|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عمق قراءات أحاد الصوم الكبير [2] إعداد الراهب القس بطرس البراموسي الجمعة الثانية من الصوم الكبير إرتباط فصول القراءات ثبات الجهاد تدور فصول هذا اليوم جميعها حول موضوع واحد هو " ثبات الجهاد " أى ثبات الذين يعملون بكلامه وهو الإنجيل ، فالنبوة الأولى تتكلم عن ميراث الله للمتمسكين بشريعته كما وعد إسرائيل بأرض الموعد ، والثانية عن إنتصارهم على أعدائهم كما إنتصر داود على جليات ، والثالثة عن طمأنينتهم كما إطمأن آحاز من جهة محاربيه ، والرابعة عن نعمة الله لهم كما بين صوفر النعمانى لأيوب ذلك . ويتكلم إنجيل العشية عن تحذير المخلص لهم من التعاليم المخالفة للإنجيل كما حذر من تعاليم الفريسيين ، وإنجيل القداس عن تقويته للعاملين به حتى يصيروا ثابتين ثبات البيت المؤسس على الصخر . ويهيب بهم الرسول فى البولس أن يثبتوا فى نعمته ، ويوصيهم يعقوب فى الكاثوليكون بإحتمال آلامه ، ويحثهم الإبركسيس على مراعاة قيوده كما أوصى الرسل المؤمنين بأن يحفظوا أنفسهم مما ذبح للأوثان ومن المخنوق والزنا والدم . النبوات .. صموئيل الأول 17 ، 18 الأصحاح السابع عشر داود وجليات إشتاق الشعب إلى ملك طويل القامة قوى البنية جميل المظهر كسائر ملوك الأمم ، والآن يقف هذا الملك مع رجاله فى خوف ورعدة أمام جليات الجبار ، ليتمجد الله بداود القصير القامة الذى لا يعرف كيف يستخدم العدة الحربية بل مقلاع الكلاب .... لقد غلب لا بسيف ورمح وإنما بإسم رب الجنود .... جليات يرعب شاول وقف الفلسطينيون على جبل للحرب ، بينما وقف شاول ورجاله على جبل آخر للحرب يفصل بينهم وادى البطم ( 1 صم 17 : 1 – 3 ) . وكان جليات الجبار يخرج كمبارز يعير شاول ورجاله طالباً واحداً منهم يبارزه . وقف الفريقان على جبال ( أشبه بتلال ) بينهما واد فيه مزروعات وأشجار السنط ، حيث كان جليات البالغ طولـه 6 أذرع ( الذراع العبرى نحو قدم ونصف والقدم حوالي60سم) ، يلبس على رأسه خوذة من نحاس ، وكان يرتدى درعاً حرشفياً أى قميصاً عليه قطعاً نحاسية كحراشيف السمك ، وزنه حوالى 33 رطلاً ؛ وجرموقاً ( درعين لحماية الساقين ) من النحاس . وكان معه مزراق نحاس ( رمح قصير ) بين كتفيه .... إعتاد أن يقف مطالباً من يبارزه قائلاً : " اختاروا لأنفسكم رجلا ولينزل إلى . فإن قدر أن يحاربنى ويقتلنى نصير لكم عبيداً ، وإن قدرت أنا عليه وقتلته تصيرون أنتم لنا عبيداً وتخدموننا " كما كان يهزأ بهم قائلا : " أنا عيرت صفوف إسرائيل هذا اليوم ؛ أعطونى رجلا فنتحارب معاً " ... وكان ذلك مصدر رعب شديد وخوف بالنسبة لشاول ورجاله . + وهذة القصة ترمز في مجملها للحرب بين الشيطان وأولاد الله المستمرة ، والتحدي الصارخ بين قوات الشر وأبناء النور. بقى الحال هكذا لمدة أربعين يوما يمارس جليات هذا التصرف صباحا ومساء حتى جاء داود بن يسى يفتقد إخوته الثلاثة الكبار اليآت وأبيناداب وشمه الذين تبعوا شاول ليحاربوا معه . وهكذا بقي الحال منذ طرد أدم من الجنه حتي جاء الإبن الوحيد ليتجسد ويفتفقد البشرية الضعيفة الهالكة وسحق العدو المشتكي المعير لها علي الصليب كما غلب داود الصغير جليات الجبار. + لقد جاء داود يفتقد إخوته من أبيه وأمه بالفريك والخبز والجبن ، لكنه إذ رأى إخوته – شعب الله – فى مأزق يعيرهم رجل أغلف بدأ يتساءل : " ماذا يفعل للرجل الذى يقتل ذلك الفلسطينى ويزيل العار عن إسرائيل ؟! لأنه من هو هذا الفلسطينى الأغلف حتى يعير صفوف الله الحى ؟! 