|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث معالم الطريق الروحي مقدمة من بين مقالات عديدة جدًا، ألقاها قداسة البابا شنوده الثالث في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بدير الأنبا رويس، خلال الستينات والسبعينات، اختار لنا هذه المجموعة لتشرح لك الطريق الروحي، وعلاماته ومعالمه، وكيف تسير فيه... أولًا: ما هو الهدف الروحي السليم؟ وكيف تثبت فيه. ثم ينبغى أن تبدأ، وكما تبدأ تستمر. وبعدها نناقش البدء، ونعرض كيف أن مخافة الله هي البدء حسب تعليم الكتاب (أم9: 10). ومخافة الله تدعو إلى السير في الطريق السيلم، ولو بالتغصب إلى أن يصل الإنسان إلى محبة الروحيات ومحبة الله... ثم نعرض بعد ذلك للعمل: العمل الإيجابي، والعمل الداخلي. وبعد هذا نورد ثلاث مقالات عن الحكمة والإفراز، حيث أن الحكمة يجب أن تتخلل كل عمل روحي وتمتزج به. ثم نتحدث عن عناصر عامة لا يمكن أن يستقيم بدونها العمل الروحي. وهي صفات الجدية، والالتزام، والتدقيق، والأمانة في العلاقة مع الله، وتبدأ بالأمانة في القليل، حتى يقيمنا الله على الكثير. وكل هذا يقود إلى حياة الانتصار. ولا يمكن أن ينتصر الإنسان في حياته الروحية إلا إذا انفصل عن كل المجالات الخاطئة. وهنا نكتب لك مقالًا عن (الفصل بين النور والظلمة). وإذا ما وصل الإنسان إلى قمة العمل الروحي، إنما يصل بالتالي إلى حياة التسليم، وفيها يعيش الإنسان في حياة الشكر الدائم. فكان لابد أن نتحدث عن هذين الموضوعين باعتبارهم من معالم الطريق الروحي. على أنه من صفات الطريق الروحي في كل ما ذكرناه خاصية ذكرها رب المجد في العظة على الجبل، وهي الدخول من الباب الضيق (متى7: 13). هنا ونسأل ما هي نهاية الطريق الروحي؟ الطريق الروحي هو رحلة نحو الكمال، الوسيلة فيها هي النمو الروحي الدائم. وعن هذا الموضوع حدثناك أيضًا في آخر هذا الكتاب، وأضفنا إلى ذلك موضوعًا آخر عن عوائق النمو. أترانا قد شرحنا لك كل ما يتعلق بمعالم الطريق الروحي؟ كلا بلا شك. فالحديث عنه هو الحديث عن الحياة الروحية كلها. ولا تزال هناك موضوعات أخرى، أحب أن أضيفها في جزء آخر إن أحبت نعمة الرب وعشنا. |
04 - 01 - 2014, 03:17 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
أسباب النجاح في الهدف الروحي أنت يا أخي سائر في طريق الحياة وأود أن أناقش معك خطة لمسيرتك هذه. ولعل أول سؤال يقابلنا هو: ما هي أسباب نجاح الكثيرين؟ والإجابة هي أن مقومات النجاح كثيرة. وفي مقدمتها أن الذين نجحوا في حياتهم، كانت لهم أهداف قوية وضعوها أمامهم، واستخدموا كل إمكانياتهم لتحقيقها. ومحبة الهدف والرغبة في تحقيقه منحهم حماسًا وقوة ونشاطًا وروحًا. كما منحهم الهدف تركيزًا في حياتهم وتنظيمًا لها. أصبحت كل إمكانياتهم وطاقتهم: وكذلك كل أعمالهم سائرة في الطريق هذا الهدف في اتجاه واحد بلا انحراف. والهدف جعل لحياتهم قيمة. إذ شعروا بأن هناك شيئًا يعيشون من أجله. فأصبحت حياتهم لها لذة.. حياة هادفة لها قيمتها. وكل دقيقة من دقائق حياتهم صار لها ثمن. وكلما كان الهدف في حياة ساميًا عاليًا، تكون قيمة الحياة أعظم، وتكون الحمية في القلب نارًا متقدة لتحقيقه. أما الذي يعيش بلا هدف... فإن حياته تكون مملة وثقيلة عليه... حياة لا معنى لها ولا طعم، ولا اتجاه ولا ثبات. ويكون مقلقلًا في كل طرقه. وغالبًا ما ينتابه الملل والضجر في أحيان كثيرة بأن حياته رخيصة، وضائعة وتافهة، يبحث فيها عن وسائل لقتل الوقت! لأن الوقت لم تعد له قيمة ولا رسالة... وكثيرًا ما يتساءل هؤلاء: لماذا نحيا؟ لماذا خلقنا الله؟ ما معنى الحياة؟ وما هو غرضها وهدفها؟ إنهم مساكين. يعيشون ولا يعرفون لماذا يعيشون! تجرفهم دوامة الحياة دون أن يشعروا. وإن شعروا: يسألون... إلى أين؟ أما إن وجدوا لحياتهم هدفًا، فإن كل هذه الأسئلة تبطل... هنا ونود أن نبحث أهداف الناس التى تحركهم في الحياة. لأنه، حسبما يكون الهدف، هكذا تتحد الوسيلة التي تقود إليه... البعض هدفه المال، أو الوظيفة، أو اللقب، أو السلطة: أو السيطرة أو النجاح في العمل. والبعض شهوته اللذة، سواء كانت لذة الحواس أو لذة الأكل والشرب، أو لذة الجسد، أو لذة الراحة. والبعض هدفه الزواج والاستقرار في بيت، أو النجاح في الدراسة. ولا نستطيع أن نسمى كل هذه أهدافًا. إنما هي رغبات وشهوات. وإن حسبت أهدافًا، تكون مجرد أهداف عارضة، أو مؤقتة، أو زائلة أو سطحية لا عمق لها. كما أنها محددة بزمن. وكلها تدخل تحت قول الرب لمرثا " أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، والحاجة إلى واحد" (لو10: 41). |
||||
04 - 01 - 2014, 03:18 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
