|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تعرضت هيلين كيلر آدامز وهي في الشهر الخامس من عمرها لمرض حرمها من بصرها وسمعها ومنعها ايضا من الكلام بيد انها بفضل العون الذى قدمته لها استاذتها الآنسة آن سوليفان جون ماسي استطاعت أن تتعلم النطق وهي في سن العاشرة , وبمرور الأعوام عرفت كيف تتخلص من عالم البؤس والصمت إلى عالم السعادة والكلام , وبعد تخرجها بتفوق من كلية رادكليف سنه 1904 انصرفت للقراءة والتأليف وقد مكنتها شهرتها من التنقل عير كثير من يلاد الدنيا حيث لقيت الترحيبوالتكريم من كل رجال الفكر وقد كان في ضمن اليلاد التي زارتها مصر سنه 1952بصحبة سكرتيرتها بلي طمسون وكان كتابها ( قصة حياتي ) The Story of My Life أول ما ألفت ولها : " The World I Live In" و : " The Song of The Stone Wll" و : " The Practice of Optimism" وغيرها عشرات المقالات والكلمات التي توحي بالشكر لله على نعمة الحواس وتدعو إلى استعمالها فيما خلقت من اجله , وإلى التأمل في مقدار ما نملكه من ثروة تشغلنا عنها متاعب الحياة ومشاغلها وقد ترجم كتابها ( قصة كتابها ) إلى العربية الأستاذ أمين موسى قنديل كما ترجم كتابها حول معلمتها الكدتور حسين فوزي النجار . كل واحد منا قرأ اساطير رائعة, عاش ابطالها لحظات معينة تطول احيانا حتى ليخيل إلينا أنها بلغت السنة كاملة, وتقصر احيانا حتى لا تتعدى في اعتبارنا اربعا وعشرين ساعة, بيد أننا نهتم دائما بمعرفة الرغبات التي اختارها هذا البطل أو ذاك ليقضي معها أواخر أيامه أو أواخر ساعاته. اتحدث طبعا عن أولئك الذين لهم نوع من الإختيار وليس عن الآخرين من الذين حكم عليهم أو من الذين ضاقت امامهم الآفاق . إن مثل تلك الأساطير تجعلنا نفكر ماذا يجب علينا أن نفعل لو عشنا نفس تلك الظروف ما الأشياء ؟ ما التجارب ؟ ما الأعمال التي نختار منها في هذه الساعات الأخيرة من حياتنا ؟ ما نوع السرور الذى سننعم به ونحن نعيش هذه الفترات ؟ وما نوع الأسى والأسف الذى سنحسه ؟ لقد فكرت في بعض الأحيان بأن افضل طريق واحسنها هي أن نعيش كل يوم كما لو أننا سنموت غدا وان مثل هذا الشعور منا سيقوي من قيمة الحياة ومتعتها في نظرنا, يجب علينا أن نعيش كل يوم ونحن نقدر تمام التقدير وندرك تمام الإدراك النعم التي تحيط بنا, والتي غالبا ما تفقد قدسيتها عندما يمر أمامنا الزمان في هذا المشهد الدائم الذى يمضي بأيامه وشهوره واعوامه .. أولئك طبعا هم الذين يعيشون دوامة ابيقور المتلخصة في " كل واشرب وامرح " بيد أن اغلب الناس يريدون أن يعيشوا في عذاب, وهم يشعرون بحقيقة الفناء الوشيك . إن البطل المحكوم عليه في مختلف الأساطير كثيرا ما نراه في آخر لحظة يعرب عن طريق لإسعافه من حظ سعيد , لكن الملاحظ أننا في اغلب الأحيان نرى احساسه بقيم الحياة كثيرا ما يتغير, انه يمسي اكثر تقديرا لمعاني الكون واسراره الروحية الدائمة..وفي جل الحالات ترى اولئك الذين عاشوا أو يعيشون في ظلال الموت, وعلى مقربة من شبحه هم الذين يتذوقون لذائذ الظروف التي يحيونها . لكن معظمنا مع كل ذلك يأخذ الحياة على أنها ممنوحة له مخولة. فنحن نفهم أنه لا بد من يوم آت لا محالة نسلم فيه الروح, بيد أننا غالبا ما نتصور أن هذا اليوم بعيد وبعيد جدا !! وعندما نكون في حالة صحية جيدة فإن الموت عندئذ يمسي أمرا غير وارد بتاتا , بل لا يخطر على بالنا إلا عابرا, وهكذا إن الأيام تتعاقب في طريق غير ذي حد, وهكذا ايضا نسير في زحمة اشغالنا الطفيفة الزهيدة عالمين – ولكن بصعوبة – بموقفنا إزاء هذه الحياة . وإن هذا السبات نفسه هو الذى يهيمن علينا فيما اعتقد حتى فيما يتعلق باستعمال حواسنا وطاقاتنا إن الأصم وحده هو الذى يقدر نعمة السمع, وإن الكفيف وحده هو الذى يقدر ضروب السعادة التي تكمن في نعمة البصر. إن هذه الملاحظة تنطبق عمليا على اولئك الذين فقدوا حاسة النظر أو حاسة السمع في حياتهم المبكرة. لكن الذين لم يسبق لهم أن اشتكوا من الحرمان لم يسبق لهم أن فقدوا بصرا أو سمعا اولئك قليلا ما يحسون بعظمة النعمة في الإستفادة من