17 : 26 . وإذ سمع أخوه الأكبر اليآب حمى غضبه عليه قائلاً له : " لماذا نزلت ؟ وعلى من تركت تلك الغنيمات القليلة فى البرية ؟ أنا علمت كبرياءك وشر قلبك ، لأنك إنما نزلت لكى ترى الحرب " 17 : 28 . وجاءت إجابة داود بسيطة ومملوءة حنكة : " ماذا عملت ؟ أما هو كلام ؟! " لم يدخل معه فى جدال ، لأنه رجل إيمان لا يحب كثرة الجدال بل العمل ، إنه وقت العمل ! ويعلق القديس أغسطينوس علي ذلك ويقول : وبخ هذا الأخ الأكبر داود رمز ربناً ، متمثلاً بالشعب اليهودى الذى إفترى على المسيح الرب ، مع أنه جاء لخلاص الجنس البشرى ، إذ أهانوه بإتهامات كثيرة .... جاء داود ووجد الشعب يحارب ضد الفلسطينيين ، لم يوجد من يجسر أن يدخل إلى المعركة بمفرده ، ذهب رمز المسيح ( داود ) إلى المعركة يحمل عصا فى يده ضد جليات . بهذا أشار بالتأكيد إلى ما قد تحقق فى ربنا يسوع المسيح – داود الحقيقى – إذ جاء وحمل صليبه ليحارب جليات الروحى ، أى الشيطان . لاحظوا يا إخوة أين ضرب داود الطوباوى جليات : فى جبهته ( 17 : 49 ) حيث لم توجد عليها علامة الصليب . كما أن العصا رمزت إلى الصليب هكذا الحجر الذى ضرب به جليات يرمز إلى ربنا يسوع ، لأنه هو الحجر الحى الذي كُتب عنه : " الحجر الذى رفضه البناؤون هذا صار رأسا للزاوية " مز 117 : 22 . فسر هزيمة جليات أنه لم يدرك أن به نقطة ضعف لم يكن ممكناً لـه أن يتلافاها ، وهى أن جبهته مكشوفة ، وكأن كل إمكانية بشرية مهما أحكم تدبيرها تجد فيها ثغرة تؤدى إلى فشلها . لم يعرف جليات أن لكبريائه نهاية ، فقد وقف 40 يوماً يعير رب الجنود ، لكن الله أعد فتى صغيراً ينهى كبرياء هذا الجبار ويذله ، هذا ما يتكرر عبر الأجيال ، كل متشامخ ظن أنه قادر أن يحطم الكنيسة ويمحوها من الوجود تحطم هو وزال وتبقى الكنيسة حية قوية . أما سر قوة داود فهو إختفائه فى رب الجنود ، فلا يكون طرفاً فى المعركة بل مجرد أداة فى يد الله . المعركة هى بين الله والشيطان ، لذا فالنصرة تصدر عن الله نفسه ، إذ يقول : " أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس ، وأنا آتى إليك باسم رب الجنود ؛ إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم ... وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب ، لأن الحرب للرب ، وهو يدفعكم لنا " 1 صم 17 : 45 – 47 . مزمور إنجيل القداس .. مز 29 : 10 ، 11 المزمور التاسع والعشرون عاصفة رعدية أو صوت الرب يسيطر على هذا المزمور الشعور بسيادة الرب وسلطانه ، فيفتتح بمشهد سماوى ، حيث تقدم الكائنات العلوية المجد منسجماً مع صوت الرعد العنيف الصادر عن الكائنات الطبيعية . فقد جاء فى الترجمة السبعينية أن هذا المزمور ينشد بمناسبة عيد المظال القدسى ، ذلك العيد الذى كانوا يبتهجون فيه بنهاية الحصاد ( خاصة العنب والزيتون ) ، كما يصلى