّئ له مائدته ويرفع عنه المخاطر ويسكب في قلبه التعزية. وأتذكر أن أحد أولئك المتوحدين اختير للأسقفية، وبعد مرور فتره من الزمن لاحظ أنه لا يجد تلك التعزية القديمة، فبكي سائلًا الله عن السبب، فقيل له "لما كنت في مغارتك في الصحراء لم يكن لك غيري وكنت أهتم بك، الآن قد أصبح هناك الكثيرين يهتمون بك"، ولذلك يقول مار أسحق "التعزيات البشرية تمنع التعزيات الإلهية".
كان الراهب يضع كل ثقته قي الله ويجعل عليه رجاؤه، وكان الله في المقابل يهتم به ويصبح مسئولًا عنه "لأنه تعلق بي أنجيه أرفعه لأنه عرف اسمي" (مز14:91)
ولكن الأديرة الآن أصبح لها أسوار وقلالي مغلقة جيدًا بأقفال حديثة!! وأصبح هناك خفراء وأحيانا رجال شرطة.. وأتذكر أن القلالي قديمًا لم يكن لها أقفال بحيث إذا دخل لص فلن يجد ما يستحق السرقة!! وهذه علامة جيدة للراهب الحقيقي، عندما لا يكون له ما ُيجار عليه أو يظلم فيه!!

كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
أحب في هذا السياق أن أقول أن الكنيسة عامة والرهبنة بشكل خاص ليست مؤسسة، ليست مشروعًا كنسيًا ولكنها حركة.. تيار movment. لقد ترك التلاميذ كل شيء وتبعوا الرب (لوقا11:5و28) ومن هنا فالرهبنة منهج إنجيلي، يسمع الراهب الصوت الإلهي.. أذهب وبع.. ويقال اتبعني (مرقس 21:10 ولوقا25:14-33) ويقول مار اسحق: "أن الإنسان الذي أقدم علي الرهبنة ولم يتغير أولًا ويكف عن اهتمام العالم وشهواته وملاذه فلن يستطيع أن يصير راهبًا ولن يبلغ الفضيلة ولن يمكنه كذلك أن يقفه أمام سهام العدو وهي شهوات النفس".
كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
روي أحد الآباء القصة الرمزية التالية فقال:
طلب راهب بإلحاح من الله أن يرشده إلي بقعة يحيا فيها بعيدًا عن الناس، فأرشده إلي مكان منعزل فوق هضبة قي جبال لبنان، فصنع له كوخًا من فروع الأشجار وسكن فيه.. وما أن حل الشتاء حتى شعر بالبرد وتلفّت حوله من أعلي فلمح بعض أكواخ الرعاة، فنزل إليهم متوسلًا أن يعيروه غطاءا ففعلوا بفرح، فعاد إليهم بعد عدة أسابيع يشكو لهم من الفئران التي أتلفت الغطاء، فتأسفوا لذلك وأعطوه غطاءا آخر..
وتكرر الأمر، وعندئذ اقترحوا عليه أن يدع قطًا يعيش معه لعله الفئران تهابه! فوافق وحدث بالفعل أن تحولت عنه الفئران، ولكن ظهرت مشكلة أخري لم ينتبه لها ألا وهي طعام القط ذاته!، ومن ثم نزل إليهم طالبًا بعض اللبن ففعلوا وأعطوه، وكلما فرغ قسط اللبن حصل منهم علي غيره، وعادوا من جديد فاقترحوا عليه أن يعطوه شاة يحلبها كل صباح لكي يطعم القط الذي يطرد الفئران والتي كانت تتلف له الغطاء!
ولكنه نسي أن الشاه نفسها تحتاج إلي الطعام فطلب هو من الأعراب فأعطوه فأسًا وبعض البذور، وبدأ في استصلاح مساحة صغيرة من الأرض حوله لعله يحصل منها علي طعام الشاة المسكينة، والعجيب أن الأرض أعطت ثمرًا وفيرًا جدًا، مما شجعه علي استصلاح مساحة أكبر،ونجح مشروع الاستصلاح نجاحًا مذهلًا، فتحول إلي مشروع ضخم يضم مساحة شاسعة من الأرض وما يلزم المشروع من مبان وأجهزة مستوردة..
وجاء زائر ذات يوم ليطّلع علي منتجات (الشِركة!) وراح الراهب يرحب به كثيرًا وينتقل به من مكان إلى آخر، ويطلعه علي أنواع البقر المحلي والمهجن وعشرات الأنواع من الجبن ومنتجات الألبان الأخرى! ثم عاد أخيرًا إلي (مكتبه الفاخر!). ولما جلس الضيف تفحّص الراهب طويلًا ثمّ قال له: ألأجل هذا أتيت بك إلي هنا!! والذي حدث أن السيد المسيح كان يفتقده، بينما ظن الراهب أنه يستقبل مستورد كبير..
القصة رمزية طريفة.. ولكنها تبين كيف أن الإنسان كثيرًا ما ينحرف عن هدفه ليتسع أفقيًا، أو ليتحول الهدف الرئيسي إلي أهداف صغيرة متساوية!! وهكذا يبدأ شخص ما بالروح ثم يكمل بالجسد.
  رد مع اقتباس
قديم 04 - 04 - 2014, 04:30 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

