|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
آساف المصاب هذه المظاهر الشريرة انتهت بآساف إلى الحالة الشقية التعسة التي وصل إليها في القول: "وكنت مصاباً اليوم كله وتأدبت كل صباح".. لقد أدرك آساف بأن هذه المظاهر الشريرة لابد أن تصيب أحداً، إذ هي غير طبيعية، وغير متفقة مع ناموس العدالة الإلهية، فإذا كان الأشرار: "ومع البشر لا يصابون".. فإن الإصابة بدورها تتحول إلى المؤمنين، وهي إصابة دائمة و متكررة، إذ أنها اليوم كله وتتجدد كل صباح، أو في لغة أخرى: إنها كالمرض المزمن العميق الذي تظهر له مضاعفات متعددة على الدوام،.. مرض المؤمن برؤية الشرير في الأرض،.. عاد هنري دراموند ذات يوم إلى بيته، ووجهه ناطق بالأسى والألم العميق، وإذا سأله أحدهم: هل أنت مريض؟.. أجاب: نعم أنا مريض بالناس وبشرهم وخبثهم وحقدهم وقساوة قلوبهم ووحشيتهم التي لا تنتهي!!.. فما هو نوع المصاب الذي وصل إليه آساف؟ لقد أصيب أولاً بالحسد: "غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار"... ولقد صور واحد من المؤمنين هذه الغيرة في القول: إنه كان شريكاً مع آخر في شركة تجمعهما معاً،... وذات مرة دعاه شريكه إلى عمل آخر، غير أنه رفض إذ أن هذا العمل لا يمكن أن يتم إنجازه مع الاحتفاظ بالمباديء الصحيحة السليمة، وبعد فترة وكان الآخر قد ذهب إلى العمل، وأصاب نجاحاً مادياً كبيراً- فرق بينه وبين شريكه من الوجهة المادية إلى حد بعيد،.. أرسل المؤمن إلى أحد الرعاة يقول له: ها أنا قد تمسكت بالمباديء المسيحية العلمية!!.. ولكن ماذا كانت النتيجة!!؟.. أليست هذه صرخة الكثيرين من أبناء الله، الذين يصابون بالألم العميق، عندما يؤخذ حقهم ليعطي لمن لا يستحق؟، والذين كلما تمسكوا بالحق والشرف والأمانة والصدق، كلما واجهوا السجن والآلام، والتشريد، والمتاعب، وما أشبه؟! كتب أحدهم مقالاً عن ابراهام لنكولن تحت عنوان "الفاشل العظيم" وهو يروي قصة المتاعب التي لاقاها الرجل حتى مصرعه الأخير، نتيجة تمسكه بالمبدأ، ورغبته في عدم التخلي عنه مهما كان الثمن... عندما سقطت الظلمة على عيني ملتون قال له الأطباء: ينبغي أن تكف عن العمل إذا رمت أن تبقى على بصرك، أما هو فأجاب: كلا أن أكون أعمى وأتمم عمل الله وإرادته، خير عندي من أن أبصر بعيداً عن هذا العمل والإرادة،.. قد يفقد الشاب شيئاً ما، كان يمكن أن يحصل عليه، لو سلك السبيل العالمي، وقد يأتيه الشيطان ليهمس في أذنه، والآن ماذا أخذت؟!! وقد يصل إلى النقطة التي وصل إليها آساف: "غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار"... وثمة أمر آخر ضاعف الألم والصعوبة عند الرجل القديم، هو أنه المصاب الذي لم يحصد نتيجة سريعة يمكن أن تعطيه تعويضاً عما ضاع منه أو فاته إلى الدرجة التي اهتزت معها الأسس الدينية عنده: "حقاً قد زكيت قلبي باطلاً وغسلت بالنقاوة يدي"... وإنها مصيبة، وأية مصيبة أن يتقوض في أعماق الإنسان الإحساس الداخلي بقيمة الدين أو فائدته!!... إن مثوبة الحق الأولى والأهم، ليس في أنه يمكن أن يعطي مغنماً مادياً أو أدبياً، بل لأنه أولاً وقبل كل شيء هو الحق، ونقاوة القلب في حد ذاتها هي أهم مكافأة للإنسان حتى ولو عذب أو مات شهيداً،.. لكن المؤمن مع ذلك يعيش منتظراً نتيجة محسوسة لحياته الدينية في مواجهة المتطلبات والمشاكل التي تربطه بالعالم!!.. فإذا أضيف إلى ذلك أن المصاب كان قاسياً وشديداً، لأنه كان مكبوتاً: "لو قلت أحدث هكذا لغدرت بجيل بنيك".. وقد يهون المصاب إذا وجد المتألم أذنا تسمعه أو تعطف عليه،.. لكن آساف تحول إلى مرجل مكبوت شديد الغليان، ولعل مشاعره كانت ذات المشاعر التي أصابت إرميا عندما تحدث إلى الله قائلاً: "قد أقنعتني يا رب فاقتنعت وألححت علي فغلبت. صرت للضحك كل النهار كل واحد استهزأ بي لأني كلما تكلمت صرخت ناديت ظلم واغتصاب لأن كلمة الرب صارت للعار وللسخرية كل النهار فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم أستطع". لم ينجح إرميا في الاحتفاظ بالصمت، والامتناع عن ذكر اسم الله، إذ ملأت النيران قلبه، وحاصرت عظامه، حتى تكلم ونطق،.. وكانت المشكلة بالنسبة لآساف تختلف إلى حد ما، فهو لا يريد أن يتكلم، وعلى وجه الخصوص أمام الشباب، لأنه لو تحدث إليهم عن الشكوك التي تملأ نفسه وصدره، لأجهز على إيمانهم الغض الحديث بالله،.. وقد انتهى الموقف بالنسبة للمصاب أنه أضحى واقفاً على حد الضياع والكارثة، وقد أضحت الطريق أمامه رخوة زلقة، كادت تزل معها قدماه، ولولا قليل لزلقت خطواته،.. لقد أضحى آساف أشبه بالمريض الذي يقف على الخط الفاصل بين الحياة والموت!!.. كان مرضه عميقاً، وكان مرضه خطيراً!!.. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
جسر المشاة bp من أجمل جسور المشاة |
آساف المرنم ابن برخيا | آساف اللاوي المرتل |
آساف |
آساف وتجربته |
آساف |