به لكى يرسل الرب مطراً ليكسر أثر فصل الجفاف ( زك 14 : 16 – 18 ) . ويربط التلمود مزمور 29 بعيد الخمسين أو عيد الأسابيع . صوت الرب الفعال فى هذا المزمور نجد " صوت الرب " يتكرر سبع مرات ، أشبه بسبع موجات متعاقبة من الرعود ، مصوراً قوة الكلمة وفاعليتها فى حياة بنى البشر . صوت الرب هو الكلمة المتجسد الذى نزل إلى العالم ليقيم من تلاميذه أبناء الرعد أداة فعالة للتمتع بالحياة الإنجيلية الجديدة ، حيث تتزلزل طبيعتهم القديمة وتنهار وتقوم الطبيعة الجديدة الحاملة صورة المسيح الكلمة ، تنعم بالبركة والعز والمجد . " الله فى العاصفة " ، لا فى الطبيعة فقط وإنما فى عاصفة النفس الداخلية أيضا ، إنه فى أعماقنا يعلن عن ذاته خلال العواصف التى تجتاح طبيعتنا الداخلية . كلمة الله جاء ليدخل النفس ويثير فيها ثورة داخلية ضد الشر ليحطم فينا الإنسان العتيق ويهبنا الإنسان الجديد . 1- دعوة إلى العبادة " قدموا للرب أبناء الكباش ، قدموا للرب مجدا وكرامة ، قدموا للرب مجدا لأسمه . اسجدوا للرب فى دار قدسه " [ 1 ، 2 ] فسر داود النبى كل قصفة رعد كدعوة موجهة إليه كما إلى الآخرين أن يقدموا مجداً وكرامة لله . يقدم أولاد الله مجداً وكرامة لله ، ما هو هذا المجد إلا التمتع بجمال الله الفريد الذى هو قداسته ، وإعلان نصرتنا على الخطية بقوة نعمته . فإن كان الله كلى القداسة ، فإننا لا نقدر أن نمجده إلا بالحياة المقدسة وشركة الطبيعة الإلهية وخبرة عمل نعمته الفائقة . + " قدموا للرب أبناء الله ، قدموا للرب تقدمة كباش " أى ( تقدمة ) الرسل و ( تقدمة ) المؤمنين . لنقتد بمخلصنا الذى دعى هو نفسه بالراعى والحمل والكبش ، الذى ذبح لأجلنا فى مصر ( خر 12 : 6 ) ، وأمسك بقرنيه فى العليقة ( تك 22 : 13 ) فدية عن إسحق . ماذا يعنى بقوله : " قدموا للرب أبناء الكباش " ؟ هذه العبارة أيضا لا يمكن تفسيرها حرفياً إنما تحمل نبوة عن الإيمان المسيحى ، فإننا إذ ولدنا من آباء كانوا يعبدون الأصنام ، أصنام الكباش والحيوانات الأخرى ، صرنا بالإيمان – نحن أبناء الكباش – أبناء لله ، إذ تركنا عبادة الكباش وآمنا بالله الحقيقى الحى . نحن أبناء الأمم صرنا أبناء لله ، كقول المرتل : " عوض آبائك صار بنوك " مز 45 : 16 . 2 - العاصفة وصلاح الله إن كانت العاصفة تشير إلى نبوات العهد القديم ، فإن صوت الرب يسمع خلال نبواتهم . وقد تكررت عبارة " صوت الرب " هنا سبع مرات . 3 - الرب الملك الأبدى " وفى هيكله المقدس كل واحد ينطق بالمجد ،الرب يسكن فى الطوفان ،الرب يجلس ملكا إلى الأبد " [ 10 ] الآن قد حل كلمة الله المتجسد فى برية هذا العالم ليقيم من أبناء الكباش أبناء لله ، محولاً المياة الصالحة الكثيرة إلى نهر عذب ، أى جماعة الأمم الوثنية إلى كنيسة الله المقدسة ، محطماً تشامخ الإنسان ( الأرز ) ، قاطعاً لهيب نار الشهوات الزمنية ، مزلزلاً البرية القاحلة ليعطينا روح الإتضاع بنار روحه القدوس فنتحول من قفر البرية إلى فردوس مثمر [ 8 ] ، يرتب أيائلنا الهائجة وكاشفاً أعماقنا المضطربة ليهبنا سلامه ويعطينا فهم أسرارة الإلهية [ 9 ] ... يحول حياتنا إلى هيكله المقدس الذى ينطق بأمجاده الفائقة : " وفى هيكله المقدس كل واحد ينطق بالمجد " . ما هو هذا الهيكل إلا كنيسة المسيح المقدسة التى تجمعت من كل الأمم المملوءة عارا لتصير فى المجد ؟! هناك يملك الرب على نفوس مؤمنيه ، " يسكن فى الطوفان " ، أى يسكن فى مياة المعمودية ، ليحل فى قلوب من ينالوا العماد بكونهم هيكل الله المقدس . 