الهدف الوحيد هو الله الإنسان الروحي هدفه الله وحده لا غيره. كل هدفه هو أن يسعى إلى الله، ويعرفه ويحبه ويعاشره ويثبت فيه. ويكون علاقة معه، يسكن الله في قلبه ويسكن هو في قلب الله. ويقول لله في حب: " معك لا أريد شيئًا على الأرض" (مز73: 25). وهكذا بالتصاقه بالله يمكنه أن يستغنى عن كل شئ فمحبة الله تقود إلى التجرد وإلى الزهد وكلما يختبر الله ويذوق حلاوة العشرة معه بأن كل شيء في الدنيا باطل وقبض الريح (جا2: 11) وكما يقول المثل النفس الشبعانة تدوس العسل (أم27: 7). هكذا النفس الشبعانة بالله تدوس كل شهوات الأرض. |
||||
04 - 01 - 2014, 03:20 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
أهداف زائفة ولكن الشيطان لا يعجبه هذا إنه يجول في الأرض يوزع أهدافًا. ويبذر ويزرع أغراضًا وآمالًا ورغبات وكل ذلك بغية أن يتوه الإنسان عن هدفه الروحي الوحيد الذي هو الالتصاق بالله، والاستعداد للأبدية. وبالأهداف العالمية التي يوزعها الشيطان: يتلظى أهل العالم في جحيم من الرغبات، لا يمكن أن تشبعهم إذ أن في داخل حنينًا إلى غير المحدود. وكل ما في العالم محدود... أول هدف يقدمه الشيطان هو بالذات... فتصير الذات صنمًا يعبده الإنسان وتصير ذاته هي محور ومركز كل تفكيره يريد أن يبنى هذه الذات، ويكبرها ويبنيها، ويجعلها موضع رضي الكل ومديحهم. وينشغل بذاته بحي يهمل كل شيء في سبيلها، حتى علاقته بالله. هكذا تصير الذات منافسًا لله... تدخل أولًا إلى جوار الله في القلب ثم تتدرج حتى تملك القلب كله، وتبقي وحدها فيه، فيتحول الإنسان إلى عبادة الذات ويظل كل يوم يفكر: ماذا أكون؟ ومتى أكون؟ وكيف أكون؟ وكيف أتطور إلى أكبر وأعظم...؟ ويا ليته بذاته اهتماما روحيًا... إذن لكان يبذل من أجل الله ومن أجل الآخرين، ويحيا من أجل الآخرين، ويحيا حياة المحبة التي تضحي، وتبذل نفسها فدية عن الآخرين. وحينئذ يجد ذاته، أعنى الوجود الحقيقي يجدها في القداسة وفي البر والكمال، في الله نفسه... إن بولس الرسول، من أجل الحياة مع الله قال " ولا نفسي ثمينة عندي" (أع20: 24). أما الذي يهتم بذاته بربطها بشهوات العالم فإنه بالتالي: يجعل شهوات العالم هدفًا له. وهكذا يضع أمامه بريق العالم الحاضر وأمجاده، وملاذه ولهوه، وأحلامه وأمانيه، وينشغل بكل هذا حتى ما يتفرغ لأبديته. ويبقى مخدرًا بشهوات الدنيا، ما يضيق منها إلا ساعات الموت، حينما يتركها كارهًا...! أما أنت، فلا يكن لك هذا الفكر ولا هذا الاتجاه، وإنما: كل هدف يبعدك عن الله وعن خلاص نفسك اعتبره خدعه من الشيطان وارفضه في حزم... وكذلك أرفض كل وسيلة تبعدك عن هدفك الروحي. ولا تسمح مطلقًا بأن تكون ذاتك منافسًا لله في قلبك، ولا تسمح بأن يصير العالم هدفًا. فإن الكتاب يقول إن " العالم يبيد وشهوته معه" (1يو2: 17). ويقول أيضًا إن محبة العالم عداوة لله (يع4: 4). إذن راجع منذ الآن كل أهدافك وكل وسائلك، في ضوء اهتمامك بأبديتك: وفي ضوء هدفك الروحي الذي هو محبة الله. إن كل هدف ضد ملكوت الله هو انحراف عن الخط الروحي. وكل شيء يصطدم بمحبة الله في قلبك، اتركه مهما تكن قيمته. كما قال القديس بطرس للرب " تركنا كل شيء وتبعناك" (متى19: 27). إن يوسف الصديق خسر حريته حينما بيع كعبد وخسر سمعته حينما ألفي في السجن، وخسر أبوية وأخوته ووطنه حينما عاش في بلد غريب... ولكن كان يكفيه وقتذاك، الله وحده. كان هو هدفه. الذي هدفه هو الله لا يتأذى إن خسر أي شيء عالمي. إبراهيم أبو الآباء كان الله هو هدفه لذلك سهل عليه أن يترك أهله وعشيرته ووطنه (تك12: 1) ويتغرب وهو لا يعلم إلى أين يذهب (عب11: 8) بل سهل عليه أن يأخذ أبنه ليقدمه محرقة للرب... وبولس الرسول سهل عليه أن يترك المركز السلطة والصلة بالقادة، إذ لم يكن شيء من هذا هو هدفه... واستطاع أن يقول " خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية، لكي أربح المسيح" (في3: 8). وهذا هو هدفه الذي من أجله خسر كل شيء، دون أن يحزن. ودانيال النبى: لم يأبه بالقصر الملكي، ولا بالوظائف، ولا بكل أطايب الملك، ولم يأبه حتى بحياته إذ ألقى في جب الأسود، إذ كان له هدف واحد تضائل أمامه كل شيء... إن الذي هدفه هو الله لا يجعل حتى الأمور الروحية هدفًا له! البعض قد يجعل الصلاة هدفًا له، فيصلى ليس من أجل محبته لله، وإنما لكي يكون رجل صلاة! ويتهم بالدراسة اللاهوتية كهدف، لا لكي يعرف الله فيثبت فيه، إنما لكي يصير من علماء اللاهوت، يعطية العلم شهرة ومكانه وعظمة! وهكذا، أيضًا، قد يتحول الصوم إلى هدف، ويتحول كل عمل روحي إلى هدف، يعمل الإنسان لكي يرضي عن نفسه، أو لكي يرضى الناس عنه!! بينما كل هذه وسائط وليست أهدافًا، فالهدف هو الله. الصلاة