هذه الحاسة المقدسة إن ابصار هؤلاء تقع على كثير من المناظر كما أن اسماعهم تتلقى مخنلف الأصوات, ولكن دون اكتراث ودون امعان , بل وبقليل من التقدير! إنها نفس الكلمة التي تردد: لا يعرف المرء مقدار النعمة إلا عندما يسلب منها ولا يعرف الإنسان مقدار عافيته إلا عندما يكون طريح الفراش. كثيرا ما فكرت في أن هذا الإنسان, أي انسان لو اصيب بفقد بصره أو فقد سمعه لبضعة أيام من بداية حياته الأولى لظل يشعر سرمدا بأريج السعادة الذى يحف به. إن الظلام سيجعله لا محالة اكثر تقديرا للنور الذى يراه صباح مساء وأن الصمم المطبق سيعلمه دون شك متعة وقع الصوت على مسمعه . لقد كان يلذ لي احيانا أن اسأل رفاقي الذين يبصرون لأعرف عن بعض ما كانوا يرون وقد تقبلت في هذه الأيام زيارة صديقة من اهم صديقاتي كانت قد رجعت منذ قليل من جولة طويلة في احدى الغابات المجاورة, سألتها ماذا رأت؟ وماذا لاحظت؟ فكان جوابها بالحرف : " لا شيء يستحق الذكر!" ولو أنني أنني لم اكن معتادة مثل هذا الجواب لداخلني الشك فيما سمعت لقد اقتنعت منذ زمن بعيد أن هؤلاء الذين يبصرون لا يرون إلا قليلا قلت في نفسي: كيف يكون من الممكن أن يتجول المرء لمدة ساعة من الزمن بين منعطفات الغاب ولا يرى شيئا يستحق الذكر!؟ أنا التي لا استطيع أن ابصر شيئا اكتشفت مئات الأشياء التي تهيمن من خلال اللمس العابر اشعر – وأنا ألمس – بالتناسق اللطيف الذى اجده بين اوراق الشجر, أمر بيدي اتحسس هذا الأديم الناعم الذى يلف بعض الأشجار الفتية, بل حتى هذا اللحاء الأشعث الخشن الذى يكسو الصنوبر .. وفي فصل الربيع أتلمس الغصون وفروع الشجر وكلي امل في البحث عن البراعم عن الطلائع الأولى للطبيعة اليقظة بعد سباتها العميق في فصل الخريف. احس بالبهجة والنعومة وانا اربت على الزهور, واكتشف ما في طيات هذه الورود من جمال هناك تظهر لي معجزة الطبيعة في احلى مظاهرها..ومن وقت لآخر – اذا ما اسعدني الحظ – اضع يدي بلطف وتؤدة على شجرة صغيرة لأتحسس الرعشات المنعشة التي تنبعث من طائر وهو في أوج سروره , سأكون سعيدة عندما اشعر – من خلال اصابعي المتفتحة – ببرودة المياه المتدفقة في الجداول, بالنسبة إلي فإن فراشا ناعما من أوراق الصنوبر المتناثرة, أو مع الربيع الإسفنجي احب إلي من أروع بساط حتى لو كان فارسيا, وبالنسبة إلي فإن مشاهدة تدرج الطبيعة من فصل إلى فصل تٌعد عندي رواية تمثيلية أخاذة غير ذات نهاية, أتنعم بها من خلال تلمس أناملي يصرخ قلبي من اعماقه في بعض الأحيان وفي شوق متزايد ليشاهد هذه الأشياء واذا استطعت أن احصل على متعة مثل هذه بمجرد لمس عابر فأي جمال وأي بهاء أشعر به وانا ارى ذلك رؤيا عين إن أولئك الذين يتوفرون على عيون لا يبصرون فعلا كما يجب, إن المنظر الشامل لمختلف الألوان ومختلف الحركات التي يزدان بها هذا الكون, كل ذلك يلاحظه معظم الناس دون ادني تفكير قد يكون من الإنسانية أن نقدر قليلا الأشياء التي تحت تصرفنا وأن نتوق إلى الأشياء التي ليست في متناولنا بيد أنه مما يدعوا إلى الإشفاق الكبير في عالم التور ان نلاحظ أن حاسة البصر تعد لدينا أداة زهيدة فقط قبل أن تٌعد وسيلة تضفي على الحياة الكمال والجمال . لو كنت رئيسة جامعة لكان علي أن أفرض مادة اجبارية حول موضوع : ( كيف تستفيد من عيونك ؟ ) يكون على الإستاذ في هذه المادة أن يحاول افهام طلبته الوسائل التي تمكنهم من أن يضاعفوا المتع التي تزدان بها حياتهم عن طريق الرؤية الحقيقية للأشياء التي تمر امامهم , أن يعيروها ادنى اهتمام نعم يكون عليه أن يحاول ايقاظ طاقة طلابه وبعثها من نومها وفتورها. اعتقد أنه من الممكن أن ارسم على سبيل التخيل ماذا يكون علي أن ارى لو أنني وهبت نعمة البصر فقط لمدة ثلاثة أيام ..فحاولوا أ ن تشاركوني في هذا الخيال كذلك..ركزوا تفكيركم فيما اقول وأنا احاول معكم أن نجد استعمالا للزمن طوال هذه الأيام الثلاثة التي سنبصر فيها بأم عيوننا نحن.. عندما تشعر بأن الليلة الثالثة ستحمل معها اقتراب عودة الظلمة الدائمة, وعندما تشعر بأن الشمس سوف لا تعود ابدا للظهور مرة اخرى, كيف تقضي تلك الأيام الثلاثة الثمينة المحددة المزدحمة؟ ماذا ستختار أن يقع بصرك عليه ؟ سأختار أنا طبعا أن ارى اكثر الأشياء التي اصبحت عزيزة علي طوال السنوات المظلمة التي عشتها وانتم كذلك ولا شك ستفضلون أن تتركوا لعيونكم الحرية الكاملة لتقع على الأشياء التي امست محببة لديكم , وذلك حتى تستطيعوا أن تحتفظوا لأنفسكم بذكراها في الليل البهيم الذى يعترض طريقكم. نعم اذا ما منحت بقدرة قادر فرصة النظر لمدة ثلاثة أيام اكون بعدها مهددة بانتكاسه تسلمني إلى الظلام الدائم , آنذاك سأوزع هذه الفترة من حياتي على ثلاث مراحل : في اليوم الأول سيكون أول ما اقوم به هو رؤية هؤلاء الناس الذين جعلوا من حياتي شيئا يستحق الذكر بفضل عطفهم ولطفهم واخلاصهم, أولا سيكون علي أن أنعم النظر طويلا في محيا عزيزتي واستاذتي الآنسة سوليفان ماسي التي وردت علي ذات يوم أنا ما ازال طفلة وفتحت أمامي هذا العالم الجديد.. لا اريد أن تكون رؤياي عابرة تقتصر على تلمح الخطوط البارزة لأسارير وجهها من اجل الإحتفاظ بذكراها في مخيلتي فقط, ولكني اريد أن ادرس ذلك الوجه درسا, لأقرأ فيه الشاهد الجلي على ذلك العطف والود والصبر الذى كانت تتحلى به, وهي تقوم لأداء مهمتها الشاقة من أجل تربيتي وتعليمي. أريد أن ارى عيونها المليئة بالعزم والقوة التي جعلتها تقف وقفة شهم حازم أمام سائر المصاعب.. عيونها المليئة بالرحمة والشفقة بجميع أفراد الإنسان ! لا اعرف ماذا سأراه في اعماق قلب صديقة من حلال العين: " نافذة الإنسان " كنت استطيع أن " ارى" بواسطة أناملي واصابعي فقط , الملامح المتجسدة لوجه من الوجوه, استطيع أن اكتشف الفرح والحزن وسائر الإنفعالات الظاهرة..اعرف صديقاتي واصدقائي عن طريق لمس وجوههم لكني لا اقدر حقيقة أن ارسم صورة في مخيلتي لأشخاصهم عن طريق مجرد اللمس اعرف شخصياتهم طبعا من خلال " الوسائل الأخرى" من خلال الأفكار التي يعبرون لي عنها, من خلال اعمالهم وتصرفاتهم مهما كانت.. ومع ذلك فإنني محرومة من النفوذ إلى اعماقهم, ذلك النفوذ الذى يتم دون شك عن طريق النظر لوجوههم عن طريق ملاحظة ردود الفعل التي يقابلون بها مختلف النظريات التي يسمعونها أو الظروف والملابسات التي تمر بهم عن طريق التفاعلات والإحساسات المباشرة والعابرة التي تتحلى من العيون وملامح الوجوه . اعرف جيدا الصديقات اللاتي يترددن علي لأنهم ظللن عبر الشهور والأعوام, يشخصن أمامي في شتى المظاهر بيد أن الزملاء العابرين ليس لي منهم إلا بعض الإنطباعات الناقصة انطباعات توفرت عليها عن طريق احتضان أو سلام ,عن طريق بعض الكلمات التي ألتقطها من بين شفاههن, بمساعدة أناملي أو ببعض الكلمات التي ينقرن بها على راحة يدي. كم سيكون سهلا وكم سيكون من بواعث الإرتياح بالنسبة إليكم. انتم الذين تستطيعون أن تبصروا بعيونكم وأن تدركوا بكل سرعة الصفة الأساسية لأشخاص الآخرين بمجرد رؤية الحركات التي تصحب التعبير عادة بمجرد رؤية اهتزاز الأطراف بمجرد اشارات اليد.. ولكن هل خطر مرة ببالكم أن تستعملوا بصركم لتنفذوا به إلى الطباع الداخلية لصديق لكم أو لرفيق ؟ أليس معظمكم – أيها الذين تبصرون – إنما تدركون عن طريق الصدفة فقط معالم الوجوه وقسماتها ثم تتركون ذلك يمر كأنه لا يعني ..؟ ولأضرب مثلا ادق , اسألكم هذا السؤال: هل تستطيعون أن تصفوا بدقة وجوه خمسة من الأصدقاء الذين تعرفونهم جيدا؟ بعضكم ربما قدر على ذلك لكن عددا كبيرا منكم لا يستطيع.. وكتجربة خاصة قمت بها انا..