4 – نعم الله على كنيسته " الرب يعطى شعبه قوة ، الرب يبارك شعبه بالسلام " [ 11 ] لأنه يليق بالرب أن يمنح شعبه الشجاعة فى صراعهم ضد عواصف هذه الحياة وبراكينها . إنه لم يعدهم بالهدوء فى هذا العالم السفلى ! الرب يمنح شعبه السلام " سلامى أنا أعطيكم ، سلامى أنا أترك لكم " ( يو 14 : 27 ) . ختام هذا المزمور يؤكد لنا أن العاصفة لا بد أن تعبر ليتمجد الله الملك الذى يؤكد حبه لكنيسته وقت الضيقة ، واهباً إياها قوة وبركة وسلاماً ، إن سلمت حياتها بين يديه وإستعانت بصوت الرب ومواعيده كسند وخلاص لها إنجيل القداس .. لو 6 : 39 – 49 39 و ضرب لهم مثلا هل يقدر اعمى ان يقود اعمى اما يسقط الإثنان في حفرة 40 ليس التلميذ افضل من معلمه بل كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه 41 لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك و اما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها 42 او كيف تقدر أن تقول لأخيك يا أخي دعني أخرج القذى الذي في عينك و أنت لا تنظر الخشبة التي في عينك يا مرائي أخرج اولاً الخشبة من عينك و حينئذ تبصر جيداً ان تخرج القذى الذي في عين أخيك 43 لأنه ما من شجرة جيدة تثمر ثمراً ردياً و لا شجرة ردية تثمر ثمراً جيداً 44 لأن كل شجرة تعرف من ثمرها فإنهم لا يجتنون من الشوك تيناً و لا يقطفون من العليق عنباً 45 الانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح و الإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فإنه من فضلة القلب يتكلم فمه 46 و لماذا تدعونني يا رب يا رب و أنتم لا تفعلون ما اقوله 47 كل من ياتي الي و يسمع كلامي و يعمل به اريكم من يشبه 48 يشبه إنساناً بنى بيتاً و حفر و عمق و وضع الأساس على الصخر فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يزعزعه لأنه كان مؤسساً على الصخر 49 و اما الذي يسمع و لا يعمل فيشبه إنساناً بنى بيته على الأرض من دون أساس فصدمه النهر فسقط حالاً و كان خراب ذلك البيت عظيماً + إهتم الآباء - خاصة آباء البريّة - بالتدقيق في عدم الإدانة، فحسبوا أنه ليس شيء يغضب الله مثلها، إذ تنزع نعمته عمَّن يرتكبها ويرفع رحمته عنه حتى إذا ما ترفَّق بأخيه ينال هو النعمة الإلهيّة ومراحم الله.... لماذا بالحري لا ندين أنفسنا ونحكم على شرِّنا الذي نعرفه تمامًا وبدقة والذي نعطي عنه حسابًا أمام الله! لماذا نغتصب حق الله في الإدانة؟! الله وحده يدين، له أن يبرِّر وله أن يدين. هو يعرف حال كل واحد منَّا وإمكانيَّاتنا وإنحرافاتنا ومواهبنا وأحوالنا وإستعداداتنا. فله وحده أن يدين حسب معرفته الفريدة. أنه يدين أعمال الأسقف بطريقة، وأعمال الرئيس بطريقة أخرى. يحكم على أب دير، أو تلميذ له بطريقة مغايرة، الشخص القديم (له خبراته ومعرفته) غير طالب