والصوم والمعرفة: وكذلك التأمل والقراءة، كل هذه هي مجرد وسائل توصلك إلى هدفك الوحيد الذي هو الله ومحبته. والارتباط به. فإن جعلتها هدفًا تكون قد قصدتها لذاتها... وقد تتقدم فيها، وتكون بعيدًا عن الله الذي قال " هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (متى15: 8). وقد تصبح الرهبنة والتكريس هدفًا! ولكن الرهبنة هي مجرد وسيلة توصل إلى الله. ولذلك عرفوها بأنها الانحلال من الكل للارتباط بالواحد فإن تحولت إلى هدف، تحولت الوحدة إلى هدف، والصمت إلى هدف فما أسهل أن تكسر وصايا الله من أجلها! فيتخاصم الراهب مع الدير من أجل حياة الوحدة. يعيش كمتوحد دون أن تكون له فضائل الوحدة، دون أن ينمو في محبة الله. وفي هذا قال مار اسحق " هناك من يجلس خمسين سنة في القلاية، وهو لا يعرف طريقة الجلوس في القلاية". والبعض قد يجعل الإصلاح هدفًا... وبسبب الإصلاح يثور ويتخاصم: ويدين الآخرين ويشهر بهم، ويفقد محبته للناس، ويفقد هدوءه وسلامة ويشتم ويسب، ويتحد ويصخب، ويتحول إلى قنبلة متفجرة تقذف شظاياه في كل مكان. وفي كل ذلك تبحث عن علاقته بالله، فلا تجدها. لقد أصبح إصلاحًا بدون الله وبدون محبة وصارت غيره بلا تدين! وهكذا أيضًا في الخدمة: كثيرون بدأوا بالخدمة.. وأنتهوا بأنفسهم! بدأوا بالسعي إلى مجد الله، وانتهوا بمجد أنفسهم! بدأوا الخدمة وهدفهم هو الله. ثم وضعوا الخدمة إلى جوار الله: وأحيانًا قبله. ثم تركزوا في الخدمة وصارت لهم هدفًا ونسوا الله. ثم بحثوا عن نجاح الخدمة. ثم صار نجاح الخدمة هو نجاحهم الشخصي. وانتهوا إلى الذات وإذ وصلوا إلى هذا، تحولت الخدمة إلى مجال للسيطرة والظهور، وأصبحت مجرد نشاط واستخدام للطاقة وربما أصبحت وسائلها بعيدة عن الله تمامًا، فيها الذكاء والحيلة والدهاء. وضاع الهدف الروحي الذي هو الله! أما أنت ففي كل عمل روحي، قل مع داود النبي: جعلت الرب أمامي في كل حين: وليكن الله هو هدفك الوحيد. أنت من أجله تخدم. وإذا تعارضت الخدمة مع الله، اتركها. لأنه ما أسهل على الشيطان أن يتيهك حتى في داخل الكنيسة. وتذكر إن الإبن الضال الكبير ابتعد عن محبة أبيه وهو في صميم الخدمة " يخدمه سنين هذا عددها" (لو15: 25 32). لذلك كله فإن الله يسألك أين أنا في وسط أهدافك؟ أجب عن هذا السؤال بصراحة كاملة: هل الله أحد أهدافك؟ أم هو الهدف الأول؟ أم الهدف الوحيد؟ أم أنه ليس هدفًا على الإطلاق؟ أم تضعه في آخر القائمة: قد تتذكره أحيانًا، وقد لا تتذكره! أم أن الله قد تحول في نظرك إلى مجرد وسيلة لتحقيق أهدافك! وإن لم يحققها لك: تغضب منه وتثور، وقد تقطع صلتك به. هل تحب الله كما أحبك؟ وهل قلبك كله له؟ أم هناك أهداف جانبية إلى جوار الله، تسعي أن تكون هي الأصل؟ هل تفكر في أبديتك وقبل أن تصل إلى أحضان القديسين، تصل إلى أحضان الله؟ حسبما يكون هدفك هكذا تكون حياتك وهكذا تكون وسائلك. فراجع نفسك... |
||||
04 - 01 - 2014, 03:34 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
ثبات الهدف الروحي الإنسان الروحي هو شخص مستقر في هدفه وفي وسائله. له هدف واضح ثابت لا يتغير. وقد ركز كل اهتمامه بهذا الهدف. وأصبح يتجه نحوه على الدوام، بكل طاقاته وكل رغباته، لا يتحول عنه. وكل وسائله توصل إليه. إنه مثل سهم البوصلة يتجه دائمًا في اتجاه واحد مهما حركت وضعه أو موضعه. إنه إنسان راسخ ثابت لا تغيره تطورات الأيام والظروف الخارجية. وقد صدق ذلك الأديب الروحي حينما قال عن الرجل الحق إنه "يتطور دون أن يتغير. ويكبر دون أن يتكبر. ويحتفظ بثباته في وثباته). أما الإنسان الضعيف فإنه متزعزع: خبراته في الحياة، وصدماته وتجارية وضيقاته وظروفه، تجعله يغير خط مسيرته ويتحول عنها. وقد يتحول نتيجة لإغراءات أو لمخاوف، أو لدنيا قد تفتحت أمامه... وهكذا كثيرون بدأوا بالروح، وكلموا بالجسد. بدأوا بالله وكلموا بالعالم. كم من أناس عرفناهم، وكان يبدو أن لهم هدفًا روحيًا وحاليًا لا وجود له ولا لهم، داومة العالم جرفتهم وجرفت روحياتهم، فساروا مع التيار... وليس في جيلنا فقط، بل إن الكتاب المقدس يقدم لنا أمثلة عجيبة من شخصيات بدأت ولم تكمل. أو أن هدفها انحراف في الطريق ولم تثبت عليه. ولعل من أمثلة هؤلاء ديماس مساعد بولس الرسول الذي قال عنه: " ديماس تركني لأنه أحب العالم الحاضر" (2تي4: 10). والذي حدث لديماس، حدث أيضًا لكثيرين قال عنهم القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبى " لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح. الذين نهايتهم الهلاك... ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (في3: 18، 19). كل هؤلاء كانوا أصدقاء الرسول العظيم، وكلن لهم ماض مجيد في الخدمة. كان لهم هدف روحي عاشوا به فترة، ولم يثبتوا عليهم. وربما لأن أشياء أخري دخلت قلوبهم إلى جوار الله. وبمرور الوقت سيطرت عليهم. وربما أرادوا أن يجتمعوا بين الله والعالم في نفس الوقت. ويعيشوا مع سارة وهاجر في نفس البيت. أو مثل لوط البار الذي أراد أن يجمع بين محبة الله ومحبة الأرض المعشبة في سدوم. إن شمشون بدأ حياته كنذير للرب، وكان روح الرب هو الذي يحركه (قض13: 25). ثم ماذا بعد؟ دخلت رغبات إلى قلب شمشون بجوار الرب، ففارقه الرب (قض16: 20). لا يكفي إذن أن يكون هدفك هو الرب. إنما يجب أن تظل محتفظًا بهذا الهدف ولا تسمح لأهداف أخري أن تدخل إليك، لأنك لن تستطيع أن تجمع بين نذرك ودليله في آن واحد، مهما ظننت حكيمًا. هوذا سليمان أحكم أهل الأرض يعطينا نفسه مثالًا: لقد بدأ بهدف روحي، ما في ذلك شك. وتراءى له الله مرتين، ووهبه الحكمة. ومع ذلك أراد أن يجمع بين الله والمتعة ففشل. وفقد هدفه الروحي وسقط (1مل 11)... سليمان الحكيم يسقط؟. يا للمأساة... كل ذلك لأن الهدف تغير، أو دخلت إلى جواره أهداف أخرى، فجرفته. أما الذين ثبتوا على هدفهم، فقد استمروا سائرين في ثبات نحو الله. انظر إلى مياة الطوفان، ماذا فعلت. وتعلم منها درسًا... مياه الطوفان غطت الأرض كلها. حتى أن القمم العالية أيضًا غطتها المياه. أما الفلك فلم توذه المياه في شيء، بل سار فوقها، لأن هدفه هو الله. ولا شك أن الله كان داخله ويقوده حقًا إن الهدف الصالح يعطي حياة وحيوية وقدروه على السير في اتجاه الله. كما يعطي قدرة على مقاومة كل التيارات المضادة وصاحب الهدف الثابت لا تجذبه التيارات المضادة، لأن أرادته ثابتة فيه. إن سمكة صغيرة جدًا تستطيع أن تقاوم التيار، وتستمر في مسيرتها، لأن فيها حياة، وفيها إرادة تحركها بينما كتلة ضخمة من الخشب يجذبها التيار حيثما يشاء لأنها بلا حياة وبلا هدف... لقد خرج بنو إسرائيل من عبودية فرعون، ونجوا من الهلاك المهلك، وعبروا البحر الأحمر. وكانت بداءة طيبة ولكن لم يكن لهم هدف روحي ثابت، فهلكوا في برية سيناء، على الرغم من أنهم كانوا يقتاتون بالمن والسلوى وسحابة الله كانت تظللهم ربما هدفهم كان ذاتهم فتذمروا على الله، خرجوا بأجسادهم من عبودية فرعون، ولكن كانت هناك عبودية أخرى داخلهم لم يخرجوا منها... فهلكوا. كان الهدف السليم عند موسي النبى وليس عند بني إسرائيل. فلم يستطيعوا أن يستمروا في مسيرتهم معه، على الرغم من كل العبادات الطقسية التي كانوا يقدمونها. إن القلب الذي لا يعطي ذاته لله عطية كاملة حقيقية بهدف سليم، ما أسهل عليه أن يكسر كل عهد يبرمه مع الله فلا يحافظ على عهوده، ولا على وعوده، وينحرف إلى أهداف سطحية تافهة لا تغنيه شيئًا... وينفس الوضع خرجت امرأة لوط من سادوم. وقلبها لا يزال فيها. لم يكن خروجها من أرض الخطية خروجًا حقيقيًا من القلب، ولم يكن من أجل الله. كانت يدها في يد الملاك الذي أقتادها إلى خارج المدينة المحترقة مع أسرتها. أما قلبها فكان يحترق شوقًا إلى ما هو داخل المدينة... عجيبة هذه المرأة. لم تهلك داخل سدوم، إنما بعد أن خرجت منها. وهكذا هلكت وتحولت إلى عمود ملح. صار موتها ملحًا للعالم، أي درسًا روحيًا في خطورته النظرة إلى الوراء. الذي له هدف حقيقي ثابت في الله، لا ينظر مطلقًا إلى الوراء أثناء سيره مع الله، وإلا تعرض لتوبيخ إيليا النبى الذي قال " حتى متي تعرجون بين الفرقتين؟ إن كان الله هو الله فاتبعوه. وإن كان هو البعل فاتبعوه" (1مل 18: 21). إن كان هدفك هو الله، فلا تكن قلبين، ولا تكن مترددًا. مشكلة يهوذا الأسخريوطى كانت هذه: يجلس مع السيد المسيح على مائدة واحدة، ويأكل معه من نفس الصفحة. وفي نفس الوقت كان يتفق ضده مع شيوخ اليهود وقادتهم. فكان "تلميذًا" للرب هدف. يقبل السيد ويسلمه إلى أعدائه في نفس الوقت. عاش المسكين بلا هدف. فكانت حياته ثقلًا عليه وعلى الجميع، فهلك. إن نيقوديموس بعد أن عرف الرب معرفة حقه، لم يستطيع أن يستمر صديقًا له وعضوًا في مجمع السنهدريم في نفس الوقت... حنانيا وسفيره ببعض المال حرامًا. بينما يظهران أمام الجميع كعضوين في جماعة أولاد الله الذين يضعون كل أموالهم عند أقدام الرسل. فلا كسبا المال، ولا كسبا عضوية الكنيسة. لم يكن لهما الهدف الروحي النقي الثابت الذي لا يعرج بين الفرقتين... صورتهما تشبه صورة بيلاطس، الذي أراد أرضاء ضميره وإرضاء اليهود في نفس الوقت. ولما فشل غسل يديه بالماء، دون أن يغسل قلبه من الداخل. كان الشاب الغنى يريد أن يجمع الهدفين معًا. وإذ كشفه فاحص القلوب. مضى حزينًا. إنه يسأل عن الحياة الأبدية وكيفية الوصول إليها، كأنه صاحب هدف صالح يسعي إليه. أما قلبه فكان يحب العالم الحاضر، على الرغم