المحبة لاتحسد1كو13:4ماهو الحسد
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
الحسد بمعناه اللغوي هو تمني زوال النعمة أو الخير عن المحسود,وتحول هذه النعمة والخير إلي الحاسد.
وبهذا المعني يكون الحسد خطية مزدوجة:
فتمني زوال النعمة عن المحسود خطية,لأنها ضد المحبة.فالمحبة لاتفرح بالإثم,بل تفرح بالحق 1كو13:16.
والكتاب يقوللاتفرح بسقطة عدوك.ولا يبتهج قلبك إذا عثرأم24:17..فكم بالأكثر إن كان هذا الذي تتمني له السقوط ليس عدوا,ولم يفعل بك شرا!!
كذلك تمني تحول خيره إلي الحاسد يحمل خطية أخري.فهو شهوة خاطئة..وهو ضد الوصية العاشرةلاتشته شيئا مما لقريبكخر20:17.
والقديس يعقوب الرسول يسمي الحسدالغيرة المرةيع3:14..ويعتبره القديس بولس الرسول منأعمال الجسدغل5:19.والذين يفعلون مثل هذه لايرثون ملكوت اللهغل5:21.
وهناك نوع آخر من الحسد,يحذر منه الكتاب بقوله:
لاتحسد أهل الشر,ولاتشته أن تكون معهمأم24:1.
وهنا يرتبط الحسد بشهوة الخطية.فيحسد الذين يرتكبونها حين لايكون بإمكانه ذلك.وهذا يدل علي عدم وجود نقاوة في القلب.وعلي أن القلب لاتوجد فيه محبة الله...لأن هذه المحبة تقي المؤمن من حسد الأشرار علي شرهم...
المحبة لاتحسد
الذي يحب إنسانا لايمكن أن يحسده...
لأنك إن أحببت إنسانا,تتمني أن تزيد نعمة الله عليه,لا أن تزول النعمة منه.
وإن أحببت إنسانا ,فإنك تفضله علي نفسك,بل تبذل نفسك عنه..وهكذا لايمكن أن تشتهي أن يتحول الخير منه إليك.فالمحبة تبني ولاتهدم...وهكذا فإن الأم التي تحب ابنتها,لايمكن أن تحسدها علي زواج موفق,بل تسعد بسعادتها,وتكون في خدمتها في يوم فرحها,تبذل جهدها أن تكون ابنتها في أجمل صورة وأجمل زينة..وكذلك الأب يفرح بنجاح ابنه,ولايمكن أن يحسده علي نجاحه.
لقد فرح داود الملك أن يجلس ابنه علي كرسيه في حياته.
بل هو الذي دبر كل ذلك وأمر به.ولما جلس سليمان علي كرسي المملكة ,قال داودمبارك الرب إله إسرائيل الذي أعطاني اليوم من يجلس علي كرسي وعيناي تبصرانأمل1:48وجاء عبيد الملك داود ليباركوا له قائلين فليجعل إلهك اسم سليمان أحسن من اسمك,وكرسيه أعظم من كرسيكأمل1:47وفرح داود بهذا,وسجد علي سريره,وفرح يعقوب بابنه يوسف لما رآه رئيسا في مصر...وباركه وبارك ابنيهتك48:20-22.
ولعل من أروع الأمثلة في المحبة التي لاتحسد موقف القديس يوحنا المعمدان من المسيح.
كان المعمدان هو أعظم كارز في أيامه ..وقد خرجت إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن,واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهممت 3:5-6..ولكن لما بدأ المسيح خدمته,جذب إليه الجميع حتي الذين كانوا مع يوحنا فهل دخل الحسد إلي قلب يوحنا؟!كلا,بل فرح.
فيوحنا كان يحب المسيح..والمحبة لاتحسد.
لذلك قال عباراته الخالدةمن له العروس فهو العريس.وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من أجل صوت العريس.إذن فرحي هذا قد كمل.. ينبغي أن ذاك يزيد,وإني أنا أنقص..الذي يأتي من فوق,هو فوق الجميعيو3:29-31.
كان حبا ممزوجا بالإيمان وبالاتضاع...أما الحسد فنجده خاليا من الحب في كل أحداثه.
الغيرة:
ليست كل غيرة لونا من الحسد الخاطيء.وليست كل غيرة ضد المحبة.فإن الرسول يقول:كل غيرة ضد المحبة.فإن الرسول يقول:
حسنة هي الغيرة في الحسني كل حينغل4:18.
إنها الغيرة التي لاتحسد وإنما تقلد,وتتحمس للخير ..فنحن نسمع عن فضائل القديسين,سواء الذين انتقلوا,أو الذين مازالوا أحياء فنغار منهم غيرة تجعلنا نتمثل بأفعالهم,لا أن نحسدهم,ونتمني زوال النعمة منهم إلينا!!بل نفرح كلما نعرف جديدا من فضائلهم.