أنواع النسك

ولكن النسك كفضيلة لا ينحصر في الطعام والشراب فقط، ما دمنا قد اتّفقنا علي أنه يعني الضبط بشكل عام، فهو ينسحب كمصطلح علي المقتنيات وعلي علاقات الراهب بالآخرين وعلي جوانب التدبير الروحي الداخلية الأخرى. ولنأخذ علي سبيل المثال نوع آخر من النسك مثل:
  • النسك في المعرفة
  • النسك في السلوك
  • النسك في محبة الآخرين لنا
  • حب القنية
  رد مع اقتباس
قديم 04 - 04 - 2014, 04:31 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

النسك في المعرفة

من المهم جدًا أن ننتبه إلي أن هناك فرقًا بين جهاز الكمبيوتر (وأكثركم له دراية الآن بهذه التكنولوجيا) من جهة، وعقل الإنسان من جهة أخرى، فإنه باستطاعتنا التخلّص من المعلومات التي تدفقت إلي هذا الجهاز بعمل "formatting" لها (فورمات)، في حين لا يمكن التخلص مما نكدس به العقل من مواد غير نافعة، من هنا فمن الضروري اختيار ما نقرأه وما نسمعه، وإلاّ فإن المساحة المتبقية من الذاكرة سوف تقل تدريجيًا.. وعندما ننتبه إلي احتياجنا إلي مزيد من المعرفة الروحية والفهم والتأمل، سنجد تلك الخبرات العلمانية المتكدّسة داخل العقل بمثابة عائق.

كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
وفيما يتعلق بالذاكرة (أو القدرة علي الاستعادة) فإن كل ما نقرأه يدخل إلي العقل والذاكرة ويختلط بالمشاعر، ويمتزج بالكيان كله ويؤثر بشكل أو بآخر، فالكل ينصهر في بوتقة واحدة ليعطي شخصية بذاتها تتغير سماتها مع الوقت طبقًا لما تتعاطاه. في هذا يقول بعض الفلاسفة "عرفني ما تقرأه أعرّفك من أنت" أو بالأحرى: "عرفني ما تعيد قراءته أعرّفك من أنت!" ولذلك فمن المناسب أن تترهب (أو تتكرس) الفتاة ما بين سن العشرين والخامسة والعشرين (وبالنسبة للشبّان مابين 25-30) وقد تزيد سنوات قلائل لتتحرك مابين الثانية والعشرين وحتى الثامنة والعشرين.
لأن استعدادها في مثل هذا السن للطاعة والنسك والتعب يكون أكثر بكثير، ليس ذلك فحسب وإنما لكي يكون الذهن هادئًا خاليًا، إلا من بعض ما جناه من البيئة (الأسرة) ومن المجتمع الصغير(مجتمع الدراسة والكنيسة) وهذان المجالان لا يمثلان خطورة كتلك التي يمثلها المجتمع المفتوح المليء بالمتناقضات والمفارقات والانحرافات والقيم المهدورة والمفاهيم المغلوطة والخبرات الرديئة. فإن كنا نطالب الراهب أو المكرس بأن يختبر الحياة العملية لفترة وجيزة، فإن ذلك ليس ليكتسب تلك الخبرة وإنما ليجرب ذاته في العمل، فقد يستهويه ذلك الخط الطبيعي للحياة.
من كل ما سبق أري أن يختار الإنسان ما يقرأه بعناية شديدة، وقد يجد ذاته متجهًا نحو قراءة مادة بعينها مثل الجرائد والمجلات والأوراق الملقاة علي الطرق، أو تلك التي تصله مغلفة بعض الملابس أو الأطعمة.. عليه التنسك في ذلك أيضا. وضبط نفسه أمام بعض العناوين والمانشيتات الملفتة في تلك الأوراق!!
فهناك بعض ممن كانوا مداومين علي قراءة الجرائد اليومية، والبعض الآخر ممن كانت له قراءات أدبية أو سياسية وغيرها، قد وجدوا صعوبة في التخلّي عنها والزهد فيها بعد التحاقهم بالأديرة،بل أتذكر أنه من بين النصائح التي تلقيناها قي بداية حياتنا الرهبانية هي ألاّ نقرأ الكتب اللاهوتية وكتب التفاسير، حتى لا يُحارَب الراهب بالرغبة في التعليم وحب الرئاسة، ليس من خلال خروجه للخدمة من الدير فحسب، وإنما لكي لا يمارس ذلك مع إخوته في الدير، بل كنا نتسلم اللاهوت عمليًا خلال الصلاة النقية وحب الآخرين فالثالوث هو سر الحب.. واللاهوتي هو "من يصلي حسنا" حسبما يقول الآباء..
ونقرأ في تاريخ بلاديوس أنه انعقد مجمع في الإسقيط (ربما لمناقشة المشكلة الأوريجانية) في ذلك المجمع وقف الأب "إيفاجريوس البنطي" وتكلم -وكان عالمًا وفيلسوفًا ضليعًا- فلما انتهي من كلامه وقف أب الجبل وقال له: "نحن نعلم يا أبانا أنك لو كنت في بلدك لصرت أسقفًا أو رئيسًا علي كثيرين، ولكنك هنا مثل غريب"، فأجاب باتضاع قائلًا: "حقًا إنها مرة واحدة تكّلمت فيها وإن شاء الله لن يكون لها ثانية"..
  رد مع اقتباس
قديم 04 - 04 - 2014, 04:32 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

النسك في السلوك

أتذكر أيضا أننا كنا ندرب أنفسنا في السنوات الأولي للرهبنة، كيف لا نلتفت إلي الخلف متى سمعنا صوتًا أو حركة أقدام خلفنا في إحدى الطرقات مثلًا، أو صوت ماكينة أو زائرين أو عمال وكنا نقول لأنفسنا: "ماذا يعنينا في ذلك!؟ هم يعملون عملهم ونحن أيضًا نعمل عملنا".
وذات مرة زار الأب اسحق أحد الشيوخ، وهناك سمع بعض الأصوات، فسأل الشيخ هل يوجد دواجن ههنا يا أبي؟ فأجابه بعتاب قائلًا "لماذا تجبرني علي الكلام يا اسحق، الذين مثلك فقط هم الذين يسمعون مثل تلك الأصوات!!".
ولكن إياك أن تفعل ذلك رغبة في مديح الآخرين
  رد مع اقتباس
قديم 04 - 04 - 2014, 04:33 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