الرهبنة، المريض غير ذي الصحَّة السليمة. ومن يقدر أن يفهم كل هذه الأحكام سوى خالق كل شيء ومكوِّن الكل والعارف بكل الأمور. ويعلّق القدِّيس كيرلس الكبير على كلمات السيِّد عن عدم الإدانة، قائلاً: [بينما يطلب منَّا التعمق في فحص أنفسنا حتى ينطبق سلوكنا على أوامر الله وتعاليمه نجد البعض يشغلون أنفسهم بالتدخُّل في شئون الآخرين وأعمالهم، فإذا وقفوا على خطأ في أخلاق الغير عمدوا إلى نهش أعراضهم بألسنة حدَّاد، ولم يدروا أنهم بذم الآخرين يذمون أنفسهم، لأن بهم مساوئ ليست دون مساوئ الغير في المذلَّة والمهانة. لذلك يقول الحكيم بولس: "لذلك أنت بلا عذر أيها الإنسان كل من يدين، لأنك فيما تدين غيرك تحكم على نفسك، لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها" (رو 2: 1). فمن الواجب علينا والحالة هذه أن نشفق على الضعيف، ذاك الذي وقع أسيرًا لشهواته الباطلة وضاقت به السُبل، فلا يمكنه التخلُّص من حبائل الشرّ والخطيّة. فكل من طاب ذهنه لا يتصيَّد معاصي الغير، ولا يشغل ذهنه بزلاَّتهم وعثراتهم، بل عليه فقط أن يتعمَّق في الوقوف على نقائصه وعيوبه. هذا كان حال المرنِّم المغبوط وهو يصف نفسه بالقول الحكيم: "إن كنت تُراقب الآثام يارب يا سيِّد، فمن يقف" (مز 130: 3)، وفي موضع آخر يكشف المرنِّم عن ضعف الإنسان ويتلمَّس له الصفح والمغفرة إذ ورد قوله: "أذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 14).] "لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها" [41]. يكمل القدِّيس كيرلس الكبير حديثه: [سبق أن بيَّن السيِّد الخطر الذي ينجم عن نهش الآخرين بألسنة حداد فقال: "لا تدينوا لكي لا تدانوا". والآن أتى السيِّد على أمثلة كثيرة وبراهين دافعة تحضّنا على تجنُّب إدانة الآخرين والحكم عليهم بما نشاء ونهوى، والأجدر بنا أن نفحص قلوبنا ونجرِّدها من النزعات التي تضطرم بين ضلوعنا سائلين الله أن يطهِّرنا من آثامنا وزلاَّتنا. فإنَّ السيِّد ينبهنا إلى حقيقة مُرَّة مألوفة، فيخاطبنا بالقول: كيف يمكنك نقد الآخرين والكشف عن سيئاتهم وشرورهم وفحص أسقامهم وأمراضهم وأنت شرِّير أثيم ومريض سقيم؟! وكيف يمكنك رؤيّة القذَى الذي في عين الغير وبعينك خشبَة تحجب عينك فلا ترى شيئًا؟! أنك لجريء إذا قمت بذلك، فالأولي بك أن تنزع عنك مخازيك وتطفئ جذوة عيوبك، فيمكنك الحكم بعد ذلك على الآخرين، وهم كما سترى مذنبين فيما هو دون جرائمك. إذن يجب أن نعني بفحص أنفسنا قبل الجلوس على منصَّة القضاء للحكم على غيرنا، خصوصًا إن كنَّا في وظيفة المُرشد والمعلِّم، لأنه إذا كان المُربِّي نقي الصفحة طاهر الذيل، تزيِّنه نعمة الوقار والرزانة، وليس على معرفة بالفضائل السامية فحسب بل يعمل بها ويسلك بموجبها، فإنَّ مثل هذا الإنسان يصح له أن يكون نموذجًا صالحًا يُحتذى به، وله عند ذلك حق الحكم على الآخرين إذا حادوا عن جادة الحق والإستقامة، أما إذا كان المُرشد مهمِلاً ومرذولاً فليس له أن يدين غيره، لأن به نفس النقص والضعف الذي يراه في الآخرين. كذلك ينصحنا الرسل المغبوطون بالقول: "لا تكونوا معلِّمين كثيرين يا إخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم" (يع 