|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لأشهد للحق وقف السيد المسيح أمام بيلاطس الحاكم الروماني في أورشليم وقال له: "لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتى. قال له بيلاطس: ما هو الحق؟" (يو18: 37، 38). كثيرون يتساءلون عن الحق.. وآخرون يدّعون أنهم يملكون معرفة الحق.. والبعض يطالب بالحق.. وهناك من يقولون أنهم يقضون بالحق.. وآخرون يبحثون بجدية عن الحق.. وغيرهم من يزيّفون الحق ويتعمدون ذلك، أو يزيّفون الحق بهدف تأكيد ما تصوروا أنه هو الحق. ما هو الحق؟ هذا السؤال ليس هو ما سأله بيلاطس فقط للسيد المسيح، ولكنه هو سؤال نطرحه في سياق حديثنا عن الحق. من المعروف في تعليم السيد المسيح أن الحق هو الله. فالآب في جوهره هو حق، والابن في جوهره هو حق، والروح القدس في جوهره هو حق. لهذا قال السيد المسيح عن الآب السماوي: "الذي أرسلني هو حق" (يو7: 28). وقال عن نفسه: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو14: 6). وقال عن الروح القدس: "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26). فالآب باعتباره هو المصدر أو الينبوع في الثالوث هو "مصدر الحق أو الحقاني" والابن هو "الحق"المولود منه، والروح القدس هو "روح الحق" المنبثق من الآب. ويشبه ذلك أن نقول عن ألقاب الأقانيم الثلاثة أن الآب هو "الحكيم" (رو16: 27)، (يه25)، والابن هو "الحكمة" (1كو1: 24)، (انظر كو2: 3)، والروح القدس هو "روح الحكمة" (إش11: 2)، (أف1: 17). ونظرًا لأن الحق هو الله، فمن أراد أن يعرف الحق عليه أن يعرف الله المعرفة الحقيقية. عن معرفة الآب قال السيد المسيح لليهود: "لو عرفتموني لعرفتم أبى أيضًا" (يو8: 19). وعن معرفة الروح القدس قال: "روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" (يو14: 17). وعن معرفة الابن قال هو شخصيًا لتلميذه فيلبس: "أنا معكم زمانًا هذه مدته، ولم تعرفني يا فيلبس! الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت: أرنا الآب؟" (يو14: 9). وقال لتلميذه توما: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي. لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبى أيضًا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه" (يو14: 6، 7). لهذا قال معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: "الذي هو صورة الله غير المنظور" (كو1: 15)، أي أننا نستطيع أن نرى الله حينما نرى السيد المسيح. أتيت إلى العالم لأشهد للحق بالرغم من أن السيد المسيح هو "الحق" ولكنه قال إنه قد أتى إلى العالم ليشهد للحق. لم يكن هناك من يمكنه أن يعلن الحق ويشهد له بالقوة التي شهد بها الحق نفسه عن نفسه. لقد شهد السيد المسيح للآب السماوي، وشهد الآب السماوي للسيد المسيح. وشهد السيد المسيح للروح القدس، وشهد الروح القدس للسيد المسيح. لأن "الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو5: 7). وقد أشار السيد المسيح إلى شهادة الثالوث السمائي في حديثه مع نيقوديموس بقوله "الحق الحق أقول لك: إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات؟ وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو3: 11-13). وفيما يلى بعض الآيات التي تشير إلى شهادة الأقانيم السماوية: الآب والابن والروح القدس: قال السيد المسيح لليهود: "الآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي" (يو5: 37). وقال: "إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق" (يو8: 14). وقال لتلاميذه: "متى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي" (يو15: 26). وقال مناجيًا للآب السماوي: "أنا مجدتك على الأرض.. أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم.. وعرفتهم اسمك وسأعرفهم" (يو17: 4، 6، 26). وقال عن الروح القدس "متى جاء ذاك، روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو16: 13). وقال معلمنا بطرس الرسول في رسالته الثانية: "لأننا لم نتبع خرافات مصنّعة، إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنا معاينين عظمته. لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى: هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس" (2بط1: 16-18). وهذه شهادة من الآب للابن سمعها التلاميذ. وقال القديس يوحنا الحبيب في رسالته الأولى: "إن كنا نقبل شهادة الناس، فشهادة الله أعظم، لأن هذه هي شهادة الله التي قد شهد بها عن ابنه. من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه. من لا يصدّق الله، فقد جعله كاذبًا، لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه. وهذه هي الشهادة: أن الله أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة، ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يو5: 9-12). سؤال بيلاطس مسكين بيلاطس الذي كان الحق (أي السيد المسيح) واقفًا أمامه، وقال له الحق "أتيت إلى العالم لأشهد للحق!" (يو18: 37)،ولكن بيلاطس لم يفهم ولم يعرف فسأل "ما هو الحق؟!" (يو18: 38). هناك من يؤمن بالحق عبر آلاف السنين، وهناك من كان الحق على بُعد أشبار منه ولكنه لم يعرفه..!! " كل من هو من الحق يسمع صوتي" (يو18: 37) قال السيد المسيح لبيلاطس الوالي الروماني: "لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم، لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي. قال له بيلاطس: ما هو الحق؟" (يو 18: 37، 38). قبل ذلك قال السيد المسيح لتلاميذه: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يو14: 6). أي أن السيد المسيح هو الحق وبهذا يكون صوته هو صوت الحق. ولكن بيلاطس حينما سأله: ما هو الحق؟ لم يجبه السيد المسيح على ذلك. واكتفى بأن يقول له: "كل من هو من الحق يسمع صوتي". الذي هو من الحق: يحب الحق، ويفرح بالحق، ويسعى نحو الحق، ويسمع صوت الحق، ويدافع عن الحق، ويشهد للحق، ويطيع نداء الحق، ويسلك في الحق، ويتحد بالحق إلى أبد الدهور. ليس للباطل موضع في قلبه ولا في حياته.. بل إن الحق يتأكد في حياته ويتزايد باستمرار. تصديق الحق يتكلّم معلمنا بولس الرسول عن ظهور "ضد المسيح"، وما سوف يعمله من آيات وعجائب كاذبة. وكيف أن الله سيسمح بظهور عمل الضلال للهالكين، لكي يظهر الفرق بين محبي الحق ومحبي الكذب. ويكون ذلك مبررًا لإدانة الذين لم يصدقوا الحق. يقول عن ضد المسيح هذا "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين. لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا. ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب. لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم" (2تس2: 9-12). هناك نفوس تشتاق إلى معرفة الحق.. وهذه لن يتركها الله. بل بالعكس يعرفها ويعينها للتبني، ويدعوها لميراث الحياة الأبدية. قد تتأخر دعوتهم بعض الشيء ليتمجد الله فيهم أو بواسطتهم، حينما يقبلون الحق. ولكن الله الذي سبق فعرفهم، لابد أن يدعوهم لأن الحق الذي يعلنه لهم له موضع في قلوبهم، بغض النظر عن حالتهم السابقة. ولابد أن يشهدوا للحق حينما يدعوهم وبهذا يتأهلون لنيل القيامة، لأنهم آمنوا برب القيامة، واتحدوا به في المعمودية بشبه موته، ونالوا قوة قيامته. وهذا ما شرحه معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية: "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله. الذين هم مدعوون حسب قصده. لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم، ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين. والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضًا.والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضًا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو8: 28-30). لابد أن يدعو الله محبي الحق إلى معرفته والإيمان به أثناء حياتهم على الأرض. لهذا يقول معلمنا بولس الرسول أيضًا: "وأما نحن فينبغي لنا أن نشكر الله كل حين، لأجلكم أيها الإخوة المحبوبون من الرب. إن الله اختاركم من البدء للخلاص، بتقديس الروح وتصديق الحق" (2تس2: 13). الاختيار مبنى على سبق المعرفة، لمن سوف يقبلون الحق. ولهذا قال السيد المسيح: "كل من هو من الحق يسمع صوتي". والذين هم من الحق يسمعون صوت الحق ويطيعون الحق. ولأن الله قد اختارهم، ولهذا فقد دعاهم وبررهم بالميلاد الجديد، ومجدهم بنعمة الروح القدس. ويقول معلمنا بولس الرسول أيضًا: "الإيمان ليس للجميع" (2تس3: 2). لهذا وقف السيد المسيح صامتًا أمام بيلاطس الحاكم الوثنى. واكتفى بقوله: "كل من هو من الحق يسمع صوتى". وحينما سأله ما هو الحق، لم يجبه بشئ لأن الحق لم يكن له موضع في قلبه. يكفى أن نرى بيلاطس وهو يصدر حكمًا على السيد المسيح بالموت صلبًا، مع أنه شهد على نفسه وقال: "إني برئ من دم هذا البار" (مت27: 24).كيف يتبرأ وهو يصدر حكمًا بالموت على شخص برئ لم يجد فيه علة واحدة للموت؟ ألا ينطبق على بيلاطس تحذير الرب بالويل لمن يقولون للنور ظلمة وللظلمة نورًا.. الذين يقلبون الحقائق، ولا يسلكون بمقتضاها. ألا ينطبق عليه تحذير الرب للقضاة من أن يزيفوا أحكام القضاء، حينما قال: "أيديكم ملآنة دمًا، اغتسلوا تنقوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني. كفوا عن فعل الشر، تعلّموا فعل الخير. اطلبوا الحق.انصفوا المظلوم. اقضوا لليتيم، حاموا عن الأرملة" (إش1: 15-17). وها هي أورشليم تحكم بالموت ظلمًا على الحق الذي تجسد لأجل خلاصها، والرب يرثيها ويقول عنها: "كيف صارت القرية الأمينة زانية. ملآنة حقًا كان العدل يبيت فيها. وأما الآن فالقاتلون" (إش1: 21). لو كان بيلاطس قد شهد للحق بالقول والفعل، ودافع عن يسوع المظلوم، وترك الظلم لغيره منقذًا نفسه.. لاستحق أن يعرف ما هو الحق، ومن هو الحق. لهذا بقى السيد المسيح صامتًا. لأن الحق يتكلم حتى ولو صمت. ويتكلم حتى ولو بدا كأنه قد ضاع. لأن الحق لا يمكن أن يضيع. أليس هذا ما قيل بفم إشعياء النبي: "من صدق خبرنا، ولمن استعلنت ذراع الرب.. ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه. كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش53: 1، 7). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ماذا أصنع لأشهد بفمى؟ |
هناك وجهان للزهد |
أتيت إلى العالم لأشهد للحق |
لأشهد للحق |
جزء من وصف فيليب كلر لمشهد الميلاد |