من أنه حفظ الوصايا منذ حداثته... (متي 19: 16 22). وإذا كشف له الرب الداء الذي فيه، ودعاه إلى أن يكون صاحب هدف واحد، ويتخلي عن الآخر... مضي حزينًا. وسيمضى حزينًا مثله كل من يحاول أن يضع إلى جوار الله هدفًا آخر. كثيرون يقولون إن الله هو هدفهم، وفي نفس الوقت يريدون أن يدخلوا من الباب الواسع. والباب الواسع لا يوصل إلى الله مطلقًا، " بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع14: 22). والذين يجعلون الله هدفهم، ينبغي أن يتألموا من أجله، ويبذلوا ذواتهم من أجله، عالمين أن تعبهم ليس باطلًا في الرب، وكما قال الكتاب " كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو2: 8). هؤلاء استقروا على هدفهم الروحي، بكل ثبات لا يغيرونه. لقد اختاروا الله هدفًا لهم، بغير ندم ولا تردد، وبغير إعادة تفكير، وبغير النظر إلى الوراء. لم يعودوا يفحصون الأمر من جديد، أو يتساومون مع الشيطان. إن خط حياتهم واضح أمامهم لا يتغير. استقروا عليه منذ زمان، ولا يعد موضوع نقاش. وكما قال القديس بولس الرسول: " إذن يا أخوتي الأحباء. كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثيرين في عمل الرب كل حين. عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1كو15: 58). إنهم لا يعيشون حياة صراع بين الخير والشر، أو بين الله والعالم. فالصراع يعني عدم استقرار. أما هولاء، فلهم خط واضح لا تردد فيه، ولا انحراف عنه يمنه ولا يسره. يسيرون بقلب مع محبة الله. بل إن الله صار هو شهوتهم الوحيدة التي تملأ قلبهم تمامًا ولا يبقي فيه شيء لغيرها. وسنضرب أمثلة لهؤلاء الثابتين: إن قصص الثابتين تعطينا فكرة عن الثبات في الهدف الروحي. هؤلاء تركوا حياة الخطية إلى الأبد، وما عادوا يرجعون إليها مرة أخري نسمع مطلقًا أن القديس أوغسطينوس عاد إلى حياة الخطية بعد توبته، ولا عاد القديس موسي الأسود إلى ما كان عليه أولًا. ولم نسمع أن القديسة مريم القبطية أو القديسة بيلاجية πελαγία عادتا إلى الخطية بعد توبتهما. فهؤلاء بعد أن صار الله هدفًا لهم تغيرت حياتهم تمامًا بلا أية ردة أو رجعة أو أية نظره إلى الوراء. إنما أستاصلوا الخطية تمامًا من قلوبهم. تمامًا في جدية كاملة، وفي أمانة عجيبة لله الذي اختاروه. مثل الذي يجري الكل، وبقي ولو شيء مثل شعره، سيعود ويتضخم ويصير أسوأ مما كان... ولهذا فإن الذي يقول إنه تاب، وهو لا يزال يقع ويقوم، ويقع ويقوم، هذا لم يتب بعد، وهدفه ليس واضحًا أمام عينيه وكما يقول الشاعر: متى يبلغ البنيان يومًا تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم إن التوبة ليست مجرد أجازة "عطلة" من الخطية بحيث يمكن أن يعود الإنسان إليها مرة أخرى. إنما هي قطع كل صلة بها إلى الأبد، بكل تصميم، وبكل حب له. وكما قال أحد القديسين في تعريف التوبة أنها "استبدال شهوة بشهوة" أي أن شهوة الإنسان بالنسبة إلى العالم تنتهي، لتحل محلها شهوة الحياة مع الله، وتصبح هدف الإنسان من حياته. وبهذا تحول أولئك الخطاة ليس فقط إلى تائبين وإنما صاروا قديسين. ساروا في تصميم شديد لدرجة تنفيذ قول الرب: إن أعثرتك عينيك فاقلعها والقها عنك... وإن أعثرتك يدك اليمنى فاقطعها والقها عنك (متى5: 29: 30). مثال آخر في التصميم على الهدف الروحي: سلوك الشهداء. كان هدفهم الوحيد هو الله والحياة معه في الأبدية السعيدة، لذلك ساروا وراءه بكل قلوبهم حتى إلى الموت ولم يبالوا باغراءات ولا بتعذيب. ولم يستطيع شيء من كل هذا يحول قلوبهم الثابتة في الرب. كما قال بولس الرسول " من سيفصلنا عن محبة المسح؟... إني متيقن أنه لا موت ولا حياة.. ولا أمور حاضره ولا مستقلة، ولا علة ولا عمق، ولا خليقة أخري، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو8: 35 39). مثال آخر للتصميم على الهدف الروحي، هو الدعوة الإلهية: إبراهيم أبو الأباء، لما دعاه الرب أن يترك وطنه وأهله وعشيرته، ويمضي إلى الجليل الذي يريه، لم يتردد بل خرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب (عب11: 8) لم تكن الأرض ولا العشيرة هي هدفه، إنما هدفه هو الله الذي من أجله يترك كل شيء... كذلك لما أمره الرب أن يقدم إبنه وحيده ذبيحة، لم يتردد مطلقًا، ولم يفكر، ولم يدخل في صراع داخلي. إنما بكر صباحًا جدًا وأخذ إبنه، ومعه الحطب والنار والسكين. لم يكن الابن هو هدفه، وإنما الله هو الهدف. وكذلك قال الرسول " لما سر الله الذي افر زنى من بطن أمي ودعاني بنعمته... للوقت لم استشر لحمًا ولا دمًا، ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين كانوا قبلي" (غل 1: 15 17). إن الهدف الإلهي يحتاج إلى تصميم. فالشيطان إذا وجد فينا إرادة مترددة غير حازمة في علاقتنا مع الله، إرادة زئبقية تتموج ولا تثبت على حال يعرف أن عودنا طري، يمكنه أن يحصره ويعصره. فلنكن راسخين في محبتنا لله. ولا نضع هدفًا إلى جواره... له المجد من الآن وإلى الأبد آمين. |