النسك في محبة الآخرين لنا

فإن البعض منا قد يصنع الخير ليس لأجل الله وإنما لحساب الآخرين! ليس لمجد الله وإنما ليرضى عن نفسه، فقد ينتهج البعض مثلًا اللطف طريقة في التعامل مع الآخرين، ليس كثمرة خالصة من ثمار الروح القدس (غلاطية 22:5) وإنما لأجل الحصول علي المديح فقط، حتى يُقال عنه أنه وديع أو لطيف أو محب، أو يُظهر آخر قدرًا كبيرًا من الاحتمال، والتحلّي بابتسامة مشرقة دائمًا، مهتمّ في ذلك برأي الآخرين فيه!..
حقيقي أن الكتاب يوصينا بأن نعتني بأمور حسنة قدام الناس(رومية 17:12) وأن يري الناس أعمالنا الصالحة فيمجدوا أبانا الذي في السموات، ولكن المفروض كما هو واضح أن يكون الظاهر في الخارج هو انعكاس لما في القلب، والحرص كذلك ألاّ نُعثر الآخرين. لاسيما الضعفاء منهم وغير المستنيرين. فإن لم يكن الأمر كذلك فإنه وبينما ُيوحي الظاهر بالاتضاع والمسكنة والتسامح، تكون خطية الكبرياء رابضة في الداخل باطمئنان.. إذ يصلها غذاؤها بانتظام!!
يقول القديس بولس "لأنه ليس من مدح نفسه هو المزكى بل من يمدحه الرب" (2كو18:10) ويقول الآباء "هوذا الناس يموتون وتموت معهم كراماتهم". أقول ذلك لنتخذ حذرنا ممن تأتينا منهم الكرامة والمجد الباطل، وإن كانت المشكلة لا تكمن في مديح الناس لنا فهم بسطاء أنقياء ينظرون إلينا باعتبارنا ملائكة.. ولكن الخطورة تكمن في قبولنا للمديح وسعادتنا به والسعي إلي المزيد منه..

كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
هكذا علينا أن نتخلّى عن حب المديح والكرامة ونتنسّك فيه، غير مبالين برأي الآخرين فينا، وإلا فإن مسيرتنا ستتعطّل، ولماذا نسعى بدأب نحو رأي الآخرين فينا.. أليس الأولي بنا أن نهتم برأي الله فينا.. أليس من الخطورة أن تكون الأولوية لحكم الناس، ألم يقل لنا السيد المسيح بفمه الطاهر: "ويل لكم إذا قال فيكم جميع الناس حسنًا "(لوقا 6:26) أي أنه إذا استطعت الحصول علي تأييد جميع الناس ومدحهم فأنت منافق، إذا استطعت التلوّن بجمع الألوان وإرضاء كافة الاتجاهات والأمزجة. تقول الأم سارة: "للناس مشيئات كثيرة، فإن أنا أردت أن أرضي جميع الناس، سأجد ذاتي تائهة على باب كل أحد"!
وعندما صرح القديس تادرس تلميذ القديس باخوميوس، بأنه علي الإنسان أن يكون "مكورًا.. لا ذو قرون أو مربع" فقد قصد أن يكون الإنسان سلسًا، سهل التعامل وسهل الكسب، لطيف المعشر.. لا أن يكون مسوقًا بكل ريح..
كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
هناك أمران علينا الالتزام بهما في هذا الإطار:
أولهما: ألاّ نُسيء إلي أحد أو نجرح إنسانا.
ثانيهما: ألاّ نشغل أنفسنا بكم من الآخرين يحبوننا وكم يكرهوننا (أو برأي الناس بصفة عامة) أي "لا تجعل سلامك في أفواه الناس".
بل وعلي العكس من ذلك، فلقد سعي الكثير من الآباء إلي إظهار ما يحتقرهم الناس بسببه، مثل القديس بيمن والذي تظاهر بالعته والجنون أمام الوالي والذي حضر لزيارته والتبرك منه.. ومن الآباء من تعمّد أن يأكل في فترة الصوم..إلخ،ولكن علينا كمبتدئين ألاّ ننتهج هذا التدبير لئلا يأتي بنتيجة عكسية، فهي طريقة محفوفة بالخطر لا تناسب قامات المبتدئين.
كتب يوحنا كاسيان عن القديس بفنوتيوس والذي كان يعيش في دير بالفرما (بالقرب من بورسعيد) أنه لما أصبح معروفًا، فكَّر في طريقة ينجو بها من تقاطر الزائرين عليه، ففكر أولًا أن يلزم قلايته، غير أنه خشي أن يتجمهر الناس حولها ويجبرونه علي الخروج منها، ثم عاد وفكر في ترك الدير إلي آخر، ولكنه عدل عن الفكرة خشية أن يكتشفوا مكانه الجديد فيتبعونه إلي هناك.
وفي النهاية اهتدى إلي فكرة عجيبة ألا وهي أن يتخفي في زى رجل علماني متجهًا إلي مكان أخر! وبالفعل اتجه إلي صعيد مصر ومشي طويلًا حتى وقف بباب أحد أديرة القديس باخوميوس، وقرع ناقوس الدير فخرج إليه الراهب البواب مستفسرًا، فأخبره بأنه شخص طالت غربته في العالم ويود الآن أن يقضي بقية حياته كراهب (وكان قد قارب الستين من عمره) ولكن الراهب اعتذر له بسبب كبر سنه، ثم تركه وأغلق الباب دونه، ومن بعد يومين فتح الراهب الباب ليجد الأب بفنوتيوس ما يزال جالسًا بجوار الباب، فتعجب لذلك، وعاد فألحّ عليه كثيرا في الالتحاق بالدير ولو كواحد من العمال، وعندئذ وافق الراهب، وألحقوه بالعمل في حديقة الدير، فعمل فيها بمسكنة وطاعة لراهب حديث السن.
كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
وفي ذات يوم وبينما كان راهب من منطقة الفرما في زيارة للموضع، لمح الأب بفنوتيوس في حديقة الدير فعرفه في الحال.. رغم أنه كان في ملابسه العلمانية. وهنا توسل إليه الأب ألاّ يخبر من بالدير ولكنه كان أسرع منه حين أبلغهم. وقد بادروا بدورهم بالاعتذار إليه محتفين به. فلما قرر مغادرة الدير شيعوه بالدفوف والبخور. وهرب من ثم إلي المغارة التي كان يسكنها القديس جيروم بجوار بيت لحم، ولكنهم أعادوه ثانية إلي الفرما حيث تنيح هناك بعد زمن قصير.
إن الكبرياء الداخلية تغتذي علي الكرامة الخارجية، والتي يقبلها الإنسان ويسمح لها بالمرور إلي الداخل.. لذا فعلينا رفض كل كرامة تأتينا من العالم، فنحن أكثر من يعرف ضعفاته ونقائصه، وأن الله في تحننه قد ستر عليه ولم يفضحه أمام الآخرين. قال الفيلسوف فليقطن مؤنبًا الإسكندر الأكبر: "إن حياة هذه نهايتها الزهد فيها أولى"...
  رد مع اقتباس
قديم 04 - 04 - 2014, 04:33 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

حب القنية

إذا ما التزمنا المنهج الأصيل حسبما تسلمنا من الآباء، فإن التجرد هو سمة المسيحي الحقيقي، إذ يكتفي من الطعام بما يسد الرمق، ومن الثياب ما يستر عريه، ومن حطام الدنيا بما هو ضروري فقط، بل ومقتنياته بكاملها إذا سرقت فلن يكون هناك ما يحزن عليه، فالمهم هو الإنسان نفسه.. محتواه الداخلي.. وليس ما يجمعه حوله مثل الغني الغبي، فالغني الحكيم هو ذاك الذي تعنيه محبته للمسيح ومحبته للآخرين وزينته الداخلية، وأما الغبي فهو الذي يجعل رجاءه واتكاله علي غني العالم.

كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
في دير البرموس عاش راهب يدعي "الأب تادرس الأنبا بولا" هذا كان يحتفظ بصندوق خشبي صغير خارج قلايته، وكان الرهبان يضعون له فيه الطعام وأنصبته مما كان يوزع علي الآباء من بركة، وكان هو يترك ما فيه حتى يفسد في أغلب الأحوال، فإذا أراد أن يأكل شيئًا، كان يخرج ويأكل بعضًا مما ُترك له وهو واقف في مسكنة، إذ لم يكن يُدخل قلايته طعامًا.. كان له في قلايته عملًا أهم!.
أتذكر أيضا أنني كنت في زيارة راهب في قلايته، وهناك لاحظت أنه لا يمتلك كتبًا سوى واحد أو اثنين يضعهما فوق الحصير ليقرأ فيهما، فلما سألته عما إذا كان يحتفظ بمكتبة في قلايته، أجاب بأن كل كتاب يوجد في قلايته ولا يقرأ فيه فهو شاهد عليه ودائن (ديان) له!! وقديما بكَّت أحد شيوخ الرهبان راهبًا لأنه كان يحتفظ بالكثير من الكتب (المخطوطات) في قلايته، فقال له: لقد أخذت قوت الفقراء وملأت به طاقات قلايتك!!
وكلما استنار الإنسان أو المكرس أو المسيحي بشكل عام، وصار ممتلئًا من الداخل فإن ذلك سيجعله مع الوقت يزهد فيما حوله من حطام هذا العالم يروي قداسة البابا شنودة الثالث القصة التالية عن حب القنية فيقول: تنيّح أحد شيوخ الرهبان، وكانت قلايته ممتلئة بأشياء كثيرة بعضها ضروري والأخر عادي وغير ذي أهمية، وما أن دفن الأب في طافوس الدير، حتى قال أب الدير للآباء: من له احتياج إلي شيء من هذه القلاية فليأخذه، وفي دقائق معدودة كان أكثر الرهبان عائدون إلي قلاليهم وفي يد كل منهم شيئًا علي سبيل البركة من القلاية،وهكذا لم تمر ساعات قلائل علي نياحته حتى كانت قلايته قد أصبحت خالية تمامًا من محتوياتها، ليتولي البعض تنظيفها وإعدادها لراهب آخر يسكنها!!
  رد مع اقتباس
قديم 04 - 04 - 2014, 04:35 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

طرق الله معنا في الاحتياج

أحب أن أقول أن الله يستخدم معنا طريقتين فيما يتعلق بالاحتياج:
أولهما: تلبية الاحتياج.
ثانيهما: إسقاط الاحتياج.
في الأولي يلبي لنا الاحتياج من طعام وشراب وأمور أخري، وللرهبان في هذا المجال خبرات لا حصر لها يروونها بفرح وتأثر، وذلك علي مدار تاريخ الرهبنة، فكيف يتخلّي الله عن قوم تركوا العالم لأجله ولا يكفل لهم قوتهم...وفي الثانية يجعل الراهب يرتقي إلي الحد الذي لا ينشغل فيه بطعام أو شراب، أو شيء من أمور هذا العالم الحاضر.. فقد كانت خبرة الآباء في الصوم قديمًا هي الانشغال بالطعام بما هو أهم، فكان الوقت يمر في الصلاة والتأمل والعمل والتسبيح ليكتشف الراهب في نهاية اليوم - وربما يومين- بأنه لم يأكل، ومن ثم يتناول البسيط من الطعام لسد الرمق فقط.. وهكذا الحال بالنسبة للمقتنيات..
كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
لقد عاش الأب عبد المسيح الحبشي في مغارة بالقرب من دير البرموس لمدة ثماني وثلاثين سنة دون أن يكون لها باب أو شباك، وعندما عرض القمص أنطونيوس السرياني (قداسة البابا شنودة) أن يصنع لها بابًا، استنكر الأب عبد المسيح قائلًا: هل يصنع الذئب لمغارته بابًا!! أنا مثل الذئب.. فلا تخشوا علي من الذئاب..
كما عاشت القديسة مريم المصرية في البرية عارية.. وكذلك القديس أنبا نفر السائح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. والراهبان اللذان تقابل معهما القديس مقاريوس عند البحيرة...

كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
ونقرأ في تاريخ بلاديوس أنه قد جاء راهب إلي كنيسة القلالي، وكان يرتدي غطاء رأس متدليًا علي كتفيه، فلما رآه أنبا اسحق قس القلالي، تبعه قائلًا: "هنا يعيش رهبان، ولكنك رجل العالم فليس لك مكان للعيش هنا"..
إن تكدس صوان الملابس، أو أدراجنا بما يزيد عن الحاجة هو ضد الإيمان.. الإيمان بأن الله هو الذي يعولنا... أليست الحياة أفضل من الطعام... أليس الجسد أفضل من اللباس.. فالذي وهب الحياة وهي غالية قادر أيضًا أن يهب الطعام لأنه أبسط.. وكذلك الثياب للجسد... يقول القديس بولس: "كفقراء ونحن نغني كثيرين.. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء" (2كو10:6).
في كتاب عن الصلاة، وردت قصة عن راهب عجوز في جبل أثوس Όρος Άθως، مرَّ به كاهن يزور الدير، فوجده ينقر بشاكوش صغير وقلم من الحديد في صخرة صلدة، فلما سأله عما يصنع أجابه بأنه ينوي أن يحفر حفرة حتى يتجمع فيها الماء متى نزل المطر، لأنه عطش في السنة الماضية!! وكان الرجل ضعيف البنية والصخرة صعبة، وحتى إذا نجح في ذلك فكيف سيحتفظ بالماء داخلها لموسم كامل...
ولعل السطور القادمة تبلور وتلخص لنا ماهية الحياة الرهبانية، كما عاشها الآباء الأول وسلموها لتلاميذهم، فقد ورد في بستان الرهبان عن القديس بيصاريون:
"أنه كان كطيور السماء، وكأحد وحوش البرية، وكائنات الأرض الزاحفة، أكمل حياته في سكينة بلاهم، ولم يهتم قط ببيت، ولا خزن طعامًا، ولا اقتني ملبسًا أو كتابًا، بل كان بجملته حرًا من الآلام الجسدانية، راكبًا فوق قوة الإيمان، صائرًا بالرجاء مثل أسير الأمور المنتظرة، طائفًا في البراري كالتائه، عاريًا تحت الأهوية، وكان يصبر علي الضيقات مسرورًا".
  رد مع اقتباس
قديم 04 - 04 - 2014, 04:35 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب فضيلة النسك - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا

أخيرًا


تمسكوا بالمسيح ففيه الكفاية وهو قادر أن يشبع قلوبكم، ويجعلكم في غنى عن كل ما في العالم من مغريات، فالجوع الداخلي لن يشبعه إلًا المسيح صاحب كنوز الحكمة، ففيه الراحة التي نلتمسها، والسلام الذي ننشده، والفرح الذي نفتقده، والطمأنينة التي نشتهيها. وأما أموال هذا العالم الزائل فلن تقدر أن تحقق لنا ما نودّ أن نبلغه. نقول في أبصالية يوم الأربعاء:
"إن كنّا فقراء من أموال هذا العالم وليس لا شيء لكي نعطيه صدقة. فلنا الجوهرة اللؤلؤة الكثيرة الثمن، الاسم الحلو المملوء مجدًا الذي لربنا يسوع المسيح. ليست أموال هذا العالم الزائل التي نطلبها بل خلاص نفوسنا بتلاوة اسمه القدوس".

المنيا - في الصوم المقدّس 2005م.
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب فضيلة الشكر - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
كتاب الاستنارة في حياة الآباء - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
كتاب تقديس الحاضر - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا
الصوم والنسك الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا


الساعة الآن 12:46 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024