3: 1). ويقول المسيح وهو يكلِّل هامات الأبرار بالتيجان المقدَّسة، ويعاقب الخطاة بشتَّى التأديبات: "فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلَّم الناس هكذا، يُدعَى أصغر في ملكوت السماوات، وأما من عمِل وعلَّم فهذا يُدعَى عظيمًا في ملكوت السماوات" (مت 5: 19).] وعن ذلك يقول مار إسحق السرياني: [حينما تمتلئ النفس من ثمار الروح، تقوى تمامًا على الكآبة والضيق... وتفتح في قلبها باب الحب لسائر الناس... تطرد كل فكر يوَسْوس لها بأن هذا صالح وذاك شرِّير، هذا بار وذاك خاطئ. تُرتب حواسِها الداخليّة، وتصالحها مع القلب والضمير، لئلا يتحرَّك واحد منها بالغضب أو بالغيرة على واحد من أفراد الخليقة. أما النفس العاقرة الخالية من ثمار الروح، فهي لابسة الحقد على الدوام والغيظ والضيق والكآبة والضجر والإضطراب، وتدين على الدوام قريبها بجيِّد ورديء.] وقد حدَّثنا السيِّد المسيح صديقنا السماوي عن الحب، مترجمًا عمليًا خلال العطاء، والستر على ضعفات الآخرين، بهذا يقدِّم لنا مفتاح الدخول إلى حضرة الله للتمتُّع بحبِّه، وكأن هذا يسلِّمنا مفتاح خزانته الإلهيّة، إذ يقول: "اغفروا يُغفر لكم، اعطوا تُعطوا" [37]. وقد دعا القدِّيس أغسطينوس هذين العمليْن: السَتْر على الآخرين، والعطاء جناحي الصلاة، يرفعانها إلى العرش الإلهي بلا عائق. فمن كلماته: [البِرْ الأول يمارس في القلب عندما تغفرون لأخيكم عن أخطائه، والآخر يُمارس في الخارج عندما تعطون الفقير خبزًا. قدِّموا البِرِّين معًا، فبدون أحد هذين الجناحين تبقى صلواتكم بلا حركة]، [إن أردتم أن يُستجاب لكم عندما تطلبون المغفرة: اغفروا يُغفر لكم، اِعطوا تُعطوا.] أخيرًا أكَّد السيِّد المسيح أنه في تقديم وصاياه عن المحبَّة يطلب تغيير القلب في الداخل، يطلب في المؤمن أن يكون شجرة صالحة ليأتي بالثمر الصالح، إذ يقول: "لأنه ما من شجرة جيِّدة تُثمر ثمرًا رديًا، ولا شجرة رديَّة تثمر ثمرًا جيِّدًا. الحاجة إلى البناء على الصخر يعود فيؤكِّد السيِّد المسيح غاية وصاياه أن تكون ثمرًا طبيعيًا للقلب الجديد الذي يتأسَّس عليه، إذ شبَّه حياتنا ببناء يليق أن يُقام على السيِّد المسيح "صخر الدهور" فلا تستطيع زوابع الأحداث أن تهدِمه. إيماننا بالمسيح هو الصخرة الداخليّة، خلاله نتقبَّل السيِّد المسيح نفسه كسِرْ قوَّتنا، يعمل فينا بروحه القدِّوس ليرفعنا إلى حضن أبيه. أما من لا يتأسَّس على "الصخرة الحقيقيّة" فيهتز بناؤه يمينًا وشمالاً بتيَّارات عدوْ الخير المتقلِّبة، الذي لا يهدأ حتى يحطِّمه تمامًا.فليعطنا الرب العين البسيطة حتي لا ندين الآخرين ولإلهنا المجد الدائم إلي الأبد أمين. |
06 - 03 - 2014, 09:10 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: عمق قراءات أحاد الصوم الكبير [2]
مشاركة جميلة جدا ربنا يبارك حياتك |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
قراءات آحاد برمهات وبرمودة ونصف بشنس في الصوم الكبير |
قراءات آحاد الصوم الكبير |
عمق قراءات أحاد الصوم الكبير [4] |
عمق قراءات أحاد الصوم الكبير(3) |
عمق قراءات أحاد الصوم الكبير (1) |