اذكر أنني سألت بعض الأزواج ممن عاشروا زوجاتهم طويلا عن اللون الذى تمتاز عيون زوجاتهم .. وفي اغلب الأحيان عبروا لي عن خجلهم وارتباكهم.. واعترفوا بأنهم لا يعرفون حقا ألوان عيون زوجاتهم ! ولهذا اتذكر بهذه المناسبة أن كثيرا من الزوجات لا يفتأن رافعات عقيرتهن بالشكوى من ازواج لهن لا يولون اهتمام لما يطرأ على البيت من ترتيبات طارئة.. إن عيون هؤلاء الذين يبصرون لا تلبث أن تعتاد رؤية الأشياء ولا تلبث أن تصبح تلك الأشياء التي تجري من حواليهم رتيبة مبتذلة والناس لا يعيرون عادة اهتمامهم إلا لبداية الأمور أو للغريب غير العادي منها, على أنه مع كل هذا ففي غلب الأمور التي تستحق المشاهدة نلاحظ أن العيون تمسي كسلانة لا تتحمل استجلاء وهناك حقيقة ينبغي أن تسترعي اهتمامنا هي أن مجالس القضاء والمحاكم تكشف كل يوم عن خطأ الذين يتقدمون إليها على أنهم " شهود عيان" فعلا هناك عدد من الحوادث يشاهد على عدة طرق تبعا للأداء المختلف لشاهدي العيان ! احدهم تكون ملاحظته اقوى من الآخر لكن القليل من الناس هو الذى يري كل شيء يدخل تحت مجال بصره . آه ... ما اكثر الأشياء التي علي أن ازورها لو توفرت لدي حاسة البصر لمدة ثلاثة ايام فقط . نعم سيكون اليوم الأول من اكثرها ازدحاما في العمل .وسيكون علي أن ادعوا اصدقائي واعزائي لأتملى من النظر إلى طويلا, وذلك لأطبع على مخيلتي المشاهد الظاهرة للجمال الذى يعلوهم سيكون علي أن اترك الفرصة لعيوني كيما تأخذ راحتها في النظر العميق إلى وجه طفل من الأطفال وذلك لآخذ فكرة عن الجمال الصاعد البرئ الذى يتقدم على مرحلة شعور الشخص بما ينتظره في الحياة من صراع ونزاع.وكذلك فإن مما اضطرني دون شك أن احدق بإمعان في عيون كلابي الوديعة الأمينة الصغيرة اللذين يمتازان بجديتهما وذكائهما.. وكذلك كانت لي نعم العزاء ونعم السلوى بملمسهما الناعم وصداقتهما الوفية. في هذا اليوم الأول المليء بالأشغال سيكون علي أن ارى هذه الأشياء البسيطة الصغيرة التي يضمها بيتي, اريد أن ارى هذه الألوان الدافئة التي تتوفر عليها هذه الزرابي التي اطؤها بقدمي هذه الصور التي تزدان بها الجدران نعم هذه الأشياء الزهيدة والمحببة في الوقت ذاته التي تحول البناء من مجرد بناء إلى حيث يمسي بيتا نأوي إليه ونشعر بالحنان نحوه إن عيوني ستتركز بإجلال على هذه الكتب بحروفها البارزة التي مرت بها قراءة منذ زمن ستكون عندي اكثر حظوة واعتناء من تلك الكتب المطبوعة التي اعتادها المبصرون إن جميع تلك الكتب سواء منها التي قرأت بنفسي أم التي تليت علي أقامت أمام مخيلتي طوال الليل الذى صحبني في حياتي اقامت الفجوات العميقة للحياة الإنسانية , وللفكر الإنساني . وفيما بعد ظهر اليوم الأول من هذه الأيام المبصرة الثلاثة, سيكون من برنامجي أن اقوم بجولة طويلة داخل الغاب لأني اريد لعيوني أن تسكر أن تغيب في جمال الطبيعة في محاولة من اجل أن استوعب – في اوقات قليلة جدا – هذا البهاء العظيم الذى يعرض نفسه باستمرار على اولئك الآخرين الذين يتوفرون على حاسة النظر ..وفي طريقي إلى بيتي من الضيعات , حتى يتسنى لي أن اشاهد بعيني الجياد الكادحة التي تشق الأرض بمحراثها , أو اشاهد فقط جرارا من تلك الجرارات , واقف بعين رأسي على أولئك الرجال الذين يفترشون الغبراء في هدوء وايمان وفناعة , وهناك سأقوم بأداء صلاة الشكر أمام هذا الرواء الذى يتجلى في ألوان الشمس عند مغربها. وعندما يخيم الظلام هناك ايضا سيكون في متناولي أن استمتع بالمتعة المزدوجة عندما يكون في استطاعتي أن ارى ايضا ,عن طريق النور الصناعي الذى شاءت عبقرية الإنسان أن تبتكره حتى يمدد في أمد الضوء , في الوقت الذي تحكم الطبيعة فيه على الناس بالظلام ! وعند الليلة الأولى من هذا اليوم أيامي الناظرة سوف لا يجد النوم سبيلا إلى عيوني, لأن ذكريات الساعات الماضية ستزدحم على مخيلتي وفي اليوم التالي , اعني اليوم الثاني من أيام النور سأستيقظ مع الفجر لأرى تلك المعجزة الهائلة: معجزة انسلاخ الليل عن النهار وتحول الطبيعة مع عالم مطبق إلى مشرق, سأقف باجلال وخشوع أمام هذا المنظر البديع الرائع للشمس وهي تنتشر على الأرض توقظ من سبات المنام. وسأخصص هذا اليوم لشيء آخر.. إني اريد أن آخذ لمحة سريعة عن هذا العالم, ماضيه وحاضره سيكون عليِ أن أقف على مظاهر تقدم الإنسان وعلى الآثار التي تعبر عن مختلف العصور.. لكن كيف استطيع أن اضغط كل هذا في يوم واحد ؟ من خلال المتاحف طبعا.. لقد سبق لي أن زرت في اكثر الأحيان متحف نيويورك للتاريخ الطبيعي لألمس بيدي كثيرا من الأشياء المعروضة هناك , بيد أني كنت اتوق لأرى هذا بعيوني أنا تاريخ الدنيا المتشابك المتكاتف بما فيه من أولئك الذين كانوا يعيشون هاتيك العصور اجناس بشرية حيوانات نحتت أو صورت في بيئتها الأولى وشكلها الأصلي , سأرى الجثث الهائلة لحيوانات زاحفة انقرضت الآن كالديناصور التي جابت هذه الأرض قبل أن يظهر الإنسان بقوامه الصغير وعقله الكبير ليفتح مملكة الحيوانات تلك معارض واقعية لمظاهر التدرج والإرتقاء بالنسبة للحيوانات وبالنسبة للإنسان وبالنسبة كذلك للأدوات والعدد التي استخدمها الإنسان من اجل أن يجد لنفسه حياة آمنة على ظهر هذا الكوكب..وألف مظهر ومظهر للتاريخ الطبيعي كم يا ترى عدد قراء هذه الأشياء من الذين تنبهوا لضرورة مشاهدة هذه المعالم الموسومة الحية في ذلك المتحف الملهم بكل معاني الحياة ؟ كثير منهم بطبيعة الحال لم تكن لديه الفرصة ليطبق ما يشاهد على ما يدرس , على أنني متأكدة من أن كثيرا من أولئك الذين سنحت لهم الفرصة لم يستعملوا ابصارهم كما يجب ..هناك في تلك المتاحف يوجد بكل تأكيد المكان الذى يستحق من المرء أن يستعمل بصره .. انت الذى ترى يمكنك ان تقضي اياما منتجة هناك , أما أنا في هذه المرحلة الخيالية التي لا تتجاوز ثلاثة أيام من عمري فلن استطيع أن احظى بأكثر من لمحة عابرة ثم أغدو إلى ليلي الحالك . وستكون وقفتي التالية في متحف العاصمة للفن, وكما كشف المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي عن مختلف المظاهر المادية لهذا العالم فإن متحف العاصمة يكشف لنا عن العديد من حقائق الفكرالإنساني . فمن خلال تاريخ الإنسانية نرى أن حااجة إلى التعبير الفني كانت من الضرورة بحيث تضاهي الحاجة للطعام , إلى المأوى , إلى الأولاد..هناك في تلك الغرف الفسيحة الأرجاء من متحف العاصمة تنتصب أمامي حياة مصر واليونان وروما متجلية في فنونها. كنت أعرف جيدا عن طريق اللمس الهياكل المنحوتة, وقد اخذت صورة عن هيكل بارثيون – هيكل الآلهة أثينا في اكروبوليس أثينا كما يزعم - وادركت الجمال البديع الذى كان طابع المحاربين اليونانيين الأمناء : أي أبولو إله الجمال, وفيتيس ربه العشق, وتمثال النصر المجنح في ساموتراس , كل هذه صديقة لأناملي , كانت قسمات وجه الشاعر اليوناني هوميروس – شاعر اعمى صاحب ملحمتي الإلياذة والأوديسا - بلحيته واساريره كانت عزيزة على ملمسي, إنه هو كذلك كان اعمى, كانت يدي تجد راحتها وهي تلمس الرخام اليوناني المنقوش تماما كما ألمس نحت الأجيال المتأخرة.. قد مررت بيدي على لوحة جبسية من صنع النحات الإيطالي مايكل انجلو للنبي موسى, واركت عبقرية النحات الفرنسي رودان – اشهر اعماله تمثال المفكر - لقد ظللت معجبة بإبداع الفكر المتجلي في النحت الخشبي القوطي إن هذه الفنون التي يمكن لمسها لها معان خاصة بالنسبة إلي بيد أن معانيها وهي مرئية افضل منها وهي ملموسة. استطيع فقط أن اصل عن طريق الحدس والتخمين إلى الجمال الذى تظل بقاياه وملامحه غائبة عني استطيع أن ابدي اعجابي بالخطوط البارزة التي تزين زهرية من الزهريات الإغريقية بيد أن الزخارف المرسومة تظل بالنسبة إلي مفقودة . نعم هكذا سأقضي ثاني يوم من أيام نوري, سيكون علي أن انفذ إلى اعماق الروح الإنساني من خلال ما خلفه ذلك الإنسان من فنون. إن الأشياء التي اعرفها عن طريق اللمس يجب علي اليوم أن اراها رؤيا العين.. هذه الروعة الكاملة التي يتوفر عليها عالم الرسم, ينبغي أن تتفتح أمامي في ابهى مظاهرها, من العهود الإيطالية الأولى بمظهرها الديني الهادي إلى العصور الحاضرة بمظاهرها المحمومة المضطربة.. سيكون علي إن انظر بإمعان إلى الصور على القماش والتي هي من عمل رفاييل وليوناردو دافنشي , تيتانم ,رمبرانت , سأقدم لعيوني عيدا عندما لها بأن تقف قليلا أمام اللون الدافئ لفيرونيز , وبأن تدرس اسرار الكريكو, وبان تكتسب نظرة للطبيعة من كوروت آه هناك كثير من المعاني الثرية, ومن الجمال البديع في شتى الفنون التي تمثل مختلف العصور بالنسبة إليك انت الذى تنعم بعيونك تستطيع أن ترى بها كلما اردت ذلك . وبعد هذه الزيارة القصيرة لمتحف الفن هذا سوف لا استطيع أن اعيد النظر إلى جانب واحد من هذا