إن الذي يحب الفضيلة,لايحسد الفضلاء..
والذي يحب الفضلاء لايحسدهم,بل يقلدهم..
آباء البرية ما كانوا يحسدون بعضهم بعضا في حياة الروح.بل كان ارتفاع الواحد منهم في الطريق الروحي.يشجع الآخرين ويقويهم وكانوا يمجدون الله بسببه...وتملكهم الغيرة المقدسة فيفعلون مثلما يفعل,ويطلبون صلواته عنهم وبركته لهم.
وهكذا كان الحال في العصر الرسولي,وفي كل عصور الاستشهاد.كانت هناك غيرة,ولم يكن هناك حسد,لأن الناس كانوا يحبون الملكوت,ويحبون كل العاملين فيه..لايحسدونهم,بل يطوبونهم.
هل الحسد يضر؟
أولا:الحسد يضر الحاسد وليس المحسود:
الحاسد تتعبه الغيرة,يتعبه الشعور بالنقص..يتعبه منظر المحسود في مجد..تتعبه مشاعره..وكما قال الشاعر:
أصبر علي كيد الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها أن لم تجد ما تأكله
وكذلك فإن الحاسد يتعبه تفكيره وسعيه في الإضرار بالمحسود.وقد لايفلح في ذلك,ويزداد المحسود ارتفاعا ,فيزداد هو غيظا..إن القلب الخالي من المحبة,لابد أن يتعب.
وقد يسعي الحاسد إلي التحرش بالمحسود وإهانته فيقابله المحسود برقة ولطف..فتتعبه رقته ولطفه,ويتعبه فشله في إثارته.فتزداد فيه النار اشتعالا!
ثانيا:إن الحسد في حد ذاته لايضر..ولكن المؤامرات التي يدبرها الحاسدون قد تضر أحيانا.
إخوة يوسف الصديق حسدوه علي محبة أبيه له,وحسدوه علي أحلامه,فلم يضره حسدهم بشيء..ولكن جاء دور المؤامرات التي تضر.وهنا يقول الكتاب إنهماحتالوا ليميتوهتك37:18
وهكذا خلعوا عنه قميصه الملون,وألقوه في بئر وانتهي الأمر ببيعه عبدا للإسماعيليين,ومرت عليه تجارب عديدة,وهنا أقول:
متاعب يوسف لم تأت عن ضربة عين من حسد إخوته.
كانوا معه في البيت كل يوم,كإخوة في أسرة واحدة.وكانت عيونهم الحاسدة موجهة إليه ليل نهار,ولم تضره..أو علي الأقل كانت عيونهم الحاسدة مركزة في قميصه الملون.ولم يتمزق القميص من نظراتهم,وبقي كما هو حتي حينما أخلعوه أيضا,المشكلة إذن كانت في التآمر,وليست في نظرات الحسد,ولا في مشاعر الحسد الناتجة عن عدم المحبة..
قورح وداثان وأبيرام حسدوا موسي وهارون علي كهنوتهما..وما أصابت موسي ولا هارون عين واحد منهم..
كل ما في الأمر أنهم أقاموا ضجيجا واحتجاجا وتمردوا..ولم يفدهم ذلك بشيء.بل انتهي الأمر إلي أن الله تبارك اسمه أمر الأرض فانشقت,وفتحت فاها وابتلعتهم مع كل ما كان لهمعد16:31-33
كهنة اليهود ورؤساؤهم حسدوا المسيح,فتآمروا ضده..
اتهموه اتهامات كثيرة,حاكموه في مجمعهم,أتوا بشهود زور لم تتفق أقوالهم..هيجوا عليه الشعب قدموه إلي السلطة الرومانية كفاعل إثم,فلم يجد فيه الوالي الروماني علة للموت..أصروا علي صلبه وصاحوا وضجوا,وكان لهم ما أرادوا فصلبوه...كل هذه هي مؤامرات الحاسدين,وكل شر الحسد في مؤامراته..وسبب الحسد هو الأنانية وعدم الحب.
الحسد هو مشاعر قلب,وليس ضربة عين ونحن حينما نطلب من الله في صلاة الشكر وفي غيرها أن ينزع عنا الحسد..لانطلب مطلقا أن يبعد عنا ضربة العين,إنما مؤامرات الحاسدين..وأيضا أن لايكون فينا حسد نحو غيرنا.
حسد الشياطين:
أول الحاسدين كان الشيطان,حسد الإنسان الأول علي نقاوته,بينما فقد هو تلك النقاوة..وحسده لعلاقته الطيبة مع الله,بينما خسر هو تلك العلاقة.وحسده لأنه خلق علي صورة الله ومثاله..وحسده علي تمتعه بالبركة والسلطة في جنة عدن..فأراد أن يفقده كل هذا..ماذا فعل إذن؟خدعه وكذب عليه وأغراه,وأسقطه في الخطية,فتعرض لحكم الموت.وهكذا نقول في القداس الإلهيوالموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس,هدمته.