||||
04 - 01 - 2014, 03:35 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
البدء.. نبدأ ونستمر المهم أن يبدأ الإنسان الطريق، يبدأ علاقة مع الله. كثيرون لم يبدءوا. حياتهم في غربة عن الله. يعيشون حياة علمانية بحته، وقد شغلتهم أمور العالم المادية، أو شهوات الجسد، أو مسئوليات الحياة المتنوعة. ولم يعرفوا طريقهم بعد إلى الروحيات، ولم يفكروا في ذلك مجرد تفكير. أنهم في متاهة، أو في دوامة، أو عفوية، لم يخطر على بالهم الاهتمام بأبديتهم. فإن بدأوا يهتمون بالأبدية، تكون هذه نقطة تحول أساسية. تختلف أسباب البدء من شخص لآخر: ربما أحدهم تأثر بعظة، أو قد نقطة البدء هي رد فعل لحادث أو كارثة، أو مرض أحد الأحباء، أو قد تكون نقطة البدء هي رد فعل لحادث أو كارثة، أو مرض، أو موت أحد الأحباء... أو أي عمل من أعمال النعمة أيقظ ضميره وحول فكره إلى الله. أو ربما شخص روحي، فكر في علاقة جادة مع الله، في مناسبة معينة... جلس مع نفسه مثلًا في مناسبة بدء عام جديد، أو في استقباله سنة جديدة من سني حياته، أو في أية مناسبة تاريخية في حياته... وأراد أن يبدأ خطأ روحيًا جديدًا، وعلاقة مع الله أكثر جدية وفاعلية... البدء إذن يمكن أن يحدث، بافتقاد من عمل النعمة. وقد يكون الإنسان فيه، في حماس شديد، وفي حرارة روحية، وفي عزم وتصميم. وقد يستمر على هذا أيامًا، وقد تطول الفترة، ثم يفتر، أو يرجع إلى الوراء، ولا يكمل ما بدأ به... وتبرد محبته الأولي (رؤ2: 4). إذن ليس المهم فقط أن يبدأ، بل بالأكثر أن يستمر |
||||
04 - 01 - 2014, 03:36 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
المهم أن تستمر هناك أشخاص يعترفون ويتناولون. وفي يوم التناول يكونون في حالة روحية ممتازة. وقد بدأوا من جديد حياة التوبة، في قوة وحماس. ولكنهم للأسف لا يستمرون، بل تمر الأيام، وإذ بهم قد رجعوا إلى حالتهم القديمة، فيما قبل التوبة! المشكلة إذن هي مشكلة الاستمرار في التوبة. ما أسعل أن يحيا إنسان في حياة القداسة لمدة يوم كامل. ولكنه لا يستمر! وقد يبدأ شخص تدريبًا روحيًا. يقول مثلًا " سأدرب نفسي على الصمت حتى أتفادي أخطاء اللسان"... ويصمت يومًا أو يومين، ولا يخطئ بلسانه. ولكنه لا يمكنه أن يستمر في التدريب... حسن أن تكون هناك بداية طيبة. إنما المهم أن تستمر. خذوا مثالًا: القديس بطرس الرسول. في وقت من الأوقات كان يشتعل حماسًا لأجل الرب، وهو يقول " وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك.. ولو اضطررت أن أموت معك، لا أنكرك" (متى26: 29، 31)... كلام جميل. وفعلًا سار مع الرب، وتحمس وقطع أذن العبد (متى26: 51)... ولكن هذا الحماس لم يستمر فعاد وأنكر وسب ولعن وقال: لا أعرف الرجل (متى26: 74). مثال آخر: الإنسان الذي ينذر نذرًا. أثناء النذر، يفعل ذلك بكل عاطفته، ويكون مستعدًا تمامًا للوفاء... ولكنه لا يلبث فيما بعد أن يراجع فكره، وإما أن يتأخر في الوفاء بالنذر، أو يشعر به ثقيلًا عليه، أو يتفاوض إن كان يمكن أن يغيره...! كذلك كل من يتعهد عهودًا أمام الرب... وبخاصة في بدء الحماس الروحي والحرارة الروحية، أو في بدء التوبة، أو في بدء التداريب الروحية. ولكن الحماس لا يستمر. واسأل في ذلك الذين في وقت من الأوقات تعهدوا بأمور كانت فوق مستواهم... ومنهم من نذر البتولية، ومن نذر الرهبنة، ومن تعهد إن ماتت زوجته، لا يأخذ غيرها... إنه حماس لا يستمر... كان الأولى أن يقدم إلى الله كرغبة أو صلاة، وليس كتعهد أو نذر...! وكثير ما نخطئ ثم نقول: إن الله قد قبل توبة اوغسطينوس وموسى الأسود ومريم القبطية وبيلاجيا...! هذا صحيح. ولكن النصف الثاني من الحقيقة أن كل هؤلاء حينما تابوا، لم يرجعوا إلى الخطية مرة أخري، بل استمروا في توبتهم، وظلوا يرتفعون كل يوم درجة جديدة في سلم الفضيلة فهل أتت كذلك في توبتك؟ كذلك في الخدمة. كم من أناس بدءوا ولم يستمروا. فكم من أناس كانوا أسماء لامعة في الخدمة، والآن لا وجود لهم إطلاقًا. جرفهم العالم بمشاغله وأصبح لا يشغل ذهنهم حاليًا سوى الوظيفة بولس الرسول للخدام: " كونوا راسخين، غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1كو15: 58). وما نقوله عن الخدمة، نقوله أيضًا عن التوبة... كم من أناس قدموا توبة بحرارة ودموع، وبعهود ونذورات. وكانت بداية طيبة أسوا ونسوا كل مشاعرهم الأولى. أما قديسو التوبة الجبابرة، أمثال اغسطينوس وموسي الأسود وبيلاجية ومريم القبطية، فقد كانت التوبة نقطة حاسمة في حياتهم تحولوا بها إلى حياة الطهارة ونموا إلى حياة القداسة في طريق الكمال. |