العالم العظيم, من عالم الفن الذى بظل في متناولكم انتم كل وقت وحين.. سأستطيع فقط أن احصل على بعض الإرتسامات السطحية.. عدد من الفنانين يذكرون لي أن تقدير الفن العميق الصحيح من شأنه أن يعمل على تربية حاسة النظر. إن المرء عن طريق تجربته يعرف كيف يقدر الكفاءات يتعلم عن طريق التجربة وامعان النظر كيف يزن الأمور ويتأمل الإمكانات وابعاد الخطوط وترتيبها واشكالها وألوانها.. لو كانت لي عيون كم اكون سعيدة الحظ أن اتعاطى دراسة جذابة من هذا التنوع. يحكي لي دائما عن عدد من الناس من بينكم – ايها الذين تبصرون – لا يهتم بعالم الفنون هذا, وأنه بالنسبة إليكم يظل عالما مجهولا بل ليلا مظلما.. فهو – أي ذلك العالم – لا يري النور ولا يحظى بمن يحاول اكتشافه . سأترك متحف العاصمة وأنا اشعر بمرارة ما عليها من مزيد. فقد كنت افضل أن اظل هنا بجانب " المفتاح " الذى يحتضن انواع الجمال , الجمال الضائع المهمل.. نعم إن هؤلاء الذين بيصرون لا اراهم في حاجة إلى متحف من هذا النوع يبحثون فيه عن مفتاح الجمال ذلك , إن هذا المفتاح يظل منتظرا على الأبواب, فهناك متاحف صغيرة تمثل في تلك الكتب التي تضمها رفوف المكاتب, لكني بطبيعة الحال وفي هذا الوقت المحدد من أيام " رؤيتي الخيالية " ملزمة أن اختار المكان الذى يوجد فيه المفتاح الذى يكشف لي عن اعظم كنز واثمنه وفي اقصر وقت ممكن كذلك . وفي مساء اليوم الثاني من ايام النور سيكون علي أن اقضيه في مسرح أو سينما.. لقد حضرت إلى الآن طائفة من التمثيليات المسرحية من كل نوع وشكل , بيد ن حركة الممثلين إنما كانت نهجى لي من طرف رفيقتي ..لهذا فكم اكون سعيدة أن ارى اليوم عن طريق عيوني وانا دون حاجة إلى ترجمان شخص "هاملت" الفاتن و"فالستاف" العاصف بين الزخارف الملونة لإليزابيث, وكم اكون سعيدة أن اتتبع سائر حركات هامليت الرشيق القد وسائر اطراف فالستاف القوى الجسم سأشاهد فقط تمثيليه واحدة , وسيكون علي أن اجابه عددا من المفاجآت بما في ذلك الإشارات الفنية التي ارغب في أن أراها بعيني.. انتم الذين لكم عيون يكون في متناولكم أن تروا أي شيء يروقكم مهما تريدون, فكم منكم ياترى عندما يقع بصره على تمثيلية في مسرح أو رواية في سينما أو ألعوبة كم منكم يزجي آيات شكره وتقديره لمعجزة البصر التي ينعم بها والتي تجعله قادرا على أن يستمع بلونها وحسنها وحركتها؟ لا استطيع أن اتمتع بجمال الحركات الإيقاعية, وكل ما كنت استطيعه في دائرتي الضيقة هو أن ألمس بيدي.. كل ما كان بمقدوري أن لتخيل, ولكن في غموض فقط جمال " بافلوفا " – راقصة روسية - ومع ذلك أعرف بعض الأشياء البهيجة في ايقاعها وهي تنساب من تحت قدمي على وجه الأرض أتصور جدا أن حركة ايقاع النغم يعتبر من اجمل المناظر في العالم واستطيع كذلك أن ادرك بعض الأشياء عن طريق التحسس بأناملي عن السطور المنقوشة, فإذا كان هذا الجمال الهادئ محببا إلى الناس فكيف يمكن أن نتصور الإبتهاج الذى يتملكنا ونحن نرى هذا الجمال الصاخب أمام ابصارنا ؟ ولا انسى احدى الذكريات العزيزة علي يوم أذن لي الممثل الأمريكي جوزيف جيفرسون فسمح لي بلمس وجه ويديه عندما كان يقوم ببعض الحركات ويلقي بعض الكلمات من قصته المحببة لدى الشعب الأمريكي " ريب فان وينكل "لقد استطعت فقط أن ادرك بعض الملامح عن عالم القصة لكنها كانت تافهة, وسوف لا انسى ابدا تلك المتعة التي شعرت بها في تلك اللحظات ومع ذلك فكم هي الأشياء التي ضاعت مني وكم هي المتعة الفائقة بالنسبة للذين يرون والذين يمكنهم أن يقتبسوا عن طريق ابصارهم ومسامعهم الكلمات والحركات المتبادلة بين الفنانين وفي تمثيلية ما . لو استطعت أن ارى يوما واحدا فقط سأعرف كيف ارسم في ذاكرتي مشاهد لآلاف التمثيليات من التي قرأتها أو التي تقلت لير عن طريق الحروف الهجائية.. وهكذا فإنه في هذا المساء من يومي الثاني لرؤيتي الخيالية فإن الرسوم والخطوط العريضة للأدب الدراماتيكي ستزيح النوم عن بصري .. وفي الصياح التالي لابد لي ايضا أن استيقظ مع الفجر لأنني ارغب في أن اظل على موعد مع اكتشاف المتعة الرائعة التي تتجلى في مطالع الشمس.. إنه من الجدير بأولئك الذين لهم عيون تبصر حقيقة أن يتخذوا من اغنية الفجر ومشهد الفجر كل يوم وبكيفية دائمة يحتفلون فيها باستقبال هذا الجمال المتجدد..! إن هذا اليوم سيكون في برنامج رؤياي المتخيلة هو اليوم الثالث والأخير من ايامي.. سوف لا يكون لدي وقت اضيعه في التأسف والتمني, هناك كثير من الأشياء التي ما تزال تستحق الرؤية.. لقد خصصت اليوم الأول لصديقاتي واصدقائي سواء منهم الحيوانات والجمادات بينما كشف لي اليوم الثاني عن تاريخ الإنسان وتاريخ الطبيعة..