قبل أيام توفي شاب وقد قرر بعض ذويه دفنه بطقس إحدى الجماعات التي ينتمون إليها وتسمي نفسها إنجيلية .
فوجئ الناس الذين حضروا طقس ( الجناز ) عند هؤلاء بمسرحية على حد قولهم بأن المراسيم تقتصر فقط على تعزية الموجودين وتأكيدهم بأن روح المتوفى قد صعدت إلى الفردوس وأنه في حالة راحة .
فهم في تعليمهم الهرطوقي يقولون لا تجوز الرحمة على الميت فهو لا يحتاجها الآن بعد أن رقد .
أود هنا بروح محبة الرب أن أُناقش الأمور التالية وأتسائل وأرجو من الجميع المشاركة والرد تحديدا على ما أقول .
يُعلمنا الكتاب المقدس أن جسد الإنسان مُكَرم عند الله سواء كان حيا أو ميتا فهو الكائن الوحيد المخلوق على صورة الله ومثاله .
لكن هل يبقى جسد الإنسان مكرما هذا التكريم بعد رقاده ؟
أقول نعم يبقى مكرما كل التكريم وسأذكر الشواهد من الكتاب المقدس .
في آخر أصحاحات سفر التكوين نجد يوسف الصديق يوصي إخوته بأنه سوف يموت وأن نسلهم سيُستعبد في ارض مصر لكن الرب سيفتقدهم ويُخرجهم إلى أرض الموعد فحين يتم هذا الافتقاد قال يوسف ( تُصعدون عظامي معكم وتدفنوها في الأرض التي تدخلونها .
وبعد 430 سنة من عيشهم في مصر وعندما أرسل الرب موسى خرجوا ونفذوا الوصية وأخذوا عظام يوسف وإخوته معهم وقد أصبحت تلك العظام عارية ومجردة .
وهنا أُريد تفسيرا لهذا الحدث من أصحاب التجديد هؤلاء .
وقبل ذلك عندما مات يعقوب أبو الأسباط عملوا له مناحة عظيمة 40 يوما في أرض جاسان وكذلك عند وفاة موسى .
ويصل تكريم الأجساد حده الأعظم في سفر أخبار الأيام الأول 21 عندما دفن بنو إسرائيل ميتا في إحدى حروبهم وألقوا جسده في قبر قديم تبين أن فيه عظام أليشع النبي فعندما مس الميت عظام اليشع النبي قام من الموت وهذا دليل إكرام للرب لعظام الراقدين وهم في القبور .
وهنا على الهامش أريد التعليق على حادثة في سفر اللاويين .
عندما أمر الرب موسى بصنع دهن المسحة المقدسة أمره بدهن جميع محتويات خيمة الاجتماع وأدوات الخدمة بهذا الدهن وبعد انتهاء موسى من تنفيذ أمر الرب ملأ مجد الرب خيمة الاجتماع وقال الرب لموسى مائدة خبز الوجوه والمذبح أصبحت مقدسة كل التقديس وكل ما يمسها يصبح مقدسا لدرجة أن خبز الوجوه الذي يوضع على المائدة يصبح مقدسا لا يأكله صباحا ومساء إلا الكهنة الذين يُمسحون حين تكريسهم بنفس الدهن المقدس .
وفي العهد الجديد يُصَرح الرسول بولس قائلا ( أجسادكم هياكل الروح القدس )
فالإنسان المسيحي بعد المعمودية ووضع اليد ( الرسولية وامتداد هذا التسلسل ) يسكن فيه روح الله كما سكن في خيمة الاجتماع ويكون هذا الجسد مقدسا كل التقديس بالضبط مثل مائدة خبز الوجوه لأن روح الله حل فيه .
لذلك عندما ينتقل شخص مسيحي من هذا العالم هل هو جيفة أو ككلب ميت ؟
حاشى .