||||
04 - 01 - 2014, 03:37 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
نهاية السيرة من أجل هذا يقول لنا الكتاب عن قديسى الله: " انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم" (عب13: 7). المهم إذن في نهاية السيرة، وليس في بدايتها. وهكذا نحن في السنكسار نحتفل بأيام نياحتهم أو استشهادهم. وفي صلوات المجمع في القداس الإلهي، نذكر أولئك " الذين كملوا في الايمان". إن ديماس كان أحد أعمدة الكنيسة في بداية خدمته. وكان يذكره القديس بولس الرسول ضمن مساعديه القديسين مرقس، ولوقا، واسترخس. ولكنه لم يكمل المسيرة. لم يستمر. بل أنتهت حياته بعبارة مؤسفة جدًا، قال فيها الرسول: " ديماس تركني، لأنه أحب العالم الحاضر" (2تى4: 10). ولم يكن ديماس وحده... بل كثيرون آخرون بدأوا الخدمة مع القديس بولس، وكان يمتدحهم. ولكنهم لم يستمروا. وقال عنهم الرسول أخيرًا " لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك... الذين يفتكرون في الأرضيات" (في3: 18، 19). إذن لا تفتخر بأنك بدأت، بل استمر لكي تكمل. لا تكن مثل ذلك الشخص الذي يبدأ طريقة مع الله فيقول لكل أحد " قد خلصت " وينسى أنه ينبغي أن يكمل حياته في الايمان، مستمعًا إلى قول الرسول: " تمموا خلاصكم بخوف ورعده" (في2: 12). إن نوالك نعمة الخلاص بالإيمان والمعمودية، لا يمنع إطلاقًا أن الطريق لا يزال طويلًا أمامك، تستمر فيه بالجهاد والتوبة والعمل الصالح وممارسات الأسرار المقدسة وكل وسائط النعمة، واضعًا أمامك قول القديس بولس الرسول. " من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط" (1كو10: 12). وأيضًا قوله " لا تستكبر بل خف" (رو11: 20). لذلك تواضع فقد قال الكتاب عن الخطية إنها " طرحت كثيرين جرحي، وكل قتلاها أقوياء" (أم7: 26). وقيل أيضًا " اصحوا واسهروا، لأن أبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط5: 8). حسن أن تسلك كما يليق. ولكن ينبغي أن تستمر لكي تخلص في يوم الرب. واذكر أن القديس بولس وبخ أهل غلاطية قائلًا: " أبعد ما ابتدأتم بالروح، تكملون الآن بالجسد؟!" (غل3: 3). إذن الذين بدأوا بالروح، يجب أن يستمروا في طريقهم الروحي، ولا يكملوا بالجسد. |
||||
04 - 01 - 2014, 03:38 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
اختبر الحروب لا يكفي أن تخطو خطوة واحدة في الطريق الروحي، لأن الخطوة الواحدة لا توصلك إلى الهدف. ومن جهة أخرى لا تأخذ بها الخبرة الروحية. فالمفروض أنك تختبر حروب الشياطين ومعاكساتهم وحيلهم. من الجائز إن الله لا يسمح للشيطان بأن يحاربك، في أول الطريق، لئلا تيأس... وحتى إن سمح له الله بأن يحاربك، لاختبار صدق نيتك، فإنه يجعل الحروب خفيفة، لأن الله يشفق على ضعف المبتدئين... ولكن كلما يسير الإنسان في طريق الروح، فإن الحروب تشتد عليه شيئًا فشيئًا بسبب حسد الشياطين وبسماح من الله الذي يجعل نعمته تكثر لتحمي المؤمن من هجماتهم وتعينه في جهاده... لذلك فالاستمرار في الطريق يكسب الإنسان الاتضاع بالإضافة إلى الخبرة. لأنه كلما يختبر حروب الشياطين العنيفة، يشعر بضعفه أمام الحروب، فيتضع وقد يسقط أحيانًا ويقوم، فيتدرب على الصلاة التي تقيمه، ويشعر أيضًا بشفقته على الذين يسقطون. كما أنه يتدرب على الصبر والاحتمال، كلما يثبت في طريقه الروحي ويستمر على الرغم من كل ضغطات العدو. ويتذكر قول السيد المسيح لتلاميذه: " أنتم الذين معي في تجاربي" (لو22: 28). نعم إنهم ثبتوا، كالبيت المبنى على الصخر، هبت عليه الرياح والأمطار والسيول محاولة أن تجرفه، فلم تستطع، لأنه كان صامدًا مبنيًا على الصخر، مستمرًا في صموده. وبعكس ذلك كان البيت المبني على الرمل، إذ لم يكن له أساس، لم يستمر في بقائه وسقط... ومثال ذلك أيضًا: الزرع الذي لم يكن له أصل، فجف (متى13: 6). |
||||
04 - 01 - 2014, 03:40 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