كانت إذن مؤامرة من الشيطان وخدعة,ولم تكن ضربة عين.
الشيطان لايحب الناس ولايحب الخير للناس,لذلك يحسد,فليست في قلبه المحبة التي لاتحسد,بل تتركز في قلبه العداوة والكراهية ,وبالتالي الحسد ..وفي الحسد يحب أن يضر,يحب أن النعمة تزول من المحسود,علي الرغم من أن هذه النعمة سوف لاتتحول إليه..ولكنها مجرد الكراهية التي تجعله يفرح بسقوط البشر.
وقد حسد أيوب الصديق ولم يستطع أن يضره إلا بعد أن أخذ سماحا من اللهأي2,1.
وحتي ذلك السماح كان في حدود لا يتعداها,في الحدود التي كان الله يعرف. أن أيوب البار سوف يحتملها وانتهي الأمر بأن رفع الرب وجه أيوب,وعوضه الخير الذي فقد منه مضاعفا ولم تفلح مؤامرة الشيطان..وكان الله ضابط الكل ممسكا العملية كلها في يمينه,محولا كل شيء إلي الخير,كما فعل مع يوسف الذي حسده إخوته من قبل تك45:8
فإن كان الشيطان بكل جبروت حسده وقوته لايستطيع أن يؤذي ألا بسماح,فهل تظنون أن عيون الحاسدين من البشر الضعفاء تستطيع أن تؤذي؟!.
مهما أوتيت من قوة البصر!!أين إذن ضابط الكل وحمايته؟ومن الذي أعطي أولئك الحاسدين تلك القوة الضارة الجبارة في عيونهم؟هل هو الله؟!وهل الله يمنح أمثال هؤلاء قوة للإضرار,ليست تحت ضبط وتعمل بلا سبب داع لإهلاك الناس؟!.
أمر لايصدقه منطق,ولايسنده الكتاب...
ولو كانت ضربة العين حقيقية إذن لهلك كل أصحاب المواهب والمناصب والتفوق.
الحاصلون علي جائزة نوبل كل عام,أليس لهم حاسدون؟وهؤلاء الحاسدون أليست لهم عيون؟هل تصيبهم ضربة عين,فيفقد العالم أعظم علمائه وأديانه وأبطال السلام فيه!!.
وأبطال الرياضة أصحاب الكئوس الذهبية والميداليات,والمتفوقون في الفن والموسيقي,وملكات الجمال في العالم...أليس لهؤلاء أيضا حاسدون,ولهم أو لأصحابهم عيون.والذين ينجحون في الانتخابات ويتولون المناصب والرياسات,علي كل المستويات وفي كل البلاد أليس لهم أيضا حاسدون؟وأوائل الطلبة في الكليات والجامعات,وأوائل الثانوية العامة,وقد يكون الأول متفوقا بنصف درجة فقط,وكل الذين يعينون في مناصب مرموقة جدا,أليس لهم أيضا حاسدون!هل تصيب كل هؤلاء ضربة عين فيسقطون؟!أم أننا لانكون آمنين ألا من حسد العميان أو ضعاف البصر,الذين ليست لهم عيون تفلق الحجر!!؟إنني لست أوافق مطلقا علي ضربة العين,ولا أدري الحسد إلا مشاعر خاطئة في القلب,قد تعبر عن ذاتها بمؤامرات تحيكها حول المحسودين,ربما تضرهم أو لاتضر.
والسيد المسيح حينما أخفي لاهوته عن الشيطان,لم يكن ذلك خوفا من حسد الشياطين ,حاشا ..بل لئلا يعطل الشيطان قضية الفداء,أو كما قيللأنهم لو عرفوا,لما صلبوا رب المجد1كو2:8كذلك القديسون لم يخفوا فضائلهم خوفا من حسد الشياطين وإنما تواضعوا,فالشيطان كان يعرف فضائلهم.
بلا شك كان الشيطان يعرف أن القديسة مارينا امرأة,لايمكن أن تنجب من امرأة أخري ابنا!!إنما هذه القديسة صبرت علي العار تواضعا منها,وإن كان هناك مجال لحسد الشيطان,فهو أن يحسدها علي تواضعها,الأمر الذي ما كان ممكنا أن تخفيه عنه وبالمثل القديس أبا مقار الكبير كان الشيطان يعرف تماما أنه لم يخطيء إلي تلك الفتاة,فالشيطان هو الذي أغراها علي الزني مع ذلك الشاب,وهو الذي أوعز إليها أن تلصق التهمة بالقديس مقاريوس الذي مثل ذلك تواضعا منه,وليس لذلك دخل بحسد الشياطين..
القديسون كانوا يخفون فضائلهم خوفا من مديح الناس..
|