أما هذا اليوم سأقضيه في هذا العالم المتحرك المشتغل, عالم الحاضر بين ديار الناس ومتاجرهم, يغدون ويروحون لمشاغلهم في الحياة, واين يجد المرء هنا مكانا يحتوي على اكبر قسط من النشاط والحركة كما يجده في نيويورك ؟ ولهذا فإني اتجه شطر هذه المدينة في يومي هذا. سأبدأ انطلاقاتي من بيتي بالضاحية الهادئة الصغيرة ( فوريست هيلس ) لونغ ايلاند, هنا حيث الحشائش الخضراء والأشجار والزهور وحيث تنصب بيوت أنيقة جميلة حيث اشعر بالسعادة مع الأصوات والحركات التي تنبعث من جماعات السيدات والأطفال, حيث ينعم الرجال بالراحة المطلقة بعد رجوعهم من عنائهم المتتابع بالمدينة.. سأخترق هذه المجموعة من الأبنية المتراصة من الفولاذ التي تكون جسرا غرب الوادي, وهناك سأشعر ببداية جديدة لمشاهدة القوة والعبقرية اللتين يتوفر عليهما هذا الإنسان. سيقع بصري على هذا المراكب الراسية هنا.. وفيها ما ينهمك اصحابه في الشغل المتواصل به..هناك سفن اخرى نزمجر في محاولة للقيام ببعض الحركات..لو كانت لدي أيام اخرى طويلة ما تزال تنتظرني لكنت اقضي منها نصيبا في تتبع هذا النشاط الرائع الذى يجري حوالي الوادي .ارى أمامي ذات اليمين وذات الشمال, تنتصب المنارات الغربية, ناطحات السحاب التي عرفت بها مدينة نيويورك, المدينة التي يظهر انها انحدرت من صفحات تاريخ مهول.. ما اعظمه من مشهد مثير مرعب يتجلى في هذه البروج اللامعة! في هذه المصارف الرحبة الواسعة الأرجاء المشيدة بالصخور والفولاذ.. بنايات يخيل إليك أنها من صنع جن بنوها من أجل انفسهم هم.. وهذه الصورة الحية هي جانب من جانب حياة ملايين الأشخاص كل مطلع شمس.. كم هو يا ترى عدد الذين يعطونها اكثر من نظرة ثانية! إنهم قليلون فيما ارى إن عيونهم عمياء عن هذه المناظر الرائعة لأنها بالنسبة إليهم أمست أمرا عاديا لا يحتاج لإعادة نظر سأدير الخطى لأصل إلى قمة احدى هذه البنايات الشاهقة الضخمة بناية إمباير ستيت لقد كنت في أوقات قصيرة خلت " رأيت " مدينة نيويورك ولكن من خلال عيون كاتبتي الخاصة..أما الآن فإني في اشد الشوق لأقارن بين الخيال وبين الحقيقة الواقعة في أني متأكدة من أنني سوف لا اشعر باكتشاف مطلقا وأنا هذه المباني المتناثرة أمامي سيكون هذا بالنسبة لي مشهدا من عالم آخر..والآن سأشرع في تجولاتي عبر المدينة بعد أن اخذت فكرة عنها من فوق أعلى بناية بناية, وفي بادئ الأمر سأقف في زاوية جد مزدحمة من المدينة يقصدها على الخصوص جمهور الناس وذلك لأحاول عن طريق النظر إليهم معرفة بعض الأشياء عن حياتهم وارى البسمات تعلوا الوجوه وأنا بعض مسرورة, وأرى العز والنشاط بشع من عيون الناس وأنا جد معتزة, وارى كذلك العذاب والعناء وأنا مشفقة. سأتجول في شارع " فيفث أفنيو" وسأسلط نظراتي على النقاط التي يتجمع فيها النور وذلك لأتمكن ليس فقط من رؤية الأشياء الخاصة ولكن فقط لمشاهدة الألوان الزاهية, إني متأكدة من أن هذه الألوان التي تمتاز بها ملابس النساء اللائي يسرن في هذه المواكب المتراصة.. إن هذه الألوان نمثل وحدها مشهدا بديعا لا اشكو منه التعب أبدا بيد أنه من الممكن – اذا كان لي بصر – أن اكون مثل أولئك النساء الأخريات مهتمة ايضا بالأشكال والأزياء التي تثير انتباه العامة اكثر لجمالها وبهائها..ولأني مفتنعة كذلك بأن علي أن لقف أمام احدى واجهات المتاجر لأرى من خلال النوافذ..