الإصلاح الداخلي إنسان مثلًا دائمًا يغضب، ويثور، ويعلو صوته، ويسئ إلى غيره، ويفقد أعصابه. يقول لنفسه وهو نادم " لابد أن أدرب نفسي على ترك الغضب". ويبدأ التدريب بالفعل، ولكنه لا يستمر " إذ ليس له أصل". فكيف إذن يتخلص من الغضب، بطريقة يبحث فيها عن الأصل، ويصلحه؟ علية أن يبحث عن أصول هذه الخطية في داخله، ويعالجه. ربما يكون سبب الغضب كبرياء داخلية لا تحتمل كلمة معارضة أو كلمة توجيه أو نقد. ربما يكون السبب حبه للكرامة والمديح، أو رغبته في تنفيذ رأيه أيًا كان أو تنفيذ رغباته. أو قد يكون سبب غضبة كراهية لإنسان ما أصبح لا يحتمل منه كلمة... أيًا كان السبب، عليه أن يعالجه أولًا. وحينئذ يمكنه أن ينجح في تداريبه... إذن علينا باصلاح الأسباب، وليس مجرد الأغراض. مريض ارتفعت درجة حرارته، أيمكنك معالجته بكمادات ثلج، أو بأسبرين Asprin؟! أم يجب البحث عن السبب الذي أدي إلى ارتفاع درجة الحرارة ومعالجته...؟ ربما كان السبب التهابا في اللوز، أو بؤرة صديدية في أحد أعضائه، أو حمى. يحتاج الأمر إلى علاج داخلي، لا تصلح معه المحاولات الخارجية للتخلص من الأعراض... لا يكن إصلاحكم لأنفسكم مجرد إصلاح خارجي، للمظاهر... إنما اصلحوا القلب من الداخل. اصلحوا الأسباب الحقيقية التي تنبع منها الخطية. وحينئذ يمكن لتوبتكم أن تستمر، ويمكن أن تستمر، ويمكن للممارساتكم الروحية أن تستمر، لأن لها أصلًا ثابتًا داخل القلب... وهكذا قال الرب لملاك كنيسة أفسس " اذكر من أين سقطت، وتب" (رؤ2: 5). ولذلك فإن الأبرار سقطوا، يقومون بسرعة. داود سقط، ولكنه قام بسرعة، وبقوة، لأن الأصل من الداخل سليم. وبطرس انكر المسيح، ولكنه بكي بكاءًا مرًا وتاب، وذلك لأن الأصل سليم، القلب من الداخل فيه محبة للرب (يو21: 16). الأخطاء بالنسبة إلى هؤلاء القديسين كانت أخطاء عارضة. أما القلب فهو طاهر من الداخل. ولذلك يمكننا أن نقول عن أخطائهم إنها: كانت خطايا ضعف، وليست أخطاء خيانة للرب. وكان هذا هو الفارق الأساسي بين خطية بطرس وخطية يهوذا. بطرس أخطأ عن ضعف. ويهوذا أخطأ عن خيانة. والذي يخطئ عن ضعف، يقوم بسرعة، كما قيل " الصديق يسقط سبع مرات في اليوم ويقوم" (أم24: 16). إن محبتك لله، هي التى تجعلك تتوب وتستمر في التوبة. أما محبتك للخطية، فإنها تجعلك مهما تبت ترجع إلى الخطية مرة أخري وتستمر فيها. إذن سبب الاستمرار هنا أو هناك، إنما راجع إلى قلبك وإلى أين يتجه... فالذي يجعل الصديقين يقومون، هو القلب الحب لله. وبسبب هذا القلب، مهما سقطوا، فإنهم " يجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور... يمشون ولا يعيون" (اش40: 31). عمقوا جذوركم في الحياة مع الله، مدوها إلى أسفل، قبل أن ترفعوا الجزوع والفروع إلى أعلى. لأن العمق الداخلي هو الذي يسند الارتفاع إلى فوق. مثل راهب يدخل الرهبنة حديثًا. يلح على أب اعترافه لكي يسمح له بأصوام طويلة، بمئات المطانيات، بطقس شديد في الوحدة والصمت... فيقول له أبوه الروحي: انتظر يا أبني حتى نهتم بالداخل أولًا: نضع أساسًا من التواضع والوداعة واللطف في معاملة الناس، والمحبة الحقيقية من نحو الله. وعلى هذا الأساس نبني... اهتم إذن بحياتك كيف تبنيها من الداخل، قبل أن تبنيها من الخارج. تبنيها بالعمق، قبل أن تبنيها بالارتفاع. تبنيها بتصحيح الدوافع، قبل أن تبنيها بتغير المظاهر. لا يكفي فقط أن تترك الخطية، إنما بالأكثر ابحث عن أسبابها وتخلص من هذه الأسباب، حتى لا تقع مرة أخري. فبهذا يمكنك إن تبت أن تستمر في التوبة. فهكذا قال السيد المسيح " اذكر من أين سقطت وتب" (رؤ2: 5). انزع الأشواك التي تحيط بك، حتى إذا زرعك يستمر نموه، ولا تخنقه الأشواك. ادخل إلى أعماقك، ونظف وصحح كل ما فيها... كثيرون يبدأون حياتهم الروحية بالتغصب، وبالضغط على أرادتهم، واجبار النفس أن تسلك في الطريق الروحي. ونحن لا ننتقد هذا، فهو لون من الجهاد الروحي اللازم. ولكن لماذا التغصب؟ لأن المحبة غير موجودة... أنت تغصب نفسك على عمل الفضيلة، لأن محبة الفضيلة ليست موجودة في قلبك. فإن وصلت إلى هذه المحبة، لا يبقى بعد تغصب، بل تمارس الفضيلة بطريقة تلقائية بدون جهاد. ويمكنك أن تستمر فيها بدون خوف من السقوط وأساس هذه المحبة، هو إلى نريد أن نضعه في القلب، لأنه صمام الأمن... إن العربة التي يكون محركها سليمًا، تسير من تلقاء ذاتها، لا تحتاج إلى أناس يدفعونها بأيديهم إلى الأمام. إنما داخلها (موتورها) يحركها... نصيحتي أن تهتم بداخلك، لكي تحيا حياة روحية مستمرة. وإن لم تستطع أن تصل إلى المحبة، اجعل مخافة الله أمام عينيك، وقل مثلما كان يقول إيليا النبي " حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه" (1مل18: 15). وكلما تحارب بخطية، قل لنفسك كما قال يوسف الصديق "كيف أعمل هذا الشر العظيم أخطئ إلى الله؟" (تك39: 9). ولا تكن حياتك الروحية هي مجرد حياة مناسبات. إن كان أسبوع نهضة روحية في الكنيسة، تنهض روحك خلاله، ثم تنجو بعد ذلك. إن كانت هناك مناسبة روحية مثل عيد رأس سنة، أو يوم تناول، أو قداس عيد سيدي، ترتفع رو حياتك ثابتة...! لا يليق أن تكون الأمور هكذا. إنما اجعل إيمانك الداخلي بالحياة مع الله، هو الذي يدفعك باستمرار، في كل يوم، وكل ساعة... وكلما تبدأ صفحة بيضاء، احرص أن تحتفظ ببياضها. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|