إن جسد الإنسان الراقد قد زادت كرامته بما لا يقاس وذلك لأنه نال الأسرار المقدسة في حياته كالمعمودية والميرون وتناول واتحد في شركة جسد الرب ودمه فأصبح مقدسا كل التقديس .
سآتي الآن لنقطة أخرى .
عندما تمم الرب يسوع ذبيحته على الصليب فهل تممها عن الأحياء فقط أم شملت والراقدين معا .
وقبل الإجابة لنعرج على حادثة التجلي على الجبل فقد أحضر الرب معه موسى ( الميت ) وإيليا الحي دلالة على أن الرب لا ينسى رجاله ولو رقدوا .
لقد حرم الرب موسى من أن تطأ قدمه أرض الموعد لكن لمحبته للبشر التي لا توصف جعلت قدماه تطأ أرض الموعد في العهد الجديد ( بحسب تفاسير الآباء القديسين ) .
نعود الآن لذبيحة الصليب التي تممها رب المجد فكان هو الكاهن والذبيحة معا .
فهل شملت هذه الذبيحة الأحياء فقط أم الراقدين ؟
وأُجيب من الكتاب المقدس لقد شملت الأحياء والراقدين ( المؤمنين به ) معا
ما الدليل ؟
هنالك رجال الله في العهد القديم رقدوا على رجاء الإيمان بوعد الرب الصادق بحتمية الخلاص بمجيء الرب يسوع في آخر الأزمان مثل إبراهيم وموسى وداود وأشعيا وأرميا وحزقيال ودانيال وملاخي وغيرهم الكثير فهل يتركهم في مثوى الأموات إلى الأبد ( الجحيم ) ؟ حاشى
فعندما مات الرب يسوع بجسده على الصليب هبط إلى الجحيم وارتعد بوابو الجحيم لرؤيتهم إلها نازلا إلى مثوى الأموات فخلص جميع رجاله الذين ماتوا على رجاء الإيمان .
ما الدليل على ذلك ؟
هنالك دليلان من الكتاب المقدس على ذلك .
نزول الرب إلى الجحيم ( مثوى الأموات ) نراه في سفر أيوب الفصلين الأخيرين في حديث الرب مع أيوب الصديق .
والدليل الثاني نجده في العهد الجديد عند قيامة الرب قامت أجساد القديسين الراقدين ومشوا في المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين .
نستدل من كل هذا أن أجساد البشر مكرمة عند الرب ومن الكتاب المقدس أوردنا ما تيسر من الأدلة على ذلك .
ولكن قد يسأل البعض هل هذا ينطبق على الجميع ؟ مؤمنين وغير مؤمنين ؟
وأجيب من يسأل :
من أنت يا هذا لتحكم على الناس مؤمنين أو غير مؤمنين ؟ من أقامك ديانا لتحكم على هذا وأولئك ؟
يقول أشعيا النبي ( كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد في طريقه ليس من يصنع صلاحا ليس ولا واحد ) .
ويقول الرسول بولس : ( الجميع أخطئوا وأعوزهم مجد الله )
نحن لنا حكم الظاهر ولله حكم القلب .
وبما أننا لا نميز بحسب الآيات أعلاه نقيم صلاة الجناز ونذكر الجميع .
ويبقى السؤال هل تشمل رحمة الله الراقدين ؟
وهل يجوز القول للراقد ( الله يرحمه ) .
نعم يجوز فلا موت في المسيح فهو القيامة والطريق والحق والحياة .
والرحمة تشمل الأحياء والراقدين .
فإن آمنا بأن لا موت في المسيح نصل إلى نتيجة قطعية أن الذي يرقد لا نسميه ميتا بل راقدا إنه في نوم عميق ينتظر القيامة في المسيح .
لكن الموت الحقيقي والذي نخاف منه بل ونرتعب هو حين مجيء الرب الثاني ليدين سرائر الناس أحياء وراقدين حين ينفصل الأشرار نهائيا عن رحمة الله ويذهبون إلى جهنم وهذا ما نصلي أن لا يطالنا هذا الموت المرعب عند مجيء الرب الثاني .