سأشعر يمتعة زائدة وعيوني تطوف بين آلاف الأصناف الجميلة المعروضة. ومن شارع فيفث أفينيو سأطوف على المدينة " بارك افينيو" عبر الأحياء الشعبية, عبر المعاقل وعبر الحدائق التي يقصدها الأطفال للتلهي, وسأقف قليلا لأزور الأحياء الأجنبية.. وفي كل هذه التحركات ستكون عيوني مفتوحة على مصراعيها كما يجب وعلى كل المناظر التي تقع عليها عيوني , سواء منها الجميل والردسء , وذلك لأتمكن من النظر بعمق لأضيف إلى إلى معلوماتي شيئا حول الطريقة التي يعيش عليها الناس ويشتغلون إن قلبي مليء بالصور: صور الأشخاص وصور الأشياء ايضا.. وعيوني تمر دون ترو متغاضية عن الأمور الزهيدة إنها تكد وتجاهد من اجل أن نلتقط معها وفي انتباه ويقظة كل شيء تقع عليه, هناك بعض المناظر مما يدخل السرور على القلب بل مما يملأه انشراحا وغبطة, لكن بعض المشاهد محزن فعلا.. وبالنسبة إلى هذه أيضا فإني لا اغمض عيني عنها كذلك, لأنها في نظري تمثل جانبا من جوانب الحياة, واعتقد أن صرف العيون عن مثل هذه المشاهد, ولو انها محزنة هو بالذات اغلاق للقلب واغلاق للفكر . إن يومي الثالث من أيام البصر يقترب من نهايته ومن الممكن أن يكون هناك عدد من الأشياء الجدية التي تقتضي مني تخصيص بعض الساعات الباقية لرؤيتها بيد أني اعتقد أن مساء هذا اليوم الأخير يجب علي أن اقصد فيه ايضا إلى المسرح حيث انعم برؤية تمثيلية هزلية مضحكة وذلك ليتسنى لي أن آخذ فكرة عن واقع الكوميديا في الفكر الإنساني . وعند منتصف الليل تكون الرخصة المؤقتة التي قضيتها بعيدا عن ظلمتي قد اخذت نهايتها, ويحل الليل البهيم الدائم من جديد ليخيم في ساحتي مرة اخرى, وبالطبع لم أر في هذه الأيام الثلاثة القصيرة كل ما كنت اريد أن اراه, وعندما ينيخ الظلام بكلكله علي, هناك سأعرف كم هي الأشياء الكثيرة التي تركتها واغفلتها دون أن اتمكن من رؤيتها بيد أن ذاكرتي ستزدحم بالذكريات المشوقة التي احتفظ بها منذ ذلك الوقت القصير الذى لآسف على فراقه, ومنذ هذا الوقت فإن لمس أي شيء سيحمل معه ذكرى حية عن حقيقة ذلك الشيء ربما يكون هذا العرض الوجيز عن استعمال الزمن طوال هذه الأيام الثلاثة من أيامي المبصرة أقول ربما لا يتفق مع المنهاج الذى قد تختارونه لأنفسكم لو كنتم مكاني, ولكني مع ذلك متأكدة من انكم اذا واجهتم هذا القضاء فإن عيونكم ستفتح أمام الأشياء التي لم تروها من قبل مدخرين ذكرياتكم إلى الليل الطويل العريض الذى ينتظركم.. كل شيء رأيتموه سابقا يمسي بالنسبة إليكم عزيزا.. ينبغي أن ترى عيونكم كل شيء يدخل في دائرة عملكم.. عليكم أن تبصروا حقيقة الأشياء إنكم إن فعلتم ستشعرون بأن عالما جديدا من الجمال يكشف نفسه أمامكم.. أستطيع – أنا الكفيفة – أن اعطي اشارة فريدة لأولئك الذين يبصرون أعطيهم عظة وتنبيها لأولئك الذين يرغبون في أن يستغلوا هذه النعمة : نعمة البصر استفيدوا من عيونكم كما لو كنتم مهددين غدا بافتقاد هذه النعمة.. ولأن نفس النصح ينبغي تطبيقه على سائر الحواس الأخرى : استمعوا إلى الصوت الجميل , إلى هزيج الطير إلى نغمات الموسيقى كما لو كنتم غدا ستصابون بالصمم.. إلمسوا كل ما يستحق منكم اللمس.. تنسموا أريج الزهور وعبير العطور, تذوقوا لذة كل طعام سائغ لذيذ تتناولونه كما لو انكم ستفقدون غدا حاسة الشم والذوق.. تمتعوا بكل مظاهر الجمال التي تتفتح أمامكم في هذه الدنيا على شتى الأشكال ومختلف.. التي تتقدم إليكم بها الطبيعة الخلابة.. إن كل هذه الحواس هبه تستحق الشكر بيد أن نور البصر يعتبر من أجمل وأروع ما يدخل البهجة إلى النفوس !.. |
20 - 05 - 2013, 09:42 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: ماذا تفعل الأسطورة(هيلين كيلر) لو أبصرت ثلاثة أيام؟
موضوع رائع
واقوال جميلة اوى ميرسى استاذ ناصر ربنا يباركك |
||||
22 - 05 - 2013, 02:07 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: ماذا تفعل الأسطورة(هيلين كيلر) لو أبصرت ثلاثة أيام؟
ميرسى راندا على المشاركة الغالية والكلمات المشجعة
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
موت هيلين كيلر |
هيلين كيلر |
هيلين كيلر |
آن سوليفان-معلمة الأسطورة(هيلين كيلر) |
الأسطورة(هيلين كيلر)-معجزة الارادة |