ولكن هل ترحم الرسل أو أحدهم على الأقل على أحد راقد ؟
نقول نعم
لنطالع الرسالة الثانية إلى تيموثاوس 1 : 16 – 18 يقول الرسول بولس :
ليعط الرب رحمة لبيت انيسيفورس لانه مرارا كثيرة اراحني و لم يخجل بسلسلتي
1: 17 بل لما كان في رومية طلبني باوفر اجتهاد فوجدني
1: 18 ليعطه الرب ان يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم و كل ما كان يخدم في افسس انت تعرفه جيدا
يقول الأب تادرس ملطي في تفسيره لهذه الآيات بحسب الآباء القديسيين ما يلي :
لقد طلب رحمة لبيت أُنيسيفورُس[16]، وهو ابن للقديس بولس في الإيمان، قَبِلَ الإيمان على يديه في أيقونيّة، عمل كتاجر في أفسس، وقد أراح الرسول أثناء سجنه، ربما اهتم بتضميد جراحاته، أو قام بزيارته مرارًا في السجن، مُعَرِّضًا حياته للخطر.
يرى غالبية المفسرين أن أُنيسيفورُس كان قد انتقل من العالم في ذلك الحين، وقد طلب الرسول أن يجد رحمة لدى الله في يوم الرب العظيم. وقد أُخذ هذا النص كمثال للصلاة من أجل الراقدين. فنطلب لهم الراحة لا بمعنى أن الصلاة عنهم تسند الأشرار غير التائبين، وإنما نطلب عنهم من أجل أي توانٍ أو تفريط سقط فيه المؤمنون. لهذا تصلي الكنيسة في أوشيّة (صلاة) الراقدين، هكذا: [إن كان قد لحقهم توان أو تفريط كبشر وقد لبسوا جسدًا وسكنوا في هذا العالم، فأنت كصالحٍ ومحب البشر، اللهم انعم لهم بغفران خطاياهم.] وقد حوت جميع القداسات الرسوليّة صلوات عن الراقدين.
يقول القديس ديوناسيوس الأيوباغى: [إن كانت خطايا المتوفي حقيرة فتجد منفعة مما يعمل بعده، وإن كانت باهظة ثقيلة فقد أغلق الله الباب في وجهه[17].]
ويقول القديس أغسطينوس: [تُقدَّم القداسات من أجل المؤمنين المنتقلين، فإن كانوا صالحين تُدعى شكرًا، وإن كانوا أشرارًا فلا تفيدهم شيئًا، ولكنها تكون تعزية للأحباء[18].]
يقول القس روبرتسون: [يقينًا أن أُنيسيفورُس كان ميتًا عندما كتب بولس الرسول هذه الكلمات التي تعتبر دليلاً معقولاً على أن موت أي شخص لا يحرمنا من الحق أو الواجب للصلاة عنه، ويقينًا أن أمثال هذه الصلاة من أجل الموتى توجد في قداسات العصور المسيحية الأولى، وهي إلى الآن تكون جزءًا من القداسات المستخدمة في جزء كبير من العالم المسيحي[19].]
لهذا كله نقول بالصلاة على الراقدين وطلب الرحمة لهم وأقول لهؤلاء الذين ينكرون إيمان الكنيسة بهذا الصدد ما يلي :
أنتم لا تقرئون من الكتاب المقدس إلا ما تعتقدونه يناسب توجهاتكم وتهملون القسم الأعظم منه وأحذركم بأن الراقد هو نفس بشرية مكرمة من الله فلا تمنعوا رحمة الرب عنهم .
وقد تسلمنا من العصر الرسولي والآبائي أن المسيحيين الأوائل كانوا يقيمون القداس الإلهي على أضرحة الشهداء وقد تسلمنا أيضا تكريس المذابح المقدسة بوضع بقايا الشهداء في داخلها ومسحها بالميرون المقدس عند تدشينها .
والتسبيح لله دائما آمين